كم يحتاج أبناؤنا من الحب؟
عزيزي المربي.. الغالبية من علماء التربية يجمعون على أنَّ إشعار الطفل بالحب من الأمور الهامة لتطور نمو الطفل وتنشئته بشكل سوي، فالأسرة التي ينعم أبناؤها بدفء الحب تتوفر فيها أسباب الوقاية من المشكلات النفسية واضطرابات النمو التي قد تصيب الأبناء في طفولتهم، كما أنّ ما يشعرون به من الراحة والسعادة من شأنه أن يقلل من ظهور تلك المشكلات، وإن وجدت فسيكونون هم الأسرع في التخلص منها.
منذ متى يحتاج الطفل إلى الحب ؟
لا نبالغ إذا قلنا أن الطفل يحتاج إلى توصيل مشاعر الحب والفرح بقدومه وهو لا يزال جنينًا في بطن أمه، لذلك يعلمنا القرآن الكريم أدب البشارة بالحمل في أكثر من موضع، قال تعالى مبشرًا إبراهيم الخليل عليه السلام بإسحاق عليه السلام : {وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى} [هود: 69]، وقال تعالى في بشارة مريم بعيسى المسيح عليه السلام: {إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ} [آل عمران: 45]، وقال تعالى مبشرًا زكريا عليه السلام بولده يحيى عليه السلام: {يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى} [مريم: 7].
واليوم يؤكد العلم الحديث على أهمية الحالة النفسية للأم الحامل ومدى تأثير تقبلها للحمل في حالة الجنين النفسية الطفل، فقد أكدت دراسة أمريكية حديثة أنّ السيدات المتفائلات اللاتي يشعرن بالثقة بالنفس والرضا عن أنفسهن وحياتهن أكثر احتمالًا لإنجاب أطفال أصحاء وسعداء.
ولقد ذكرت الدراسات أ نّ الطفل وهو في بطن أمه يشعر إذا كان طفلًا مرغوبًا فيه ينتظره الأب والأم بشوق وسعادة أم أنّ الأمر غير ذلك.
والطفل حديث الولادة يحتاج بشدة إلى الحب:
يحتاج الطفل حديث الولادة على دفء الشعور بالحب من أول لحظات حياته، بل أثبتت الدراسات النفسية أن حاجة الطفل حديث الولادة إلى ما تمنحه الأم إياه من مشاعر عبر الضم والالتصاق مثل حاجته إلى الطعام والشراب بل أكثر؛ لأنه يولِّد عنده الشعور بالأمان وراحة النفس، فيكبر إنسانًا سويًا يُحَبّ ويحِب، وينمو ويتطور بشكل طبيعي.
ويقارن علماء النفس بين الأطفال الذين خرجوا للحياة فوجدوا الحب والحنان منذ اللحظة الأولى، وبين أولئك الذين خرجوا للحياة وكان خروجهم غير مرغوب فيه..
إنّ الأوائل يشبون بلا عقد نفسية، ويكونون أكثر تقدمًا في دراستهم، وأكثر سعادة في حياتهم عن الآخرين الذين يحرمون من ضمة الذراعين والصوت الحنون الذي يطمئنهم، وقد يصابون بصدمة لدى خروجهم للحياة..! الأمر الذي جعل "جون بولي" وهو طبيب نفسي إنجليزي يقرر أنّ الرباط بين الطفل والأم إما أن يكون ركيزة الصحة النفسية أو يكون منطلقًا للمرض النفسي.
