الصفح الجميل
الصفح الجميل
أم عبد الرحمن محمد يوسف
حين
يشعر الزوج أو الزوجة بالإحباط، فإنه يبدأ في مراجعة أوجه النقص في شخصية
شريك الحياة، ويستشعر أنه لا يلبي احتياجاته، وأن علاقته بشريك الحياة هي
السبب فيما يحس به من مشاعر سلبية، فتكون الكلمات التي تدور في الأذهان
(زوجتي لا تمدني بالمساندة الكافية) أو (زوجي لا يستمع لي)، ولأنك تحس
بانخفاض معنوياتك فسوف تشعر دائمًا أنك على صواب بخصوص ذلك الأمر، وسيكون
بإمكانك أن تؤكد على صدق مشاعرك بالعديد من الأمثلة، وسيؤدي ذلك إلى انخفاض
المعنويات.
كلام من القلب:
حينما
يشعر أي من الزوجين بالاستياء فلا يتعامل مع الأفكار والأحاسيس على أنها
بالغة الخطورة، لأن عند المعاناة سوف يكون شريك الحياة أقل حكمة وتعاطفًا
ولن يستطيع تقدير الأمور بشكل صحيح.
ولذا
فإن الزوج أو الزوجة بشر له مشاعر وأهداف ومنطلقات في الحياة، ليس آلة
نحركها كما نريد، كما أنه بحاجة إلى أن يُطاع، ويجب التعامل معه على أساس
من الكرامة الإنسانية، من خلال محاولة الزوجين أن يكون المبادر أولًا إلى
المسامحة والعفو ولطف المعاملة، ففي ظل لطف المعاملة لا تتحول المناقشات
إلى شجار ومعركة بين الطرفين.
(فهذا
اللطف في التعامل يكون عبر أشياء صغيرة، كأن تستأذن أيها الزوج عند
الانصراف وتعتذر حينما تخطئ، فتحاول دائمًا معرفة احتياجات شريك حياتك،
وتسأل نفسك دائمًا: ما الذي يُمكن أن يُدخل السعادة الآن على شريك حياتي؟
فإذا وجدت شريك الحياة، ليس على ما يرام فانظر إلى عينيه وابعث له ابتسامة
تحمل رسالة مفادها: لا عليك فأنا أحبك دائمًا حتى عندما تكون
مكتئبًا....وحاول أن تنسى إساءته لك مهما كانت.
فالتصرف
المثالي عندما نتلقى إساءة ممن نحب هو كظم غيظنا، لكن هذا الغيظ لو بقي
فيها فإنه يتراكم ويتحول إلى غل وحقد، وقد ننساه لكنه باق في النفس ليحول
بيننا وبين حبنا للزوج أو الزوجة، لذا لابد أن يتبع كظم الغيظ عفو عن
الإساءة وذلك بعد مرور بعض الوقت وهدوء النفس والمشاعر، والمرحلة الأرقى
والفعالة جدًا في التأثير في الزوج/ أو الزوجة الذي أساء، هي الدفع بالتي
هي أحسن: أي الإحسان إليه بإخلاص ومن القلب رغم إساءته وهذا مستحيل ما لم
يسبقه العفو والمسامحة، ولذا فإن من أوصاف المتقين الذين يدخلون الجنة أنهم
يعفون عن الناس ويكظمون غيظهم {وَسَارِعُوا
إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ
وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي
السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ
النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 133-134]) [حتى يبقى الحب، محمد محمد بدري].
