رمضان شهر الصالحات
رمضان شهر الصالحات
محمد صفوت نور الدين
الحمد لله في بدء كل أمر، وفى وسطه، وعند منتهاه.
فإن العبد إذا عرف
نعم الله عليه لم يزل له حامداً شاكراً مسبحاً، ومن ذنوبه تائباً
مستغفراً، والكيس في الدنيا يتحرى أوقات عمله، فيتحرى موسم المطر لبذره
وغرسه، وموسم الإثمار لجنيه وحصاده. ويتحرى شروق الشمس لما يحتاج فيه إلى
الضوء، ودخول الليل لما يحتاج السكون. وهكذا.
وهذا رمضان أقبل،
وهو موسم الخيرات المجتمعة، فمن اغتنم فاز، ومن ضيعه فقد ضيع خيراً
كثيراً. والله رب العالمين جمع الخير في قوله: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي
أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْءَانُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى
وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) (البقرة:
185).
وفى الحديث: ((بَعُد من أدرك رمضان ولم يُغفر له)).
وفى الحديث: ((إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وصفدت مردة الشياطين))
ومرور هذه الأيام
والشهور إنما هي من عمر العبد، الذي يلقى ربه فيسأله عما عمل فيها، فمن لم
يغتنم العمل في رمضان وضيعه فقد ضيع خيراً كثيراً، ولذا، فإننا ندعو
أنفسنا والناس جميعاً إلى الانشغال في رمضان بالصالحات من الأعمال،
والمكفرات من الذنوب، طمعاً في مغفرة الله وعفوه، وأملاً في رضوانه وجنته،
وحذراً من عقوبته ونقمته..
وإن الذنوب التي تقع من العباد هي سبب بوار الدنيا، وسبب عذاب الله يوم القيامة..
وإن دفع هذه الذنوب
له أسباب، من قام بها، كان الرجاء أن يحميه الله من بوار الدنيا وعذاب
الآخرة، ومن هذه الأسباب التي ننصح أنفسنا وإخواننا بها في كل وقت خاصة في
شهر رمضان:
أولاً: التوبة النصوح:
فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له. والله يقبل التوبة من جميع الذنوب (الكفر - والشرك - والقتل فما دونه).
فيقول - سبحانه -: (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ)[الأنفال: 38)].
وإن توبة العبد من
الذنب تمحو الإثم بفضل الله وعطائه - سبحانه -، بل إن التوبة من الذنب
توجب لصاحبها من العبودية والخشوع والتواضع والدعاء، ما لا يحصل له بغير
التوبة من الذنب، لذا كان حري بالعبد إذا وقع منه ذنب بغفلة أو غلبة
الشهوة عليه، أسرع إلى ربه ومولاه قائلاً: رب قد أذنبت فاغفر لي، فمن كان
هذا حاله يقول - سبحانه - له: (عبدي افعل ما شئت فقد غفرت لك).
ثانياً: الاستغفار:
وهو قد يكون مع
التوبة أو بدونها، فإن كان معها فالتوبة تمحو جميع الذنوب والسيئات، وإن
كان بدونها، فهو من جنس الدعاء والسؤال. فهو من أسباب دفع العذاب، وقد ساق
الله في كتابه استغفار الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فقال - سبحانه -:
(فَتَلَقَّى ءَادَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ
هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) وتحقيق ذلك في قوله - تعالى -: (قَالَا
رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا
لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)(الأعراف: 23).
ويقول إبراهيم
وإسماعيل: (رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ
الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ
ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ
عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)(البقرة: 127، 128).
وقول موسى: (أَنْتَ
وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ *
وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا
هُدْنَا إِلَيْكَ)(الأعراف: 155، 156).