ولنتعلم كيف كان حب الأبناء في مدرسة النبوة:
فعن أنس بن مالك خادم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «ما رأيت أحدًا كان أرحم بالعيال ـ الأطفال ـ من رسول الله صلى الله عليه وسلم» [رواه مسلم]، وعن أسامة بن زيد بن حارثة رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذني فيقعدني على فخذه وكان يقعد الحسن على فخذه الآخر ثم يضمنا ويقول: اللهم ارحمهما فإني ارحمهما» [صحيح البخاري]، هذه الأحاديث وغيرها تلفت انتباه المربين إلى الأسلوب الحاني الذي كان يتعامل به نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم مع الصغار، وكيف كان يعبر بالقول والفعل عن حبه الكبير لهم، ولذلك كان الصبيان يقبلون عليه أينما ذهب يدورون حوله، يلاعبونه ويلاعبهم، ويهتم بشئونهم بل وينظر إليهم مبتسمًا حين يلعبون، لأنه عليه الصلاة والسلام يدرك حاجة الطفل إلى إشعاره بأنه شخص محبوب ومرغوب به عند غيره من الكبار
هل تعلم آثار الحرمان العاطفي؟
لم يعد هناك أدني شك حول العلاقة بين الحرمان العاطفي والانحراف بصوره المختلفة، فقد أثبتت العديد من الدراسات المحلية والاستبيانات على مستوى المدارس الابتدائية والإعدادية أن فقدان الطفل للدفء العاطفي داخل أجواء الأسرة يعد من أقوى الدوافع نحو جنوح الأحداث وانحرافهم، كما أكدت العديد من الدراسات والتي كان من أشهرها دراسة "بولبي"عن العلاقة بين الحرمان من حنان الأم والسرقة، كما أظهرت دراسة أخرى أنّ خطر توجه الأولاد إلى التدخين وتعاطي المخدرات يزيد بنسبة 68% عند وجود علاقات سيئة مع الوالدين خاصة مع الأب.
إذًا يظل هذا الحرمان العاطفي قوة فاعلة في الآلام المعنوية التي يعانيها هؤلاء الأحداث والتي تساهم بقدر كبير في دفعهم للانحراف إلى جانب الكثير من المشاكل الجسدية والنفسية التي يمثل الحرمان العاطفي أحد أسبابها مثل:إصابة الطفل بالتبول اللاإرادي، والخوف والقلق عند النوم، والتلعثم عند الحديث، والعدوانية في علاقاته مع الآخرين.
لذلك لا تهدد بإيقاف الحبِّ..!!
يحلو لكثير من الآباء والأمهات يهدد ولده هكذا: "كن مؤدبًا وإلا لن أحبك بعد اليوم"
أو:"إذا فعلت كذا لن تكون حبيبي".
ولا يتصورون ما تسببه هذه العبارات للطفل من زعزعة أمانه النفسي وسلب الطمأنينة من قلبه، فإن حب والديه له هو أهم ما يملك، وهو سر شعوره بالسعادة والاستقرار النفسي، حتى وإن كان لا يحسن أن يصوغ تلك المشاعر في عبارات منطوقة، وهذا التهديد المتكرر بسلب الحب يزعج الطفل ويثير لديه المخاوف وعدم الاطمئنان!!
بل أطلِق شلّالًا من الحبِّ لا يتوقف!!
إنّ الرسالة الأكثر أهمية التي يريد الأب والمربي هنا أن ينقلها إلى الابن هي أنه يحبه حبًا غير مشروط، ذلك الحب الذي يعني:" قبول الابن بمزاياه وعيوبه"؛ وكأن لسان حال الأب يقول: "أخطأتَ..لا بأس ما دمت ستتعلم من أخطائك، لكني سأظل أحبك على الدوام" ومن ثم علينا أن نفصل بين الفعل والفاعل، وكذلك نفصل الأقوال عن الذوات، والتعامل مع الأبناء من هذا المنطلق يجعلنا نحتفظ بهدوئنا ونقوم بالتصحيح و حال صدور الأخطاء أو التصرفات السيئة منهم.
وهذا الأسلوب مقتبس من نور القرآن الكريم،يقول الله عز وجلّ للنبي عليه السلام في عشيرته: {فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ} [الشعراء: 216] ولم يقل إني بريء منكم مراعاة لحق القرابة ولحمة النسب[د.محمد بدري: اللمسة الإنسانية، ص:127 بتصرف].
