حديث السبعة.. (8) رجل تصدق بصدقة فأخفاها (خطبة مقترحة)
حديث السبعة.. (8) رجل تصدق بصدقة فأخفاها (خطبة مقترحة)
كتبه/ سعيد محمود
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فلماذا نال هذه المكانة؟
الجواب:
أولاً: لأنه متصدق.
ثانيًا: لأنه مخلص، بل عظيم الإخلاص.
1- فضل الصدقة:
- قال -تعالى-: (وَسَارِعُوا
إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ
وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ . الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي
السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ) (آل عمران:133-134)، "سبب لدخول الجنة".
- وقال -تعالى-: (مَثَلُ
الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ
حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ
حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (البقرة:261)، "التجارة والأرباح المضمونة".
- تضعيف الحسنات؛ (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ) (البقرة:276)، (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا): ينقصه ويذهب بركته، (وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ): يزيدها وينمِّيها، ويضاعف ثوابها.
- الفقير يقرض الغني! (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ) (الحديد:11).
- الجزاء من جنس العمل؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: قال الله -تعالى-: (يَا ابْنَ آدَمَ أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ) (متفق عليه).
- دعوة الملائكة للمتصدق؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: (مَا
مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلاَّ مَلَكَانِ يَنْزِلاَنِ،
فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ
الآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا) (متفق عليه).
- لا تحتقر القليل من الصدقة؛ قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (سَبَقَ دِرْهَمٌ مِائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ)، قَالُوا: وَكَيْفَ؟ قَالَ: (كَانَ
لِرَجُلٍ دِرْهَمَانِ تَصَدَّقَ بِأَحَدِهِمَا، وَانْطَلَقَ رَجُلٌ إِلَى
عُرْضِ مَالِهِ فَأَخَذَ مِنْهُ مِائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ فَتَصَدَّقَ
بِهَا) (رواه النسائي، وحسنه الألباني).
2- جزاء الإخلاص والنية الصالحة:
- قال -صلى الله عليه وسلم-: (وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ).
"يخفيها عن جوارحه فكيف بالناس؟!"
"فضل صدقة السر وهي التطوع، وأما الواجبة فالإعلان فيها أفضل".
- قال الله -تعالى-: (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) (البقرة:271).
- وقال -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ صَدَقَةَ السِّرِّ تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّبِّ) (رواه الطبراني، وصححه الألباني).
- ولو وقعت خطأ عند غير مستحقها؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: (قَالَ
رَجُلٌ: لأَتَصَدَّقَنَّ اللَّيْلَةَ بِصَدَقَةٍ، فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ
فَوَضَعَهَا فِي يَدِ زَانِيَةٍ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ
اللَّيْلَةَ عَلَى زَانِيَةٍ. قَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى
زَانِيَةٍ، لأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ. فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ
فَوَضَعَهَا فِي يَدِ غَنِيٍّ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ
عَلَى غَنِيٍّ. قَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى غَنِيٍّ،
لأَتَصَدَّقَنَّ بِصَدَقَةٍ. فَخَرَجَ بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَهَا فِي يَدِ
سَارِقٍ، فَأَصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ عَلَى سَارِقٍ. فَقَالَ:
اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى زَانِيَةٍ، وَعَلَى غَنيٍّ وَعَلَى
سَارِقٍ. فَأُتِيَ فَقِيلَ لَهُ: أَمَّا صَدَقَتُكَ فَقَدْ قُبِلَتْ،
أَمَّا الزَّانِيَةُ فَلَعَلَّهَا تَسْتَعِفُّ بِهَا عَنْ زِنَاهَا،
وَلَعَلَّ الْغَنِيَّ يَعْتَبِرُ فَيُنْفِقُ مِمَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ،
وَلَعَلَّ السَّارِقَ يَسْتَعِفُّ بِهَا عَنْ سَرِقَتِهِ) (متفق عليه)، وهذا في الصدقة؛ بخلاف الزكاة المفروضة فلابد أن تصل لمستحقيها لتبرأ الذمة.
- بل ولو لم تفعل فقد تساوي بالنية الصالحة في الأجر مَن عمل؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّمَا
الدُّنْيَا لأَرْبَعَةِ نَفَرٍ: عَبْدٍ رَزَقَهُ اللهُ مَالاً وَعِلْمًا،
فَهُوَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ، وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ، وَيَعْلَمُ
ِللهِ فِيهِ حَقًّا، فَهَذَا بِأَفْضَلِ الْمَنَازِلِ، وَعَبْدٍ رَزَقَهُ
اللهُ عِلْمًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالاً، فَهُوَ صَادِقُ النِّيَّةِ،
يَقُولُ: لَوْ أَنَّ لِي مَالاً لَعَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلاَنٍ، فَهُوَ
بِنِيَّتِهِ، فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ، وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللهُ مَالاً
وَلَمْ يَرْزُقْهُ عِلْمًا، فَهُوَ يَخْبِطُ فِي مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ،
لاَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ، وَلاَ يَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ، وَلاَ يَعْلَمُ
ِللهِ فِيهِ حَقًّا، فَهَذَا بِأَخْبَثِ الْمَنَازِلِ، وَعَبْدٍ لَمْ
يَرْزُقْهُ اللهُ مَالاً وَلاَ عِلْمًا، فَهُوَ يَقُولُ: لَوْ أَنَّ لِي
مَالاً لَعَمِلْتُ فِيهِ بِعَمَلِ فُلاَنٍ، فَهُوَ بِنِيَّتِهِ،
فَوِزْرُهُمَا سَوَاءٌ) (رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني).
3- صور مشرقة:
- تنبيه: قلَّ ذكر صور المتصدقين سرًّا في كتب أهل العلم؛ لأن هذا مقتضى حالهم، ولكن بعضهم عرف من آثاره.
- زين العابدين بن الحسين،
قال محمد بن إسحاق: "كان ناس من أهل المدينة يعيشون لا يدرون من أين كان
معاشهم، فلما مات علي بن الحسين فقدوا ما كانوا يؤتون به في الليل".
- عبد الله بن المبارك يقضي دين شاب من تلامذته من غير علمه،
وذلك لما افتقده فسأل عنه فقالوا: محبوس بدين "عشرة آلاف درهم"، فاستدل
على الغريم ووزن له وحلـَّفَه ألا يخبر أحدًا ما عاش، فأخرج الشاب ولم
يعلم الرجل إلا بعد موت ابن المبارك.
- عكرمة الفياض "جابر عثرات الكرام"،
لما ذكر له في مجلسه أمر رجل صالح يقال له: "خزيمة بن بشر"، وما آل إليه
حاله من الفقر والشدة حتى أغلق عليه بابه ينتظر الموت. فقام فحمل أربعة
آلاف دينار في كيس واحد، ثم أمر بإسراج دابته، وخرج سرًّا من أهله حتى نزل
بيت خزيمة فأعطاه فلما ألح عليه خزيمة أن يعرفه قال: "جابر عثرات الكرام".
4- آداب الصدقة:
1- فهم معناها وأنها دليل على المحبة والطاعة، وكذلك تطهر من الشح؛ (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) (التوبة:111)، وقال: (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (الحشر:9).
2- أن تكون من كسب طيب؛ (يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ
وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ
مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ) (البقرة:267).
3- أن لا يفسدها بالمن والأذى؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى) (البقرة:264).
4- أن يطلب بصدقته من تزكو به الصدقة؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: (لاَ تُصَاحِبْ إِلاَّ مُؤْمِنًا، وَلاَ يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلاَّ تَقِيٌّ) (رواه أبو داود والترمذي، وحسنه الألباني).