[b]مضمون الشبهة:
ينكر بعض المشككين شجاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - ويرون أنه كسائر بني جنسه من العرب، الذين يتصفون بالجبن والخوف، ويتساءلون: كيف يكون محمد - صلى الله عليه وسلم - شجاعا، وهو من قوم ليسوا كذلك؟! ويهدفون من وراء ذلك إلى التشكيك في شجاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - خاصة، وشجاعة العرب قاطبة، وذلك ضمن ما درجوا عليه من التشكيك في أخلاقه - صلى الله عليه وسلم - وقلب خيرها شرا، وجميلها دميما، وحسنها قبيحا.
وجها إبطال الشبهة:
1) العرب بفطرتهم أصحاب شجاعة وشهامة ومروءة؛ فالعربي لا يرضى لنفسه الذل والمهانة، وإن أجبرته الظروف على ذلك، وقد ازدادت شجاعتهم بدخولهم الإسلام، وإيمانهم بالله عز وجل.
2) لم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - جبانا، بل كان أشجع الشجعان، منذ كان صبيا، وحسبه أنه واجه صناديد قريش، وطلب منهم تغيير عقيدتهم وتحطيم أصنامهم، وتغيير نظامهم الاجتماعي والديني، وقد كان - صلى الله عليه وسلم - شجاعا مغوارا في الحروب، وما كان منه يومي أحد وحنين خير شاهد على ذلك.
التفصيل:
أولا. العربي شجاع بفطرته:
الجزيرة العربية مع ذكاء أهلها واستقامة نفوسهم - وإن انحرفت أحيانا عقولهم - معتصم حصين؛ فبيداؤها، وقراها، وبرها فيها حصون لمنع الاعتداء الوحشي من الأمم التي اشتدت إغارتها في الماضي، "وفيها رجال شجعان حموا أرضهم من كل معتد أثيم، وإذا كان ثمة جوار وتقارب بينها وبين دولتي الفرس والروم فإن هاتين الدولتين لم تتجاوزا في سلطانهما أطرافها، ولم تتمكن إحداهما أن تنتقل من الأطراف إلى داخلها، فإنهما عندئذ تجدان قلوبا صلدة قواها ضوء الشمس الساطع.
ولعل أحسن تصوير للنفس العربية ما قاله الإمام الحكيم عمر بن الخطاب عندما تولى إمرة المؤمنين، فقد قال رضي الله عنه: "مثل العرب مثل جمل أنف اتبع قائده، فلينظر قائده" [sup][1][/sup].
فهناك عناصر ثلاثة نمت في العرب خلق الشجاعة:
· قوة في النفس تقاوم ولا تستسلم، واعتبر ذلك في النصارى المؤمنين الذين لم يغيروا ولم يبدلوا دينهم، ولـما حاول تبع أن يغيرهم ووضعهم في الأخدود ما نال مأربا، ولا وصل إلى مبتغى.
· صفاء نفسي، وقوة مدارك، احتفظوا بها حتى في جاهليتهم، وصدق النفس، والصدق في القول والعمل الذي يوجهون إليه.
· الأنفة وألا يطيعوا في ذلة، بل يتبعون في هداية ورشد مختارين، غير مجبرين[sup][2][/sup]، ومن ذلك اتحادهم وهزيمتهم للفرس في معركة ذي قار.
وتلك صفات قد اجتمعت في العرب، ولم تكن لغيرهم من الفرس مثلا؛ فقد فرض كسراهم عليهم المذلة والهوان، وتوزعتهم سيادة الأشراف، حتى إذا بعدوا عن ذل الملك، وجدوا ذل الحاشية، ووجدوا أنهم ينتقلون في الذل والهوان، وقد لانت نفوسهم وخنعوا لتلك المذلة والمهانة، وما وضعهم فيها إلا جبنهم وخوفهم، بعكس العرب الذين لا يرضون بمثل هذه الذلة وتلك المهانة وإن أجبرتهم الظروف على التصبر، وعلى أكل العلقم، فقد كانت الحروب تقوم بينهم لأتفه الأسباب، فهم لا يبالون بشن الحروب وإزهاق الأرواح في سبيل الدفاع عن المثل الاجتماعية التي تعارفوا عليها، وإن كانت لا تستحق التقدير، وقد روى لنا التاريخ سلسلة من أيام العرب في الجاهلية، مما يدل على تمكن الروح الحربية من نفوسهم وغلبتها على التعقل والتفكير، فمن تلك الأيام مثلا يوم البسوس، وكذلك يوم داحس والغبراء، وقد كان سببه سباقا أقيم بين داحس، وهو فرس لقيس بن زهير، والغبراء وهي لحذيفة بن بدر، فأوعز هذا إلى رجل ليقف في الوادي، فإذا رأى داحسا قد سبق يرده، وقد فعل ذلك فلطم الفرس حتى أوقعها في الماء فسبقت الغبراء، وحصل بعد ذلك القتل والأخذ بالثأر، وقامت الحرب بين قبيلتي عبس وذبيان. وكذلك الحروب التي قامت بين الأوس والخزرج في الجاهلية وهم أبناء عم[sup][3][/sup]، فتلك الحروب إن دلت على شيء فإنما تدل على شجاعتهم، وعزة النفس التي جعلتهم يأبون الذل والمهانة.
