عقيدة أهل السنة والجماعة
فمن آمن بالله رباً وإلهاً معبوداً بالحق، واستقام على دينه، فهذا هو دين الله،
وهذا هو الإسلام، وهذا هو الإيمان، وهذا هو الهدى، وهذا هو العبادة التي خلقنا لها،
الإيمان بالله ثم الاستقامة؛ الإيـمان بالله رباً وإلهاً معبوداً بالحق والإيـمان،
بكل ما شرع من الأوامر والنواهي، والعمل بذلك. هذا كله العبادة، وهذا هو الدين،
وهذا هو الإيمان بالله، وهذا هو الإسلام وهذا هو الهدى، وهذا هو التقوى. ومن
الإيمان بالله: الإيـمان بأسمائه وصفاته، كله داخل في الإيـمان بالله، الإيـمان
بأنه سبحانه حكيم عليم، رحمن رحيم، على كل شيء قدير وبكل شيء عليم، وأنه سبحانه
بيده تصريف الأمور وهو القادر على كل شيء وإليه مصير العباد، فالإيـمان بكل أسمائه
وصفاته كل ذلك داخل في الإيـمان بالله، فعلى المكلف أن يؤمن بالله رباً وإلهاً
معبوداً بالحق وعليه أن ينقاد لشريعته فعلاً للمأمور وتركاً للمحظور، هكذا الإسلام
وهكذا الإيـمان. إيـمان بالله يتضمن أداء فرائضه، وترك محارمه والوقوف عند حدوده،
والإيـمان بأسمائه وصفاته، والإيـمان بكل ما أخبر الله به ورسوله مما كان وما يكون.
وصفاته وأسماؤه توقيفية، تؤخذ من كتابه وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، فالمؤمن
يؤمن بذلك، يؤمن بكل ما دل عليه كتاب الله من أسمائه وصفاته، وبكل ما أخبر به النبي
صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة من أسماء الله وصفاته، كله داخل في
الإيـمان بالله، مع الإيـمان بأنه سبحانه ليس كمثله شيء، له الكمال المطلق في علمه
وتوحيده وفي قدرته وفي حكمته، في كل أسمائه وصفاته، كما قال سبحانه:
لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ[31]،
وقال: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ(1) اللَّهُ
الصَّمَدُ(2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ[32]،
ويقول سبحانه: فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلّهِ الأَمْثَالَ
إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ[33].
فله الكمال المطلق في علمه وقدرته وحياته، وفي كل شيء سبحانه وتعالى، لا شريك له
ولا شبيه له ولا كفو له. وأسماؤه وصفاته جاءت مفصلة ومجملة، فصلها في الإثبات: إن
الله عزيز حكيم غفور رحيم، سميع بصير عليم حكيم، على كل شيء قدير، مفصلة في
إثباتها، ومجملة في نفيها، جمع سبحانه بين النفي والإثبات، نفي مجمل وإثبات مفصل،
لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ،
وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ،
فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلّهِ الأَمْثَالَ. كل
هذا نفي مجمل، وفيه نفي مفصل، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ
يُولَدْ، ولكنه قليل، الغالب على النفي: الإجمال، نفي النقائص والعيوب،
والمشابهة لخلقه.
وفصل صفاته الثابتة في كتابه العظيم إِنَّ اللَّهَ
سَمِيعٌ بَصِيرٌ[34]،
إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ[35]،
هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ
الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22) هُوَ اللَّهُ الَّذِي
لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ
الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23)
هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى
يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ
(24)[36].
