الزوجان في رمضان
الزوجان في رمضان
جمال ماضي
1- فرصة لا تعوض
هذه
أيام الأرباح لكل زوجين، فهي فرصتهما؛ لأنهما الوحيدان على التعاون
اليومي في الاغتراف من هذه الغنيمة، فمن لم يربح في هذا الشهر فمتى يربح؟!
يقول النبي : "كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به".
فما أروع أن يقدم الزوجان
الصيام على شهوتهما؛ احتسابًا لما عند الله من أجر، فقد اختص الله الصيام
من بين أعمال يتضاعف أجرها إلى سبعمائة ألف، فما بالك بالقيمة الأجرية
للصيام الذي اختصه الله لنفسه، فهو سر لا يكتشفه أحد؛ ليتدرب الزوجان على
الالتقاء حول الحق، فيتحقق بينهما التفاهم والتقارب والتكامل الحقيقي في
مسيرة الحياة.
وما أحسن أن يتدرب
الزوجان على الصبر في هذا الشهر، ليكون ذلك دربهما طوال العام، فيلتقيان
على الطاعة بالصبر على أداء الفريضة، ويتحدان على مواجهة الأزمات من
صبرهما على ألم الجوع والضعف والعطش، ويمتزجان على الانتصار على المعاصي
بالصبر عن كل محرم، كما تدربا عليه في البعد عن الرفث والفسوق والسباب
والهجر.
وما أجمل الزوجين وهما في
حفلٍ أجمل من حفل الزواج! إنه حفل الأجور من رب العالمين، من تطوع فيه
بخصلة من خصال الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه، وخصال الخير كثيرة،
وميدانها الأول بين الزوجين، في التقدير والاحترام والحماية والرعاية
والخدمة والمودة.
وما أسعد الزوجين وهما
يسبحان معًا في حب الله، ليتعلما كيف يدوم حبهما، ويستمر انسجامهما، فلذة
الزوجين في رضا الله، وإن خالف هواهما، ولولا هذا الشهر ما تدرب الزوجان
على ذلك، فقد أتت فرصة العمر في التدرب على ترك شهوة النفس، مثل الغضب
والعصبية والتشاحن والهجر والعكننة، وقد حانت لحظة الحب الحقيقية لله
تعالى في الابتعاد عما يكرهه الله من الكسب الحرام والرشوة والظلم والغش
والربا، فكل ذلك كفيل بنسف أسس السعادة الزوجية والأسرية.
2- لقاء الفرحة اليومي
{قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ
وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا
يَجْمَعُونَ} [يونس: 58]، وهذا فضل الله ورحمته على كل زوجين في رمضان، أن
جعل الله لقاء الإفطار مع الزوجة والأسرة لقاءً للفرحة يوميًّا، فهو
تدريب على ممارسة سلوك الفرحة طوال العام، فيتعلم الزوجان التعبير عن
فرحتهما معًا، بكل الوسائل، سواء المادية أو المعنوية، من الزينات والطعام
والشراب والفكاهات والحب والعواطف، ووداعًا للحظات النكد وأوقات التوتر
والانفجارات.
في هذا اللقاء اليومي يتذكر الزوجان أنهما (زوجان في الجنة):
والداعي إلى الجنة هو
الله تعالى، فكما أبلغنا حبيب قلوبنا النبي : "إن في الجنة بابًا يقال له:
الريان، يدخل منه الصائمون لا يدخل منه غيرهم". فهنيئًا لكل زوجين حبيبين،
يدخلان وأيديهما متشابكة، والحب يسري بلمسة اليدين، ويسبقهما شوق إلى
لقاء الحبيب، فمن لقاء الفرحة اليومي تهيج الأماني الغاليات، فأماكن الحجز
من الآن، والمكان عند باب الريان، فعلامَ الافتراق في الدنيا؟! ولم
الأحزان تأكل من الزوجين أجمل أيامهما؟!
وفي هذا اللقاء اليومي تزوِّج كل زوجة زوجها من حوريات الجنة:
فساعديه -أيتها الزوجة-
من أجل أن يتزوج حورية، من أجلك ومن أجله؛ ففي الحديث: "إن الحور العين
تنادي في شهر رمضان هل من خاطب إلى الله فيزوجه". يقول الحسن: إن الحور
تقول للصائم في الجنة عن يوم صيامه: إن الله قال لملائكته: انظروا إلى
عبدي ترك زوجته وشهوته ولذته وطعامه وشرابه من أجلي، رغبة فيما عندي،
اشهدوا أني قد غفرت له، فغفر لك يومئذ وزوجنيك.
