لماذا يسرق الصغار أحيانًا؟
هل
نَصِف أطفالنا إذا ما امتدت أيديهم إلى ما لا يملكونه بأنهم لصوص صغار؟ أم
أن الأمر يحتاج أن يستوقفنا ويطرح عددًا أكبر من علامات الاستفهام؟
نستطيع
أن نُعرِّف السرقة بأنها استحواذ الطفل على أشياء ليست ملكًا له دون وجه
حق، وهي سلوك مرضي يعبِّر عن حاجة نفسية لدى الطفل تحتاج إلى إشباع، وقد
تبدأ السرقة لدى الأطفال بصورة واضحة في المرحلة العمرية من سن 4 : 8
سنوات، والطفل في هذه السن عندما يسرق يفعل ذلك بشكل عفوي أو تلقائي؛ لأنه
لم يصل إلى مرحلة النضج العقلي أو الاجتماعي الذي يجعله يميز ما يملكه،
وما يملكه الآخرون أو بين الملكية العامة والخاصة، أما إذا استمر هذا
السلوك المرضي (السرقة) لدى الطفل في المرحلة العمرية من سن 10 : 15
عامًا؛ فإنه يُعدُّ سلوكًا مرضيًّا ومشكلة نفسية تحتاج إلى معرفة أسبابها
وضرورة علاجها.
ماذا يسرق الأطفال؟
الأطفال
المضطربون سلوكيًّا غالبًا ما يبدءون بسرقة أشياء بسيطة من المنزل،
وغالبًا ما تكون المسروقات شيئًا يؤكل يمكن التخلص منه، ثم يتطور الأمر
فيسرق الطفل نقودًا من محفظة أبيه أو من مصروف البيت لدى أمه.
وقد
يلجأ بعض الأطفال إلى سرقة أشياء ثمينة مثل الحلي والذهب، أو أشياء ذات
فائدة استهلاكية مثل الساعات والنظارات واللعب، ومن الأمور الشائعة لجوء
الطفل السارق إلى إخفاء ما سرقه، بحيث يصعب توجيه الاتهام إليه أو إثباته،
وغالبًا ما ينكر قيامه بالسرقة خوفًا من العقاب؛ سواء من جانب والديه، أو
المدرسة.
تعددت الأسباب والسرقة واحدة
يلجأ الأطفال للسرقة لأسباب ودوافع مختلفة، يمكن أن ننظر إليها كمشاهد ولقطات يفيد تأملها في الوقوف على ما يدفع الطفل لذلك السلوك، ويمكن أن تأتي هذه المشاهد تحت العناوين الآتية:
(1) الجهل بمعنى الملكية:
فالطفل
عندما تمتد يده لسرقة لعبة أخيه أو زميله في المدرسة، لا يفعل ذلك بدافع
السرقة، ولكنه يجهل معنى الملكية، فهو يعتقد أن ما فعله ليس أمرًا مشينًا
ولا مذمومًا؛ لأن نموه العقلي والاجتماعي لا يمكنه من التمييز بين ماله أو
ممتلكاته وما ليس له أو ممتلكات الآخرين، ومثل هذا الطفل لا يمكننا
اعتباره سارقًا.
(2) الغيرة والانتقام:
قد
يلجأ الطفل للسرقة في بعض الأحيان بدافع الانتقام؛ فقد يسرق الطفل والده؛
لأنه صارم وقاسٍ في معاملته له، فيتجه الطفل للسرقة انتقامًا من والده على
معاملته القاسية والسيئة له، وقد يسرق الطفل والديه إذا وجد أنهما انصرفا
عنه وأهملا رعايته وشؤونه؛ فيلجأ الطفل لسرقة والديه كرد فعل لتجاهلهما
له، والسرقة هنا انتقامية، وقد يسرق الطفل زميله في المدرسة؛ لأنه يغار
منه؛ لأن زميله طفل متفوق ومشهود له بالخلق الحسن، وله مكانة مميزة عند
مدرسيه، في حين أن الطفل السارق على العكس من هذا، هنا يلجأ الطفل للسرقة
بدافع الغيرة أولاً، وقد تتحول هذه الغيرة للانتقام في حالة قيام الوالدين
أو أحد المدرسين بعقد مقارنة بين هذا الطفل المتفوق والطفل السارق،
وبالطبع لا تكون المقارنة في صالحه؛ فيلجأ للسرقة بدافع الانتقام والتشفي.
