الموضوع:{محبة اللّه}
الموضوع:{محبة اللّه}
اسم السورة : آل عمران | رقم الآية : 134
{ ٱ;لَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّآءِ وَٱلضَّرَّآءِ وَٱلْكَاظِمِينَ ٱلْغَيْظَ وَٱلْعَافِينَ عَنِ ٱلنَّاسِ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ }
اعلم أنه تعالى لما بين أن الجنة معدة للمتقين ذكر صفات المتقين حتى يتمكن الانسان من اكتساب الجنة بواسطة اكتساب تلك الصفات. فالصفة الأولى: قوله: {ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ فِى السَّرَّاء وَٱلضَّرَّاء } وفيه وجوه: الأول: أن المعنى أنهم في حال الرخاء واليسر والقدرة والعسر لا يتركون الانفاق، وبالجملة فالسراء هو الغنى، والضراء هو الفقر. يحكى عن بعض السلف أنه ربما تصدق ببصلة، وعن عائشة رضي الله عنها أنها تصدقت بحبة عنب، والثاني: أن المعنى أنهم سواء كانوا في سرور أو في حزن أو في عسر أو في يسر فانهم لا يدعون الاحسان إلى الناس، الثالث: المعنى أن ذلك الإحسان والإنفاق سواء سرهم بأن كان على وفق طبعهم، أو ساءهم بأن كان على خلاف طبعهم فانهم لا يتركونه، وإنما افتتح الله بذكر الانفاق لأنه طاعة شاقة ولأنه كان في ذلك الوقت أشرف الطاعات لأجل الحاجة اليه في مجاهدة العدو ومواساة فقراء المسلمين. الصفة الثانية: قوله تعالى: {وَٱلْكَـٰظِمِينَ ٱلْغَيْظَ } وفيه مسئلتان. المسألة الأولى: يقال: كظم غيظة إذا سكت عليه ولم يظهره لا بقول ولا بفعل قال: المبرد تأويله أنه كتم على امتلائه منه، يقال: كظمت السقاء إذا ملأته وسددت عليه، ويقال: فلان لا يكظم على جرته إذا كان لا يحتمل شيئا، وكل ما سددت من مجرى ماء أو باب أو طريق فهو كظم، والذي يسد به يقال له الكظامة والسدادة، ويقال للقناة التي تجري في بطن الأرض كظامة، لامتلائها بالماء كامتلاء القرب المكظومة، ويقال: أخذ فلان بكظم فلان إذا أخذ بمجرى نفسه، لأنه موضع الامتلاء بالنفس، وكظم البعير كظوماً إذا أمسك على ما في جوفه ولم يجتر، ومعنى قوله: {وَٱلْكَـٰظِمِينَ ٱلْغَيْظَ } الذين يكفون غيظهم عن الامضاء ويردون غيظهم في أجوافهم، وهذا الوصف من أقسام الصبر والحلم وهو كقوله: {وَإِذَا مَا غَضِبُواْ هُمْ يَغْفِرُونَ } [الشورى: 37]. المسألة الثانية: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من كظم غيظا وهو يقدر على إنفاذه ملأ الله قلبه أمنا وإيمانا» وقال عليه السلام: لأصحابه «تصدقوا» فتصدقوا بالذهب والفضة والطعام، وأتاه الرجل بقشور التمر فتصدق به، وجاءه آخر فقال والله ما عندي ما أتصدق به، ولكن أتصدق بعرضي فلا أعاقب أحدا بما يقوله في حديثه، فوفد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوم ذلك الرجل وفد، فقال عليه السلام: «لقد تصدق منكم رجل بصدقة ولقد قبلها الله منه تصدق بعرضه» وقال عليه السلام: «من كظم غيظا وهو يستطيع أن ينفذه زوجه الله من الحور العين حيث يشاء» وقال عليه السلام: «ما من جرعتين أحب إلى الله من جرعة موجعة يجرعها صاحبها بصبر وحسن عزاء ومن جرعة غيظ كظمها» وقال عليه السلام «ليس الشديد بالصرعة لكنه الذي يملك نفسه عند الغضب». الصفة الثالثة: قوله تعالى: {وَٱلْعَـٰفِينَ عَنِ ٱلنَّاسِ } قال القفال رحمه الله: يحتمل أن يكون هذا راجعا الى ما ذم من فعل المشركين في أكل الربا، فنهي المؤمنون عن ذلك وندبوا الى العفو عن المعسرين. قال تعالى: عقيب قصة الربا والتداين {وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ } [البقرة: 280] ويحتمل أن يكون كما قال في الدية: {فَمَنْ عُفِىَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَىْء } [البقرة: 178] الى قوله: {وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ } [البقرة: 280] ويحتمل أن يكون هذا بسبب غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين مثلوا بحمزة وقال: «لأمثلن بهم» فندب إلى كظم هذا الغيظ والصبر عليه والكف عن فعل ما ذكر أنه يفعله من المثلة، فكان تركه فعل ذلك عفوا، قال تعالى: في هذه القصة {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لّلصَّـٰبِرينَ } [النحل: 126] قال صلى الله عليه وسلم: «لا يكون العبد ذا فضل حتى يصل من قطعه ويعفو عمن ظلمه ويعطي من حرمه» وروي عن عيسى بن مريم صلوات الله عليه: ليس الاحسان أن تحسن الى من أحسن اليك ذلك مكافأة انما الاحسان أن تحسن الى من أساء اليك. أما قوله تعالى: {وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ } فاعلم أنه يجوز أن تكون اللام للجنس فيتناول كل محسن ويدخل تحته هؤلاء المذكورون، وأن تكون للعهد فيكون إشارة إلى هؤلاء. واعلم أن الإحسان إلى الغير إما أن يكون بايصال النفع اليه أو بدفع الضرر عنه. أما إيصال النفع اليه فهو المراد بقوله: {ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ فِى السَّرَّاء وَٱلضَّرَّاء } ويدخل فيه انفاق العلم، وذلك بأن يشتغل بتعليم الجاهلين وهداية الضالين، ويدخل فيه إنفاق المال في وجوه الخيرات والعبادات وأما دفع الضرر عن الغير فهو إما في الدنيا وهو أن لا يشتغل بمقابلة تلك الاساءة باساءة أخرى، وهو المراد بكظم الغيظ، وإما في الآخرة وهو أن يبرىء ذمته عن التبعات والمطالبات في الآخرة، وهو المراد بقوله تعالى: {وَٱلْعَـٰفِينَ عَنِ ٱلنَّاسِ } فصارت هذه الآية من هذا الوجه دالة على جميع جهات الاحسان إلى الغير، ولما كانت هذه الأمور الثلاثة مشتركة في كونها إحسانا إلى الغير ذكر ثوابها فقال: {وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ } فان محبة الله للعبد أعم درجات الثواب.
مفاتيح الغيب ، التفسير الكبير/ الرازي | |