فن إدارة الوقت في رمضان
فن إدارة
الوقت في رمضان
|
وقت رمضان غال فاستغله
|
بين ضيق الوقت وكثرة الواجبات والأعباء قد تَرتَبك
الأولويات، وتتأخر الضروريات، ويحدث الإخفاق، ثم يليه اليأس، الذي قد يقودنا إلى
فتور يمكن أن يضيِّع علينا أغلى اللحظات، وأعطَر الأيام، وليس هناك أغلى ولا أعطر
من أيام رمضان بكل ساعاته ودقائقه، في ليله ونهاره، ومن أجل هذا كان لا بد من البحث
عن حلٍّ لتلك الإشكالية حتى تتحققَ الإفادةُ المرجوَّة من شهر جعله الرحمن موسِمًا
لعتق الرقاب من النار، والدخول في رحمة الله، بعد أن تكون العبادات والطاعات قد
غسلت العبدَ من آثامه وذنوبه فيستحق شهادة الغفران؛ لينال بعدها الجائزة الكبرى..
العتق من النيران، ثم في الآخرة دخول الجنة من باب الريان.
ولأن الأمر كبير والطلب عاجل كان لا بد لنا أن نبحث
عن حلول للمشاكل التي قد تعترض طريقنا إلى باب الريان، فلجأنا إلى الخبير الإداري
محمد فتحي؛ علَّه يقدم لنا توصيفًا كاملاً لاستثمار كل لحظة من لحظات الشهر الكريم
من بدايته إلى نهايته، فكان الحوار التالي:
* نسمع عن الاستعداد لرمضان
روحيًّا وعباديًّا.. فكيف يمكن أن نستعد له إداريًّا؟
** الاستعداد لرمضان
إداريًّا يكون من خلال وضع خطة جيدة لإدارة الوقت في رمضان، ولكي يتحقق هذا لا بد
من التخطيط، ولا بد أن تتم كتابة قائمة بالمهامِّ التي أسعى لتنفيذها خلال هذا
الشهر الكريم، والوقت المتاح لي بشكل عام، والوقت الذي أحتاج إليه فعليًّا لإنجاز
هذه المهام، ثم بعد التخطيط تأتي مرحلة التنفيذ اعتمادًا على:
- قاعدة الأهم فالأقل أهميةً، فالواجبات أكثر
أولويةً من الأحقيات وهكذا، كما يجب أن أضع في اعتباري أثناء تنظيم وقتي في رمضان
أن هناك عددًا من الأمور الحياتية كالعمل الوظيفي الذي يستغرق جزءًا كبيرًا من
الوقت كل يوم.
- وهناك قاعدة يمكن أن نقوم على أساسها بتقديم عمل
على آخر لاستغلال الوقت في رمضان بأفضل صورة ممكنة، فالعمل إذا كان مهمًّا وعاجلاً
يجب أن أقوم به على الفور، أما إذا كان مهمًّا وغيرَ عاجل وملحّ فيمكن أن أقوم
بتأخيره لبعض الوقت.
- وفي حالة ما إذا كان هناك عمل ما غير مهم وغير
عاجل وغير ملحّ فإنه لا يفترض أن نقوم بتأديته على الإطلاق، وللأسف فإن مثل هذه
النوعية من الأعمال تستغرق وقت الغالبية العظمى من الناس الذين يقعون فريسةً لها.
* لكن متى نبدأ تحديدًا الاستعداد
لرمضان إداريًّا؟
** أفضل مثال في
الإستعداد لإدارة الوقت في رمضان ما كان يفعله الصحابة الكرام- رضوان الله عليهم-
إذ كانوا يبدأون في الإستعداد لرمضان قبل 6 أشهر من حلول موعده، وبشكل عام فإنه يجب
أن يكون لدى الفرد المسلم مع بداية شهر شعبان خطةٌ لإدارة وقته بأفضل صورة ممكنة في
رمضان، وذلك حتى تكون نفوسُنا قد استكملت استعدادَها للصيام مع بداية أول ساعة من
ساعات الشهر الكريم، ومن الممكن بعد هذا أن يحدث عدد من التجاوزات لكن بلا شك فإن
التخطيط يمكن أن يقلِّل مداها لأقصى حد ممكن.
بداية ونهاية
* إدارة الوقت في البداية تكون
أفضل من النهاية.. فما السبب في هذا؟
** هذا يعود بالأساس
إلى أن الحماس الذي يسيطر على الكثيرين مع بداية الشهر يكون انفاعليًّا، وهو ما
يدفعهم للإقبال على الكثير من الطاعات والعبادات بنَهَم شديد للغاية، وذلك دون أي
خطة لإدارة الوقت أو لتحديد الأهداف؛ ولذلك فإن الإحباط والفتور ما يلبث أن يتسرب
للنفوس بعد مرور فترة قصيرة للغاية، والسبب الرئيسي في ذلك يرجع بالأساس إلى سقف
الأهداف التي يقوم الشخص بوضعها بشكل يفوق قدراته بشكل كبير، والأفضل هو أن يحدد
الشخص عددًا معينًا من الأهداف التي يسعى لتحقيقها خلال فترة زمنية محددة، فيمكن له
مثلاً أن يقول: أسعى لإنجاز 5 أهداف في خمسة أيام، ورغم هذا يمكن أن تحدث بعض
الأخطاء التي يمكن تلافيها.
* التحديد الأمثل للأهداف في رمضان
كيف يجب أن يتم؟!