لقد كان للعرب شجاعة ومروءة ونجدة، وكانوا يتمادحون بالموت قتلا، ويتهاجون بالموت على الفراش، حتى إن أحدهم - لما بلغه قتل أخيه - قال: إن يقتل فقد قتل أبوه وأخوه وعمه، إنا والله لا نموت حتفا، ولكن قطعا بأطراف الرماح، وموتا تحت ظلال السيوف. وكانوا ينشدون:
وما مات منا سيد حتف أنفه[4]
ولا طل[5]منا حيث كان قتيل
تسيل على حد الظباة[6] نفوسنا
وليست على غير الظباة تسيل
وكان العرب لا يقدمون شيئا على العز وصيانة العرض، وحماية الحريم، واسترخصوا في سبيل ذلك نفوسهم، قال عنترة:
بكرت تـخوفني الحتوف[7] كأنني
أصبحت عن غرض الحتوف بمعزل
فأجبتها إن المنية منهل
لا بد أن أسقى بكأس المنهل
فاقني[8] حياءك لا أبا لك واعلمي
أني امرؤ سأموت إن لم أقتل
وكان العرب بفطرتهم أصحاب شهامة ومروءة؛ فكانوا يأبون أن ينتهر القوي الضعيف أو العاجز أو المرأة أو الشيخ، وكانوا إذا استنجد بهم أحد أنجدوه، ويرون أنه من النذالة التخلي عمن لجأ إليهم.
ومن سمات العرب عشقهم للحرية، وإباؤهم للضيم والذل؛ فالعرب بفطرتهم يعشقون الحرية، يحيون لها، ويموتون من أجلها؛ فقد نشأ العربي طليقا لا سلطان لأحد عليه، ويأبى أن يعيش ذليلا، أو يمس في شرفه وعرضه ولو كلفه ذلك حياته، فقد كانوا يأنفون من الذل ويأبون الضيم والاستصغار والاحتقار[sup][9][/sup].
كما كان العرب في الجاهلية شجعانا، ازدادت شجاعتهم بالدخول في الإسلام، بقوة الإيمان الصادق، الذي ينادي به الإسلام، وبدءوا يدافعون عنه بعزيمة قوية، حتى انتشر الإسلام في جميع أنحاء العالم، فقد كان العرب نواة الإسلام الأولى الذين نشروا رسالته، وفتحوا الدول وأسقطوا عروش كسرى وقيصر.
وأسطع دليل على شجاعة العرب التي خفيت على المشككين أو تناسوها، موقعة تبوك في العام التاسع من الهجرة الذي يقابل عام 630م، فتلك الموقعة تحكي توجه القوات الإسلامية لمواجهة قوات الدولة البيزنطية بقيادة الإمبراطور هرقل في عقر دارهم في الشام، رغم أن عدد قوات المسلمين أقل من ثلث عدد قوات بيزنطة، فإن لم تكن الشجاعة في العرب والمسلمين، فلمن تكون[sup][10][/sup]؟!
فهل يصح لزاعم - بعد عرضنا لكثير من المواقف التي تدل دلالة قاطعة على شجاعة العرب قبل الإسلام وبعده - أن يزعم أن العرب لا يتصفون بالشجاعة؟!
ثانيا. شجاعة النبي صلى الله عليه وسلم:
لم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - جبانا، وما ينبغي له أن يكون كذلك، بل كان أشجع الشجعان، فلم يحد عن الشجاعة أبدا؛ صبيا وشابا وشيخا، كان شجاعا قبل دعوته، وفي أثنائها، وبعد أن قامت دولة الإسلام على إثرها، كان شجاعا حين آمنت معه فئة قليلة لا تكون كيانا لأمة، وكان شجاعا حينما دخل الناس في دين الله أفواجا، وكان شجاعا في كل مواقعه وغزواته، كان شجاعا حين علم أصحابه الكرام الشجاعة، فظهر فيهم رجل كـ "خالد بن الوليد". وقد روي عن ابن عمر أنه قال: «ما رأيت أشجع ولا أنجد ولا أجود ولا أرضى من رسول الله صلى الله عليه وسلم» [sup][11] [12][/sup].
