الحثّ على النِّكاح والتّحذير من منكرات الأفراح
الحثّ على النِّكاح والتّحذير من منكرات الأفراح
عبد الرزاق بن عبد المحسن العباد
في النّكاح
عموماً بقاء النّوع الإنساني وعمارة الأرض، وفي نكاح المسلمين تكثير الأمة
الإسلامية وقوتها واكتفاؤها بنفسها، وفي النكاح تحقيق مباهاة النبي - صلى
الله عليه وسلم - حيث يباهي الأنبياء بأمّته يوم القيامة، وفي النّكاح
تكوين الأسر وتقريب بعضهم من بعض وقوّة الرّوابط والصِّلات بينهم، وفي
النِّكاح قيام بحقوق الزّوجيّة يؤجر به كلّ من الزوجين إذا قاما به لله -
عز وجل -، وفي النّكاح حصول الأولاد والأجر بتربيتهم والقيام عليهم،
فالنكاح صلاح للأمّة كلِّها للفرد والجماعة للرّجال والنساء في الدّين
والدنيا وفي الحاضر والمستقبل.
ولكن من المشكلات العويصة
المتعلقة بالزواج ما يقع لدى بعض أولياء الأمور، من تزويد في المهر
ومغالاة فيها مما سبّب تأخيراً لدى كثير من الشباب عن الزواج ومما سبب
كذلك في ذهاب البركة في كثير من الأنكحة، وقد جاء في الحديث الصحيح عن
النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((أعظمهن بركة أيسرهن مَؤُنَة)).
فلنتق الله في نسائنا
ومحارمنا وشبابنا ولنتعامل في ضوء هدي النّبيِّ الكريم وسنته صلوات الله
وسلامه عليه، فإنه لا يدل الأمة إلا لكل خير ولا ينهاهم إلا عن كل شر.
هذا وقد مضت السنة وفعل
الأخيار من سلف الأمة بإعلان النّكاح والوليمة فيه وإظهار الفرح به، ففي
الصّحيحين من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - أنه قال: " ما أولـم رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - على شيء من نسائه ما أولـم على زينب أولم
بشاه".
وفي البخاريّ عن عائشة
أَنَّهَا زَفَّتِ امْرَأَةً إِلَى رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالَ
نَبِىُّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((يَا عَائِشَةُ مَا كَانَ
مَعَكُمْ لَهْوٌ فَإِنَّ الأَنْصَارَ يُعْجِبُهُمُ اللَّهْوُ)).
وقد اتفقت كلمةُ العلماء
أنَّ المقصود بالإطعام ما لم يكن ذا بَذَخ ومباهاة وما كان بعيداً عن
الإسراف والتبذير، فإنَّ ذلك مما نهى الله عباده عنه وحذّرهم منه، وبيّن
العلماء النّاصحون أنّ المقصود باللّهو في الحديث ما كان بعيداً عن الغناء
الفاحش بالكلمات البذيئة المصحوبة بالمعازف وآلات اللهو المحرمة، واستثنى
الشّارع الدُّفَ عند إعلان النكاح.
وكم يسعَدُ المؤمن بكثرة
حفلات الزّواج لما فيه من مصالح عظيمة للأمّة بأسرها خاصة في هذا الزّمان
الذي عظمت فيه الفتن وتزايدت فيه أسباب الفواحش وطرائق الشّهوات ولكن في
الوقت نفسه كم يحزَنُ الغيورون بسبب ما يقع في بعض هذه الحفلات من معاص
ومنكرات لا تتفق مع ما جاء به الشرع الحنيف والدِّين القويم، ومن ذا الذي
يفرح بالمعاصي ويسعَدُ بالمنكرات وهو يعلم أنها سببٌ في عدم التوفيق وطريق
إلى إماتة القلوب.
وإنّ من منكرات الأفراح
أنْ تُجعل ميداناً للتّفاخر والمباهاة فيكلِّفُ الإنسانُ نفسَه ما لا يطيق
ويَتّبع طرائق لا قبل له بها فيكون بذلك الإسراف المذموم، وفاعل ذلك معرض
نفسه لعدم محبة الله لقول الله - تعالى -: ( وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ
لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) [الأعراف31].