جلسة البوح بالمشاعر:
ما
أجمل أن يجلس الزوجان جلسة ليقوم كل واحد منهما بالبوح عما في داخله،
وهذا ليس من باب الانتقاد للطرف الآخر، ولكن من باب مشاركة الآخر المشاعر
والأفكار والعواطف، فهذا الحديث يساعد على زيادة فهم كلٍ من شريكي الحياة
للآخر، ويُمكنهما من تحسين الحوار بينهما، ولابد بعد هذا من أن يقرر كل
منهما بأنه لن يعود لذكر الموضوع في ساعات الغضب والاختلاف، وقد يحتاج
الزوجان بعد ذلك بعض الوقت لتتعمق بينهما مشاعر الثقة والاطمئنان، ويحتاجان
لبناء جدار عالٍ من الثقة يَقِيهما شر الخلاف وسوء فهم بعضهما لبعض، وأن
يكون كلا الزوجين على يقين من أن كلًا منهما حين يبتعد عن الآخر، يكون
اختار لنفسه الأسهل والأقل جهدًا وصبرًا، ذلك أن العظمة الحقيقية أن يُخالط
كل شريك من شركاء الزوجية شريكه وهو مشبع بروح السماحة والعطف على ضعفه
وخطئه، وروح الرغبة الحقيقية في تثقيفه وتفهيمه ورفعه إلى أعلى مستوى
نستطيعه.
المشكلات الزوجية وفوائدها:
قد
يعجب بعض الأزواج أن هناك فوائد للمشكلات الزوجية (فكثيرة هي الأوقات
التي نقول فيها: ما أجمل الحياة من غير مشاكل، ولكن هل فكرنا حقًا في هذه
العبارة؟ بمعنى آخر هل الحياة الزوجية جميلة فعلًا من غير مشاكل؟
إن
تلك العبارة تبين النظرة السلبية للمشاكل الزوجية على الرغم من أن
للمشاكل الزوجية الكثير من الإيجابيات التي يغفل عنها العديد من الناس،
لعل من يقرأ هذا يتساءل باستغراب وعجب: أي فائدة تعود من المشاكل؟
نعم
إن للخلافات الزوجية منافعًا وفوائدًا كثيرة، لو تدبرها الزوجان لعلما أن
في باطنها خيرًا، ولكننا عند الخلاف نركز على الجانب السلبي متناسين
الإيجابيات الكثيرة بسبب هذه الخلافات.
إن
المشكلات الزوجية هي الفرصة العملية التي يعرف من خلالها كلا الزوجين ما
يغضب الطرف الآخر ويزعجه، وكذلك ما يرضيه ويُفرحه، ويتلمس طباعه على أرض
الواقع، بل يعرف أخطاء نفسه، فيحاول إصلاحها وتعديل مسارها وتصحيح المفاهيم
والأفكار الخاطئة التي قد تكونت لدى زوجه، ومن ناحية أخرى يستطيع كلا
الزوجين أن يتعرف على أفكار وطموحات وتطلعات شريكه وما يؤمله فيه، فيشارك
في تلك التطلعات والآمال، وبذلك تمتد جسور التواصل بين الطرفين، وهكذا نشعر
بالرضا عن أنفسنا، وتزداد خبراتنا ومعرفتنا بالطرف الآخر، وبالتالي نتمكن
من التعامل معه بيسر وسهولة) [المفاتيح الذهبية في احتواء المشكلات الزوجية، نبيل محمد محمود، ص(351)، بتصرف يسير].
مثال عملي:
حينما
تذهب إلى صالة الألعاب الرياضية، فيمكنك أن تنجح في رفع الأوزان البسيطة
المريحة لك، ثم على عضلاتك أن تواجه تحديًا حتى تنمو بشكل أقوى، ولبناء
هذه العضلات عليك أن تضغط بعد أن تتعدى نطاق راحتك، وتتغلب على عضلاتك، ثم
بعد ذلك تمنحهم بعض الراحة، ومن ثم تنمو هذه العضلات بشكل قوي ومتين
وبطريقة
مماثلة، لتنمية النجاح الشخصي عليك أن تواجه تحديًا ومن ثم، ستنمو قدراتك
على تحقيق النجاح الشخصي، فالعقبات في الحياة تمثل دورًا مهمًا في جعلنا
أقوياء، ولكن فقط إذا استطعنا التعامل معها.
