الموضوع:{العِزَّة-العزة المزمومة}
الموضوع:{العِزَّة-العزة المزمومة}
اسم السورة : البقرة | رقم الآية : 204
{ وَإِذَا قِيلَ لَهُ ٱتَّقِ ٱللَّهَ أَخَذَتْهُ ٱلْعِزَّةُ بِٱلإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ }
قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُ ٱتَّقِ ٱللَّهَ أَخَذَتْهُ ٱلْعِزَّةُ بِٱلإثْمِ } وفيه مسائل: المسألة الأولى: قال الواحدي: قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُ ٱتَّقِ ٱللَّهَ أَخَذَتْهُ ٱلْعِزَّةُ } معناه أن رسول الله دعاه إلى ترك هذه الأفعال فدعاه الكبر والأنفة إلى الظلم. واعلم أن هذا التفسير ضعيف، لأن قوله: {وَإِذَا قِيلَ لَهُ ٱتَّقِ ٱللَّهَ أَخَذَتْهُ ٱلْعِزَّةُ } ليس فيه دلالة إلا على أنه متى قيل له هذا القول أخذته العزة، فإما أن هذا القول قيل أو ما قيل فليس في الآية دلالة عليه فإن ثبت ذلك برواية وجب المصير إليه وإن كنا نعلم أنه عليه السلام كان يدعوا الكل إلى التقوى من غير تخصيص. المسألة الثانية: أنه تعالى حكى عن هذا المنافق جملة من الأفعال المذمومة أولها: اشتغاله بالكلام الحسن في طلب الدنيا وثانيها: استشهاده بالله كذباً وبهتاناً وثالثها: لجاجه في إبطال الحق وإثبات الباطل ورابعها: سعيه في الفساد وخامسها: سعيه في إهلاك الحرث والنسل وكل ذلك فعل منكر قبيح وظاهر قوله: {إِذَا قِيلَ لَه ٱتَّقِ ٱللَّهَ } فليس بأن ينصرف إلى بعض هذه الأمور أولى من بعض، فوجب أن يحمل على الكل فكأنه قيل: اتق الله في إهلاك الحرث والنسل وفي السعي بالفساد، وفي اللجاج الباطل، وفي الإستشهاد بالله كذلك، وفي الحرص على طلب الدنيا فإنه ليس رجوع النهي إلى البعض أولى من بعض. المسألة الثالثة: قوله: {أَخَذَتْهُ ٱلْعِزَّةُ بِٱلإثْمِ } فيه وجوه أحدها: أن هذا مأخوذ من قولهم أخذت فلاناً بأن يعمل كذا، أي ألزمته ذلك وحكمت به عليه، فتقدير الآية: أخذته العزة بأن يعمل الإثم، وذلك الإثم هو ترك الإلتفات إلى هذا الواعظ وعدم الإصغاء إليه وثانيها: {أَخَذَتْهُ ٱلْعِزَّةُ } أي لزمته يقال: أخذته الحمى أي لزمته، وأخذه الكبر، أي اعتراه ذلك، فمعنى الآية إذا قيل له اتق الله لزمته العزة الحاصلة بالإثم الذي في قلبه، فإن تلك العزة إنما حصلت بسبب ما في قلبه من الكفر والجهل وعدم النظر في الدلائل، ونظيره قوله تعالى: {بَلِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فِى عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ } [ص: 2] والباء ههنا في معنى اللام، يقول الرجل: فعلت هذا بسببك ولسببك، وعاقبته بجنايته ولجنايته. أما قوله تعالى: {فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ } قال المفسرون: كافيه جهنم جزاء له وعذاباً يقال: حسبك درهم أي كفاك وحسبنا الله، أي كافينا الله، وأما جهنم فقال يونس وأكثر النحويين: هي اسم للنار التي يعذب الله بها في الآخرة وهي أعجمية وقال آخرون. جهنم اسم عربـي سميت نار الآخرة بها لبعد قعرها، حكى عن رؤبة أنه قال: ركية جهنام بريد بعيدة القعر. أما قوله تعالى: {وَلَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ } ففيه وجهان الأول: أن المهاد والتمهيد: التوطئة، وأصله من المهد، قال تعالى: {وَٱلأَرْضَ فَرَشْنَـٰهَا فَنِعْمَ ٱلْمَـٰهِدُونَ } [الذاريات: 48] أي الموطئون الممكنون، أي جعلناها ساكنة مستقرة لا تميد بأهلها ولا تنبو عنهم وقال تعالى: {فَلأَنفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ } [الروم:44] أي يفرشون ويمكنون والثاني: أن يكون قوله: {وَلَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ } أي لبئس المستقر كقوله: {جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ ٱلْقَرَارُ } [إبراهيم: 29] وقال بعض العلماء: المهاد الفراش للنوم، فلما كان المعذب في النار يلقى على نار جهنم جعل ذلك مهاداً له وفراشاً.