وفيما يأتي نذكر طرفا من النماذج التي تدلل على شجاعته صلى الله عليه وسلم:
لقد استحلف مرة وهو صبي - وهو في الحادية عشرة - باللات والعزى، فقال لمن استحلفه: لا تسألني بهما شيئا، فوالله ما بغضت شيئا بغضي لهما".
هذا الصبي يتحدث بهذه الجرأة عن آلهة القوم، لا يخشى بطشا، وهو المشهور بالحياء، حتى قيل فيه: إنه كان أشد حياء من العذراء في خدرها، وفي حرب الفجار وهو دون العشرين كان ينبل على أعمامه[sup][13][/sup].
وحينما أوحي إليه بدت شجاعته حين خرج على قومه مفاجئا لهم بالدعوة التي كرهوها، وشجاعته وهو يصابر على الأذى والسخرية، وشجاعته وقد تعاهدت قريش في صحيفة علقت بالكعبة على مقاطعة عمه أبي طالب، ومن تبعه من بيت بني هاشم والمطلب لحمايتهم له، فبقوا في الشدة ثلاث سنين، وهو على هذا دائب على أن يصلي في البيت ويجهر بالقرآن، وشجاعته حينما بعث أنصاره إلى الحبشة فرارا من الأذى والموت، وصبره هو بعدهم وحيدا يتعرض للأذى والموت، وشجاعته وقد مات عمه أبو طالب وزوجه خديجة في أيام متتابعات، وكان في عمه وزوجه النصير والوزير، ثم يبقى بعد ذلك قائما بمكة، تمر الحادثات عليه كأنها الأعاصير تعصف في ذروة الطود الراسخ، وثباته في الموقف وحيدا، إذ يعرض نفسه على القبائل، ويلقى السخرية وأشنع الرد بالقول والفعل، حتى إذا ما انصرف كل أنصاره مهاجرين ليثرب، جاء البيت يوما بعد يوم يقيم صلاته ونسكه جهرا، ويتلو القرآن جهرا.
تلك صور لو رسمت وعرضت، لكانت أبهج ما تنشرح لها صدور الأبطال في كل جيل وأمة، ولجعلت إمامته في الشجاعة النفسية مرضية للأجناس والأديان: سودا وبيضا، موحدين ومشركين.
تلك الشجاعة النفسية أو الأدبية التي لا تهن للسخرية، ولا تذل للوعيد، ولا تطيش للوعد، والتي أمسكت الخلق المحمدي، فكانت سنده الذي لا يتزلزل، هي شجاعة مقطوعة النظير في تاريخ البشر.
انظروا إليه وقد سلطوا عليه سلاح السخرية، وهي أفتك ما يكون بالعزيمة، وأقتل ما يكون لحماس الرجال، هي أفتك من الأذى والاضطهاد.
وقف مرة على الصفا ينادي قريشا، فلما جاءوا يستمعون أنذرهم حساب الله فتركوه وانصرفوا، ولم يزد أبو لهب على أن قال: تبا لك! ألهذا دعوتنا..؟
كانوا يتواصون فيما بينهم: )لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون (26)( (فصلت)، فهم يعلمون أن سلاح الهزء والسخرية أنكى على الدعوة من الاضطهاد والأذى، فلم يغفلوا عن هذه السخرية، فلما أشار القرآن إلى شجرة الزقوم تخويفا لهم، ازدادوا طغيانا، وقال بعضهم مستهزئا: يا معشر قريش، أتدرون ما شجرة الزقوم التي يخوفكم بها محمد؟ إنها عجوة يثرب بالزبد، والله لئن استمسكنا بها لنمزقنها تمزيقا.
ولما أشار القرآن إلى جهنم، وأن عليها تسعة عشر من الزبانية، قال أبو جهل وهو يهزأ برسول الله: يا معشر قريش، يزعم محمد أن جنود الله الذين يعذبونكم في النار، ويحبسونكم فيها تسعة عشر، وأنتم أكثر عددا، أفيعجز كل مائة رجل منكم عن رجل منهم؟ فنزل القرآن: )وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا( (المدثر: ٣١).