إلى غير هذا مما بين سبحانه من أسمائه وصفاته جل وعلا، فعلى العبد أن يؤمن بذلك،
وبكل ما أخبر الله به ورسوله من أسماء الله وصفاته، على الوجه الذي يليق به سبحانه،
لا يشابه خلقه في شيء من صفاته، نؤمن بذلك على الوجه الذي يليق به سبحانه، ليس له
مثيل ولا نظير ولا كفو ولا ند، جل وعلا، فعلمه كامل ليس كعلمنا، قدرته كاملة ليست
كقدرتنا، بصره كامل ليس كبصرنا، وهكذا بقية صفاته سبحانه وتعالى، وهكذا يسمع ويبصر
ليس كسمعنا وبصرنا، بل هو أكمل وأعظم، وهكذا موصوف بأن له يداً، بل يداه مبسوطتان،
سميع بصير، وله قدم كما في الحديث الصحيح: ((لا تزال جهنم
يلقى فيها وهي تقول هل من مزيد حتى يضع الجبار فيها رجله – وفي رواية –
قدمه، وينـزوي بعضها إلى بعض، ثم تقول قط قط أي حسبي
حسبي))[37]
لا مثيل له في سمعه ولا في بصره، ولا في يده، ولا في وجهه ولا في قدمه ولا في غير
ذلك، وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ
وَالْإِكْرَامِ[38]،
كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ[39].
وهذه الصفات التي وصف بها نفسه، نصفه بها، ونقول كما قال: له وجه وله يدان، وله سمع
وله بصر وله قدم، وله أصابع كلها تليق به، لا يشابه خلقه في شيء من صفاته جل وعلا،
جاء في الحديث الصحيح: ((إن القلوب بين إصبعين من أصابع
الله يقلبها كيف يشاء))[40].
وعرفت أيها المسلم: أن الإيمان بالكتب، يشمل الإيمان بجميع الكتب المفصلة والمجملة،
نؤمن بكتب الله المنـزلة على رسله وأنبيائه، وما سمى الله نسميه من التوراة
والإنجيل، والزبور وصحف إبراهيم وصحف موسى، وما سمى الله نسميه وأعظمها القرآن وهو
خاتمها.
وهكذا الملائكة نؤمن بهم إجمالاً وتفصيلاً، من سماه الله سميناه: كجبرائيل وميكائيل،
ومن لم يسمه الله نقول: لله ملائكة، لا يحصيهم إلا الله جل وعلا. يقول النبي صلى
الله عليه وسلم في شأنهم: في البيت المعمور الذي فوق السماء السابعة، على وزان
الكعبة يدخله كل يوم سبعون ألف ملك، ثم لا يعودون إليه مرة أخرى، كل يوم سبعون ألف
ملك للتعبد، ثم لا يعودون إليه، فمن يحصيهم إلا الله جل وعلا. وله ملائكة يتعاقبون
فينا، يشهدون معنا الصلوات، فإذا صلى الناس الفجر عرج الذين باتوا فينا، وبعد العصر
يعرج الذين فينا من النهار، وينـزل أهل الليل يجتمع في صلاة الصبح ملائكة يتعاقبون
فينا، يشهدون على أعمال العباد وما شاهدوه منها، يسألهم ربهم وهو أعلم، إذا عرجوا
إليه: كيف تركتم عبادي، فيقولون تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون، ومعك أنت يا
عبد الله كل واحد منا معه ملكان يكتبان أعماله، هذا يكتب حسناته وهذا يكتب سيئاته.
مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ
عَتِيدٌ[41]،
وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَاماً
كَاتِبِينَ (11) َيعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (12)[42].
فجدير بك يا عبد الله أن تحرص على إملاء الخير على هؤلاء الملائكة، إملِ الخير،
إملِ عليهم ما ينفعك ويرضي الله عنك، من التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير،
والدعوة إلى الله وتعليم الخير والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، إلى غير هذا من
وجوه الخير وهكذا العمل، فهم يكتبون كل شيء، وعلينا أن نؤمن باليوم الآخر، علينا
جميعاً على جميع المكلفين من الجن والإنس، الإيـمان باليوم الآخر، يدخل فيه كل ما
أخبر الله به عن يوم القيامة، كله داخل في الإيـمان باليوم الآخر، الجنة والنار
والحساب والجزاء، توزيع الكتب على الناس، والمرور على الصراط يوم القيامة، مرور
المؤمن على الصراط إلى الجنة، إلى غير هذا من كل ما فرضه الله ورسوله في اليوم
الآخر، علينا أن نؤمن بذلك وأن الله يبعث عباده بعد مماتهم في آخر الزمان عند قيام
الساعة، يرسل الله ريحاً طيبة تقبض أرواح المؤمنين والمؤمنات، فلا يبقى إلا الأشرار
في خفة الطير وأحلام السباع، يأتيهم الشيطان ويزين لهم الشرك بالله وعبادة غير
الله، فيعبدون غير الله وتمتلئ الأرض من شركهم وكفرهم، وضلالهم، وعليهم تقوم
الساعة، نسأل الله العافية، فالله جل وعلا يحكم بين عباده يوم القيامة ويجازيهم
بأعمالهم إن خيراً فخير وإن شراً فشر، كما قال جل وعلا:
وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ
لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا
بِالْحُسْنَى[43]،
وقال جل وعلا: فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ
خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ[44]،
وقال سبحانه: إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ
ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا
عَظِيمًا[45]،
ويقول سبحانه: وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ
لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ
حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ[46].
