الإمام أحمد بن حنبل
حلقة عن الإمام أحمد بن حنبل، ناصر السنة والثابت في وجه المحنة من برنامج "كن فاعلا" |
|
يستحق
الإمام أحمد بن حنبل – رحمه الله – أن يفرد له الداعية راشد الزهراني حلقة
من برنامجه "كن فاعلا" وكيف لا وقد قال عنه شيخه الإمام الشافعي – رحمه
الله - : "خرجتُ من بغداد فما خلَّفتُ بها رجلاً أفضل ولا أعلم ولا
أفْـقَـه من أحمد بن حنبل".
لم يحل يتم أحمد بن حنبل بوفاة والده صغيرا
أن يكون من العظماء الفاعلين في الحياة، بل لعل يتمه كان حافزا لأمه تلك
المرأة الصالحة أن تجعل من ولدها ذا شأن عظيم، فلم تجد أرفع مسلكا من طلب
العلم لولدها.
بدأ أحمد بن حنبل في طلب الحديث صغيرا ومن علو همته أنه
كان يذهب إلى مجالس العلم قبل صلاة الفجر فتأخذ أمه بثوبه وتقول: "حتى
يؤذِّن المؤذِّن" وبعد بلوغه العشرين رحل لطلب العلم في البصرة ومكة واليمن
ولم يدفعه فقره لمد اليد، فـكان يحمل البضائع على الجمال وعلى الحمير
فيأخذ من هذا درهم ومن هذا درهم، فيعيش بهذه الدراهم، وفي الصباح يطلب
العلم حتى يستغني عن سؤال الناس. ولما رجع من اليمن رجع مشياً على الأقدام
إلى العراق.
فلمَّا رجع رأوا عليه آثار التعب والسفر فقالوا له: ما الذي أصابك ؟ فقال الإمام أحمد: يهون هذا فيما استفدنا من عبد الرزاق.
جمع
الإمام أحمد مع حب العلم الإخلاص في طلبه وابتغاء وجه الله به وابتعاده عن
الشهرة والرياء فكان يقول: "طوبى لمن أخمل الله ذكره يعني لم يكن له ذكرا
في الناس.
ولأن الإمام يعلم خطورة العلم الذي لا يتبعه العمل فقد اشتهر
بكافة العمل الصالح والاجتهاد في اتباع سنن النبي صلى الله عليه وسلم حتى
قال: "ما كتبتُ حديثـاً إلاَّ وقد عملتُ بـه"... حتى أنَّ النبي ــ صلى
الله عليه وسلم ــ احْـتَـجَـمَ وأعطى الحجَّامَ أجره، فاحْـتَـجَـمَ
الإمام أحمد وأعطى الحجَّام أجره.
أفرز علم الإمام أحمد وعمله وزهده وورعه ثباتاً منقطع النظير عند تعرضه للفتنة والضر في الفتنة التي اشتهرت باسم فتنة "خلق القرآن"
التي
دعا المأمون الناس فيها إلى القول بخلق القرآن، فأجابه أكثر العلماء
والقضاة مُكْرهين، واستمر الإمام أحمد ونفرٌ قليل على حمل راية السنة،
والدفاع عن معتقد أهل السنة والجماعة، وثبت على قول أهل السنة وحاججهم
فغلبهم وسجن وجلد وأؤذي ولم يرجع عنه قوله فأنقذ عقائد المسلمين من الضلال
لأنه لو قال بما قال المعتزلة لضلت الأمة من بعده. لقد قام في هذه الفتنة
بما لا يقدر على القيام به أمة بأكملها وهذا معنى مقولة يحيى بن معين حيث
قال: أراد الناس أن يكونوا مثـل أحمد بن حنبل ! لا والله، ما نقوى على ما
يقوى عليه أحمد، ولا على طريقة أحمد. فجزاه الله عن المسلمين سلفهم وخلفهم
خير الجزاء.