ثالثاً: الأعمال الصالحة:
لحديث: (الصلوات
الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان كفارات لما بينهم إذا اجتنبت
الكبائر)، وحديث: (من صام رمضان غيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من
ذنبه) وحديث: (الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار)، وحديث: (صوم
يوم عرفة يكفر سنتين ماضية ومستقبلة، وصوم عاشوراء يكفر سنة ماضية)، وإن
فضل الأعمال وثوابها ليس لمجرد صورها الظاهرة، بل حقائقها التي في القلوب.
والناس يتفاضلون في ذلك تفاضلاً عظيماً بالإيمان والتقوى.
والله - عز وجل -
يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى
تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ
وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ
وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ *
يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ
تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ
الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (الصف: 10-12).
وليحذر المسلم في
رمضان وغيره من محبطات الأعمال، ففي الحديث: ((إن الرجل لينصرف وما كتب له
إلا عُشر صلاته، تسعها، ثمنها، سبعها، سدسها، خمسها، ربعها، ثلثها،،
نصفها)، وفى ذلك أحاديث عن الصوم والحج كذلك.
وقد يكون العمل
الصالح إحساناً إلى عبدٍ أو حيوان، ففي الحديث: (بينما كلب يطيف بركيه.
كاد يقتله العطش، إذ رأته بغى من بغايا بنى إسرائيل، فنزعت موقعها فسقته
فغفر لها).
وفى مقابل ذلك يحذر
العبد الذنوب، وإن استصغرها، ففي الحديث: (دخلت امرأة النار في هرة ربطتها
لا هي أطعمتها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض، حتى ماتت).
رابعاً: المصائب الدنيوية والصبر عليها:
ففي الحديث: (ما
يصيب المؤمن من وصب، ولا نصب، ولا غم، ولا هم، ولا حزن، ولا أسى، حتى
الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه)، والله - عز وجل - يقول:
(إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ).
خامساً: الدعاء:
وهو وإن كان من جملة
الأعمال الصالحة، والاستغفار قسم منه، إلا أن إفراده بالذكر لجلاله وعظم
قدره، ولأن الله - سبحانه - جعل بين آيات الصيام قوله - سبحانه -:
(وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ
الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي
لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) [البقرة: 186)]، وللدعاء المستجاب شرائط منها:
أن يدعو الله بأحسن الأسماء، قال - تعالى -: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا)(الأعراف: 180).
وأن يخلص النية،
ويظهر الافتقار، وألا يدعو بإثم أو قطيعة رحم، ولا بما يعينه على معاداته.
وأن يعلم أن نعمة الله فيما يمنعه من دنياه كنعمته فيما خوله وأعطاه.
ومن الأوقات التي يرجى فيها إجابة الدعاء:
الثلث الأخير من
الليل، وعند الأذان وبين الأذان والإقامة، وأدبار الصلوات المكتوبة، وعند
صعود الإمام يوم الجمعة على المنبر حتى تقضى الصلاة، وآخر ساعة بعد عصر
يوم الجمعة.
وإذا وافق الدعاء
خشوعاً في القلب وانكساراً للرب، وذلا، وتضرعاً، ورقة، واستقبل القبلة،
وتحرى الطهارة، ورفع يديه إلى الله - تعالى -، وبدأ بالحمد لله والثناء
عليه، ثم الصلاة على محمد عبده ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، ثم قدم بين
يديه حاجته بالتوبة والاستغفار، ثم ألح على ربه في السؤال، ودعا دعاء
رغبة ورهبة وتوسل بأسمائه وصفاته، وتوحيده، وقدم الصدقة بين يدي الدعاء،
وحرص على الأدعية التي أوصى بها النبي - صلى الله عليه وسلم - فإنها مظنة
الإجابة.
هذه بعض وصايا
للصائمين في الشهر الكريم، نسأل الله أن يقبل منا العمل، وأن يغفر لنا
الزلل، وأن يرفع عنا الأغلال والآصار، وأن ينصرنا بالإسلام، وأن يحشرنا مع
النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
آمين. آمين، يا رب العالمين.