كان الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا جلس مجلسا يعظ الناس خلفه في مجلسه "النضر بن الحارث" وكان قدم الحيرة، وتعلم بها أحاديث الفرس، وأحاديث رستم وإسفنديار، فيقول: يا معشر قريش، أنا والله أحسن من محمد حديثا، فهلموا إلى، فأنا أحدثكم، وأنزل مثل ما أنزل الله، ثم يحدثهم عن رستم وإسفنديار وملوك الفرس.
ولـما ذهب خباب بن الأرت - أحد المستضعفين من أصحاب رسول الله، وكان صانعا للسيوف - يتقاضى من العاص بن وائل - أحد عظماء مكة - أجر ما صنع، فقال له: يا خباب، أليس يزعم محمد صاحبكم أن في الجنة ما ابتغى أهلها؟ قال خباب: بلى، قال: فأنظرني إلى يوم القيامة يا خباب حتى أرجع إلى تلك الدار فأقضيك هنالك حقك، فوالله، لا تكونن أنت وأصحابك يا خباب آثر عند الله مني ولا أعظم حظا.
وكان الوليد بن المغيرة قد انفرد بالرياسة في مكة، وأبو عروة بن مسعود الثقفي قد انفرد بالرياسة في الطائف، فكانوا يقولون تهكما: )وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم (31)( (الزخرف) تصغيرا من شأن محمد - صلى الله عليه وسلم - وزراية به.
لم تزدهم هذه السخرية على إضرارها بالدعوة إلا غفلة، ولا زادته - صلى الله عليه وسلم - إلا صبرا واستبسالا، فمرت السنون على هذا التهكم والأذى، والشجاعة النفسية تسنده، وتعلو به، وتقر هيبته، وتلقي الرعب في نفوس أعدائه.
فلما تحطمت أسلحة السخرية والأذى على جنبات النفس الأبية، وتآمر المشركون على قتله، خرج مستخفيا مهاجرا، فكان وهو في الغار يقول لصاحبه: )لا تحزن إن الله معنا( (التوبة: ٤٠).
وابتدأ بذلك دور الصراع، الذي لمع فيه السلاح، كما لمعت النفس التي صقلتها الشجاعة، فعرف رسول الله كيف يصبر ويرضى، وكيف يثور ويغضب، وبقى خالدا تنطوي صفحات الأبطال، وصفحته منشورة تقرأ فيها آيات الشجاعة والصبر، ويظل بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المثل الأعلى[sup][14][/sup].
ومن مواقفه - صلى الله عليه وسلم - التي لن ينساها التاريخ، مقولته الشهيرة عندما مشى إلى أبي طالب نفر من عظماء قريش أزعجهم ما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - من دعوة لعبادة الله وحده، ونبذ عبادة الأصنام، وقالوا: "إنا والله لا نصبر على هذا من شتم آبائنا، وتسفيه أحلامنا، وعيب آلهتنا حتى تكفه عنا أو ننازله وإياك حتى يهلك أحد الفريقين".
فلما رأى أبو طالب الغدر في أعينهم، وظهر له إصرارهم على ما هم فيه من ضلال قال لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا ابن أخي، إن بني عمك يزعمون أنك تؤذيهم في ناديهم ومسجدهم فانته عن ذلك"، وهنا.. سكت سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قليلا، وقال مقولته التي لن ينساها التاريخ: "هل ترون هذه الشمس"؟ قالوا: نعم، قال: "ما أنا بأقدر أن أدع ذلك منكم على أن تشتعلوا لي منها شعلة". لقد تدفقت أنوار هذه الكلمات الحاسمة من معين الشجاعة، التي أوتيها أشرف الخلق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
ولقد انبهر أبو طالب بشجاعة ابن أخيه، وأخذ بهذه الكلمات التي أقرت في وجدانه ثبات هذا النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - ورباطة جأشه، وقوة إيمانه، وعمق الصلة بينه وبين ما يدعو إليه، وأيقن أن قوة قريش مهما عظمت فلن توقف هدير الإيمان في قلب محمد - صلى الله عليه وسلم - وأن محمدا يمثل كلمة الله، وقضاءه وقدره - عز وجل - وكلمة الله هي العليا، وقضاؤه حتمي النفاذ، فلما وجد ابن أخيه يغادر المكان مصمما على المضي في الدعوة إلى الله ناداه وقال: «ما كذبنا ابن أخي فارجعوا، قال: فرجعوا».[sup][15][/sup] فانطلق بشجاعته داعيا ومجاهدا إلى أن وصل بالإنسانية إلى ربها رب الوجود[sup][16][/sup].