ساعديه بالقيام والتهجد في ليل رمضان، فمهر الحور العين طول التهجد، وهو حاصل في ليل هذا الشهر الكريم.
وفي هذا اللقاء اليومي ينعم الزوجان بالقلوب الصائمة الطاهرة:
فصوم القلوب يتحقق في
سلامة الصدور من الغل والحسد والإثم والبغي، وفي القلب الذي ليس فيه شيء
لأحد، فحقيقة التقوى ليست بكثرة صيام ولا صلاة، وإنما بلغ من بلغ بسخاوة
الأنفس، وسلامة الصدور، والنصح للأمة، فيتعلمان طوال العام، نظرة القلب
النقية التي تقع على المحاسن لا العيوب، وهمسة القلب الحانية التي تدفع
ولا تعوق، ولمسة القلب الساحرة التي تنشر الحب، وتصنع الذكريات الملهمة.
وفي هذا اللقاء اليومي يمتلك الزوجان أجمل قصر للتمليك بالمجان:
وينادي مناد: يا باغي
الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، فكأن الخير قصرٌ، وقد وقف المنادي يعلن:
يا باغي الخير أقبل، يا باغي القصر أقبل، تعال وامتلكه فورًا مجانًا، أين
المشترون؟! إن أعظم حوارًا زوجيًّا حينما يكون عن بيت المستقبل، وتحسين
الغد، وبناء حياة سعيدة هانئة، وها هو الوقت قد حان.
3- ليالي لذة الزوجين
كان النبي بعد العشرين من رمضان يعتزل النساء:
ويطوي الفراش، وبذلك فلكل
زوجين عشرون يومًا من اللذة والمتعة معًا، {فَالآَنَ بَاشِرُوهُنَّ
وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} [البقرة: 187]. حتى إذا جاءت رحلة
الاعتكاف، فالزوج في ضيافة الرحمن، والزوجة تعاونه على أن يحسن الاستضافة
للرحمن، فقد تصاحبه في الرحلة، بعدما أصبح اليوم أماكن مخصصة للمعتكفات،
وقد تعينه في رحلته، "كانت عائشة تمشط شعر النبي وهو معتكف"، "وكانت تضع
له الخباء ليتعبد"، وقد تزوره للاطمئنان، كما في زيارة صفية الشهيرة ليلاً
للنبي وقد خرج لتوديعها.
وكان النبي يحيي ليلة العمر ليجدد الحياة:
وتسأله أم المؤمنين
عائشة: أرأيت إن وافقت ليلة القدر ما أقول فيها؟ قال: "قولي: اللهم إنك عفو
كريم تحب العفو فاعف عني". فهي ليلة ليجدد كل زوجين حياتهما، ويتدربان
على قطع الملل الزوجي أن ينفذ إليهما، بالتجديد والتغيير، فهي ليلة الخير،
وهي ليلة السلام، وهي ليلة الملائكة، وهي ليلة خيرها أكثر من خير 80
عامًا.
ولموافقة هذه الليلة كانت
ليالي رمضان للزوجين ليالي انشراح، كان ليل النبي إذا قضى تهجده وأراد أن
يوتر أيقظ أهله، وكان ليل عمر يصلي ما شاء الله حتى إذا انتصف الليل أيقظ
أهله للصلاة، وكانت امرأة صهيب بن محمد تقول لزوجها بالليل: قد ذهب الليل
وبين أيدينا طريق بعيد، وزادنا قليل، وقوافل الصالحين قد سارت قُدَّامًا،
ونحن قد بقينا.
وكان النبي لا ينسى ليلة المغفرة (ليلة المكافأة):
وحتى يتذكرها كل زوجين،
فهي ثمرة العمل والجهد، حيث يغفر لهم في آخر ليلة في رمضان، وقد سئل النبي
أهي ليلة القدر، قال: "لا، ولكن العامل إنما يوفي أجره إذا قضى عمله"[1].
ولكل زوجين في حياتهما، ومواجهتهما لمعارك الحياة، وانتصارهما على
مشاكلهما، ثمرة ومكافأة بحياة هانئة في الدنيا، وجنة ومغفرة في الآخرة.
وكان النبي لا تفوته أمسيات النور وليالي القرآن:
كان جبريل يلقاه في كل
ليلة من رمضان فيتدارسان القرآن، في أمسية يومية قرآنية، فهل يفوت الزوجان
هذا النور؟ فهما به زوجان مع القرآن تلاوة وتدبرًا وخشوعًا، وهما زوجان
في حلقات المسجد، وهما زوجان يحمل كل منهما المصحف، لتستمر أمسيات النور
على امتداد عمرهما.