حكام الإمارة الخاصة في الإسـلام (1)
حكام الإمارة الخاصة في الإسـلام
مقدمة البحث:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على الصادق الوعد الأمين محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه أجمعين
أما بعد:
لقد أمرنا الله جل وعلا بالاجتماع، ونهانا عن الفرقة والنزاع، قال تعالى: {وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}.
وفي الأثر عن عمر - رضي الله عنه : « إنه لا إسلام إلا بجماعة، ولا جماعة إلا بإمارة، ولا إمارة إلا بطاعة، فمن سوده قومه على الفقه والدين، كان حياةً له ولهم، ومن سوده قومه على غير ذلك، كان هلاكاً له ولهم ».
ومن خلال هذا يتبين أهمية الإمارة التي هي من أعظم واجبات الدين، كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: « فإن بني آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالاجتماع، لحاجة بعضهم إلى بعض، ولا بد لهم عند الاجتماع إلى أميرٍ يسوسهم، وقائدٍ يقودهم، وإذا كان ذلك واجباً في أقل الاجتماعات، وأقصرها، فكيف بأمر المسلمين، وفي الحديث: (إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم) تنبيهاً بذلك على سائر أنواع الاجتماعات ».
فالجماعة المسلمة التي تتفق على كتاب الله، وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم- في حفظ الله ورعايته، وإنما يأكل الذئبُ من الغنم القاصية، وهم بعيدون من الأذى والخوف، والاضطراب، فإذا تفرقوا زالت السكينة، وفسدت الأحوال، ووقع بأسهم بينهم شديد، وليعلم أنه لا يمكن أن تتوحد الأمة، أو تجتمع على كلمةٍ سواء إلا بإمارة على منهج الإسلام.
أهمية البحث
1ـ كون هذا البحث يرتبط إلى حد كبير بمباحث فقهية معاصرة ، مما تكسبه أهمية في سبب اختياره.
2ـ ارتباط الأحكام الشرعية العامة إلى حد كبير بالإمارة العامة أو الخاصة.
3ـ ترتبط أهمية الإمارة بأهمية إقامة الدين، وتنفيذ أحكامه.
4ـ أن الإمارة وسيلة مهمة لإقامة الفروض العينية الجماعية كالجهاد، وغيره.
أسباب اختيار البحث
بالإضافة إلى ما جاء من أهداف البحث، والتي تمثل الدوافع الأساسية، فإن غموض بعض المفاهيم الدعوية التي قد تسبب ركوداً فكرياً، وجموداً حركياً يدخل منها الدخيل، ويختلط الصحيح بالعليل، كان هذا من الأسباب التي وفقتني.
اختيار هذا البحث، فهو إذاً دعوةٌ لتصحيح مسار الأفكار، والوقوف على الجادة، وهو رسالة لكل ذي عقل، والله يقول: {وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}.
أهداف البحث
1ـ إخراج بحث علمي يجمع ما تفرق من موضوعات الإمارة الخاصة، ودراستها دراسة شرعية تستمد رؤيتها من الكتاب والسنة، والأدلة المعتبرة، دون تكلف، أو تسعف.
2ـ بيان المفهوم الشرعي للإمارة الخاصة، وما يتعلق بها من أحكام عامة، وخاصة.
3ـ إبراز الحقوق الشرعية، وكذا الواجبات لكل من الأمير والمأمور.
4ـ بيان العلاقة بين الإمارة الخاصة والإمارة العامة.
منهج البحث
اعتمدت في البحث على استقراء الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة، وإجماع الأمة مع النظر في كتب الفقهاء لمعرفة أقوالهم في هذه الأدلة، وكذا المفسرين، وربطها بالمسائل الفقهية الواقعية المتعلقة بأحكام الإمارة الخاصة، وكانت طريقة عملي في البحث كالتالي:
1ـ عزو الآيات القرآنية إلى السور من المصحف الكريم مع ذكر رقم الآية.
2ـ الرجوع إلى المصادر والمراجع الشرعية في تفسير الآيات.
3ـ الاعتماد على الأحاديث الصحيحة، وشروح كتب السنة غالباً إلا ما ندر
4ـ إن كان الحديث في الصحيحين، أو في أحدهما فأكتفي بذكره منهما، مع ذكر الكتاب والباب والجزء، والصفحة، ورقم الحديث حتى يسهل الرجوع إليها في مظانها بمختلف الطبعات للصحيحين.
وإن كان في خارج الصحيحين وهو في السنن الأربع أو في أحدها، فأكتفي بذكره مع ذكر الجزء والصفحة، ورقم الحديث فقط، وذكر الحكم على الحديث في غالب الأحيان.
5ـ الاعتماد على المراجع الفقهية المعتبرة، ككتب المذاهب الأربعة وغيرها.
