من أحكام العِدّة
من أحكام العِدّة
راشد سعد العليمي
من الأمور
المهمة التي يجب على كل مسلم ومسلمة معرفتها حين يريد الاقتران بزوج:
العلم بأحكام الزواج والطلاق؛ لأنهما أمران مرتبطان بعضهما ببعض؛ لأن قضية
الزواج من أعظم العقود التي يوافق الإنسان عليها طواعية، وتتضمن هذه
المعرفة ما يسبقها من أمور، ثم ما يكون فيها من حقوق وواجبات تكون سبيلا
للمحافظة عليه، وختاما الأمور التي قد تطرأ على هذا الارتباط من أسباب
تؤدي إلى الانفصال، إما بالوفاة أو بالطلاق.
وحديثنا عن جوانب محددة
فيما يتعلق بالحياة الزوجية وهو أمر العدة المرتبطة بأمري الوفاة والطلاق؛
لأهمية العلم بها في حياتنا، ولتعليم من خفيت عليه جوانب من أحكامها.
"العدة" تأتي في التشريع في الأمور التي تعتمد على الزمن، ولها في تشريعنا الإسلامي ثلاثة أوجه:
أولا: لمعرفة حدود الأشهر
المتعلقة بها الأحكام الشرعية، قال - تعالى -: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ
عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ
السَّموَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ).
فأشهر العام عدتها بالتحديد اثنا عشر شهرا، منذ أن خلق الله - تعالى -السموات والأرض، ومن هذه الأشهر أربعة أشهر حرم.
ثانيا: هناك " عدة " أخرى
من الأيام أوجب الله - تعالى - صومها، وهي أيام شهر رمضان، يقول - تعالى
-: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ
وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ
الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ
مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ
بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّة)، فإكمال عدة رمضان: أي صوم
أيامه كلها، ومن أفطر بسبب المرض أو السفر فعليه قضاء عدة الأيام التي
أفطرها بالتمام.
ثالثا: هناك " عدة " لمن
تركها زوجها بالطلاق أو بالموت، يقول - تعالى -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن
قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ
تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلا). وهذا
هو المقصود بهذا البحث.
و"العدة" اصطلاحا: تربُّص من فارقت زوجها بوفاة، أو حياة، بطلاق أو خلع أو فسخ.
وتسمى العدة تربصا؛ لقوله
- تعالى -: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ
قُرُوَءٍ) والتربص: المكث والانتظار، أي: لا يتزوجن حتى يمكثن ثلاثة قروء.
وهي مشروعة بالكتاب والسنة والإجماع.
وعلينا أن نهتم بالأحكام
الفقهية المتعلقة بهذا الموضوع، لقوله - تعالى -: (يَا أَيُّهَا
النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ
وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ
مِن بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ
مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ
فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ
ذَلِكَ أَمْرًا)، فحذر الله من تجاوز الحدود التي حدّها لعباده في هذا
الشأن، خشية أن يجور الإنسان فيه بأن يكتم ما لا يعلمه إلا الله.
حكمة مشروعية العدة:
شرعت العدة لمصالح كثيرة منها:
1- استبراء الرحم؛ لئلا تختلط المياه وتشتبه الأنساب.
2- ومنها التنويه بفخامة
أمر النكاح والرفعة من شأنه؛ فلا يصح إلا بحضور الرجال، ولا يرتفع إلا
بانتظار طويل، ولولا ذلك لكان بمنزلة لعب الصبيان.
3- ومنها إظهار الحداد
على زوال نعمة النكاح التي هي من أجل النعم، وخصوصاً فيمن مات عنها زوجها،
وذلك بترك الزينـة وإظهار الحزن؛ ليظهر حسن وفائهـا وغض طرفها عن غيره.
وإنما كانت عدة الطلاق
بالقروء أو ما يقوم مقامها، وعدة الموت بالأشهر؛ لأن المرأة في الطلاق لا
تحتاج إلى ظهور الحمل، فإن صاحب النسب قائم ينظر إلى مصلحة النسب
بالعلامات والفراش؛ فجاز أن تعتد بما لا يعلم إلا بإخبارها، بخلاف المتوفى
عنها زوجها؛ فإن الزوج الذي كان يعرف حالها قد مات، ولا تكتفي العامة
بالأمر الخفي، فجعل الشارع عدتها أمراً ظاهراً يتساوى في معرفته القريب
والبعيد.
