مختصر الحقوق الزوجية
مختصر الحقوق الزوجية
محمد بديع موسى
قال - تعالى
-: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ
بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ
فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ
وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي
الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا
عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا * وَإِنْ
خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا
مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا
إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا)[النساء].
اهتم الإسلام بالأسرة اهتماماً عظيماً، وأمر بالمحافظة عليها وعلى استقرارها ومَنَع كل ما من شأنه خلخلة كيانها وزلزلة أركانها.
وما ذاك إلا لأن الأسرة هي النواة الأولى للمجتمع الإسلامي، وهي مصنع الرجال و منتجة أمهات الأجيال.
والحياة الزوجية تكون
نعمة حقيقية إذا ترسّم كِلا الزوجين هدي الكتاب والسنة، وسارا على طريق
الشريعة والملّة، عندها تضرب السعادة أطنابها في رحاب ذلك البيت المسلم
المبارك، ولكن ما إن يتنكب الزوجان أو يتنكب واحدٌ منهما عن صراط الله حتى
تفتح أبواب المشاكل ويعظم الشقاق والخلاف، وينقلب البيت السكن إلى جحيم
لا يطاق.
من هنا فقد بين الله في
هذه الآية مكانة كلٍ من الرجل والمرأة، وبين حقوق وواجبات كل طرف،
(الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ
بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ).
فالقوامة والرياسة في
البيت للرجل، بما له من الإمكانات التي فضله الله بها على المرأة،
وباعتباره هو الذي ينفق على المرأة وأولادها، ولا يمكن لأي مركب أن يسير
بقائدين اثنين، وإلا فسد أمره وهلك أهله. فكل من الرجل والمرأة له حقوق
على الآخر وعليه واجبات كما قال - سبحانه -: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي
عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وللرجال عليهن درجة)[البقرة: 228].
ومرجع الحقوق بين الزوجين
يرجع إلى المعروف، وهو: العادة الجارية في ذلك البلد وذلك الزمان من
مثلها لمثله، ويختلف ذلك باختلاف الأزمنة والأمكنة، والأحوال، والأشخاص
والعوائد. وفي هذا دليل على أن النفقة والكسوة، والمعاشرة، والمسكن، وكذلك
الوطء - الكل يرجع إلى المعروف.
(وَلِلرِّجَالِ
عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) أي: رفعة ورياسة، وزيادة حق عليها. فهذا شرع الله
الذي خلق الذكر والأنثى وهو أعلم بما يصلح لهما: (ألا يعلم من خلق) وما
على المسلم والمسلمة إلا التسليم لحكمه.
(فَالصَّالِحَاتُ
قَانِتَاتٌ) أي: مطيعات لله - تعالى -: (حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بما حفظ
الله) أي: مطيعات لأزواجهن حتى في الغيب تحفظ بعلها بنفسها وماله، وذلك
بحفظ الله لهن وتوفيقه لهن، لا من أنفسهن، فإن النفس أمارة بالسوء.
الأحاديث الشريفة:
• قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا صلت المرأة خمسها وحصنت فرجها وأطاعت بعلها دخلت من أي أبواب الجنة شاءت)) حسن- حب.
فيجب على المرأة أن تتصور
هذا الواقع فتعلم أن بعقد النكاح أصبحت تبعاً لزوجها، وأن الواجب عليها
القيامُ بحقه، والسمعُ والطاعة له بالمعروف، فهو سبيلها إلى مرضاة الله
والفوز بدار كرامته.
• قال - صلى الله عليه
وسلم -: ((لو كنت أمرت أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها و
لا تؤدي المرأة حق الله - عز وجل - عليها كله حتى تؤدي حق زوجها عليها
كله)). ص / د، ت
• و النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((لا ينظر الله إلى امرأة لا تشكر لزوجها، و هي لا تستغني عنه)) /ن.
فكفران الزوج والتسخِّط
عليه فيما يبذل من أهم أسباب دخول النساء النار، كما روى البخاري عَنْ
ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: ((أُرِيتُ
النَّارَ فَإِذَا أَكْثَرُ أَهْلِهَا النِّسَاءُ يَكْفُرْنَ قِيلَ
أَيَكْفُرْنَ بِاللَّهِ قَالَ يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ وَيَكْفُرْنَ
الْإِحْسَانَ لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ ثُمَّ رَأَتْ
مِنْكَ شَيْئًا قَالَتْ مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ)).
والرجل: عندما يتصور حقاً
أنه راعٍ على امرأته والله سائله عنها، أنها أمانة عنده والله سائله عن
تلكم الأمانة، أن المرأة بمنزلة الأسير عنده، فهو مطالب بواجب النفقة
والسُكنى وكسوة وسائر النفقات، وهي مخلوق ضعيف فيها جوانب من النقص ومطلوب
منه أن يعاشرها ويعاملها بالمعروف، من حسن خلق ولين جانب وخفض جناح.
الأحاديث:
• ((اسْتَوْصُوا
بِالنِّسَاءِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ وَإِنَّ أَعْوَجَ
شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ
وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ)).
/ق.
• ((أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقاً وخياركم خياركم لأهله)) د، ت.
• ((سُئلتُ عَائِشَةُ مَا
كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ قَالَتْ
كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ تَعْنِي خِدْمَةَ أَهْلِهِ فَإِذَا
حَضَرَتْ الصَّلَاةُ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ)).
• وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي)) صحيح.
• والنبي - صلى الله عليه
وسلم - يقول: "عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى
الله عليه وسلم - ((لاَ يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً إِنْ كَرِهَ
مِنْهَا خُلُقًا رَضِىَ مِنْهَا آخَرَ)). أَوْ قَالَ ((غَيْرَهُ))".
