وإنه لحب الخير لشديد
وإنه لحب الخير لشديد
زياد أبو رجائي
إن
تحقيق المعنى : وإنه لشديد المحبة للمال. والثاني: وإنه لحريص بخيل؛ من
محبة المال. وكلاهما صحيح كما اختاره الإمام ابن كثير في تفسيره ، وإنه من
أجل حب الخير لشديد : لبخيل ، يقال للبخيل : شديد ومتشدد . والمعنى : إن
في خُلق الإِنسان الشُّحّ لأجل حبه المال ، أي الازدياد منه .{ وتحبون
المال حباً جماً }.
والام للتعليل ، والخير هنا بمعنى : المال ؛ اتفاقا ، قال عطاء : الخير
فيما نرى المال [1] ، استدلالا بقوله تعالى : { كُتِبَ عَلَيْكُمْ
إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ
لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى
الْمُتَّقِينَ البقرة : 180 } ؛ والخير ههنا المال لا خلاف بين أهل العلم
في ذلك . هذا الخير قد يعرض له ما يجعله شرا إذا أسرف فيه ومنع من حقه
[2] . وقد جاء في مواضع من القران ذكر الخير بمعنى المال [3] وقال
عكرمة : أن الخير حيث وقع في القرآن هو المال وخصه بعضهم بالمال الكثير،
وقوله صلى الله عليه وسلم : ان الخير لا يأتي الا بخير [4] يعني ان
الخير الحقيقي لا يأتي الا بالخير لكن هذا ليس خيرا حقيقيا لما فيه من
الفتنة والاشتغال عن الإقبال الى الله .
يفهم من هذه الآية أن الانسان بطبعه وفطرته يقدم هذه الشهوة وهي شهوة حب
المال على عبادة ربه { وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً الفجر : 20 }
، وكل هذا لأنه قصر نظره على هذه الدار، وغفل عن الآخرة ، لذا قال الله
تعالى : {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ
وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ آل عمران : 92
}، ولذلك ذكّر الله الانسان بيوم الحساب ! وهي عقيدة البعث في العقاب
والثواب .
وفتنة المال هي من الفتن التي حذر رسول الله هذه الأمة : " إن لكل أمة
فتنة و إن فتنة أمتي المال " [5] ، أراد بالفتنة الضلال والمعصية ، أي
الالتهاء به لأنه يشغل البال عن القيام بالطاعة وينسي الآخرة قال سبحانه
وتعالى : { وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ
فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ الأنفال : 28 }
وفيه أن المال فتنة وبه تمسك من فضل الفقر على الغنى قالوا : فلو لم يكن
الغنى بالمال إلا أنه فتنة ، فقل من سلم من اصابتها له وتأثيرها في دينه
لكفى
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا
أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ
هُمُ الْخَاسِرُونَ المنافقون : 9 }
وقال رسول الله e : وإن هذا المال خضرة حلوة فنعم صاحب المسلم ما أعطى
منه المسكين واليتيم وابن السبيل أو كما قال النبي e وإنه من يأخذه بغير
حقه كالذي يأكل ولا يشبع ويكون شهيدا عليه يوم القيامة [6] ، وقال e :
إنما أخشى عليكم من بعدي ما يفتح عليكم من بركات الأرض [7] ؛وفي
رواية : زهرة الدنيا وزينتها [8] أي : نعيمها
اللام للتعليل وقيل للتعدية بمعنى أنه لقوي مطيق لحب المال ، وقد سمى الله
تعالى المال خيرا وعسى أن يكون خبيثا وحراما ولكن الناس يعدونه خيرا
فسماه الله خيرا وكان مقتضى الكلام وإنه لشديد الحب للخير ولكن أخر الشديد
لرعاية الفواصل في نهايات الآيات .
[1] سنن البيهقي 21396
[2] يجب على من حصل بيده مال عن طريق محرم كالربا أن يبادر بالتخلص منه
على الفور ؛؛ لأنه من جملة المال المكتسب عن طريق غير شرعي.وأصول الأدلة
من الكتاب والسنة في ذلك متوافرة، وقد جاء عن السلف في ذلك جملة من
الآثار، منها: ما ورد عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ رَجُلٍ
يُصِيبُ الْمَالَ الْحَرَامَ ، قَالَ: إنْ سَرَّهُ أَنْ يَتَبَرَّأَ
مِنْهُ فَليَخْرُجْ مِنْهُ.
وأما المقدار المخرج من المال فله حالتان:
الأولى:إذا علم مقدار المال على وجه التحديد؛ فيخرجه كما هو.
الثانية:إن لم يعلم مقداره واختلط بغيره من الأموال، فإنه يجتهد ويخرج ما أمكنه
وجواز التصرف بهذا المال على قولين : القول الأول: إنه يتصرف فيه وفق
المصارف الشرعية.وهو رأي جمهور العلماء من الحنفية، والمالكية والشافعية
والحنابلة . مجموع فتاوى ابن تيمية 28/401
والمقصود بمصالح المسلمين: ما يستفيد منه عموم المسلمين ولا يختص بفرد من
أفرادهم من بناء القناطر والسدود وإصلاح الشوارع إلى غير ذلك. ، وهو رأي
لشيخ الإسلام ابن تيمية بدائع الصنائع 7/154-155 ، القول الثاني: مصرف
صدقة التطوع عموماً. ؛ وهي أشمل من كلمة مصالح المسلمين: فتشمل المصالح
وإعطاء الفقراء وبناء المساجد؛ لأن هذه الأشياء من مصارف الصدقة.وهو قول
الحنفيةحاشية ابن عابدين 3/223. والمالكية الجامع لأحكام القرآن للقرطبي
3/366. وهو قول الإمام أحمدالفتاوى الكبرى 5/421، وعليه رأي الحنابلة
الفتاوى الكبرى 4/210-213
القول الثالث: مصالح المسلمين والفقراء إلا المساجد.وهو رأي اللجنة الدائمة للإفتاء في السعودية مجموع فتاوى اللجنة الدائمة 13/354.
[3] كذلك قوله عز وجل حاكيا عن سليمان عليه السلام اني احببت حب الخير ص :32
وكذلك قوله حاكيا عن شعيب عليه السلام اني اراكم بخير هود: 84 ، ونقل
عنكثير من أهل العلم أن الخير هو : المال ؛ قال بن جريج قلت لعطاء ارايت
ان لم اعلم عنده مالا وهو رجل صدق قال ما احسب خيرا الا المال ، وقاله
مجاهد ، وقال عمرو بن دينار هو كل ذلك المال والصلاح ، وقال طاوس المال
والامانة ، وقال الحسن واخوه سعيد والضحاك وابو رزين وزيد بن اسلم وعبد
الكريم الخير المال .
[4] جزء من حديث متفق عليه.
[5] السلسة الصحيحة 592
[6] صحيح البخاري 1372
[7] صحيح البخاري
[8] صحيح مسلم