الشك بين الزوجين
الشك بين الزوجين
منيرة الرحيمي
يؤدي الشك
بين الأزواج إلى قتل المودة بينهما، وإلى اختناق العاطفة وتدمير الرحمة،
والشك لا يقترن أبدا مع الاستقرار، بل يقترن مع دمار كيان الأسرة وانهيار
أمنها واستقرارها.
والشك والحب لا يجمعهما
بيت واحد، فعندما يدخل الشك في قلب الحياة الزوجية سريعا ما يهرب الحب
خارجها، فالحياة مع الشك لا تطاق، وخاصة إذا كان الزوج هو الطرف الشكاك،
وأحيانا تكون الزوجة - برغم أنها بطبيعتها تبحث عن الأمان الزوجي- هي
المساعدة على تأجيج نار الغيرة والشك، لذا يرى مختصون إلى أن عليها النصيب
الأكبر من المسؤولية لطرد الشك عن الحياة الزوجية.
عن الشك وأسبابه وكيفية التغلب عليه نحاول في هذا التحقيق أن نبحث ونستقصي الأسباب والعلاج في جولة قصيرة مع بعض الأزواج والزوجات.
الرجال: خروج المرأة بزينتها..وعملها هو السبب:
بداية يقول سلمان باخت
(50 عاما) إن شخصية المرأة وتصرفاتها قد تدفع زوجها إلى الشك فيها، ومن
أمثلة هذه التصرفات أن تخرج من البيت بشكل مبالغ فيه، بدون أن تخبر زوجها،
أو أن تتبرج وتبالغ في الزينة في ملابس الخروج، ويؤكد أن عمل المرأة من
الأشياء التي من الممكن أن تثير الغيرة والشك في صدر الزوج، وقال: يجب أن
نفرق بين الشك والغيرة؛ فالغيرة وجه من وجوه الحب وعلامة من علاماته وهي
مطلوبة، لأنها تضفي على الحياة الزوجية طابعا محببا، وتُشعر المرأة بأن
زوجها يحرص عليها ولا يحتمل أن يقاسمه أحد فيها حتى إن كان ذلك بمجرد
النظر، لكن درجة وشكل الغيرة يختلف من شخص لآخر حسب تربية وتركيبة ذلك
الشخص النفسية والاجتماعية، فيحدث أن تتجاوز الغيرة حدودها الطبيعية تتحول
إلى شك، يسبب التباعد بين الطرفين، ويعصف بحياتهما إلى الأبد.
ويلقي أبو عامر اللوم في
موضوع الشك بين الزوجين على الزوجة ويقول: إن المرأة ذات الشخصية
الهستيرية التي تبالغ في إظهار محاسنها، وتستمتع إلى حد ما بنظرات الإعجاب
التي تتلقاها من هنا وهناك، سواء أكانت سعت إلى ذلك بوعي أم بدون وعى هي
من يؤجج نار الغيرة والشك عند الزوج، خاصة إذا كان لديه استعداد نفسي
لذلك.وكذلك المرأة التي تبحث وتفتش وتتنصت على حياة زوجها.
النساء: الزوج الشكاك وعدم الثقة بالنفس هما السبب:
وتعلق (ن. م) بأن الشك
مرض نفسي خطير، والحياة مع زوج شكاك مغامرة لا تحمد عقباها، لأن بعض
الرجال لا يستطيعون التحكم في شكوكهم التي تدفعهم أحيانا إلى ارتكاب
الحماقات، قد تؤدي إلى الطلاق.
وتضيف: إن طبيعة الزوجة
ودرجة تحملها وظروفها الاقتصادية والاجتماعية لاسيما إذا كان هناك أطفال
من العوامل المهمة التي تؤثر في قرارها بشأن البقاء مع زوج شكاك أو
الانفصال عنه، و في كثير من الأحيان تضحِّي المرأة براحتها النفسية، وتمد
حبال صبرها للرجل الشكاك من أجل أبنائها، فتراها تتحمل كل أنواع الضغوط
النفسية والاجتماعية التي تتعرض لها على إثر ذلك بسبب هذا الهدف النبيل.
وتؤكد أماني صالح أن
الثقة بالنفس قبل كل شيء وبالطرف الآخر وعدم السماح لوسوسات الشيطان
والاستسلام للأفكار والظنون هي أهم شيء لضمان حياة زوجية مستقرة، وتقول:
من وجهة نظري أرى أسباب الشك كثيرة وأهمها عدم الثقة بالنفس، وقله الثقة
أو عدمها في الشريك، فالثقة عامل ضروري على جميع مناحي الحياة وخصوصا
الحياة الزوجية، وذلك بأن تشعر الزوجة بأنها حبيبته وأخته وصديقته، وأن
تحاول أن تمنحه السعادة، وهذا الإحساس لا يأتي إلا إذا شعرت بالثقة،
وأعتقد أن العكس صحيح.