إن النسيم لا يهب عليلاً
داخل البيت على الدوام، فقد يتعكر الجو، وقد تثور الزوابع، ومن الحكمة
توطين النفس على قبول بعض المضايقات، وترك التعليق المرير عليها.
(وَعَاشِرُوهُنَّ
بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا
وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا). قال ابن عباس: هو الولد
الصالح.
أيها المسلم: إن الإسلام
حريص على انتظام الحياة الزوجية واستمراريتها، وعندما يكون من المرأة شيءٌ
من سوء الخلق، فلا تسمع، ولا تطيع بل تخالف وتشاكس، فقد أرشد الإسلام
الزوج أن يعالجها بما في القرآن والسنة من علاج ناجع، وتدرج بالأسلوب.
قال - تعالى -:
(وَاللاتِى تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِى
الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ
عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ الله كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً)[النساء: 34].
يقول القرطبي: "اعلم أن
الله - عز وجل - لم يأمر في شيء من كتابه بالضرب صُراحًا إلا هنا، وفي
الحدود العظام كالزنا والقذف، فساوى معصية المرأة لزوجها بمعصية الكبائر"
ا. هـ.
فإذا عصت ونشزت فإنه يبدأ بوعظها وتخويفها بالله - عز وجل - والآخرة والحساب.
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((إِذَا دَعَا
الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَلَمْ تَأْتِهِ فَبَاتَ غَضْبَانَ
عَلَيْهَا لَعَنَتْهَا الْمَلاَئِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ)).
فإن ارعوت وأطاعت وإلا
هجرها، بأن يأوي إلى فراشها ولا يُقبِلْ عليها، بل يوليها ظهره، ولا
يضاجعها وللزوج أن يختار من الهجر ما يراه مناسبًا ما لم يُحدث مفسدة
أعظم.
فإذا ما انصلح حالها
فالحمد لله، وإلا فليضربها ضربًا غير مبرِّح، و هو الضرب الخفيف المقصود
منه الصلاح لا الانتقام، كاللكزة ونحوها. كما قال ابن عباس بالسواك ونحوه،
ولا يُلجأ للضرب إلا عند الضرورة، وعند تعذُّر الإصلاح بالوعظ والهجر.
وإذا لجأ إليه الزوج فليكن بعيدًا عن الأبناء؛ مراعاة لمشاعرهم ومشاعر
أمّهم، وليكن بعيدًا عن سمع الجيران أيضًا.
ثم إننا نقول لأولئك
الذين يتأففون من تشريع تأديب الزوجة سواء بالهجر أو الضرب، نقول كما قال -
تعالى -: (قل أأنتم أعلم أم الله) هل من كرامة الرجل أن يَهرع إلى طلب
محاكمة زوجته كلَّما انحرفت أو عصت؟!
والمرأة العاقلة لا ترضى
أن ينشر زوجها سرّها، ويكشف للناس أفعالها، ويفضحها في المحاكم أو حتى عند
أبيها. والضرب أهون عليها من شيءٍ من ذلك. إذًا هل تُترك الأسرة بمشاكلها
حتى يتصدع البيت ويتشرد الأولاد بسبب الطلاق، أم تَقبَل المرأة وهي هادئة
راضية أن يردّها زوجها إلى رشدها بشيءٍ من التأديب المادي الذي لا يتجاوز
المألوف في تربيتها هي لأبنائها وصغارها؟!
إننا نقول لهؤلاء
المغرضين المعجبين بحضارة الغرب وبالمرأة الغربية وما تتمتع به من حرية
مزعومة: ألم تسمعوا عن حال المرأة المتحضرة في دول الغرب تلكم التي تدعون
نساءنا أن يحذين حذوها؟!
ولكم أن تعرفوا أن ما تلقاه الزوجة الغربية من ضرب مبرّح يشمل الكدمات والخدوش في العظام وأحيانًا فقد للسمع أو البصر.
كما أجريت دراسة سنة 1992م تبين أن 25 بالمائة من حالات الانتحار التي تقدم عليها الزوجات يسبقها تاريخ من حوادث الضرب من الزوج.
ووُجد أن ضرب الزوجة من
زوجها هو السبب الرئيس والوحيد في حدوث إصابات لهن أكثر من حوادث السيارات
أو نحوها. وتبين أن 50 في المائة من اللاتي تعرضن للقتل قام بقتلهن
أزواجهن إما الحاليون أو السابقون.
قوله - تعالى -: (فان
أطعنكم) أي تركوا النشوز. (فلا تبغوا عليهن سبيلا) أي لا تجنوا عليهن بقول
أو فعل. وهذا نهى عن ظلمهن بعد تقرير الفضل عليهن والتمكين من أدبهن. (إن
الله كان علياً كبيراً) إشارة إلى الأزواج بخفض الجناح ولين الجانب، أي
إن كنتم تقدرون عليهن فتذكروا قدرة الله، فيده بالقدرة فوق كل يد.
فلا يستعلي أحد على امرأته فالله بالمرصاد، فلذلك حسن الاتصاف هنا بالعلو والكبر.
أيها الإخوة في الله، هذه هي وسائل علاج النشوز من الزوجة، وعظ بلا هجر ولا ضرب، ثم هجر بلا ضرب، ثم ضرب غير مبرح.
فإن استحالت المعيشة مع
الزوجة أو مع الزوج، فالفراق قد يكون فيه مصلحة الزوجين: (وَإِنْ
يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ
وَاسِعًا حَكِيمًا).
وهذا يكون بالطلاق أو الخلع، وله أحكام مفصلة في شريعتنا الغراء نأتي عليها إن شاء الله - تعالى