Wessamعضو مشارك
المهنة :
الجنس :
العمر : 34
تاريخ التسجيل : 16/08/2009
عدد المساهمات : 640
| #1موضوع: رمضان وتربية النفس. الأحد يوليو 24, 2011 6:34 pm | |
| رمضان وتربية النفس. [size=16]د.ياسر برهامي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالله -تعالى- خلق عباده فقراء محتاجين، وجعل فقرهم وحاجتهم إلى ما به قيامهم وحياتهم أمراً لا يختلف عليه اثنان من الحاجة إلى الطعام والشراب والشهوة والتفاهم مع الغير وتحصيل المنافع بالمال، فجعل الله -تعالى- في الإنسان رغبات لتحصيل هذه الحاجات وميلاً لها، لأنه لا يستطيع أن يحيا بغير هذه الأمور، ولكن ليست هي الغاية من وجوده، بل هي مسخرة له، وقد صارت هذه الشهوات سبباً لهلاك أكثر البشرية عندما صاروا يخدمونها، وصار أكثرهم يعيش ليأكل وليشرب وليتناسل وليتكاثر وليجمع الأموال ويولد له الأولاد؛ فلذلك شقيت القلوب وطغت النفوس.
والحقيقة أن الذي له غاية أخرى يعلم أن هذه الأشياء هي الوسيلة التي يتوصل بها إلى الغاية، فلا يحتاج إلى أكثر من كفايته في هذه الدنيا، ويستغني عن الزيادات التي هي في الحقيقة شغل شاغل عن تحصيل غايته المطلوبة، ولكن أكثر الناس عاشوا في هذه الدنيا بلا تفكير: لماذا خلقنا؟ وإلى أين يذهب بنا؟ وما الغاية المقصودة من وجودنا؟ وماذا يريد منا خالقنا؟ لم يفكروا في ذلك، بل وجدوا أنفسهم يجوعون فقالوا: نأكل، وجدوا أنفسهم يشتهون النساء فقالوا: نتناكح سواء كان بالزواج أو بالزنى أو بالفواحش، وجدوا أنفسهم يرغبون في المال فقالوا: نأخذه سواء بالحلال أو بالحرام، عند ذلك طغت النفوس وفسدت، وعاش الناس لأجل هذه الشهوات، فشقوا في الحقيقة وتعسوا.
والله -تعالى- أرحم الراحمين، شرع لهم أكمل الشرائع التي تهذب نفوسهم وتصلح قلوبهم، وتجعلهم يتذكرون حقيقة هذه الرغبات، وأنها جعلت فيهم لكي تكون معينة لهم على الوصول إلى الغايات المطلوبة، وشرع لهم الله -تعالى- ترك الفضول من كل هذه الشهوات حتى لا يشغل الإنسان نفسه بغير حاجته وقدر كفايته، ولو أن الناس رغبوا في ذلك لما شقوا في دنياهم، ولما تنافسوا عليها، واهتموا باكتنازها، هل يأكل الغني الذي جمع الملايين أكثر من ملء معدته؟ ولو زاد لكان ذلك تخمة مضرة عليه، وكذلك في الملابس وفي الأموال وفي كل الشهوات.
ولذلك نقول إن الله -تعالى- شرع لنا أكمل الشرائع التي تجعلنا نتحكم في شهواتنا، ونوجهها لا هي التي توجهنا، فكان شهر رمضان جامعًا لكل خصال الخير في تهذيب النفس، وأصل ذلك الصيام، وقد ذكر أهل العلم في مسالك التهذيب أنه لابد أن يتخلص الإنسان من فضول الطعام والشراب وفضول الكلام والخلطة ومن فضول المال ومن فضول الشهوة الجنسية، ومن فضول المنام، فهذه ستة أشياء انشغال الإنسان بها يجعله يضيع عمره فيما لا فائدة فيه.
