نزول البلايا بين المؤمن وغيره
نزول البلايا بين المؤمن وغيره
محمد بن إبراهيم الحمد
نزول البلايا والمصائب لا يختص به أحد دون أحد؛ فقد تنزل بالبر والفاجر، والمسلم والكافر.
ولكنْ فرقٌ بين نزولها
على البر المؤمن، وبين نزولها على الفاجر أو الكافر؛ فالمؤمن البر
يستقبلها برضا وسرور؛ فترتفع بها درجاته في الدنيا والآخرة.
وكلما زيد في بلاء المؤمن فصبر واحتسب ورضي أعانه الله، ولطف به، وأنزل عليه من السكينة والرضا، واليقين، والقوة ما لا يخطر ببال.
أما الفاجر والكافر، فيستقبلها بهلع، وجزع، فتزداد مصائبه، وتكون من عاجل العقوبة له.
فأين أحوال أولئك العصاة مِنْ أحوال مَن اعتصموا بالله، وهُدوا إلى صراطه المستقيم؟
فهذا عمر بن
عبدالعزيز- رحمه الله - يقول: "أصبحت ومالي سرور إلا في مواضع القضاء
والقدر؛ إن تكن السراء فعندي الشكر، وإن تكن الضراء فعندي الصبر".
وهذا شيخ الإسلام ابن
تيمية - رحمه الله - يقول لما أودع غياهب السجن: "ما يصنع بي أعدائي؟ أنا
جنتي وبستاني في صدري، أين رحت فهي معي لا تفارقني؛ أنا حبسي خلوة، وقتلي
شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة".
ويقول –رحمه الله-: "إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة".
ويقول - رحمه الله -: "الإنسان في الدنيا يجد في قلبه بذكر الله، وذكر محامده، وآلائه وعبادته من اللذة ما لا يجده بشيء آخر".
وقال ابن القيم
متحدثاً عن شيخه ابن تيمية - رحمهما الله -: "وكان يقول في محبسه في
القلعة: لو بذلت ملء هذه القلعة ذهباً ما عدل عندي شكر هذه النعمة، أو
قال: ما جزيتهم على ما تسببوا إليّ فيه من الخير ونحو هذا. وكان يقول في
سجوده وهو محبوس: اللهم أعني على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك، ما شاء الله.
وقال لي مرة: المحبوس من حُبس قلبه عن ربه -تعالى- والمأسور من أسره هواه.
ولما دخل القلعة، وصار
داخل سورها نظر إليه، وقال: (فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ
بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ)
[الحديد: 31]...".
ويواصل ابن القيم
حديثه عن ابن تيمية فيقول: "وعلم الله ما رأيت أحداً أطيب عيشاً منه قط،
مع ما كان فيه من ضيق العيش، وخلاف الرفاهية والنعيم، بل ضدها، ومع ما كان
فيه من الحبس، والتهديد، والإرهاق، وهو مع ذلك من أطيب الناس عيشاً،
وأشرحهم صدراً، وأقواهم قلباً، وأسرِّهم نفساً، تلوح نضرة النعيم على
وجهه.
وكنا إذا اشتد بنا
الخوف، وساءت منا الظنون، وضاقت بنا الأرض أتيناه، فما هو إلا أن نراه،
ونسمع كلامه، فيذهب ذلك كله، وينقلب انشراحاً، وقوة، ويقيناً، وطمأنينة؛
فسبحان من أشهد عباده جنته قبل لقائه، وفتح لهم أبوابها في دار العمل،
فآتاهم من روحها، ونسيمها، وطيبها ما استفرغ قواهم لطلبها، والمسابقة
إليها"