التواصل العاطفي بين الزوجين
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
التواصل العاطفي بين الزوجين
التواصل العاطفي هو مفتاح السعادة بين الزوجين، فالعلاقة بين الزوجين تبدأ
قوية دافئة مليئة بالمشاعر الطيبة، والأحاسيس الجميلة، وقد تفتر هذه
العلاقة مع مضي الوقت، وتصبح رمادًا لا دفء فيه ولا ضياء. وهذه المشكلة هي
أخطر ما يصيب الحياة الزوجيَّة، ويُحْدِث في صَرْحها تصدُّعات وشروخ، وعلى
الزوجة أن تعطي هذه المشكلة كل اهتمامها لتتغلب عليها، حتى تكون علاقتها
بزوجها علاقة تواصل دائم، وحب متجدد.
وبداية العلاج تكون بمراجعة كل منهما لما عليه من واجبات تجاه الآخر، فلعل
المشكلة قد بدأت من هذه الزاوية، إلا أن الحياة الزوجية لا تقف عند هذا
الحدِّ، فالعلاقة الزوجية هي علاقة إنسانية، وليست علاقة آلية، فالرباط
العاطفي بينهما حبل متين، يشكل ركنًا أساسيّا في الحياة الزوجية.
والعاطفة علاقة متبادلة بين الزوجين، فالزوج يحرص على أن يشعر زوجته بحبه
لها، وعلى الزوجة أن تبادله هذه المشاعر الطيبة، وتعلن له عن حبها إياه
وإخلاصها ووفائها له في كل وقت، وللعاطفة -الصادقة- سحر على حياة الزوجين،
فهي تحول الصعب سهلاً، وتجعل البيت الصغير جنة يسعد فيها الزوجان
والأبناء، ولهذه العاطفة طرق تعرفها جيدًا المرأة الذكية، والكلمة الطيبة
أيسر هذه الطرق.
فالمرأة الحكيمة هي التي تشعر زوجها بحبها له، وتُكْبِرُهُ في نظرها، وأن
تعوِّده من أول أيام زواجها على طيب الكلام، فذلك هو الذي يغذي حياتهما
الزوجية، ويجعلها تثمر خيرًا وسعادة؛ فالحب إحساس وشعور تزكيه الكلمة
الطيبة، والاحترام المتبادل، ومبادلة كلمات الحب والمودة، فلا يمنع حياء
الزوجة من أن تبادل زوجها الكلمات الرقيقة والمشاعر الراقية، وعلى الرجل
أن يشجع زوجته على ذلك؛ بكلماته الرقيقة، وأحاسيسه الصادقة نحوها.. ولتكن
ساحة الحب رحبة بينهما، ففيها يتنافسان؛ أملاً في سعادة حياتهما في
الدنيا، ورجاء في أجر الله في الآخرة.
وفوق كل ذلك فإن الحساسية عند الزوجة قد تفسد هذه العلاقة، فعليها
-إذن- أن تكون هي صاحبة القلب الكبير الذي يتغاضى عن هفوات الزوج، وهي
بهذا المسلك تَكْبُر في عيني زوجها، بل إن ذلك قد يدفعه إلى الحرص على عدم
الوقوع في هذه الهفوات مرة أخرى.
ولتعلم المرأة أنها في زمان عمَّت فيه الفتن وانتشرت، وخلعت النساء فيه
برقع الحياء، وبذلت كل واحدة منهنَّ جهدها في التزين والتحلي.. والرجل قد
تقع عينه على إحداهنَّ فيتمنى أن تكون زوجته أجمل منها، ليشبع حاجته في
الحلال فينال رضا ربه -سبحانه-، ومن هنا كان على الزوجة أن تحرص على أن لا
يراها زوجها إلا في ثياب جميلة نظيفة، واضعة رائحة جميلة طيبة، لتكفي
زوجها حاجته، وتساعده على كمال الاستمتاع بها.
وعجيب شأن بعض النساء في حرصهن على بذل الوسع في التجمل والتزين حال
خروجهنَّ إلى الشوارع والطرقات، ولا يبذلن نصف هذا أو ربعه حال تواجدهن مع
أزواجهن في المنزل.. فليس من الإسلام في شيء أن تتحجب المرأة وتخفي زينتها
أمام زوجها، ثم تسفر عن جمالها أمام كل غاد ورائح خارج البيت.
فعلى المرأة أن تتزين لزوجها قدر استطاعتها، وقد سئل صلى الله عليه وسلم:
أي النساء خير؟ قال: (التي تسره إذا نظر إليها..) [أبو داود وابن ماجه]
وهناك أمور على قدر كبير من الأهمية قد تغفل عنها كثير من الزوجات، ظنًّا
منهن أن الكلام الطيب والعلاقة الحسنة هي السعادة فحسب، لا.. بل هناك
البيت النظيف الهادئ، الذي يحتاج إليه الزوج ليستريح فيه من عناء عمله،
وهناك أيضًا مائدة الطعام المعدة إعدادًا جيدًا، كل هذه الأمور تهم الزوج،
بل إن التقصير فيها يكون مكدرًا من مكدرات الحياة.
ويحسن بالزوجة أن تنظر إلى علاقتها بأهل زوجها إلى أنها علاقة بينها وبين
زوجها، فحسن علاقتها لهم يعني حسن علاقتها به، فهي تحسن ضيافتهم، وترى في
صنيعها هذا قربًا من زوجها.. كما أنها تشجع زوجها على دعوة أصدقائه
وإخوانه على طعام تعده لهم فرحة مسرورة.. وكأن لسان حالها يقول لزوجها:
أنا أحب من تحب، وأبغض من تبغض.