ومن شجاعته - صلى الله عليه وسلم - ما حدث يوم أحد، حيث سعى المسلمون إلى الغنائم، وترك الرماة مواقعهم، وخالفوا أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - ولحقت الهزيمة بالمسلمين، فإذا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ثابت كالطود العظيم، ومعه قلة من الصابرين المجاهدين.
ولـما بدأ الهجوم المعاكس من المشركين خلف المسلمين، والهدف الرئيس هو شخص النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يتزحزح - صلى الله عليه وسلم - عن موقفه، والصحابة يسقطون واحدا تلو الواحد بين يديه، وحصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين المشركين، وليس معه إلا تسعة من أصحابه، سبعة منهم من الأنصار، وكان الهدف أن يفك هذا الحصار، وأن يصعد في الجبل ليمضي إلى جيشه، واستبسل الأنصار في الدفاع عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واستشهدوا واحدا بعد الآخر.
وثبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كالجبل الأشم، يدافع ويجالد جموع المشركين المحيطين به من كل ناحية، وهو يقول: "إلي عباد الله، إلي عباد الله"، ففاء[sup][17][/sup] إليه الكثيرون ممن أذهلتهم شائعة أنه قتل، فقعدوا عن القتال، وممن تفرقوا يقاتلون بين الصفوف، حتى تكونت حوله ثلة[sup][18][/sup] من أصحابه، فسار بهم حتى وصل إلى الصخرة التي فوق الجبل، وكان أول من عرف رسول الله بعد شائعة قتله كعب بن مالك، فإنه رأى عينيه تزهران[sup][19][/sup] من تحت المغفر[sup][20][/sup]، فنادى: يا معشر المسلمين، أبشروا، هذا رسول الله، فأشار إليه الرسول أن أنصت، وكانت تلك حكمة بالغة منه؛ فإن شائعة قتله كان من شأنها أن يخفف المشركون الوطأة على المسلمين، فإذا ما علموا أنه لا يزال حيا عاودوا الكرة وكرروا محاولة قتله، ولكن لم يلبث أن ذاع الخبر وانتشر بين المسلمين، فقويت العزائم بعد خور[sup][21][/sup]، وتجمعت الصفوف بعد تفرق، ثم أراد رسول الله أن يعلو الصخرة التي في شعب الجبل، فلم يستطع لكثرة ما نزف من دمه الزكي، فجلس تحته طلحة بن عبيد الله، فنهض به حتى استوى عليها، فقال رسول الله حينئذ: «أوجب[sup][22][/sup] طلحة».[sup][23][/sup] وبصر رسول الله بجماعة من المشركين فيهم خالد بن الوليد على ظهر الجبل، فقال: "لا ينبغي لهم أن يعلوا علينا"، ثم أرسل إليهم عمر بن الخطاب في رهط من المهاجرين، فقاتلوهم حتى أهبطوهم.
وهذا يدل على أن المسلمين على الرغم مما أصابهم من جروح وهزيمة كانوا - ولا يزالون - بهم قوة ومنعة، أرساها الرسول - صلى الله عليه وسلم - بشجاعته وإيمانه[sup][24][/sup].
ومن شواهد شجاعته - صلى الله عليه وسلم - ما روي عن مقسم مولى ابن عباس قال: «وأما أبي بن خلف فقال: والله لأقتلن محمدا، فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "بل أنا أقتله إن شاء الله"، قال: فانطلق رجل ممن سمع ذلك من النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أبي بن خلف، فقيل: إنه لما قيل لمحمد - صلى الله عليه وسلم - ما قلت قال: "بل أنا أقتله إن شاء الله"، فأفزعه ذلك وقال: أنشدك بالله، أسمعته يقول ذلك؟ قال: نعم، فوقعت في نفسه؛ لأنهم لم يسمعوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول قولا إلا كان حقا، فلما كان يوم أحد خرج أبي بن خلف مع المشركين، فجعل يلتمس غفلة النبي - صلى الله عليه وسلم - ليحمل عليه فيحول رجل من المسلمين بينه وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما رأى ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لأصحابه: "خلوا عنه"، فأخذ الحربة فجزله بها - يقول: رماه بها - فيقع في ترقوته تحت تسبغة البيضة[sup][25][/sup] وفوق الدرع فلم يخرج منه كبير دم، واحتقن[sup][26][/sup] الدم في جوفه، فجعل يخور[sup][27][/sup] كما يخور الثور، فأقبل أصحابه حتى احتملوه وهو يخور وقالوا: ما هذا؟! فوالله ما بك إلا خدش، فقال: والله لو لم يصبني إلا بريقه لقتلني، أليس قد قال: "أنا أقتله إن شاء الله"، والله لو كان الذي بي بأهل ذي المجاز لقتلهم، قال: فما لبث إلا يوما أو نحو ذلك حتى مات إلى النار، فأنزل الله فيه: )ويوم يعض الظالم على يديه( (الفرقان: ٢٧) إلى قوله: )وكان الشيطان للإنسان خذولا (29)( (الفرقان)» [sup][28][/sup].
