مسلسلات الخصام في رمضان!!
مسلسلات الخصام في رمضان!!
سلمان بن محمد العنزي
أتى رمضان
الطاهر يحمل إلى القلوب رسالة النقاء الآسر، والعبادة المخبتة، والأعمال
الخاشعة، أتى وبحفافيه شياطين الإنس يحملون أقذارهم المندسة في أستارهم
يهدمون بها الأخلاق، ويحاربون بها الصفاء، ويدنسون بها الطهارة، ولسنا
والله- منهم في شيء، وإنا لنرفع أيدينا منفرجة تشرق بالصدق ندعو الله أن
يلبسنا وإياهم لباس الإيمان، وأن يسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنه، وأن يصنع
لنا من أنفسنا دافعاً نعلم به حقيقة الحياة وكيف ينبغي أن تكون، وأن
يخرج شمس الحقيقة من بين جبال قلوبنا السوداء لتنقي حياتنا وتنفض عن
سجاجيد نفوسنا غبار المعاصي والآثم وقتار التكبر والأنفة..وما لنا لا
ندعو لنا ولإخواننا الذين آذونا في أنفسنا، وتسلطوا على عقيدتنا، وتسوّروا
محراب أفئدتنا، واختلسوا أبناءنا من بيننا يعلمونهم الأفعال الشائنة،
ويغرسون فيهم الأخلاق البائرة، ويجرّئونهم على الآداب النقية؟ إننا
نحبّهم ونبخع أنفسنا حسرة وأسًى ألاّ نراهم معنا في طريق الذين أنعم الله
عليهم نشدّ على أيديهم ويشدون على أيدينا، ونحرث الآفاق متحدين بمحراث
العلم، ونبذر بذور الدين في النفوس والعقول لتخرج ثمارها مزهرة تملأ
الوجود نفعاً...
نعلم مما نسمع ونرى أن
أهل الدين ممن التزم المظهر الإسلامي، وتبطن العقيدة المحمدية، قد أصبحوا
سخرية في عيون الآخرين ممن غمس قلبه المفطور على معرفة ربه في كأس
الشهوات ومقسه في إناء الأهواء، يمثلونهم من خلال المسلسلات والأفلام عبدة
أموال، وأرباب فساد، وهادمي لذات، ومفرقي جماعات، ومستبدي سلطة، وعاشقي
نساء.. في ركام من التصوير ينم عن بغض يخذأ، وحقد لا يفثأ، وحسد لا يهدأ،
قد تكون المواقف الشخصية في سالف الأيام، أو التغيرات السياسية، أو
الأطماع المادية، أو الانحرافات العقدية، أو التبعات الغربية؛ سبباً من
أسبابه..
ولن يضرهم ذاك التصوير،
ولن يوهنهم ذلك التمثيل؛ لأنه لا يبين الحقيقة، ولا يشرح الحال ولا يصدق
في المقال، والناس -بحمد الله- ما زالوا على فطرتهم النقية، وأصالتهم
الدينية، وعقيدتهم السلفية، لم تطمح قلوبهم كاملة إلى الفساد، ولم تستخذ
عقولهم كلها للغرب، يعرفون الخير معرفة العالم، ويقدرون الحق تقدير
الحكيم، وكيف لا يكون ذلك وهم يرون آثار الصادقين في العباد والبلاد رحمة
وعطاء وبذلاً وتضحية... نعم قد يوجد البعض ممن امتلأت عينه من تراب
الدنيا؛ فأصبح لا يطعم شيئاً ولا يشرب شيئاً إلاّ وجد طعم التراب في حلقه
يجرضه.. حتى انفلتوا من عقالهم، وخبطوا في الحياة خبط عشواء نهباً
للأموال وعطفاً للقلوب وتضليلاً للعقول، وهم -بنعمة من الله وفضل- مكشوفو
الغطاء، قد عرفتهم العيون، وأنكرتهم القلوب، ورجمتهم الأيدي وبصقت في
وجوههم الطرقات...
