زمن الغرس وبساتين قلبك
إن الاستعداد لا يكون قبل رمضان بيوم أو يومين؛ وإنما بشهرين، هكذا البداية تبدو واضحة منذ بداية شهر الخير: من شهر رجب ..
وكأن رجب ثم شعبان هما الاستعداد الحقيقي لرمضان.
قال الله تعالى {وَلَوْ
أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ
انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ} [التوبة: 46]
تعالوا إلى البدايــة من البدايــة
مع دخول رجب ..
تحلُّ علينا وظيفة هامة تخص شهر رجب نفسه كشهر حرام، وفي نفس الوقت هي
وظيفة خطيرة كركيزة قوية للانطلاق في رحلة الاستعداد لرمضان، والإبحار إلى
الفردوس في بحر رمضان بعد ذلك بإذن الله ..
وظيـفة شهر رجـب
يقول الله تعالى {إِنَّ
عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ
اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ
حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ ..} [التوبة: 36]
إن وظيفة الربانيين إذا أهلَّهم شهر رجب: التوبة من الظلم والكف عنه؛مراعاةً للشهر الحرام .. فتتقي الظلم؛ كما أمرك النبي "اتَّقُوا الظُّلْمَ؛ فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" [صحيح مسلم]
والظلم أنواع، وكلها خطرٌ عظيـم ..
قال رسول الله "الظلم
ثلاثةٌ؛ فظلمٌ لا يتركه الله، وظلمٌ يُغْفَر، وظلمٌ لا يُغْفَر، فأما
الظلم الذي لا يُغْفَر فالشرك لا يغفره الله، وأما الظلم الذي يُغْفَر فظلم
العبد فيما بينه وبين ربِّه، وأما الظلم الذي لا يُتْرَك فظلم العباد
فيقتصُّ الله بعضهم من بعض" [حسنه الألباني، السلسلة الصحيحة (1927)]
فالشرك
والمعاصي ومظالم العباد كلها ظلم، ظلماتٌ بعضها فوق بعض، ولكنها كلها تقصم
الظهور وتحبط الأعمال، فلابد إذًا من التطهُّر من الظلم بأنواعه ..
وحين
تتطهَّر من ظلمات الظلم كلها .. فإنك حينئذ ستكون قد ركبت مركب الاستعداد
لرمضان، وأبحرت نحو بر العتق؛ لأن أول ما يجب على طالب التزكية: التخلية قبل التحلية .. نتخلى ونتطهَّر من رواسب الجاهلية وأنواع الظلم كلها؛ لنسير إلى الله بقلوبٍ سليمة إن شاء الله تعالى ..
يقول ابن الجوزي رحمه الله "يا
هذا: طهِّر قلبك من الشوائب، فالمحبة لا تلقى إلا في قلبٍ طاهر، أما رأيت
الزارع يتخيَّر الأرض الطيبة ويسقيها ويرويها ثم يثيرها ويقلبها، وكلما رأى
حجراً ألقاه، وكلما شاهد ما يؤذي نحَّاه، ثم يلقى فيها البذر ويتعاهدها من
طوارق الأذى؟"[مواعظ ابن الجوزي (1:13)]
هكذا المؤمن مع قلبه .. مثل البستاني مع بستانه
بساتيــن قلبــك
وفي القلب عشرة بساتين، يدخل المؤمن كل صباح بساتين قلبه فيقلع ما لا يصلح فيها، ويزرع ما تحتاج إليه ..
وإليك
بساتين قلبك، جهزها للزراعة واقلع ما فيها من حشائش ضارة، ثم ازرعها بما
يجعلها تليق بأن تكون موضع حب الله والشوق إليه سبحانه:
1) بستان التوحيــد:
اقلع: الشك، والشرك، والريـاء، والنفاق.
ازرع: التوحيـد، والإخلاص، والصدق.
2) بستان اليقين:
اقلع: الحرص، والأمل، والحقد، والرغبة.
ازرع: الرضــا، والقناعة، والصبر، والغنى بالله.
3) بستان معرفة الله:
اقلع: التشبيه، والتمثيل، والتأويل، والتعطيل.
ازرع: الإثبات مع التنزيه، والأدب، والتسليم.
4) بستان المحبة:
اقلع: الانشغال بالغير، وحب الخلق والديـار.
ازرع: تعلُّق القلب بالله وحده، والأنس، والهيبة.
5) بستان العلم:
اقلع: الجهل، والحمق، والتسرُّع.
ازرع: الصبر، والتواضع، واحتقار النفس.
6) بستان الحلم:
اقلع: الغضب، والحمية، والتعزز، والخيانة، والعجز.
ازرع: التسامح، والعفو، وحسن الظن، والنصح.
7) بستان السُّنَّة:
اقلع: البدعة، والمحدثات، والزينة، والأهواء.
ازرع: الاتباع والتجرُّد ومخالفة الهوى.
8) بستان الحلال:
اقلع: الحرام، والشبهة، والطمع، والاستكثار.
ازرع: السعي، والرضـا، والقناعة، والزهد.
9) بستان البذل والسخاء:
اقلع: البخل، والمنع، والطمع.
ازرع: الكرم، والجود، والإيثار، وغنى النفس.
10) بستان التواضع والخشوع:
اقلع: الكِبر، والعُجب، والغرور، والقسوة.
ازرع: الانكسار، والعفو، والذلة للمؤمنين.
فيــا أخي،
هذه هي الطريق قد فُتحَت لك .. منذ أهلَّك رجب .. فهلم يا مشمر .. هلم أيها المُحب،،
تابعوا معنا خطوات الطريق إلى جنة رمضان في المقالات القادمة إن شاء الله،،
المصادر:
كتاب (قلب جديد لمن يريد) لفضيلة الشيخ محمد حسين يعقوب.
الموضوع نقلا عن موقع منهج