وفي رمضان شرع الله لنا أن نتحكم في كل هذه الشهوات، فأنت لست تأكل حين تجوع بل لك وقت محدد تمنع نفسك فيه، وتهذبها وتحكمها، وهذا يجعلها طيعة منقادة لأمر الله-تعالى-؛ ولهذا يسهل على الإنسان في رمضان –وعمومًا أثناء الصيام- من العبادات والطاعات ما لا يقدر عليه في غيره، ييسر الله له غض بصره، وكف أذنه، وحبس لسانه، ييسر الله له القيام كما يسر له الصيام، شأن عجيب حقاً، لأن النفس تريد أن تنال رغباتها والعاقل يريد أن يحكمها ويكون هو الملك عليها، فإن الناس مع نفوسهم على مراتب، وأحوال القلوب مع النفوس الأمارة بالسوء الراغبة في الشهوات على درجات متفاوتة، فمن الناس من ملك قلبُه نفسَه فصار هو الذي يتحكم فيها ويقهرها، وبعد حين طويل من الحبس الطويل والتحكم فيها أزال ما بها من ضرر، وصار الحبس لها إصلاحاً، وصار منعها من رغباتها تهذيباً، فصارت وزير صدق لذلك الملك، ولابد أن يبدأ الأمر بذلك، ولا يمكن أن تكون النفس الإنسانية من البداية مطيعة منقادة محبة للطاعة كارهة للمعصية، بل بدايتها أمارة بالسوء متكاسلة عن الطاعة مائلة إلى المعصية والشهوة، فذلك القلب الذي غلب النفس يستطيع بعد حين أن يعلمها ويهذبها حتى تمتلئ إيماناً، بدلاً من أنه يرغم نفسه على قيام الليل وصيام النهار والإنفاق، فبعد تهذيبها يجدها هي السباقة إلى هذه الأعمال الصالحات، وقد صارت وزير صدق معاونة للقلب، وعندما يأتيها الوسواس الخناس ويقول لها: انظري إلى هذه الصورة المحرمة، أو اسمعي إلى هذه الأغنية والموسيقى. فتقول: أعوذ بالله. فصارت هذه النفس مطمئنة إلى ذكر الله، وأسعد شيء عندها هو الشوق إلى الله والتعبد والتقرب إليه سبحانه، كما سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- ربه (وأسألك لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة).
وهناك من الناس من هو مع نفسه في صراع وفي معركة، قلبه الذي هو محل العلم والإيمان يغلب أحياناً وينتصر ويصبح هو صاحب الكلمة، وأحياناً تغلبه النفس، فمرة يطيع ومرة يعصي، فهو مع نفسه في صراع دائم يغلبها مرة وتغلبه مرة.
وهناك من الناس غلبتهم نفوسهم، غلبت القلب وأسرته ألقته في السجن، فيظل متحسراً على ما يرى ويعلم، ولا يستطيع إنفاذ هذا الأمر في أرجاء المملكة، القلب الذي هو محل العلم والإيمان أصبح أسيراً في السجن، ولذلك قالوا: المأسور من أسره هواه وحبس قلبه عن الله، وإذا تمكنت الدنيا من قلبه سجنت الإيمان فصار مجرد شيء في القلب لا يستطيع أن يخرج، ولا أن يسيطر على الجوارح، يعلم أن هذه أن هذه الأشياء محرمات وينهى الجوارح عنها ولكن الجوارح لا تطيعه، فالنفس الأمارة بالسوء تأمر وتنهى وتتحكم في المملكة، فتستجيب لها الجوارح، وهذا العبد يرى نفسه ويعلم أنه مقصر ويرتكب منكراً ومعصية، ومع ذلك هو عاجز قد أدمن المعاصي، فهو إذا قلت له: اتق الله، يقول لك: لا أستطيع أن أترك هذه المعصية، ونفسه تغلبه دائماً.