إن ما نراه اليوم وما
نسمعه مما يُبثّ في القنوات الفضائية، ويقتتل الناس عنده مقتلة عظيمة في
رمضان وعقيبه، مما يحز في النفوس ويؤلم القلوب، ويرفضه المصلحون رفضاً
تاماً فليس من منهج الكرام البررة الذين يريدون هداية البشرية أن يحدوا
شفرتهم قبل رمضان، ويقتطعوا من أوقاتهم ما يتابعون فيه ما يأتي به أولئك
المنكوبون من أبناء الإسلام يتعبدون الله به، وليس من صفات أهل الخير أن
يعمد فئة منهم إلى اليانسون والعسل والزنجبيل يلينون به حلوقاً تشققت من
كثرة السباب والخصومة، ويرفعون رايات طاهرة في أرض دنسة.. !
إن الواجب أن نستمع إلى
قول الله - عز وجل - حينما أوصى نبيه (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ
حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ)، وأن نمد أنفسنا
بنور الصبر ليكشف لنا الأفق، ويرينا أين يجب أن تكون جهودنا، وفيما
يُفترض أن يكون تفكيرنا، حتى لا نصبح خفيفين نطير مع كل نازلة، ونقلع مع
كل مصيبة، وندوم في سماء الطيش، ونكون كالبرميل الفارغ يتحرك في كل
اتجاه؛ لأنه لم يُملأ بمادة السكون! فيتحكم بنا المفسدون، ويجعلوننا
وسيلة لتفتيت قوة الإسلام وتفريق صف المسلمين، وتهوين عضد المؤمنين، وإن
من مخططاتهم المعاصرة التي عرفناها بالتجربة ثم صدقها البرهان؛ أن يسلطوا
المسلمين على بعضهم ينهشون لحومهم بأسنانهم، ويخربون بيوتهم بأيديهم،
ويعطلون دينهم من حقيقته، فالسني يضرب بمعوله الشيعي، والشيعي يحطم بفأسه
السني، والصوفي يمزق ثوب السلفي، والسلفي ينتف لحية الصوفي، والعلماء
ينددون بالمجاهدين، والمجاهدون يستخفون بالعلماء، والمنفتحون يهزؤون
بالمتعصبين، والمتعصبون يفسقون المنفتحين! وأهل الخير يسلقون العصاة
بألسنتهم، والعصاة يسخرون بأهل الخير بتمثيلهم، والمرأة تشكو الرجل وتدعو
إلى المساواة، والرجل يضحك من دعواها ويزعم أنها تملك عليه حياته.. !
فامتلأت حياتنا بالكتب المنتفخة بأوهام الصواب، والمجلات المتسربلة
بسربال الإصلاح، والصحف المحتقنة بإفرازات الشهوات، والمسلسلات المليئة
بالسخرية من واقعنا، والأفلام المنددة بديننا وعاداتنا، وبذلك أصبحت
الدنيا الإسلامية فوق بركان يوشك أن ينفجر فيأكل الجميع... !
إن خيراً من ذلك كله أن
نهتم بالعلم ندرسه دراسة واعية باحثة متفحصة، وبالتعليم ننشر به الخير
بين الناس، وبالتربية نقيم بها أود أخلاقنا حتى نكون قدوة للناس ينظرون
فينا ما قرؤوه عن أسلافهم، ويجدون عندنا ما فقدوه في غيرنا، فتطمئن قلوبهم
المتشككة، وتسكن نفوسهم الجائشة، ويسمو تفكيرهم المتدني!
ونحمل نحن راية محمدية
طالما هجرها الناس، وتنكبوا عن طريقها لأنهم في عصر الاستخفاف ندّ بهم
الغضب، وغلبتهم الحماسة، وسيطر عليهم الحنق. (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ
اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ
مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي
الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ
يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ).
ارحمْ فؤادَكَ من حقدٍ يعيثُ به*** فالحقدُ نارٌ و أنت الشيحُ و الحطبُ
لا شيءَ كالحبّ يجلو صدرَ صاحبِهِ *** لو سادَ في الناسِ مات الخوفُ والرهبُ
إني لأعجبُ ممّن لا يحــبُّ أخاً *** و ليس يعجبُهُ في جارِهِ العجـبُ
تميز المرء بالأخـلاقِ لا حسبٌ *** يجدي إذا هي شانتهُ و لا نسـبُ
هيهاتَ يفلحُ من شاهتْ سريـرتُهُ *** لم يأخذِ العينَ لو لم يلمــعِ الذهبُ!