ومن هذه المواقف التي تنطق بشجاعته صلى الله عليه وسلم: ما حدث يوم حنين، حيث فر الشجعان وتركوه في ساحة الوغى، وهو يجول ويصول، ويصد الهجمات؛ لأن هوازن رشقت الجيش المسلم بالنبال رشقا شديدا ومكثفا، إذ أعدوا للمسلمين كمينا، سأل رجل البراء بن عازب: أفررتم يوم حنين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: لكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يفر، ثم قال: لقد رأيته على بغلته البيضاء، وأبو سفيان بن الحارث آخذ بلجامها، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب.
قال الحاضرون يوم حنين: فما رئي يومئذ أحد كان أشد منه، وكان قد نزل عن بغلته، ولم يبق معه - صلى الله عليه وسلم - غير العباس، وأبي سفيان بن الحارث، وأيمن بن أم أيمن، فطفق الرسول يطارد الكفار، ثم أمر العباس أن ينادي: أين أصحاب السمرة، فقالوا: يالبيك يالبيك، فاقتتلوا مع المشركين، ثم أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حصيات، فرمى بها في وجوههم، ثم قال: «انهزموا ورب محمد».[sup][29][/sup] قال راوي الحديث: فوالله، ما هو إلا أن رماهم بحصياته، فما زلت أرى حدهم كليلا[sup][30][/sup]، وأمرهم مدبرا.
وعن أنس - رضي الله عنه - قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أحسن الناس، وأشجع الناس، «ولقد فزع أهل المدينة ليلة فخرجوا نحو الصوت، فاستقبلهم النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد استبرأ الخبر، وهو على فرس لأبي طلحة عري[sup][31][/sup] وفي عنقه السيف، وهو يقول: "لم تراعوا، لم تراعوا" [sup][32][/sup]، ثم قال: وجدناه بحرا أو قال إنه لبحر».[sup][33][/sup] فلم تمهله همته - صلى الله عليه وسلم - لإسراج فرسه أو إلجامه، وإنما ركبه عاريا عن كل ذلك سابقا أمته ليدفع عنها السوء[sup][34][/sup].
إن الجبن والخوف، "لا يجتمعان مع الإيمان الصادق بالله - عز وجل - لأن الإيمان بالقضاء والقدر، والاعتزاز بالله يدفعان إلى الجرأة والإقدام، ويملآن النفس المؤمنة شجاعة فائقة، وثقة تامة بالنفس لا تعرف التخاذل والتردد، أو الضعف والهرب، والشجاعة فضيلة تعبر عن الجرأة الفائقة وغضب النفس المنقادة للعقل والحكمة، والاتزان والنجدة؛ ثقة بالنفس عند الإقدام على الموت دون خوف، فهي قوة تنشأ عن الشجاعة، قال الله عز وجل: )يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار (15)( (الأنفال).
وقد امتاز الأنبياء والرسل عليهم السلام بعزيمة قوية، وشجاعة نادرة وجرأة ونجدة واضحة، لكمال إيمانهم وقوة يقينهم بالله، وصدقهم مع الله، وكان نبينا - صلى الله عليه وسلم - في قمة هذه الأوصاف، فكان إقدامه في مقارعة الأعداء مثلا فذا لا مثيل له، ولا نظير له عند أحد الشجعان البارزين" [sup][35][/sup].
"لقد كان النبي ذا شجاعة وبسالة وشدة وبأس وشهامة وحماسة وصرامة وإقدام، أذهب الشك بحق اليقين وأرهب العدا بسيفه المتين، وسفه أحلامهم، ونكس أعلامهم، وزيف أقوالهم وأفعالهم، واستباح أرضهم وديارهم وأموالهم، وأظهر دين المسلمين بصحبه الأشداء على الكفار، حضر الوقائع، وشهد الملاحم، وتولى الكماة[sup][36][/sup] عنه وهو مستقر، وفر المسلمون من حوله يوم حنين، وهو ثابت لا يبرح، مقبل لا يدبر ولا يتزحزح، ما لقي كتيبة إلا وكان أول ضارب، ولا توانى القوم لحدوث صوت إلا كان أسرع واثب، لم ير أثبت منه جأشا في الجهاد، ولا أقرب لجهة المشركين وقت الجلاد.