6ـ عرض آراء العلماء في المسألة الواحدة، إذا استدعى الأمر ذلك مع مناقشتها مناقشة علمية، والترجيح حسب ما يظهر للباحث.
7ـ الترجمة للأسماء والأعلام الواردة في البحث قصداً التي نقلت عنها، دون الواردة في ثانيا كلامهم ، وكذا الصحابة ومن في منزلتهم، أو كان من الأعلام المعاصرين.
8ـ استنباط بعض الأحكام الشرعية المتعلقة بالإمارة الخاصة، وإخلال النظر في الآيات القرآنية، أو الأحاديث النبوية مع الأخذ بأقوال المفسرين والفقهاء، ومن هذه المسائل:
- المدة الشرعية للإمارة.
- المقصود بأولي الأمر.
- حكم البيعة في إمارة الدعوة.
- إمارة المرأة، وما يتعلق بها من أحكام.
خطة البحث
تشتمل خطة البحث على أربعة فصول وخاتمة وهي كالآتي:
الفصل الأول: أحكام عامة في الإمارة ويحتوي هذا الفصل على خمسة مباحث:
المبحث الأول: معنى الإمارة في الإسلام.
المبحث الثاني: أهمية الإمارة.
المبحث الثالث: المقصد الشرعي من الإمارة والتأمير.
المبحث الرابع: طلب الإمارة والحرص عليها.
المبحث الخامس: المدة الشرعية للإمارة.
الفصل الثاني: الأحكام العامة في الأمير ويحتوي هذا الفصل على أربعة مباحث:
المبحث الأول: المقصود بأولي الأمر.
المبحث الثاني: استمداد الأمير شرعية الإمارة.
المبحث الثالث: إمارة المفضول مع وجود الفاضل.
المبحث الرابع: طاعة الأمير ومخالفته.
الفصل الثالث: ألأحكام الخاصة في الإمارة ويحتوي هذا الفصل على مبحثين:
المبحث الأول: شروط الإمارة الخاصة.
المبحث الثاني: الفرق بين الإمارة العامة والإمارة الخاصة.
الفصل الرابع: أنواع الإمارة الخاصة
ويحتوي هذا الفصل على ستة مباحث
المبحث الأول: إمارة الأقاليم.
المبحث الثاني: إمارة القضاء.
المبحث الثالث: إمارة الجهاد.
المبحث الرابع: إمارة الحج.
المبحث الخامس: إمارة الدعوة.
المبحث السادس: إمارة المرأة.
الخاتمة:
وتحتوي على النتائج والتوصيات التالية:ـ
1. الإمارة هي "امتلاك الأمير حق الأمر والنهي للعامة، على مقتضى المقاصد الشرعية، في حراسة الدين وسياسة الدنيا به".
والخاصة هي "نيابة عن الإمارة العامة، نيابة تفويض أو تنفيذ.
2. أهمية الإمارة ترتبط بأهمية إقامة الدين، وتنفيذ أحكامه.
3. من المقاصد الشرعية للإمارة:
- إقامة شرع الله تعالى في الأرض.
- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
- اجتماع الأمة على كلمة سواء.
- حماية البلاد الإسلامية من الأعداء.
4. طلب الإمارة والحرص عليها ليس مكروهاً على الدوام، بل قد يكون طلبها واجباً في بعض الأحيان، ولا يتنافى هذا مع كمال الإيمان. ?!
5. لا يجوز تحديد مدةٍ معينةٍ للإمارة، حيث أن الأصل في عقد البيعة أنها دائمة، سواء في الإمارة العامة، أو إمارة الدعوة في حال خلو الزمان عن الولاية الشرعية.
6. المقصود بأولي الأمر في قوله تعالى: أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم: الأمراء فقط، ويصدق هذا اللفظ أيضاً على العلماء بدلالة السياق، كما في قوله تعالى: {وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً} (النساء 83). مع التنبيه أن الأصل في الأمراء أن يكونوا من أهل العلم.
7. يستمد الأمير شرعية إمارته من خلال الآتي:
- اختيار أهل الحل والعقد له.
- الاستخلاف الذي هو بمعنى الاقتراح.
- القهر والغلبة.
8. إذا غير الأمير أو بدل في شرع الله، يصبح الزمان خالياً من الإمارة خلواً شرعياً، وتنتقل الولاية في هذه الحالة للعلماء.
9. اختيار الأمير العام أو الخاص عن طريق عموم الناس، يخالف مقصد الشريعة من الإمارة؛ حيث أن الجهل بعموم الناس يمنع إسنادَ الأمر إليهم في اختيار أعظم منصبٍ في الشريعة الإسلامية.
10. الأقدر في تحقيق المقاصد من الإمارة والتأمير هو الأولى بالتعيين.