** في علم النفس
والإدارة أول قاعدة لتحديد الهدف هو أن يحدد الشخص ما الذي يحبه؟ وما الذي يكرهه؟
فالشخص عندما يوكل آلية تنفيذ أحد المهام أو الأعمال التي يحبها فإنه بلا شك يحقق
تفوقًا ملموسًا فيه، والعكس صحيح تمامًا، فعندما يتم تفويض أحد الأشخاص للقيام بعمل
ما لا يحبه فإنه لن يؤديَه على الوجه الأمثل كما يجب.
والقاعدة الثانية أن يقوم الشخص بتحديد هدفه في ضوء
طموحاته الخاصة، فالكثيرون يحبون تلاوة القرآن، لكن بلا شك فإن الذين يرغبون في
حفظه مجموعةٌ قليلة العدد؛ ولذلك نجد أنه في ظل الدولة الإسلامية الأولى كان هناك
حرصٌ شديدٌ على توظيف كل شخص حسب إمكانياته الذاتية، وفي ظل ذلك تم اعتماد "أبو
عبيدة بن الجراح" ليكون أمينًا على بيت المال، في الوقت الذي كان فيه خالد بن
الوليد قائدًا عسكريًّا؛ نظرًا لبراعته الفائقة في فنون القتال، كما أن أحد أساتذة
الفلسفة الغربيين قام بالحصول على تدريب تحويلي للعمل في مهنة جديدة بعد مضيِّ فترة
طويلة من الوقت؛ لأنه كان يهوى عملاً آخر!!
الموازنة والإنجاز
* في رأيك ما الهدف الرئيسي الذي
على المسلم أن يتمكن من إنجازه خلال شهر رمضان؟
** يحضرني هنا
نموذجٌ الإمام مالك الذي كان يترك الحديث وهو أحد أئمته الكبار ويقبل على تلاوة
القرآن الكريم في رمضان، والأمر نفسه كان يفعله سفيان الثوري رضوان الله عليه؛
ولذلك فإن تلاوة القرآن هي أفضل هدف عبادي يمكن أن نسعى لتحقيقه في رمضان، وفي
البداية سيجد بعض الناس- خاصةً الذين لا يقرأون القرآن منهم طول العام- أن الأمر
صعب، ولكن مع مرور الوقت سيخفُّ الأمر تدريجيًّا، وسيجده يسيرًا بعد هذا، ويقال إن
النفاق يمنع الإنسان من تلاوة القرآن؛ لذلك يمكن لنا أن نسعى للتخلص من النفاق عن
طريق القرآن، ويجب أن يتم وضع خطة لإدارة هذا الأمر مثل بقية شئوننا الحياتية.
* الكثيرون لا يستطيعون
الموازنة بين العمل الحياتي وإدارة الطاعات في رمضان.. فكيف يمكن التغلب على ذلك؟
** الموازنة تبدو
في أفضل صورها فيما كان يقوم به النبي- صلى الله عليه وسلم- والصحابة الكرام في
رمضان، فقد كانوا يتعبدون لله عز وجل بأفضل ما يكون، كما كانوا ينجزون كافة شئون
حياتهم بأكبر درجة ممكنة؛ ولذلك نجد أن الكثير من الفتوحات قد تمت خلال الشهر
المبارك، والشخص يمكن أن ينظِّم وقتَه على النحو التالي في رمضان لتحقيق الدرجة
القصوى من الاستفادة:
1- يمكن أن يتناول طعام السحور، ويصلي الفجر، ثم
ينام بعد هذا ساعتين قبل أن يذهب لعمله.
2- بعد هذا يجب أن يستغل المواصلات في قراءة
وردِه القرآني، فالمعلوم أن المواصلات تتسبب في إضاعة 25% من أوقات المواطنين في
مصر.
3- كما يجب أن يكون حريصًا على تأدية عمله
الحياتي بأفضل درجة ممكنة من الجودة والإتقان، وذلك حتى يصل للثمرة الحقيقية من
الصيام، ويجب أن يقتديَ في هذا بالإمام الثوري الذي ظل سنواتٍ طويلةً لا يأكل سوى
وجبة واحدة من الطعام يتناولها وهو سائر في الشارع!!
التقييم الشامل
* يعاني البعض من فتور الهمة في
العشر الأواخر من رمضان.. فما أسباب ذلك؟
** لا نستغرب
كثيرًا عندما نجد أن الكثيرين يهجرون المساجد مع دخول الأيام العشر الأواخر من
رمضان؛ وذلك لأنه لم تكن هناك أيةُ خطة تم إعدادها مسبقًا لإدارة الوقت في رمضان،
وبشكل عام كلما كان الاستعداد مبكرًا لرمضان كانت فرصة استثماره أفضل.
* إلى أي مدى يلعب التقييم
دورًا في إنجاز الأهداف؟
** هناك أنواع
مختلفة من التقييمات التي تُجرى على مدار فترات زمنية مختلفة:
- فهناك تقييم سنوي وآخر شهري، وفي حالة التقييم
قد يتم عقاب الشخص بخصم جزء من راتبه على سبيل المثال.
- وفي رمضان يفضل أن يُجرى تقييمٌ لأعمال الليل
في النهار من خلال مساءلة النفس: هل صليت القيام؟ وهل تمكنت من قراءة الورد
القرآني؟ وذلك حتى يتمكن من تدارك أي تقصير في بدايته.
- كما يجب على كل شخص أن يقيِّم نهارَ كل يومٍ
عقب تناوله الإفطار؛ وذلك لتطوير نفسه والوصول لأفضل معدل إنجاز.