برامج عملية للأسرة في رمضان
برامج عملية للأسرة في رمضان
من نعم الله على
المسلمين أن شرع لهم صيام شهر رمضان، وجعله زادًا ومنشطًا للفرد والأسرة،
والمجتمع ككل، يزداد فيه الجميع من جهة إيمانهم وإرادتهم وأخلاقهم، فيؤهلهم
ذلك لحسن الانتفاع بالحياة، والسعادة فيها على أكمل وجه، حيث قلوبهم فيه
تقترب من ربهم تبارك وتعالى، وإيمانهم خلاله يعظم، وإرادتهم تُشحَن وتفيض
قوة وصلابة، وتمسكهم يزداد بإسلامهم، وتطبيقهم له، فينتفعون ويسعدون بخيرات
الكون.
ومن أجل أن تحقق الأسرة
المسلمة في رمضان تلك الأهداف السابقة، فإن عليها أن تضع لنفسها برنامجًا
يشتمل على أعمال قلبية إيمانية، وأعمال سلوكية عملية تتناسب مع طموحات
الأشخاص وآمالهم في رمضان.
أولاً: الأعمال القلبية الإيمانية:
وهي تنقسم إلى قسمين:
- أعمال فردية: حيث يقوم بها كل شخص منفردًا.
- أعمال جماعية: بحيث يتعاون جميع أفراد الأسرة لإنجازها وتحقيقها.
ومن أمثلة الأعمال الفردية:
1- جعل فترة زمنية أثناء
اليوم للتدبر في مخلوقات الله تبارك وتعالى؛ فإن التدبر يزيد القلب
إيمانًا بقدرة خالقه وعظمته، وحبًّا له، وتعلقًا به، وتوكلاً عليه، وطلبًا
لعونه وأرزاقه ومنافعه، وهذه الفترة الزمنية تختلف من شخص لآخر، على حسب
اختلاف الظروف والأحوال كل بحسب حاله.
2- جعل فترة لقراءة
الذكر الكريم، وكذا لذكر الرحمن؛ فإن الذكر يحيي القلوب كما في حديث أبي
موسى -رضي الله عنه- قال: قال النبي : "مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر
ربه مثل الحي والميت"[1]. وبالذكر يطمئن القلب، قال الله: {الَّذِينَ
آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ
تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28].
والذكر يشمل الاستغفار،
والدعاء، وقراءة الأذكار، وقراءة آيات القرآن، ونحو ذلك، وهذه الأعمال
يؤديها كل فرد كيفما استطاع، وعلى أي حال مناسب كان، وبأي مكان ملائم.
3- المحافظة على الصلاة
في أول الوقت: وهذا العمل من أحب الأعمال إلى الله تبارك وتعالى؛ لحديث عبد
الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: سألت النبي أي العمل أحب إلى الله؟
قال: "الصلاة على وقتها". قلت: ثم أي؟ قال: "ثم بر الوالدين". قلت: ثم أي؟
قال: "الجهاد في سبيل الله". قال: حدثني بهن ولو استزدته لزادني[2].
وإذا أحب الله عملاً أحب فاعله، فإذا أحبه زاده توفيقًا وسعادة، وكلما أدى الفرد الصلاة في جماعة في المسجد، كان الثواب مضاعفًا.
4- جعل وقت في السحر
للقيام ببعض الركعات التي يتضرع فيها الشخص إلى الرب تبارك وتعالى، جاعلاً
هذه الآية نصب عينيه {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ
عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: 79].
وليستشعر الفرد أنه في الثلث الأخير من الليل يكون النزول الإلهي إلى
السماء الدنيا.
- أما الأعمال الجماعية:
أغلب ما سبق ذكره يمكن
أداؤه بصورة جماعية بين أفراد الأسرة، وعلى حسب ظروف الأفراد وأحوالهم، فإن
الاجتماع يحدث قوة ونشاطًا، وتعاونًا وألفة وسكينة.
ثانيًا: الأعمال العملية السلوكية:
ويقصد بها استغلال فرصة
قوة الإيمان والإرادة في التمسك ببعض الأخلاقيات الإسلامية الأساسية التي
ستمهد بعد ذلك -بإذن الله- للتمسك ببقيتها، وهذه الأعمال الأخلاقية منها
أعمال فردية، ومنها أعمال جماعية.
فمن الأخلاق الفردية:
1- غض البصر عما حرَّم الله تبارك وتعالى، فإنه يدرب على مزيد من التقوى، ويورث حلاوة للإيمان في القلب.
2- حفظ اللسان عن الغيبة
والنميمة، والسخرية والكذب وما شابه ذلك؛ فعن سهل بن سعد رضي الله عنه: عن
رسول الله قال: "من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له
الجنة"[3]. وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله : "من لم يدع
قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه"[4].
3- الوفاء بالوعد: فإنها تحفظ الأوقات والجهود، وتحسن العلاقات، وتحقق المكاسب والأرباح بإذن الله تعالى.
أما الأعمال الجماعية فمثل:
1- الاجتهاد في الاجتماع
على السحور والإفطار: ففي هذا الاجتماع تدريب على كثير من أخلاق الإسلام
عند الاجتماع مثل: التعاون في وضع الطعام ورفعه، والتسامر حوله، وزرع الحب
وصفاء القلوب، والرضا بالموجود، والتدريب على استحضار النوايا، والتسمية
وحمد الله تبارك وتعالى، والإيثار، وعدم عيب الطعام، وتذكر الفقراء،
والتوسط والاعتدال، والمحافظة على المواعيد، ونحو ذلك.
2- المشاركة في خدمة
المجتمع: فذلك يدرِّب على التعاون مع المجتمع، وحسن التعامل بين أفراده،
والإخلاص في العمل لله تبارك وتعالى، ودعوة الآخرين للإسلام.
وتتمثل خدمة المجتمع في
توزيع بعض الاحتياجات على الفقراء أو إطعامهم، أو توزيع الزكوات، أو
استضافة الأقارب والجيران والزملاء والأصحاب، أو زيارتهم، أو مهاداتهم، فكل
هذه الأمور تزيد من الألفة والترابط، وتنشر تعاليم الإسلام.
ويستحسن أن يجلس رب
الأسرة مع أفرادها ذكورًا وإناثًا في جلسة حوارية ودية لأخذ الآراء
والمقترحات فيما يمكن لكل فرد عمله بمفرده، وما يمكن أن يقوموا به مجتمعين،
فإن هذا الحوار والمشورة يشجع على العمل بفهم ورغبة دون إكراه أو إلزام،
بحيث يكون الدافع لذلك من داخل النفس.
كما يفضل أن تكون هذه
الجلسة أسبوعية لمتابعة تنفيذ القرارات الجماعية التي تم الاتفاق عليها،
وتحديد أوجه التقصير فيها، ومحاولة حلِّ هذا التقصير، وتشجيع الأوجه التي
أُديت بنجاح، ومحاولة زيادتها والاستمرار عليها قدر الاستطاعة ما أمكن بعد
انتهاء شهر رمضان.
نسأل الله تبارك وتعالى
أن يعيننا على طاعته ورضاه، وأن يجنبنا الزلل في القول والعمل بمنِّه
وكرمه، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله
وصحبه.