تصدى لجهاد الأعداء، وقد أحاطوا بجهاته، وأحدقوا بجنباته: وهو في قطر مهجور، وعدد محقور، وبذلك جمع بين التصدي لشرع الدين حتى أظهره ومكافحة العدو حتى قهره، فلقد صابر العدو، وأبلى معه بلاء حسنا، فلم يشهد حربا إلا صابرا حتى انجلت عن ظفر أو دفاع، وهو في موقفه لم يزل عنه هربا.
ما سمعنا بشجاع إلا أحصيت له فرة سوى محمد - صلى الله عليه وسلم - فقد ثبت في جميع المواقف الصعبة؛ لذلك قال علي رضي الله عنه: «كنا إذا احمر البأس ولقي القوم القوم اتقينا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فما يكون منا أحد أدنى من القوم منه».[sup][37][/sup] ولم يكن مثله مثل قواد هذا الزمان، يكونون أقرب إلى المنعة والأمنة منهم إلى مرمى القنابل والمهلكات[sup][38][/sup].
إن شجاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - كانت أعظم من شجاعة أي شجاع، إذ تحدى الوثنيات والأنظمة الاجتماعية الفاسدة في العالم، واجهها بقوة وصرامة، حتى غير النفوس والأفئدة والأنظمة.
فهل يعقل بعد هذا كله أن يزعم زاعم أنه جبان؟! إذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - جبانا فلا شجاعة إذن، ولا شجاع!!
الخلاصة:
· لقد كان العرب منذ جاهليتهم مضرب الأمثال في الشجاعة والتضحية بالنفس، وقد كانوا يأبون الذل والمهانة.
· وكما كان العرب أصحاب شجاعة في الجاهلية وكانوا أكثر من ذلك بعد الإسلام، إذ أكسبهم الإسلام قوة الإيمان الصادق بما يدعون إليه، وقد ظهر ذلك في معاركهم التي نشروا بها الإسلام في جميع أنحاء العالم، وقد هزم العرب المسلمون الفرس والروم، وأكبر دليل على شجاعتهم غزوة تبوك التي خرج لها المسلمون رغم قلة عددهم وعدتهم، وكثرة عدد عدوهم ووفرة سلاحه.
· لم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - جبانا كما يزعمون، بل كان أشجع من عرفت البشرية، وكتب السيرة تشهد بذلك بما حوته بين طياتها من مواقف تدل على شجاعته - صلى الله عليه وسلم - فلم يفعل كما يفعل القادة من التخطيط، والتحريض على القتال فقط، بل كان - صلى الله عليه وسلم - مشاركا بنفسه في الحروب والغزوات التي غزاها، وفي ذلك يقول على رضي الله عنه: «كنا إذا احمر البأس ولقي القوم القوم اتقينا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فما يكون منا أحد أدنى من القوم منه»، وشواهد شجاعته كثيرة منها أنه تحدى قريشا بعظمائها، وطلب منهم تحطيم الأصنام، وتغيير النظام الاجتماعي والسياسي، إذا لم يكن مثل هذا التحدي شجاعة، فما هي الشجاعة إذن؟
(*) السيرة النبوية وأوهام المستشرقين، عبد المتعال محمد الجبري، مكتبة وهبة، القاهرة، ط1، 1408هـ/ 1998م.
[1]. أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه، كتاب الفضائل، باب في فضل العرب (32473).
[2]. خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم، الإمام محمد أبو زهرة، دار الفكر العربي، مصر، ط1، 1425هـ/ 2004م، ج1، ص 43، 44 بتصرف يسير.
[3]. السيرة النبوية: عرض وقائع وتحليل أحداث، د. علي محمد الصلابي، دار الفجر للتراث، القاهرة، ط1، 1424هـ/ 2003م، ج1، ص38، 39 بتصرف يسير.
[4]. مات حتف أنفه: مات على الفراش دون قتل.
[5]. الطل: دم القتيل هدر ولم يثأر به ولم تؤخذ ديته.
[6]. الظباة: جمع ظبئة، وهي حد السيف أو الرمح أو نحو ذلك.
[7]. الحتوف: جمع الحتف، وهو الهلاك.
[8]. اقني حياءك: الزميه.
