أحكام خطبة الجمعة وآدابها المبحث الأول: معنى الخطبة وحكمها
أحكام خطبة الجمعة وآدابها
المبحث الثاني: شروط خطبة الجمعة
د على بن عمر بادحدح
ذكر العلماء لخطبة الجمعة شروطًا كثيرة؛ ولكنهم اتفقوا على بعضها، واختلفوا على البعض الآخر.
أما الشروط المتفق عليها([1]) فخمسة، وإليك بيانها:
الشرط الأول: كونُها في الوقت:
اتفق الفقهاء([2]) على أن من شروط خطبة الجمعة أن تكون في الوقت، على خلاف بينهم في تحديد الوقت، كما سبق بيانه في شروط صحة الجمعة.
واستدلوا لهذا الشرط بعدة أدلة:
1- حديث السائب بن زيد رضي الله عنه الذي قال فيه: ((كان النداء يوم
الجمعة أوله إذا جلس الإمام على المنبر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم
وأبي بكر وعمر، فلما كان عثمان رضي الله عنه وكثر الناس، زاد النداء
الثالث على الزوراء))([3]).
2- أنه لما كانت الخطبة شرطًا لصحة الجمعة، وجب أن يشترط لها ما اشترط في الجمعة، فلو خطب قبل الوقت لا تصح.
الشرط الثاني: أن تكون الخطبة قبل الصلاة:
اتفق العلماء([4])
على أن من شروط خطبة الجمعة كونها قبل الصلاة، ولا تصح بعدها، فإن أخرها
أعيدت الصلاة إن قرب الزمن، وإن طال أعيدتا؛ لأنهما مع الصلاة كركعتين من
الظهر.
واستدلوا على ذلك بما تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم؛ حيث كانوا يقدمون الخطبة على الصلاة يوم الجمعة.
الشرط الثالث: أن تكون الخطبة بحضرة عدد ممن تنعقد بهم الجمعة:
سبق وأن بينا العدد الذي اشترطه الفقهاء لصحة الجمعة، وبينَّا خلافهم
في هذا العدد، وقد شرطوا فيمن يعتبر لهذا العدد أن يكون ذكرًا حرًّا
مكلفًا مستوطنًا، فهؤلاء هم الذين تنعقد بهم الجمعة، وقد اتفق الفقهاء على
أن هذا العدد مشروط للخطبة، كما هو مشروط للصلاة؛ وذلك ليتحقق المعنى
المراد من الخطبة.
الشرط الرابع: أن تكون الخطبة جهرًا وبصوت مرتفع:
وذلك أن المقصود من الخطبة الموعظة والتذكير، فلابد من الجهر بِها لكي يتحقق هذا المقصود ويتذكر الحاضرون([5]).
الشرط الخامس: أن يكون الخطيب ذكرًا، وأن تصح إمامته للقوم([6]):
وذلك متفق عليه بين الفقهاء؛ إذ الجمعة لا تجب على النساء، ولا تنعقد بهن.
أما الشروط المختلف فيها([7]) فإليك بيانها:
1- أن تكون خطبتان يجلل بينهما جلسة خفيفة، وإلى ذلك ذهب المالكية والشافعية والحنابلة([8]) لفعل النبي صلى الله عليه وسلم، وأما الحنفية([9]) فذهبوا إلى أن خطبة واحدة تجزئ لصحة الجمعة.
2- أن تكون الخطبة باللغة العربية: وهذا هو قول جمهور العلماء([10]) خلافًا لأبي حنيفة([11]) الذي قال بجواز الخطبة بغير العربية، وذهب المالكية([12]) والشافعية([13])
إلى أنه إن لم يكن فيهم من يحسن العربية فلا تجب الخطبة عليهم لانتفاء
هذا الشرط، وقيّد هذا القول بعضهم باعتباره في أركان الخطبة فقط دون
غيرها([14])، وذهب الحنابلة([15])
إلى أنه إن لم يوجد من يحسن الخطبة بالعربية بينهم، فتصح حينها بغير
العربية لحصول المقصود وهو الوعظ والتذكير وحمد الله والصلاة على النبي صلى
الله عليه وسلم، ووافقهم في ذلك أبو يوسف ومحمد([16])
صاحبا أبى حنيفة، وأما قراءة القرآن فالراجح أنها لا تكون إلا بالعربية؛
لأنه ذكر مفروض، فشرط فيه العربية كالتشهد وتكبيرة الإحرام، ولأن ترجمة
القرآن ليست قرآنًا.
3- القيام في الخطبة:
وهذا شرط عند الشافعية([17]) عند القدرة مستدلين بتواتر الروايات بأنه صلى الله عليه وسلم
كان يخطب قائمًا، وبقول الله تعالى: {وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} [الجمعة: 11]، فإن
لم يقدر عليه استحب له أن يستخلف غيره، فإن خطب قاعدًا أو مضطجعًا للعجز جاز بلا خلاف كالصلاة.
وأما الحنفية والحنابلة([18])
فقالوا بأن القيام في الخطبة سُنَّة وليس بشرط، وذلك تأسيًا بسنته صلى
الله عليه وسلم حيث كان يخطب قائمًا؛ ولكن ذلك لا يدل على الوجوب، فعثمان
ومعاوية رضي الله عنهما لما كبرا خطبا قاعدين، ولم ينكر عليهما أحد، وأما
المالكية([19]) فاختلفوا في المسألة بين الوجوب والسنية.
4- الجلوس بين الخطبتين:
ولم يقل بهذا الشرط سوى الشافعية([20]) مستدلين بما ثبت من فعل النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يجلس بين الخطبتين جلسة خفيفة([21])، وذهب الجمهور([22]) إلى أن فِعْله صلى الله عليه وسلم يفيد الندب لا الوجوب.