(3) الخوف من العقاب والتخلص من مأزق:
في
بعض الأحيان يفقد الطفل إحدى لعبه، وهو يلعب مع زملائه خارج المنزل، مثل:
كرته التي اشتراها له والده، أو ساعته، أو إحدى أدواته المدرسية؛ فيخشى
الطفل من إخبار والديه بذلك خوفًا من عقابهما له وقيامهما بضربه، وللتخلص
من هذا المأزق يلجأ الطفل للسرقة، وغالبًا ما يسرق نقود أحد والديه ليشتري
لعبة أخرى شبيهة باللعبة التي فقدها؛ لإخفاء فعلته، واتقاء لعقاب والديه.
(4) الفقر والحرمان:
فالطفل
قد يلجأ للسرقة لشراء شيء أو حاجة هو محروم منها؛ بسبب فقر أسرته أو بخل
والده الشديد، فيسرق الطفل إما لشراء طعام يشتهيه؛ لأنه جائع، وليس معه
نقود، أو يسرق ليشتري لعبة هو محروم منها، وقد يسرق في بعض الأحيان لإشباع
هواية لديه؛ فقد يسرق لتأجير درَّاجة يركبها، أو لمشاهدة فيلم في السينما،
أو لدخول مدينة الملاهي للاستمتاع باللعب الموجودة فيها.
(5) التقليد والمحاكاة:
في
بعض الأحيان يلجأ الطفل للسرقة كنوع من التقليد والمحاكاة للوالدين، خاصة
إذا نشأ الطفل في بيئة إجرامية يعمل فيها كل من الأب والأم باحتراف
السرقة، وقد يلجأ الطفل للسرقة تقليدًا لأمه، خاصة عندما يراها تمدُّ يدها
لحافظة أبيه لتستولي في تكتُّمٍ وسرية شديدة على بعض النقود دون إخبار
والده بذلك، وقد يلجأ الطفل للسرقة تقليدًا لأصدقائه رفقاء السوء، والطفل
في جميع الحالات السابقة هو مقلِّد لنموذج سيئ اقتدى به؛ سواء كان أحد
الوالدين أو أحد أصدقائه.
(6) التفاخر والمباهاة:
بعض
الأطفال يعانون من الحرمان من اللعب التي تروق لهم؛ بسبب الفقر أو ضيق ذات
اليد، وعندما يشاهدون هذه اللعب مع قرنائهم وأصدقائهم في المدرسة يشعرون
بالغيرة والنقص، خاصة عندما يتفاخر أصدقاؤهم بهذه اللعب، فيلجأ هؤلاء
الأطفال لشراء مثل هذه اللعب أو أفضل منها؛ ليتفاخروا بها على أصدقائهم،
مدَّعين أن آباءهم قاموا بشرائها لهم.
(7) حب الاستطلاع والاستكشاف:
أحيانًا
يكون سبب ودافع السرقة عند الأطفال هو سلوك الوالدين، خاصة الأم، عندما
تكون شديدة الحرص بصورة مبالغ فيها في الحفاظ على الأشياء الغالية
والرخيصة؛ حيث تبالغ في اتخاذ الاحتياطات الأمنية للحفاظ على الأشياء،
بعيدًا عن متناول الطفل، فيندفع الطفل بدافع حب الاستطلاع والاستكشاف
لمعرفة ما تقوم أمه بإخفائه عنه، والعبث به أو سرقته.