11. الطاعة هي: عبوديةٌ يتقرب العبد فيها إلى الله، فلا يجوز المغالاة فيها.
12. تنقسم الطاعة إلى:
- مطلقة: ولا تكون إلا لله والرسول.
- مقيدة: للأمراء والوالدين، ومن في حكمهما.
13. طاعة الأمراء واجبة في غير معصية الله تعالى.
14. شروط الإمارة الخاصة الآتي:
- الإسلام.
- الذكورة.
- العدالة الجامعة لشروطها.
- الحرية.
- البلوغ.
- العقل.
- الكفاية.
- السلامة الجسدية.
- عدم الحرص عليها.
15. تتفق الإمارة العامة والخاصة في أمور، وتفترق في أمور أخرى.
أوجه الاتفاق:
- المسئولية الشرعية أمام الله.
- لكل من الإمارتين حق السمع والطاعة.
أوجه الافتراق:
- يعتبر في الإمارة العامة من الشروط، ما لا يعتبر في الخاصة كالنسب.
- إيجاد الإمارة العامة فرضٌ كفائيٌ على الأمة يقوم به أهل الحل والعقد، بينما إيجاد الإمارة الخاصة فرضٌ عيني على الأمير العام إن وجد.
- الإمارة العامة لها عموم النظر في عموم العمل، بينما الإمارة الخاصة تختلف بحسب الأحوال والعرف والألفاظ، فقد تكون عامة النظر في عموم العمل، وقد تكون خاصة النظر في خصوص العمل، وقد تكون خاصة العمل في عموم العمل.
- الإمارة العامة يبايع فيها الأمير مدى الحياة، إلا أن يأتي بناقضٍ لهذه البيعة، بينما تكون الإمارة الخاصة بتعيينٍ من الأمير العام إن كان له ولاية شرعية، وإلا فبيعتها دائمةً كالإمارة العامة.
16. اشتراط كون القاضي من أهل العلم.
17. ضرورة الضوابط الشرعية لتعيين الأوامر والقادة.
18. ضرورة الاهتمام بمؤسسة الجيش، وكفايتهم بما يحتاجون.
19. ضرورة ترك الأنظمة العسكرية التي تتنافى مع أحكام الشريعة، ومقاصدها، وهو قول الجمهور.
20. ضرورة إعادة النظر في إمارة الحج، ووجوب ترتيب ذلك مع الجهات المختصة كوزارة الأوقاف، وهي مسئولية الأمير العام.
21. مشروعية الاجتماع من أجل الدعوة إلى الله، بشروطها المذكورة في البحث:
- أن لا يتضمن ذلك الاجتماع تحزباً على أصل تحالف أصول أهل السنة، والجماعة.
- ألا يقصد بهذا التجمع منازعة السلطان المسلم، الذي ينفذ أحكام الله إن وجد.
- ألا يعتقد الولاء والبراء على أساس حزبي ضيق.
22. المقصود بإمارة الدعوة تلك القيادة التي يوكل إليها أمر الدعوة إلى الله، إدارةً، وتخطيطاً، وتنسيقاً، بتحمل كافة المسؤولية أمام الله جل وعلا ثم أمام الناس.
23. علاقة إمارة الدعوة مع الإمارة العامة، له حالتان:
- أن يكون الأمير العام حاكماً بكتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم- والعلاقة في هذه الحالة تكون بالشكل التالي:
أ- تعين الإمارة الدعوية مرتبطة بالأمير العام، وليس لأحد الحق أن يقتات عليه؛ لأن هذا من واجبه.
ب- تقدم أوامر الأمير العام في كل الأحوال ما دام في طاعة الله.
ت- لا يجوز عند البيعة على السمع والطاعة الدعوة في هذه الحالة؛ لأن هذا اقتات على الحاكم.
- أن يكون الأمير قد غير وبدل في شرع الله، والعلاقة بين الإمارتين، الآتي:
أ- لا يشترط في هذا العمل الجماعي؛ لإذن من الأمير العام؛ لأنه لا يملك الولاية الشرعية على الأمة.
ب- يقعد هذا المتولي على رئاسة الأم حق السمع والطاعة بلا خلاف بين العلماء.
ت- تقدم أوامر الجماعة الإسلامية على الأوامر الصلاة من الإمارة العامة؛ فالجماعة هي الممثل الشرعي للأمة.
24. لا يجوز أخذ البيعة للجماعة؛ وإنما لأمير الجماعة؛ لأن الجماعة لا تنزل أحكام البيعة على هذه البيعة.
25. لا يجوز للمرأة تولي الإمارة الخاصة بنص القرآن والسنة، وإجماع أهل العلم.
26. لا يجوز تولية المرأة الإمارة الخاصة بما في ذلك مجلس النواب، والقضاء، وكل إ مارة فيها معنى الأمر والنهي.