ما يتعلق بالعدة:
أولا: ما يتعلق بعدة الطلاق:
ذكر الله حالات الطلاق
بقوله: (الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ
بِإِحْسَانٍ) (229) سورة البقرة، وقال - سبحانه - في موضع آخر: (فَإِن
طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا
غَيْرَهُ) (230) سورة البقرة، فأعطى الله الزوج مجالا رحبا في شأن الطلاق
حتى تكون له فرصة للتفكير مع زوجه بعد المرة الأولى، ثم الثانية؛ فإن
تجاوز إلى الثالثة فإن الزوجة لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره، يدخل بها ثم
يفارقها لتحل لزوجها الأول.
أنواع حالات العدة بالنسبة للمطلقة:
1- المطلقة قبل الدخول
فلا عدة لها؛ قال - تعالى -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا
نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن
تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا
فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلا) (49) سورة الأحزاب.
2- المطلقة التي دخل بها
زوجها، وهي غير حامل، فعدتها ثلاثة قروء، أي ثلاث حيضات تتطهر منها؛ قال -
تعالى -: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ
قُرُوء).
3- إذا لم تكن المطلقة
تحيض لصغر سنها، أو يئست من المحيض فالعدة ثلاثة أشهر؛ قال - تعالى -:
(وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ
فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ).
4- إن كانت المطلقة
حاملا، أو ظهر أنها حامل فعدتها وضع الحمل؛ قال - تعالى -: (وَأُوْلاتُ
الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ)؛ فإذا طلقها زوجها وهي
حامل متم، ووضعت بعد طلاقه بيوم أو بنصف يوم انتهت عدتها، وإن كان الطلاق
في الشهر الأول فعليها أن تبقى في العدة تسعة أشهر إلى أن تلد.
الحكمة من العدة في الطلاق:
1- إظهار الطاعة لأوامر الله - تعالى -، بتنفيذ ما شرع في الطلاق.
2- استبراء الرحم من ماء الزوج.
3- إعطاء فرصة للزوجين زمنا لمصالحة والمراجعة.
4- لتأكيد حق الطلاق، وحق الزوج الأول، وحق الزوج القادم.
الطلاق المشروع والبدعي:
1- الطلاق البدعي: أن يقع
الطلاق في فترة حيض المرأة، أو في حالة طهر قد جامعها فيه، فهذا طلاق
منهي عنه في الشرع وفاعله آثم، لكنه يقع.
2- الطلاق المشروع: أن يقع في حالة طهر لم يجامع الزوج فيه زوجته، أو في حالة حمل استبان أمره.
كيفية حساب عدة المطلقة:
1- المرأة التي تحيض عدتها ثلاثة قروء، أي ثلاث حيضات، ولها حالتان:
أ - إن كان الطلاق في
فترة الحيض، فتبدأ الزوجة في العدة ولا تحسب هذه الحيضة من ضمن الحيضات
الثلاث، وتحسب التي بعدها الحيضة الأولى، وبيان ذلك:
حيض طهر الحيضة الأولى طهر الحيضة الثانية طهر الحيضة الثالثة طهر (نهاية العدة).
ب - إن كان الطلاق في طهر
لم يجامعها فيه، فأول حيضة تصيب المرأة تحسب بالحيضة الأولى، وتبقى عليها
حيضتان، وتنتهي العدة بالطهر من الحيضة الثالثة، وبيان ذلك:
طهر الحيضة الأولى طهر الحيضة الثانية طهر الحيضة الثالثة طهر (نهاية العدة).
ج يستطيع الزوج أن يراجع زوجته خلال فترة العدة، والأمر متعلق به، ولا تعلق له بموافقة الزوجة في الرجعة.
2- الحامل تنتهي عدتها بوضع الجنين، أو بإسقاط الجنين بعد تخلقه.
3- المرأة التي لا يأتيها الحيض صغيرة كانت أو آيسة من المحيض، عدتهما ثلاثة أشهر هجرية، منذ الطلاق وتنتهي بانتهاء الشهر الثالث.