خطوات في طريق العلاج
وقد نتمكن من معالجة مشكلة السرقة عند الأطفال باتباع بعض الخطوات، ومنها:
1 - خلق شعور الملكية لدى الطفل منذ صغره، وذلك بتخصيص دولاب خاص به، يضع فيه أدواته وملابسه ولعبه.
2
- على الوالدين إفهام الطفل حقوقه وواجباته، وأن هناك أشياء من حقه الحصول
عليها، وأشياء ليس من حقه الحصول عليها، وتعليمه كيفية احترام ملكية
الآخرين، من خلال درس عملي، وذلك إذا حدث واعتدى الطفل على ملكية أخيه
فلنأخذ منه إحدى لعبه أو أدواته ونعطيها لأخيه، فإذا ثار واعترض علَّمناه
أنه كما يثور؛ لأننا اعتدينا على ملكيته، فإن أخاه ثار أيضًا؛ لأننا
اعتدينا على ملكيته، وبذلك سيتيقن الطفل أنه من غير المستحب الاعتداء على
ملكية الآخرين.
3
- إشباع حاجات الطفل المتعددة والضرورية من مأكل وملبس وأدوات ولعب؛ حتى
لا يشعر بالنقص والدونية، فيلجأ للسرقة لتعويض النقص مع إعطائه مصروفًا
يوميًّا بصورة منتظمة يتناسب مع عمره ووسطه الاجتماعي الذي يعيش فيه، مع
الإشراف من جانب الوالدين على كيفية إنفاق الطفل لمصروفه.
4
- عدم معايرة الطفل أمام إخوته أو أصدقائه في المدرسة في حالة السرقة، وأن
يبتعد الوالدان عن مناداته أمام الآخرين بألفاظ تجرح كرامة الطفل
كمناداته: "يا لص.. يا سارق"، وعدم عقابه أمام الآخرين؛ لأن الوالدين لو
فعلا ذلك، فإنهما يدمران صحة الطفل النفسية، ويدفعانه لمعاودة السرقة؛
انتقامًا منهما لمعايرتهما له أمام إخوته وأصدقائه، وجرح كرامته.
5
- غرس خلق الأمانة في نفوس الأطفال؛ فواجب الآباء والأمهات والمدرسين في
رياض الأطفال والمدرسة الابتدائية الاهتمام بغرس خلق الأمانة كسلوك إيجابي
في نفوس الأطفال، من خلال توضيح أن الأمانة من صفات أهل الجنة، ومن صفات
المسلم الملتزم بطاعة ربه، ومكافأة الأطفال الذين يصدر عنهم سلوك يدل على
الأمانة؛ كإعطائهم جوائز عينية، أو شهادات تقدير، أو مصحفًا شريفًا… إلخ،
مع اهتمام وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة بنشر قصص الفضيلة والأمانة
والخلق القويم، وكيف أن الأمانة تلقى المكافأة، ورضا المجتمع وتقديره.
6
- يجب أن يشرح الآباء والمعلمون أمام الطفل في عبارات سهلة وبسيطة خطورة
جريمة السرقة، وبُغْض الإسلام لهذا السلوك الإجرامي غير الأخلاقي، وتغليظ
الإسلام لعقوبة السرقة لبشاعتها، وتوضيح حدّ السرقة في الإسلام، كما ينبغي
أن يُروى للطفل قصص عن اللصوص، وما ينالونه من عقاب وسوء معاملة من
المجتمع، ونهايتهم السيئة.
7
- مساعدة الوالدين للطفل على حسن اختيار رِفاقه وأصدقائه؛ فالإسلام
بتعاليمه التربوية وجَّه الآباء والمربين أن يختاروا لأطفالهم الرفقة
الصالحة؛ ليكتسبوا منهم كل خلق كريم، وأدب رفيع، وعادة فاضلة.
بقلم: أيمن حموده