اختلفت كلمة القوم (أي الصوفية ) في تحديد حد الزهد ورسمه، فمنهم من قال : " الزهد أن تترك الدنيا ثمّ لا تبالي بمن أخذها " (1) .
وقيل : " الزهد هو النظر إلى الدنيا بعين الزوال لتصغر في عينك، فيسهل عليك الإعراض عنها "(2) .
وقيل : " هو ترك الدينار والدرهم "(3) .
وقيل : " ترك ما فيها على مَن فيها "(4) .

* رأي ابن القيم في الزهد :
يعرف ابن القيم الزهد بأنه : سفر القلب من وطن الدنيا، وأخذه في منازل الآخرة .
ومتعلقه ستة أشياء لا يستحق العبد اسم الزهد حتى يزهد فيها وهي : المال، والصور، والرياسة، والناس، والنفس، وكل ما دون الله .
وليس المراد رفضها من الملك فقد كان سليمان وداود عليهما السلام من أزهد أهل زمانهما ولهما من المال والملك والنساء مالهما، وكان نبينا صلى الله عليه وسلم من أزهد البشر على الإطلاق، وله تسع نسوة، وكان علي ابن أبي طالب، وعبد الرحمن ابن عوف والزبير وعثمان رضي الله عنهم من الزهاد، مع أنه كان لهم من الأموال، وكان الحسن بن علي رضي الله عنه من الزهاد، مع أنه كان من أكثر الأمة محبة للنساء ونكاحاً لهن، وأغناهم، وكان عبد الله بن المبارك من الأئمة الزهاد مع مال كثير، وكذلك الليث بن سعد من أئمة الزهاد.
ومن أحسن ما قيل في الزهد، " ليس الزهد في الدنيا بتحريم الحلال ولا إضاعة المال، ولكن أن تكون بما في يد الله أوثق منك بما في يدك، وأن تكون في ثواب المصيبة – إذا أصبت بها – أرغب منك فيها لو لم تصبك "(5) .
وهذا الذي مال إليه ابن القيم في تحديد معنى الزهد يُضاهي قول سفيان الثوري : " الزهد في الدنيا قصر الأمل ليس بأكل الغليظ ولا بلبس العباء "(6) وهذا الأقرب للصواب، فقد كان صلى الله عليه وسلم أزهد الناس وكان يلبس ويأكل ويشرب، فلم يُرِد موجوداً، ولم يتفقد مفقوداً.
المصدر: موقف الإمام ابن القيم من الصوفية للشيخ مصطفى مُراد عضو هيئة التدريس بجامعة الأزهر وأحد علماء الجمعية الشرعية والمدرس بمعهد إعداد الدعاة ص (130 - 131)
____________________________________

(1)، (2) الرسالة القشيرية ص (94)
(3)، (4) الرسالة القشيرية ص (95)
(5) مدارج السالكين جـ2 ص (13)
(6) الرسالة القشيرية ص (94)