مدار قبول الأعمال أحمد كمال
مدار قبول الأعمال
أحمد كمال
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
يدور قبول العمل على ركنين أساسيين، بهما يفلح العبد، ويقبل عمله، وينجح سعيه، ألا وهما: الإخلاص والمتابعة.
الركن الأول: الإخلاص:
وآفة الإخلاص الرياء؛ إذ هو سبب حبوط الأعمال، فكان حقاً على السالك أن يتحرى الإخلاص، ويتجنب الرياء مهما قدر على ذلك.
فكيف نتخلص من الرياء؟
1- الاستعانة بالله على
الإخلاص، والتعوذ به من الرياء ومراقبته، قال -تعالى-: (فَفِرُّوا إِلَى
اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ)(الذاريات: 50).
فالسبيل الأقوم هو أن
نلجأ إلى الله - عز وجل - محتمين به، نلوذ بجنابه كي يخلصنا من الرياء،
ويرزقنا الإخلاص، ولنا في أبينا إبراهيم - عليه السلام - الأسوة؛ إذ توجه
إلى ربه كي يخلصه من الشرك الأكبر قائلاً: (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ
نَعْبُدَ الأَصْنَامَ)(إبراهيم: 35).
فينبغي لنا أن نستعين
بالله على كل عبادة، ومن أعظمها الإخلاص، فقد قال -تعالى-: (اسْتَعِينُوا
بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا)(الأعراف: 128)، وكم نردد (إِيَّاكَ نَعْبُدُ
وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)(الفاتحة: 5)!
- وينبغي أن نتعوذ بالله
من هذا الداء العضال ففي الحديث الصحيح: أن رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - خاطب أصحابه قائلاً: ((يا أيها الناس! اتقوا هذا الشرك فإنه أخفى
من دبيب النمل. فقال له من شاء الله أن يقول: وكيف نتقيه وهو أخفى من دبيب
النمل يا رسول الله؟ قال: قولوا اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئاً
نعلمه ونستغفرك لما لا نعلمه)) رواه أحمد والطبراني، وحسنه الألباني.
- كذلك يجب علينا مراقبة
الله -تعالى- فبه نخلص من الرياء، ونصل إلى أعلى مراتب الإيمان وهي
الإحسان، فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((اعبد الله كأنك تراه،
فإن لم تكن تراه فإنه يراك)) رواه الطبراني، وحسنه الألباني.
2- النظر في عاقبة الرياء في الدنيا:
فينبغي أن ينظر المرء في
عاقبة الرياء في الدنيا ليتخلص منه، فيعلم أنه لن يجلب له نفع الناس، ولن
يدفع عنه ضرهم، بل قد يجلب سخطهم وكراهيتهم ومقتهم له، كما يجلب سخط الله
ومقته وكراهيته فيخسر الدنيا والآخرة.
ولله در الخليفة الراشد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- حين قال: "من تزين بما ليس فيه شانه الله"!!
لأنه لما تزين بما ليس
فيه، طلبه الناس منه فلم يجدوه فعلموا كذبه ونفاقه! فمن تزين بالخشوع
والدين والعلم وغير ذلك، فلا بدّ أن يطلب منه، فإذا لم يوجد عنده افتضح
عند الناس.
3- النظر في عواقبه الأخروية:
فمما يدفع الرياء أن
يتفكر المرء في إثم الرياء وعاقبته، ولنا عظة في حديث الثلاثة الذين هم
أول من تسعر بهم النار، ففي يوم القيامة يهتك الله ستر المرائين، ويفضحهم
على رؤوس الخلائق جزاء كذبهم، ففي الحديث الصحيح: يقول - صلى الله عليه
وسلم -: ((من سَمَّع سَمَّع الله به، ومن يرائي يرائي الله به)) متفق
عليه. فيشهِّر الله به ويفضحه، ويُظهر ما كان يبطنه.
فالمسلم يعلم أن هناك يوم
حساب وجزاء، ويعلم شدة حاجته إلى صافي الحسنات غداً يوم القيامة، ويغلب
على نفسه الحذر من الرياء؛ كي يقبل الله عمله ولا يفضحه يوم القيامة.
4- إخفاء العبادة وإسرارها:
فإخفاء العبد للطاعات سبب
لجلب الإخلاص والتخلص من الرياء، وما زال العلماء الأخيار يُخفون أعمالهم
عن الخلق حتى لا يُخالطها الرياء، ولقد وصف - صلى الله عليه وسلم - حال
اثنين من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وهما:
المُِّسرُ بالصدقة حتى لا تعلم شماُله ما تنفقُ يميُنه، والذي ذكر الله
خالياً ففاضت عيناه. ولقد كان ابن سيرين –رحمه الله- يضحك بالنهار، ويبكى
بالليل.
إلا أنه ثمة تنبيه: أنه لا ينبغي أن يبالغ المسلم إخفاء العمل بحيث يزرى على نفسه ذلك.
الركن الثاني: الاتباع:
فإنه ينبغي لكي يقبل الله
العمل أن يكون تبعاً لهديه - صلى الله عليه وسلم -، وإلا فإنه مردود لقول
الله -تعالى-: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ
عَنْهُ فَانْتَهُوا، وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ
الْعِقَابِ)(الحشر: 7)، ولقوله -تعالى-: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا
مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ
الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ
ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً)(الأحزاب: 36).
وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)) متفق عليه. أي: باطل ومردود، وإن كانت نية فاعله صالحة.
ولقد حذرنا - صلى الله
عليه وسلم - من البدعة وعدم الاتباع بقوله: ((فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى
اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين، تمسكوا
بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور! فإن كل محدثة بدعة، وكل
بدعة ضلالة)) رواه أبو داود، وصححه الألباني.
قال الفضيل بن عياض في
قوله -تعالى-: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ
أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ)(الملك: 2) قال:
"هو أخلصه وأصوبه. قالوا: يا أبا علي ما أخلصه وما أصوبه؟ فقال: إن العمل
إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يُقبل، وإن كان صواباً ولم يكن خالصاً
لم يُقبل، حتى يكون خالصاً صواباً، والخالص أن يكون لله، والصواب أن يكون
على السنة، ثم قرأ قوله -تعالى-: (فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ
فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ
أَحَداً)(الكهف: 110)".
فينبغي على قارئ الأذكار -وخصوصاً هذا الذكر- أن يتدبر هذه المعاني، وأن يعمل بها، فيحصل له النفع في الدنيا والآخرة.
نسأل الله - عز وجل - أن
يجعل أعمالنا كلها صالحة، ولوجهه خالصة، وألا يجعل لأحد فيها شيئاً، وأن
يرزقناً علماً نافعاً، ورزقاً طيباً، وعملاً متقبلاً. آمين