وفوق كل ما سبق؛ على الزوجة أن تكون مُعينة لزوجها على نوائب الدهر، فتقف
إلى جواره، وتخفف عنه متاعب الأيام، ولها في سيرة السلف الصالح قدوة، فعن
أنس قال: اشتكى ابن لأبي طلحة (أي: مرض) فمات، وأبوطلحة خارج البيت، ولم
يعلم بموته، فلما رأت امرأته أنه قد مات، هيَّأتْ شيئًا ونَحَّتْهُ
(أبعدته) في جانب البيت، فلما جاء أبوطلحة، قال: كيف الغلام؟ قالت: هو
أهدأ مما كان، وأرجو أن يكون قد استراح.
فظن أبو طلحة أنه شفي، ثم قربتْ له العشاء، ووطَّأت له الفراش فجامعها،
فلما أصبح اغتسل، فلما أراد أن يخرج أعلمتْه بموت الغلام، فصلى مع النبي
صلى الله عليه وسلم ثم أخبره بما كان منها، فقال النبي صلى الله عليه
وسلم: (لعله أن يبارك الله لكما في ليلتكما). فرزقهما الله ولدًا، وجاء من
ذريته تسعة أولاد، كلهم قَرَءُوا القرآن وحفظوه. [البخاري].
وعلى المرأة أن تداوم على الحديث في أوقات مناسبة مع زوجها، فتتعرف
أحواله، وما تعرَّض له في حياته اليومية، فذلك يقرب المرأة من زوجها،
ويُشعره بقيمته وأهميته. عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم
إذا صلى ركعتي الفجر (يعني: سنة الفجر)، فإذا كنتُ مستيقظة حدثني، وإلا
اضطجع حتى يؤذَّن بالصلاة (أي تقام). _[متفق عليه] .
التفاهم بـين الزوجين:
الله -سبحانه- قد فطر الناس على طبائع مختلفة وأخلاق متباينة، فقد يحب أحد
الزوجين ما لا يحبه الآخر، وقد يكره مالا يكرهه الآخر.. وقد تجد الزوجة
اختلافًا بينها وبين زوجها في طريقة الكلام أو المحادثة، أو اختلافًا
بينهما في طريقة الملبس، أو أنواع الطعام، أو في تنظيم حاجيات المنزل، أو
في مواعيد النوم، بل قد يقع الاختلاف بينهما في كيفية استمتاع كل منهما
بالآخر.
ولا يكون التوافق بين الطباع المختلفة إلا بحب يُلين الزوج للزوجة،
والزوجة للزوج، عندئذ يصل الزوجان إلى قدر التوافق النسبي الذي لا يشعر
معه أي منهما بإهدار شخصيته أو كرامته، فعلى الزوجة أن تصبر على اختلاف
طباع زوجها عن طباعها وكذلك الزوج، فتلك خصال شبَّ عليها كل منهما، وسرعان
ما يتعرف كل منهما على ما يريح الآخر، فيفعله أملاً في إرضاء نصفه الثاني،
وتلك مرحلة على طريق التوافق بينهما.
وعلى المرأة الفطنة أن تعرف ما يناسب زوجها من الثياب، والألوان التي تليق
بملابسه، والزي اللائق به في كل مناسبة؛ مما يحفظ له هيبته ووقاره، وأن
تهتم بطعام زوجها، فتتعرف على أنواع الطعام التي يفضلها، وتحرص على
تقديمها إليه، ولتعلم وقت تناول زوجها لوجباته فلا تتأخر عن موعده، وتقدم
له الطعام بالكيفية التي يحبها، سواء في طريقة إعداده، أوفي شكل تقديمه.
والمسلمة تنتظر زوجها حتى يعود من عمله وإن تأخر، فلا تنام حتى تطمئن على
قدومه، فتحسن استقباله، وتعد له طعامه، وتحادثه فيما يدخل السرور على
قلبه، وتؤنسه حتى يخلد إلى فراشه، وهي تجتهد في الاستيقاظ مبكرًا، وتوقظ
زوجها وأبناءها لصلاة الفجر، لتبدأ بالخير يومها ويومهم، ثم تعد للجميع
طعام الإفطار، وتودع زوجها بشوق وحنان عند خروجه إلى عمله، وتوصيه بتحري
الكسب الحلال.. ثم تقوم بواجبات المنزل وتهيئته ليكون واحة للسكينة
والهدوء والاطمئنان. كل ذلك يهيئ للزوج جوًّا طيبًا، يجعله لا يفر إلى
النوادي والمقاهي وغيرها من الأماكن التي يكثر فيها الفساد.. الأمر الذي
يدمر الحياة الزوجية.
الزوجة العاملة:
وقد تضطر المرأة إلى الخروج للعمل، أيًّا كانت أسباب اضطرارها، وتلك
المرأة عليها أن تنظم حياتها بما يضمن استقرار بيتها، وسعادة زوجها، حتى
لا يشعر بابتعادها عنه وتقصيرها من ناحية، أو عدم قيامها بمسئولياتها
كزوجة، فلا تبقى خارج البيت في أوقات وجوده، وإنما تجتهد أن تكون فترة
عملها في وقت عمله خارج البيت، وأن تتواجد معه في فترة واحدة.
الموضوع منقول للافادة