[9]. السيرة النبوية: عرض وقائع وتحليل أحداث، د. علي محمد الصلابي، دار الفجر للتراث، القاهرة، ط1، 1424هـ/ 2003م، ج1، ص41، 42 بتصرف يسير.
[10]. محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ والخناجر المسمومة الموجهة إليه، د. نبيل لوقا بباوي، دار البباوي للنشر، القاهرة، 2006م، ص 129 بتصرف يسير.
[11]. أخرجه الدرامي في سننه، المقدمة، باب في حسن النبي صلى الله عليه وسلم (59).
[12]. شمائل المصطفى صلى الله عليه وسلم، د. وهبة الزحيلي، دار الفكر، دمشق، ط1، 1427هـ/ 2006م، ص 124.
[13]. بطل الأبطال أو أبرز صفات النبي محمد صلى الله عليه وسلم، عبد الرحمن عزام، دار الهداية، القاهرة، ط1، 1427هـ/ 2006م، ص21، 22 بتصرف يسير.
[14]. بطل الأبطال أو أبرز صفات النبي محمد صلى الله عليه وسلم، عبد الرحمن عزام، دار الهداية، القاهرة، ط1، 1427هـ/ 2006م، ص24: 22 بتصرف يسير.
[15]. حسن: أخرجه أبو يعلى في مسنده، مسند عبد الله بن جعفر الهاشمي (6804)، والحاكم في مستدركه، كتاب معرفة الصحابة رضي الله عنهم، باب حمل بن مالك بن النابغة الهذلي (6467)، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة (92).
[16]. الدر المنقوش في الرد على جورج بوش، عبد البديع كفافي، دار الفتح، مصر، 2005م، ص 340، 341 بتصرف يسير.
[17]. فاء: رجع.
[18]. الثلة: جماعة من الناس.
[19]. تزهران: تلمعان.
[20]. المغفر: درع يحمي الرأس.
[21]. الخور: الضعف.
[22]. أوجب: أتى من الحسنات ما أوجب له الجنة.
[23]. حسن: أخرجه أحمد في مسنده، مسند العشرة المبشرين بالجنة، مسند الزبير بن العوام رضي الله عنه (1692)، والترمذي في سننه, كتاب الجهاد, باب الدرع, (1692), وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة (945).
[24]. السيرة النبوية في ضوء القرآن والسنة، د. محمد أبو شهبة، دار القلم، دمشق، ط8، 1427هـ/ 2006م، ج2، ص198، 199 بتصرف يسير.
[25]. تسبغة البيضة: ما توصل به الخوذة من حلق الدروع فتستر العنق.
[26]. احتقن الدم: لم يسل.
[27]. يخور: يصدر صوتا.
[28]. صحيح: أخرجه عبد الرزاق في مصنفه، كتاب المغازي، باب وقعة هذيل بالجريع (9731)، والحاكم في مستدركه، كتاب التفسير، باب تفسير سورة الأنفال (3263)، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي في التلخيص.
[29]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب في غزوة حنين (4712).
[30]. الكليل: الكسلان المتعب.
[31]. العري: غير ملجم ولا مسرج.
[32]. لم تراعوا: لا فزع ولا روع، فاسكنوا.
[33]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجهاد والسير، باب الحمائل وتعليق السيف بالعنق (2751)، وفي مواضع أخرى، ومسلم في صحيحه، كتاب الفضائل، باب في شجاعة النبي وتقدمه للحرب (6146)، واللفظ للبخاري.
[34]. مقدمات النبوة وإعداد الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع معجزاته وخصائصه، د. يحيى إسماعيل أحمد، دار الوفاء، مصر، ط2، 1405هـ/ 1985م، ص 189 بتصرف يسير.
[35]. شمائل المصطفى، د. وهبة الزحيلي، دار الفكر، دمشق، ط1، 1427هـ/ 2006م، ص123.
[36]. الكماة: المقاتلون الأبطال.
[37]. إسناده صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند العشرة المبشرين بالجنة، مسند علي بن أبي طالب رضي الله عنه (1346)، وأبو يعلى في مسنده، مسند علي بن أبي طالب رضي الله عنه (302)، وصحح إسناده الأرنؤوط في تعليقات المسند (1346).
[38]. محمد ــ صلى الله عليه وسلم ـ المثل الكامل، أحمد جاد المولى، مكتبة دار المحبة، دمشق، ط1، 1412هـ/ 1991م، ص21، 22.
[img:1e0f][وحدهم المديرون لديهم صلاحيات معاينة هذا الرابط]