ثم مع طول الحبس ينقلب الحال من أنه كان يقاوم ويعرف الحق من الباطل، وكان -رغم أسره- رافضاً للهزيمة، يصبح بعد ذلك عنده المعروف منكرًا والمنكر معروفًاً، انتكس القلب، فصار كما وصف النبي -صلى الله عليه وسلم- قلب المنافق: «أسود مرباداً كالكوز مجخيًا، لا يعرف معروفًاً، ولا ينكر منكرًا إلا ما أشرب من هواه» [رواه مسلم]، صار لا يرى الحق حقًا ولا الباطل باطلاً، بل انقلب الأمر إلى أن صار ما تأمر به النفس هو الحق، وهذا هو الخطر الحقيقي، لأن الانتكاس ليس بأن يرى الحق حقًاً ولو عجز عنه، فإنه يوشك أن تنهض همته إليه يومًا، ولكن إذا رآه باطلاً، إذا رأى أن الالتزام بالدين هو منكر من المنكرات، وأن القراءة في المصحف وكتب العلم كل ذلك ضرر، فماذا عساه أن يفعل؟ هذا هو الضلال المبين وهذه هي الزندقة. حقًا هذه قلوب قد انتكست فصارت ترى الحق باطلاً والباطل حقاً، ترى الإباحية والتحلل حرية، وترى حكم غير الله ديموقراطية، وترى موالاة الكفار مصلحة ومنفعة، وترى الذل والانكسار لأعداء الله تحقيقًاً للمصلحة، هذه القلوب التي انتكست سببها أنها غلبت أولاً في المعركة التي بين القلب وبين النفس.
فهذه فرصة عظيمة شرعها الله في رمضان لكي نتحكم في نفوسنا، ولو سأل كل واحد نفسه: أين أنت من هذه الطبقات؟ هل أنت ممن تحكم في نفسه الأمارة بالسوء؟ هل وجدت لذة العبادة؟ أم مازلت تكره نفسك عليها؟ أم أنك في الحقيقة إذا قمت ليلة لم تقم عشرًا؟ وإذا صمت يومًا لم تصم شهرًا؟ فهكذا تغلبك نفسك دائماً على ذلك، فلا تنفق شيئاً في مرضاة الله، ولا تتعب بدنك في العمل لله تعلمًا وتعليمًا ودعوة وعبادة لله، وهكذا كل واحد منا بالتأكيد عرف نفسه في أي المراتب هو؟ ومن الغالب في المعركة؟
وأنت مقبل على فرصة عظيمة حتى تنتصر على نفسك، وتتحكم في هذه الشهوات كلها، شرع الله لنا الصيام الذي هو أنفع أنواع التهذيب، أن تمتنع من طلوع الفجر إلى غروب الشمس من الطعام والشراب والشهوة، وأحل الله لنا ذلك فيما بين المغرب إلى طلوع الفجر الصادق، وهذا هو الوسطية المطلوبة التي فقدها الرهبان الذين كانوا على الرهبانية المبتدعة، كما وصف لله -تعالى-: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} [الحديد: من الآية27] حرموا على أنفسهم ما أحل الله، ولذا قال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [المائدة:87]، فالواحد منهم يحرم على نفسه أكل اللحم ونكاح النساء والنوم بالليل أو على الفراش، وهذا كان موجوداً في بعض من غالى في العبادة في أول الإسلام أو في أوائل الصوفية وهؤلاء فقدوا الوسطية، ولذلك نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الوصال، ولما قالوا له: إنك تواصل، قال: «إني لست كهيئتكم، إني يطعمني ربي ويسقين» |
|
المحب للخيرعضو مشارك
المهنة :
الجنس :
علم الدوله :
العمر : 33
تاريخ التسجيل : 03/08/2011
عدد المساهمات : 541
| #2موضوع: رد: رمضان وتربية النفس. الأربعاء أغسطس 03, 2011 12:05 pm | |
| |
|