حياة الإنسان مليئة بالمشكلات:
(إن
حياة الإنسان بها الكثير من المشكلات والعقبات، وهذه المشكلات متنوعة
وآثارها كذلك ليست واحدة، وبعض تلك المشكلات لها آثار إيجابية تدفع الإنسان
إلى تغيير حياته نحو الأفضل وتعديل سلوكه وزيادة جهده، وبعضها أثرها بليغ
وشديد على النفس يشعر معها صاحب المشكلة بأنه قد انتهت حياته ولا أمل
يُرجى بعدها، ولكننا هنا لابد أن نؤكد أن أثر تلك المشكلات والعقبات لا
يتوقف عليها ذاتها، بقدر ما يتوقف على الأفكار التي يحملها الإنسان داخله
حولها، فأفكاره هي التي تحدد مشاعره، وبالتالي تصرفاته تجاهها، لذلك نرى
الأحداث والمواقف تنتهي ولكن آثارها تظل باقية.
ومن
المشكلات التي تمر على الناس، مشكلات وعقبات الحياة الزوجية، ونتيجة لعدم
قدرة بعض الأزواج على التعامل معها بإيجابية وفاعلية فإنها تعود وبالًا
على حياتهم، بل وأحيانًا تتضرر الأسرة كلها بسبب فشل الزوج أو الزوجة أو
كليهما في علاج المشكلات) [المستشار الوافي في حل الخلافات الزوجية، راشد السهل].
ومن
ثم يمكن لكلا الزوجين أن يجعلا من المشكلات والخلافات التي تحدث بينهما
أداة بناء وتطوير، ومعنى البناء هنا هو بناء أسس الحياة السعيدة، يكون كلا
الطرفان في الحياة الزوجية فيها يعرفان حقوق بعضهما ويتبادلان فيها
المشاعر والأفكار ويتعرف كل واحد على أخلاق وطباع الطرف الآخر من خلال هذه
المشكلات، ثم يحاول الانسجام النفسي والتوافق الروحي معه، وقد أثبتت بعض
الأبحاث أن ه كلما بذل الزوجان جهدًا لتجاوز خلافاتهما، كلما ساعد هذا
كلاهما على النمو الفردي، وهذا بدوره يزيدهما قدرة على الاستمرار.
مشكلات في بيت النبوة:
حدث
خلاف ذات مرة بين النبي صلى الله عليه وسلم وعائشة رضي الله عنها، فقال
لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ندخل بيننا عمر بن الخطاب، فقالت
عائشة: لا، فقال: ندخل بيننا أبا بكر، فقالت: نعم، ويحكم بينهما أبو بكر
الصديق رضي الله عنه، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم لأم المؤمنين عائشة:
تتكلمي أو أتكلم، فتقول رضي الله عنها: تكلم أنت ولا تقل إلا حقًا.
فالتفت
إليها أبو بكر رضي الله عنه ولطمها على وجهها حتى أدمى فاها أي خرج منه
الدم، وقال: أو يقول غير الحق يا عدوة نفسها؟! فاستجارت برسول الله صلى
الله عليه وسلم وقعدت خلف ظهره، فقال صلى الله عليه وسلم: إنا لم ندعك
لهذا، ولم نرد منك هذا) [رواه البخاري].
ورقة عمل:
ـ
ليعلم كلا الزوجان أن المشكلات تعبر عن الصحة الجيدة للبيت السعيد، ولذا
يجب على الزوجين ألا يجعلا تلك المشكلات تتطور وتأخذ أكبر من حجمها، وأن
يستفيدا منها فيما يُدعِّم العلاقة بين الزوجين.
ـ
الصفح مبدأ هام في الحياة الزوجية، فيجب على كلا الزوجين أن يغفرا
لبعضهما الزلات والأخطاء، فإذا أخطأت الزوجة في حق الزوج، أو أخطأ الزوج
في حق زوجته، فليغفرا لبعضهما وليتسامحا.
ـ ليستفيد طرفا الحياة السعيدة من المشكلات من خلال أن يعلما ما الذي يضايق شريك الحياة وما الذي يُفرحه؟
المصادر:
· المستشار الوافي في حل الخلافات الزوجية، راشد السهل.
· حتى يبقى الحب، محمد محمد بدري.
· المفاتيح الذهبية في احتواء المشكلات الزوجية، نبيل محمد محمود.