للتقنية وللفضائيات دور مهم:
من جهتها تحذر مها سالم
(40 سنة) من التمادي أو عدم الوضوح في استخدام وسائل الاتصال أو الإنترنت
بدون رضا وموافقة الزوج أو من دون علمه، خاصة وأن أزماننا هذه بليت بكثير
من الوسائل والأجهزة التي ربطت كل العالم في قرية صغيرة، فأصبح من السهل
جدا أن يتواصل الناس دونما حاجة في كثير من الأحيان.
في ذات السياق يؤيدها سعد
سنان قائلا: إن الفضائيات والمسلسلات التي تصور أحداثا وقصصا مبالغ فيها
هي التي علَّمت مجتمعاتنا الهادئة أشياء ما كنا لنقف عندها، وقال: نحن
نعيش في زمن غريب وموحش، فكفانا الأفلام والقصص التي تتكلم عن الخيانات
الزوجية وكأنها أمر واقع في حياتنا وسهل، فتجد المرأة في بداية المسلسل
ملتزمة وجادة، وفجأة نكتشف مع بعض الحلقات أنها على علاقة بصديق أو جار،
وهنا يحدث لنا صدام في عقولنا، ومع الوقت ومع كثرة المشاهدة والتصديق
يتكوَّن داخل العقل الباطن لكلٍّ منا صور مشوهة عن الزوجات والسيدات بشكل
عام، لأننا نلصق الخيانة بشكل أوَّلي بالمرأة وكأن الرجل لا يخون هو أيضا،
لكننا كشرقيين اعتدنا على هذا التفكير.
التوجيه الأسري: الحل يكمن في الوضوح والصراحة.. والابتعاد عن سوء الظن.
من جهتها تنصح مها
الشمَّري -وهي موجِّهة أُسرية- بأهمية الوضوح والصراحة والالتزام بين
الزوجين، وتؤكد أنَّ على الزوجة أن تستأذن زوجها دائما في كل تعاملاتها
وبخاصة قبل خروجها من المنزل؛ مشيرة إلى أن هذا من الحلول المثلى للتعامل
مع هذه النوعية من الأزواج الشكاكة.
وتضيف: كذلك عليها حسن
المعاشرة والابتعاد عن كل ما يمكن أن يشعل نار الغيرة الشك لدى الزوج،
وعدم المعاندة وتوضيح كل ما يمكن أن يثير لبسا وشبهة للزوج؛ وذلك حتى
يطمئن قلبه.
وتقول الدكتورة نهلة السيد ناجي، أستاذة الطب النفسي، في حوار لها مع أحد المنتديات:
أحيانا تكون فكرة الشك
المسيطرة على الإنسان منطقية لها مبررات، مثل ظهور سلوكيات معينة وتصرفات
في الطرف الآخر، مثل تغير المعاملة أو الاهتمام الزائد بالنفس أو إهمال
الطرف الآخر، وأحيانا تكون غير منطقية مثل افتراض أشياء غير حقيقية يبني
عليها أحد الزوجين تصرفاته، قد تتحول لمراقبة تحركات وتفتيش وعدم ثقة، وقد
يصل الأمر للتفكير في أمور الخيانة. وتؤكد ناجي على الإسراع بالاستعانة
بالطبيب النفسي لعلاج حالات الشك هذه.
وتتحدث الدكتورة نهلة
السيد عن أصعب حالات الشك التي صادفتها قائلة إنها صادفت حالة مريض ظل في
المستشفى لعدة شهور، وكان حين يتحدث عن زوجته أثناء غيابها يمدح فيها
ويذكرها بكل خير، وبمجرد وصولها يبدأ في سبها ويرميها بأبشع الاتهامات.
وحالة أخرى لسيدة في
الخمسينات من عمرها متزوجة من رجل تعدى الستين، وكانت تشك في أنه على
علاقة بجارتها، ورغم تقدم العمر بهما إلا أنها أصيبت بمرض الشك. وتشير
الدكتورة نهلة إلى خطورة التنشئة الخاطئة، مؤكدة أن حياة الأبناء مرتبطة
بسلوكيات الآباء والأمهات.. فأحيانا تكون الأم مصابة بمرض الشك فتقوم مثلا
بتفتيش ملابس الأب باستمرار أمام الأبناء وتحاول التنصت على مكالماته
الهاتفية.
وتختم بأن الحل لمشكلة
الشك بين الأزواج يتمثل في الآية الكريمة في سورة الحجرات التي تقول: (يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرً امِّنَ الظَّنِّ إِنَّ
بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) صدق الله العظيم