والآن كيف نعبر عن الحب لأبنائنا؟
حب الطفل لا يعني تلبية احتياجاته الجسمية والعقلية فقط، وإن كانت متضمنة بالحب بداهة؛ بل تعني إظهار العواطف والمشاعر الدالة عليه بشكل دائم سواء بملامح الوجه وتعبيراته، أو من اللهجة التي يخاطب بها، أو من طرق معاملته باللطف والحلم والتفهم وإشعاره بأنه فعلًا محبوب ومقبول ومراد.
-أفصح لابنك عن حبِّك له:
إنّ المحبة إحساس وشعور، وحقيقته هذا الإحساس تنبع من القدرة على نقلها لمن نحب، قال عليه السلام: «إذا أحب الرجل أخاه فليخبره أنه أحبه »[صححه الألباني في مشكاة المصابيح، (5016)]، فلا يكفي أن يحب الوالد أبناءه، ولكن لابد أن يفصح لهم عن هذه المحبة وينقلها لهم عمليًا من خلال التعبير غير المباشر من خلال المعانقة والمداعبة وإمساك اليد وتربيت الكتف واللمسة الحنونة والابتسامة الهادئة والنظر المباشر ... فمن المهم أن تصل محبة الوالدين للأبناء من خلال القناتين:اللفظية والحركية، ويمكن تأكيد هذه المحبة من خلال عادات يعود عليها الأبناء داخل الأسرة مثل:قبلة الصباح، وقبلة المساء، وعند العودة من المدرسة، والدعاء للأبناء بالتوفيق عند خروجهم من البيت، وهكذا.
- كن مصغيًا لابنك:
الأطفال يعانون من الإحباط عندما يبدو على الآباء أنهم غير مهتمين بمشاعرهم وأفكارهم، فتتكون لديهم قناعة أن أفكارهم لا تستحق الانتباه وأنهم غير جديرين بالاحترام..!
فالإصغاء يعد من أهم وسائل التعبير عن المحبة، فهو يوصل للطفل رسالة أنك تبدي اهتمامك به وبكلامه وتعطيه فرصًا للكلام، وتحسن الإصغاء إليه، كما أنّ الإصغاء الجيد يجعل الآباء قادرين على فهم أبنائهم في مراحل عمرهم المقبلة، ولاسيما عندما يصلون إلى مرحلة المراهقة.
فاستمع إليه..عندما يطلب أن يتحدث معك، ولا تكلمه وأنت مشغول في شيء آخر، ولكن أعطه كل تركيزك، وانظر في عينيه وهو يحدثك.
-ثق في ابنك تعبيرًا عن محبته:
كلما زادت ثقة الوالد في ولده وفي قدراته وأخلاقه ومبادئه، كلما استشعر الابن حقيقة محبته له .. وإذا شعر الابن بهذه الثقة عمل جاهدًا على احترامها والظهور بمستواها؛ ومن ثم يتعلم المسئولية والرقابة الذاتية.
بينما نجد عدم إبداء الثقة في الابن يدفعه للاحتيال والخداع، أو التظاهر بسلوكيات ترضي الوالد لكنها لا تنبع من داخل الطفل.
-امنحه من الحب قدرًا أكبر من الهدايا:
حاجة الطفل إلى حنان ومحبة والديه أكثر من حاجته إلى كثرة الهدايا والمشتريات، فالمحبة تزرع الطمأنينة وتوطد العلاقة وتزيل عنه هواجس الشعور بالكراهية وعدم القبول، وتلك المحبة التي تكون أغلى وأهم عند الطفل من الهدايا هي التي تتضمن تخصيص أوقات له، والتحدث معه، ومرافقته في التنزه خارج المنزل، ومشاركته اللعب أحيانًا، واستشارته في بعض قضايا الأسرة مثل: أين نخرج للنزهة غدا؟
وأخيرًا ..عزيزي المربي
إنّ حاجة أبنائنا للشعور بأنهم محبوبون حاجة ملحة ودائمة، فاحتضن أولادك وقبلهم وقل لهم أنك تحبهم كل يوم، فمهما كثر ذلك فإنهم يحتاجونه صغارًا كانوا أو بالغين، أو حتى متزوجين ولديك منهم أحفاد.
قرات هذا الموضوع فاستفدت مته شخصيا
لذلك نقلته لكم