أمنيات الصحابة وهممهم
أمنيات الصحابة وهممهم
الشيخ علي عبد الخالق القرني/
نقلته: سلمى
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه،
أحبوا الله وأحبوا رسوله صلى الله عليه وسلم، ولهم دلالات على تلك
المحبة، منها: اتباعهم لأمر الله ورسوله، وتضحيتهم بالغالي والنفيس في
سبيل الله.
فهذا صهيب يبذل ماله كله، وحبيب يقدم نفسه قرباناً لله، وثابت بن قيس
يجاهد لينال الشهادة، وأبو بكر يجاهد المرتدين ليحافظ على دين الله،
والمواقف تتكرر لرجال صدقوا ما عاهدوا الله .
فهذه مواقف لرجال صدقوا بفعلهم، أما نحن فقد قلنا ولم نصدق.
صدقوا الله حتى في أمنياتهم وهممهم، وهمم أهل الدين يجب أن تكون أعلى وأسمى.
هكذا كانت مطالب الصحابة رضوان الله عليهم وأمانيهم، اجتمعوا يوماً من
الأيام فقال قائلهم: تمنوا. فقال رجل: أتمنى لو أن لي مثل هذه الدار
مملوءة ذهباً أنفقه في سبيل الله عز وجل.
وقال آخر: أتمنى لو أنها مملوءة لؤلؤاً وزبرجداً وجواهراً أنفقه في سبيل الله وأتصدق به.
وأما علي -رضي الله عنه- فيتمنى الضرب بالسيف، والصوم بالصيف، وإكرام الضيف.
وأما خالد فيتمنى ليلة شديدة البرد، كثيرة الجليد، يصبِّح فيها العدو؛ ليجاهد في سبيل الله.
وأما عمر -رضي الله عنه- فيقول: [[أتمنى لو أن هذه الدار مملوءة برجال مثل أبي عبيدة ؛ أستعملهم في طاعة الله ]]
رجال أمناء كأمين الأمة، يستعملهم في طاعة الله.
يا أيها الأحبة: يتمنى عمر هذه الأمنية في
أي وقت، في وقت امتلأت فيه الساحة الإسلامية برجال عز نظيرهم، وقل مثيلهم،
وجل شبيههم؛ فما أعظم حاجتنا اليوم إلى مثل هذه الأمنية، وقد افتقرت
البلاد وأجدبت، وعجزت النساء أن يلدن أمثال أولئك الرجال!
كم هي حاجة الأمة ماسة إلى أمين كـأبي عبيدة بعد أن انتشرت الخيانة.
كم هي حاجتنا ماسة إلى رجل كـأبي عبيدة يرفع لواء الجهاد بعد أن استنوق
الجمل، وعاثت في الأرض الغربان، واستنسر في سماء الأمة بغاث الطير.
كم هي حاجة الأمة لأمين كـأبي عبيدة في غيبة الأمناء، حتى صارت الأمة أضيع من الأيتام على مأدبة اللئام.
تداعت علينا الأمم كتداعى الأكلة على قصعتها، لا من قلة والله، ولكن
لأننا غثاء كغثاء السيل، أحببنا الدنيا، وكرهنا الموت، فكان ما كان.
كأني -والله- بقدوة من أولئك الصادقين يقول بلسان حاله وهو مرابط في
قبره: وا أسفاه! وا أسفاه! أأنتم أحفادنا؟ أأنتم من قرأتم القرآن؟! أأنتم
من درستم سيرة المختار؟!
وا أسفاه! نقشتم وصايا المختار على الجدران والأحجار، وكان الأحرى أن تنقشوها على الجنان!
وا أسفاه! أما قلت لكم: أقيموا الصلاة؟! فما بالكم تركتم الصلاة، وغادرتم
المساجد لتعمروا المسارح والملاعب والملاهي؟! وا أسفاه! أما قلت لكم:
صوموا رمضان، وقوموه إيماناً واحتساباً؟! فما بالكم تجعلونه شهر الطعام
والفوازير والسهر على الحرام مع ضياع الأوقات؟!
وا أسفاه! ألم أقل لكم: تصدقوا؟! فما بالكم بخلتم فما تنفقون درهماً! إلا
على أقدام راقصة أو لاعب أو صاحب مزمار أو آلة دمار وعار وأي عار؟!
وا أسفاه! ألم أقل لكم: حجوا واعتمروا؟! فما بالكم جُبْتُم أقطار الدنيا، وبيت الله منكم على مرمى حجر يهجر؟! أأنتم بشر؟
وا أسفاه! تغرقون في أزقة الغرب ومواخيرها، ولا تعرفون الخندق ولا بدراً
ولا أحداً ولا الحديبية ! لا تعرفون المقام ولا الحطيم ولا زمزم ، وتعرفون
أزقة باريس وما أشبهها!
ألم أقل لكم: انصحوا والدين النصيحة؟ فما بالكم
أتقنتم صفة النفاق تَغُشُّون وتُغَشُّون، والمؤمنون نصحة، والمنافقون
غششة! وا أسفاه يا رجال الحق!
يا رجال الحق قد جلَّ الأسى
أرجال منْ أرى أمْ لا أَرَى؟
ضاعت الأمةُ فِي غفلتكم
وتحيرنا لأمرٍ حيَّرا
الجوى ينخر في أحشائِكم
والهوَى بَينَ خوافِيكُم سَرَى
اسألوا عن كلِّ نصرٍ خالداً
واسألوا عن كلِّ عدلٍ عمرا
يا رجالَ الحق قدْ طالَ الجوَى
وبلغَ السيلُ الزبا وانحدرا
أنتم القدوة والناسُ بكم
تقَتدي فَخراً وتَزْهُو مَفخَرَا
وحِّدُوا أشتاتكم واتحدوا
واربطُوا أحلامَكم ربطَ العُرَى
واصبروا إن عَظُمَ الخطبُ فما
يدرك النصرَ سِوى مَنْ صبرا
وانصروا الله يَهبْكُم نَصرَهُ
واشكروه يُعط من قد شَكَرَا
صدقوا ما عاهدوا: فكانوا
قليلاً من الليل ما يهجعون، وبالأسحار هم يستغفرون، إذا ذكر الله وجلت
قلوبهم، وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً، أشداء على الكفار رحماء
بينهم، أذلة على المؤمنين، أعزة على الكافرين؛ رضي الله عنهم أجمعين.
أحبتي في الله: هذه بعض الصفات للصادقين
الغر الميامين؛ نوجه الجميع للنظر فيها: أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى
اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ [الأنعام:90]^ والاقتداء المطلق كما
تعلمون بنبي الله صلى الله عليه وسلم الذي هو قدوتهم؛ لأنه لا ينطق عن
الهوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:4] ثم يكون الاقتداء
بالصالحين الصادقين في الجانب الذي تميز كل واحد فيه بما ينطبق مع أحكام
الشرع ومقاصده، وكل يؤخذ من قوله ويرد إلا رسول الله صلى الله عليه
وسلم.......