فجميع أعمال العباد يوفون إياها إن خيراً فخير، وإن شراً فشر. تنصب الموازين يوم
القيامة، وتوزن فيها أعمال العباد فهذا يثقل ميـزانه، وهذا يخف ميزانه،
فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6) فَهُوَ فِي
عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (7) وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ
(9) وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ (10) نَارٌ حَامِيَةٌ (11)[47]
من ثقلت موازينه أعطي كتابه بيمينه، ومن خفت موازينه أعطي كتابه بشماله، والعصاة
أمرهم إلى الله، الذين ماتوا على المعاصي والسيئات، أمرهم إلى الله، من شاء سبحانه
عفا عنه وأدخله الجنة وصار من أهل اليمين، من أهل النجاة والسعادة، ومن شاء سبحانه
أدخله النار بذنوبه ومعاصيه، ثم بعد التطهير والتمحيص يخرجه الله من النار، ويلتحق
بإخوانه في الجنة. وأهل الجنة فيها منعمون أبد الآباد، لا يبولون ولا يتغوطون ولا
يمتخطون، بل في نعيم دائم وخير دائم، وهذا الطعام والشراب جشأ ورشح، لا بول ولا
غائط ولا مخاط ولا بصاق، وأهل النار في عذاب وبلاء، أبد الآباد، نسأل الله العافية.
يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُواْ مِنَ النَّارِ وَمَا هُم
بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ[48]،
كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ
عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ[49]،
وَسُقُوا مَاء حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ[50].
هذه نهاية الناس، هذه النهاية. فجدير بالعاقل أن تكون هذه النهاية على باله وألا
يغفلها، فلا بد منها، ومن مات فقد قامت قيامته، فليحذر العبد أن يغفل، وأن يجازف في
الأمور، فيندم غاية الندامة، ليعد لهذا اليوم عدته، وليحرص قبل أن يهجم عليه الأجل،
على العدة الصالحة، على الزاد الصالح؛ من طاعة الله ورسوله والقيام بحقه والاستقامة
على دينه، وذلك بفعل أوامر الله وترك نواهيه.
هذه العدة الصالحة، أن تستقيم على دين الله وأن توحد ربك، وتخصه بالعبادة، وأن تؤدي
فرائضه من صلاة وغيرها، وأن تنتهي عن نواهيه، وأن تقف عند حدوده ترجو ثوابه وتخشى
عقابه، هذه العدة الصحيحة، هذه العدة التي أنت مأمور بها ومخلوق لها، أن تعبد ربك
وحده، تشهد أنه لا إله إلا الله، لا معبود بحق إلا الله، وأن محمداً عبد الله
ورسوله، وتؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره،
وتؤدي فرائض الله التي فرضها عليك بإخلاص له سبحانه، ورغبة فيما عنده ومحبة، وتنتهي
عن نواهي الله، عن إيـمان وصدق وإخلاص، وتقف عند حدود الله مؤمناً بالله ورسله،
مؤمناً بأن الله قدر الأقدار، وشاء ما شاء سبحانه وتعالى، فعليك أن تؤمن بالقدر
خيره وشره، أن تعلم أن الله علم الأشياء وكتبها، وأنه الخالق لكل شيء، وأن ما شاء
كان وما لم يشأ لهم لم يكن سبحانه وتعالى.
ومن الإيمان باليوم الآخر الإيمان أيضاً بأن الله يُرى يوم القيامة، إذا جاء لفصل
العباد يراه المؤمنون ولا يراه الكافرون.