فهل يرضى المؤمن أن يفعل
شيئا لا يحبه الله من أجله، وهل يرضى أن يقع في ما نهاه الله عنه، وهل
يرضى أن يخرج بعمله عن طريق عباد الرحمن (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا
لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً)
[الفرقان76] مع ما في هذا الإسراف من امتهان للنّعمة وإضاعة للمال وإهدار
للأوقات.
ومن منكرات الأفراح ما
يقع في بعضها من إدخال العريس على النساء بحجّة أنه تقليد وعرفٌ مُتَّبع،
وفي الحديث يقول - صلى الله عليه وسلم -: ((إيَّاكم والدخولَ على
النّساء)) فهل يترك هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - وأمره ليجامل النّاس
في واقع يعيشه أو هوى يتّبعه أو عرف يزعم أنه لا يستطيع الانفكاكَ عنه.
إنّ إدخال العريس على
مجمع النّساء منكر عظيم يجب اجتنابه والتحذير منه كما يجب اجتناب ما يصاحب
ذلك في بعض الأفراح من التقاط الصّور التّذكارية للقاء الزّوج والزّوجة
في أبهى حلّتها وأحسن زينتها، وسبحان الله! كيف بلغ الأمر بهؤلاء إلى هذا
التدهور والتّهور ومن الذي يرضى أن يلتقط لمحارمه الصور وهنّ في أبهى حلة
وأجمل زينة لتكون تلك الصُّور بعد ذلك بأيدي الناس يعرضونها ـ ولا سيما
ضعاف النّفوس ـ على من شاءوا ويتمتّعون بالنظر إلى الجميل منها متى شاءوا
وذمّ غير الجميل! وهل يرضى غَيور أن تكون صورة ابنته أو أخته أو زوجته
بأيدي الناس؟! وهل يرضى غيور أن تكون صورته في أوّل لقاء بينه وبين زوجته
معروضة يتداولها الناس بينهم؟!، إنّ هذا مما تنكره الفطر السليمة وتأباه
العقول المستقيمة وتَمُجُّه النفوس السوية.
وإنّ من الأمور المنكرة
في بعض حفلات الزّواج تأخير الطّعام ولا سيما طعام النساء حتى ساعة متأخرة
من الليل ليكون ذلك سبباً ولو من غير قصد في عجز كثير من الرِّجال عن
القيام بإيصال محارمهم من النّساء، فتبقى النساءُ خارج مقرِّ الحفل في وقت
متأخِّر من الليل يبحثن عمن يقوم بإيصالهن وفي ذلك من المحاذير والأضرار
ما لا يخفى، بل كم وجدتْ بعضُ المؤمنات العفيفات بسبب ذلك من أنواع الأذى
من مرضى القلوب وضعاف النفوس والله المستعان.
والواجب الشرعي يحتِّم
على ولي المرأة أن يعيدها معه حال عودته أو يعود إليها وقت خروجها وهذا
نوع من الحلّ وإلا فالشّرع أصلاً لا يسوّغ مثل هذا السَّهر المحرم لما فيه
من مفاسد وأضرار.
ثم إنّ المقام هنا مقام
تذكير وليس مقامَ حصر وتفصيل وإلا فكم من المنكرات التي يجب النهي عنها
والتحذير منها، كلجوء كثير من النساء عند الأفراح وغيرها إلى الزينة
المحرمة الممنوعة شرعاً، كالنّمص والوشر والوشم والتشبه بالكافرات في قص
الشعر وغير ذلك من كبائر الذنوب التي لعن النبي - صلى الله عليه وسلم - من
فعلها.
وما أجملَ أن تكون
أفراحُنا في الدّنيا متفقةً مع الشّرع لتكون ممهّدة لأفراحنا في الآخرة
يوم نلقى الرّبَّ - عز وجل -، يوم يلقى المؤمنون المتّقون ربَّهم فيجازيهم
أحسن الجزاء على صبرهم على طاعته وبعدهم عن معصيته وامتثالهم أوامره