الديث الحادى عشر دع ما يـَرِيـبـُك إلى ما لا يـَرِيـبـُك
الحديث الحادي عشر
(
عن أبي محمد الحسن بن على بن أبى طالب -سبط رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- وريحانته- رضي الله تعالى عـنهـما- قـال : حـفـظـت مـن رســول الله
-صلى الله عـليـه وسلم- : ( دع ما يـَرِيـبـُك إلى ما لا يـَرِيـبـُك ). [رواه الترمذي والنسائي، وقال الترمذي : حديث حسن صحيح] ).
هذا
الحديث قال عنه الإمام الترمذي : رواه أصحاب السنن، يعني : الترمذي،
والنسائي، وابن ماجه، وغيرهم، والإمام أحمد، وقال الترمذي : حديث حسن صحيح،
فالحديث صحيح .
وفى رواية للإمام أحمد والترمذي أنه زاد في هذه الرواية ( إن الصدق طمأنينة والكذب ريبة).
قال المصنف : ( عن أبي محمد الحسن بن على بن أبى طالب -سبط رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وريحانته- رضي الله تعالى عـنهـما )
الحسن بن علي والحسين أخوه سيدا شباب أهل الجنة، - رضي الله عنهم
وأرضاهم-، ابنا بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبناء فاطمة بنت محمد
- رضي الله عنها- وعليه الصلاة والسلام-، ورضي عنهم :عن الحسن، والحسين .
ولذلك
قال سبط رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والسبط : هو ابن البنت،
وريحانته ما معناها ؟ يعني القريب الذي يرتاح إليه، الذي يشم منه الرائحة
الطيبة الذي يحبه وهكذا.
فالحسن والحسين محبوبان للنبي - صلى الله عليه وسلم - ورضي عنهما قال : ( حفظت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) .
حفظت
-ننظر للتعبير- حفظ من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والحفظ : هو باب
من أبواب التعليم، حفظ القرآن حفظ السنة، حفظ ما يحتاج إليه من الشعر، ونحو
ذلك باب من أبواب التعليم، لذلك استثمر الحسن - رضي الله عنه - هذا القول
فقال : حفظت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ). دع : اترك، وما يريبك : ما تشك فيه إلى ما لا تشك فيه .
هذا
الحديث أعطانا قاعدة عظيمة : وهي التعامل في حياتنا سواء مع الأشياء، أو
التعامل في الحلال والحرام، أو التعامل في الأقوال والأعمال، أن نتعامل
بوضوح، أن أتعامل بما اتضح لدي، أتعامل بما صح لدي، أترك ما فيه شك.
وهذا
التعامل أعطى قاعدة أخرى أيضاً وهي قاعدة في الورع، أن الورع ترك ما شك
فيه إلى ما لا شك فيه، فأنا أذهب إلى العمل بالواضح هذا هو الورع فمثلاً في
أمور الأموال عندي معاملتان :
المعاملة الأولى : حلال مائة في المائة بيع وشراء .
والمعاملة الثانية :
فيه شبهة أذهب إلى ماذا ؟ إلى الواضح، إلى ما كان حلالاً صرفاً؛ فأرتاح
وأطمئن، وهذا هو الورع، ليس الورع -وهذه نقطة أخرى مهمة- في أن أترك الحلال
من اللباس، من الأكل، من الشرب، من المباحات، ليس هذا هو الورع، الورع :
ترك ما فيه شبهة، ترك ما فيه شك، أما إن الله يعطيني من رزقه، يعطيني من
حكمه، يعطيني من العلم، فأتركه وأترك الحلال المباح، وأقول : هذا ورع هذا
خلاف مفهوم الورع الصحيح .
إذاً القاعدة الأولى : العمل بالواضح تماماً بما ل شك فيه .
القاعدة الثانية :
ليس الورع ما كان حلالاً فأتركه، وأذهب إلى أن ألبس الشيء الرديء، أن
أتعامل بالرديء، أن آخذ كل شيء من الرديء، هذا ليس ورعاً هذا بخل، هذا بخل،
وبعد عما أحل الله - سبحانه وتعالى -.
القاعدة الثالثة :
وهي قاعدة مهمة سواء كانت في المال أو في غيره، وفى العبادات بالدرجة
الأولى وهي : إذا تعارض الشك واليقين، فأذهب إلى ماذا ؟ اليقين، أذهب إلى
اليقين .
ولذلك
استنبط من القاعدة أن اليقين لا يزول بالشك، فمثلاً إنسان يصلي الآن، وفى
أثناء الصلاة شك، هل صلى ركعتين، أو صلى ثلاث ركعات، ماذا يعمل ؟ يعمل
باليقين صلى ركعتين.
إنسان يطوف الآن حول الكعبة وفى الشوط الخامس شك، هل هذا الشوط الخامس أو الرابع يعمل بماذا ؟ يعمل باليقين وهو الأقل "أربعة" .
إنسان يرمي الجمرات فشك في هذه الحصاة، هل الجمرة الرابعة أو الجمرة الخامسة؟ فيبني على ماذا؟ الرابعة يبني باليقين .
إنسان
الآن في الصلاة وشك أنه محدث هل هو محدث أو لا؟ فيبني على ماذا ؟ على
اليقين وهو الطهارة، لكن هو في الأصل على غير طهارة وشك هل هو توضأ أولا
يعمل بماذا ؟ يعمل بالأصل وهو على غير طهارة.
إذاً هذه قاعدة عظيمة خصوصاً في العبادات، وهي من أهم العوامل لإبعاد الوسواس الذي يشتكي منه كثير من الناس.
العامل
الثاني : إذا كان الشك خارج العبادة : بعد العبادة ننتبه جيداً، إذا كان
الشك خارج العبادة يعني : بعد العبادة، أنا الآن صليت الظهر، وذهبت للبيت
أنا شككت هل صليت ثلاثة أو أربع، ماذا أعمل ؟ إذاً انتهت الصلاة لا أفكر
فيها هي أربع، وتمت والحمد لله؛ ولذا تجد كثير من الناس يقول : أنا لما
حججت فرضي قبل عشر سنين نسيت هل رميت خمس أو أربع، انتهت العبادة. أنت الآن
تطوف انتهى الطواف ذهب إلى السعي شككت طفت ست أو سبع انتهى سبع. وهذا
العامل الثاني لعلاج الوسواس إذا انتهت العبادة انتهت ورفعت إلى الله -
سبحانه وتعالى - ونسأل الله القبول .
هذا
الحديث من نتائجه إذا عمل المسلم بهذه القواعد الثلاث التي ذكرناها -وهي :
العمل بالواضح، قاعدة الورع، قاعدة تعارض اليقين مع الشك-؛ ارتاحت نفسيته،
وسلم دينه، وسلمت معاملاته، وحينئذ يربي نفسه .
إذا الفائدة الثانية :
يربي نفسه على الحزم، والقوة، والتعامل معها بحزم وقوة، ويبعد مرض الشك،
مرض الوسواس، مرض التردد الذي نشتكي منه كثيرا في حياتنا اليومية وحياتنا
العبادية، فيتعامل مع نفسه بهذا الحزم والله - سبحانه وتعالى - يعفو عن
الخطأ والزلل لو واقعاً خطأ أو زلل.
ننتهي من هذا الحديث للحديث الثالث، ونرجيء الأسئلة جملة واحدة.