5- طهارة الخطيب من الحدث:
وهي شرط عند الشافعية أيضًا، وقال به أبو يوسف من الحنفية([23])، وأما الجمهور([24])
فلم يشترطوا لصحة الخطبة الطهارة من الحدث الأصغر لكون الخطبة موعظة
وذكر، والحدث مطلقًا لا يمنع من الذكر، وإن اتفق الجميع على أن الطهارة في
كل ذلك أولى للاتباع.
وأما الحدث الأكبر فالمشهور عند المالكية عدم اشتراطه([25])، ونقل
ابن قدامة عن شيخه أن اشتراط الطهارة من الحدث الأكبر هو الأشبه بأصول مذهب الإمام أحمد([26]).
6- ستر العورة للخطيب:
اشترط الشافعية في القول الجديد ستر العورة في الخطبة([27])، خلافًا للجمهور.
7- إسماع أربعين كاملين ممن تنعقد بهم الجمعة:
اشترط كل من الشافعية والحنابلة([28])
أن يسمع الخطيب أربعين كاملين ممن تنعقد بهم الجمعة بناء على اشتراطهم
حضور أربعين لصحة الجمعة، وفصل الحنابلة في ذلك فاعتبروا هذا الشرط فيما
إذا كان عدم السمع بسبب خفض الصوت ونحوه، أما لو كان المانع نومًا أو غفلةً
أو صممًا أو عجميةً فلا أثر لذلك.
وأما الحنفية والمالكية([29]) فلم يعدُّوا ذلك شرطًا.
8- الموالاة بين الخطبتين وبين أجزائهما وبين الصلاة:
وهو شرط عند الشافعية والحنابلة([30])، ولم يقل بشرطية ذلك غيرهم.
9- النية في الخطبة:
ولم ينص على شرطيتها سوى الحنابلة([31])، مستدلين بالحديث المشهور: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى …))([32]) الحديث، وأما الحنفية([33]) فقالوا بوجوبها في الخطبة، وذهب الشافعية([34]) إلى الندب.
([1]) ينظر: "فضائل الجمعة" لمحمد ظاهر أسد، (ص133).
([2]) ينظر: "بدائع الصنائع" (1/206). "بداية المجتهد" (1/189). "المجموع" (4/377). "كشاف القناع" (1/505).
([3]) أخرجه البخاري (870) (1/309).
([4])
ينظر: "بدائع الصنائع" (1/262). "بداية المجتهد" (1/231). "روضة
الطالبين" (1/529). "مغني المحتاج" (1/549). "كشاف القناع" (1/510).
([5])
"حاشية ابن عابدين" (2/175). "بداية المجتهد" (1/192-194). "المجموع"
(4/374). "نهاية المحتاج" (2/318). "المغني" (3/186). "الإنصاف" (2/390).
([6]) ينظر: "بدائع الصنائع" (1/589).
([7]) ينظر: "فضائل الجمعة" لمحمد ظاهر أسد، (ص136) ومابعدها.
([8]) ينظر "الذخيرة" (2/241). "روضة الطالبين" (1/529). "مغني المحتاج" (1/549). "كشاف القناع" (1/510).
([9]) ينظر: "بدائع الصنائع" (1/590). "البحر الرائق" (2/258).
([10]) ينظر: "روضة الطالبين" (1/531). "مغني المحتاج" (1/522). "كشاف القناع" (1/510).
([11]) ينظر: "حاشية ابن عابدين" (3/19).
([12]) "حاشية العدوي على الخرشي" (2/78).
([13]) ينظر: "المجموع" (4/319).
([14]) ينظر: "المنهاج بشرح المحلي مع حاشيتي القليوبي وعميرة" (1/278).
([15]) الإنصاف" (2/387).
([16]) ينظر: "بدائع الصنائع" (1/329).
([17]) ينظر: "المجموع" (4/383). "مغني المحتاج" (1/552).
([18]) ينظر: "بدائع الصنائع" (1/592). "حاشية ابن عابدين" (3/23). "المدونة" (1/144). "كشاف القناع" (1/514).
([19]) ينظر: "حاشية الخرشي" (2/253).
([20]) ينظر: "روضة الطالبين" (1/532). "مغني المحتاج" (1/552).
([21]) رواه البخاري (886) (1/314).
([22]) ينظر: "بدائع الصنائع" (1/591). "الذخيرة" (2/242). "كشاف القناع" (1/514).
([23]) ينظر: "بدائع الصنائع" (1/591). "روضة الطالبين" (1/532). "مغني المحتاج" (1/554).
([24]) "بدائع الصنائع" (1/591). "الذخيرة" (2/343). "المغني" (2/154). "كشاف القناع" (1/513).
([25]) ينظر: "منح الجليل" للشيخ عليش (1/267-268).
([26]) ينظر: "المغني" (2/184،2/154).
([27]) ينظر: "المجموع" (4/385).
([28]) ينظر: "روضة الطالبين" (1/533). "مغني المحتاج" (1/553). "كشاف القناع" (1/512).
([29]) ينظر: "بدائع الصنائع" (1/598). "حاشية ابن عابدين" (3/19). "المدونة" (1/139).
([30]) ينظر: "مغني المحتاج" (1/554). "المغني" (2/157). "كشاف القناع" (1/511).
([31]) ينظر: "كشاف القناع" (1/512).
([32]) رواه البخاري (1) (1/3).
([33]) ينظر: "بدائع الصنائع" (1/590). "حاشية ابن عابدين" (3/20).
([34]) ينظر: "روضة الطالبين" (1/535).