أداب وواجبات وسنن العيد
أكرمنا الكريم جميعاً في شهر الصوم فغفر لنا ذنوبنا وستر عيوبنا ونقّانا من كل قبيح وجملنا بكل خير ومليح فأصبحنا والحمد لله كملائكة الله أتقياء أصفياء أوفياء {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}إن من حكمة الصوم العظمى وحكمه لا تُعد ولا تحصى أن كل واحد منا إذا دخل هذا الشهر الكريم يأخذ نفسه ويضعها بين يدي مولاه والنفس هي المخزن الذي يخزن الإنسان فيه طوال العام ما يسيئ وما يضر يخزّن فيها حقده على فلان ويخزّن فيها حسده على فلان ويخزّن فيها طمعه في فلان ويخزّن فيها ظلمه لفلان ما أشبهها بصندوق القمامة أو بسلة المهملات التي يضع فيها الإنسان أقبح شئ عنده أما القلب فهو صندوق نوراني وخزينة محكمة يضع الإنسان فيها أثمن شئ عنده يضع فيها ذكر الله ويضع فيها التسبيح لله ويضع فيها الصلاة على رسول الله ويضع فيها النصح لعباد الله ويضع فيها الرحمة بجميع خلق الله فالنفس مصدر كل شر وقبيح والقلب مصدر كل خير ومليح ومن حكم الصوم العظمى أن الله يأتي على هذه السلّة ويفرغها فيفرغها من الشرور والآثام ويفرغها من الحقد والحسد ويفرغها من الكراهية والبغضاء ويفرغها من الشحناء ويفرغها من الغل ويفرغها من جميع الصفات الخبيثة وفي نفس الوقت يعمِّر الصندوق النوراني بنور الله فيهيج صاحبه بذكر الله ويفرح في السرور لعباد الله ويشفق ويرحم جميع خلق الله ولذلك تجدون جميعكم والحمد لله في هذا اليوم الكريم تجدون أنفسكم منشرحين الصدور كل واحد منكم يقابل أخاه بوجه هاش باش يريد أن يعتنقه ويريد أن يقبله ويريد أن يصافحه ويريد أن يعبر له عن فرحته بكل ما يستطيع لماذا؟لأنه يصدر من قلب نوراني عمّره الله بأنواره وملأه الله بإحسانه، وملأه الله بطاعته فإذا كان هذا اليوم العظيم فاعلموا أن طاعتكم في هذا اليوم لله وشكركم في هذا اليوم لله أن تكونوا كما ورد في الأثر { إن الله يحبُّ من خَلقه من كان على خُلُقه } يحب أن نكون اليوم ولو اليوم فقط على أخلاقه هو عفو ويريد أن تكون أنت اليوم عفو عمن أساء إليك وعفو عمن ارتكب في حقك معصية وعفو عمن ارتكب في ناحيتك شرٌ وانظر إلى الله كيف يعامل الكفار؟ماذا يصنعون في هذه الأرض؟ولكن العفو لا يعاملهم ببعض ذنوبهم ولا ببعض شرورهم{وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ}لو يؤاخذهم ببعض ذنوبهم لأهلكهم جميعاً ولكنه عندما تهم البحار كل صباح وتقول دعنا نغرقهم وتقول الأرض دعني انشق فأبتلعهم وتقول السماء دعني أهوى عليهم فأحرقهم فيقول الله لهم وهو الشفوق الرحيم العطوف أنتم خلقتموهم يقولون لا أنتم ترزقونهم؟يقولون لا فيقول أنا خالقهم وأنا رازقهم وأنا أولى بهم منكم لا شأن لكم بهم هذا هو العفو عمن أساء إليه يعفو عمن ارتكب القبائح على أرضه مع أنه يأكل من خيره ويعيش من بره ويتحرك بفضله ولكنه ذو عفوٌ ويريد أن تتحلى كل يوم بصفة العفو وتكون كما قال الله لرسوله {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} نريد أن نأخذ العفو اليوم بقلوبنا ويظهر على جوارحنا فنعفو عمن أساء إلينا ونصل من قطعنا ونعطي من حرمنا ونعفو عمن ظلمنا فنكون في رضاء ربنا إن عبادة هذا اليوم هي المصافحة وهي المعانقة لعباد الله المؤمنين ولعلكم تستصغرون أجر هذه العبادة ولكن اسمعوا إلى نبيكم يبين لكم قدرها فيقول {إنَّ المُسْلِمَ إذَا صَافَحَ أَخَاهُ تَحَاتَّتْ خَطَايَاهُمَا [يعني نزلت ذنوبهما] كَمَا يَتَحَاتُّ وَرَقُ الشَّجَرِ}[1] أي كما ينزل ورق الشجر أي كلما سلمت على مسلم نزلت جميع ذنوبك وجميع ذنوبه ربما تقول لي إن ذنوبي تنزل مع أول مسلم أسلم عليه فماذا يحدث مع الباقين؟ يكتب لك حسنات قدر الذنوب التي نزلت عنك في أول مرة سلمت فيها على أول فرد من المسلمين هذا للمصافحة فما بالك بالنظرة إذا نظرت في وجه أخيك المؤمن ببشاشة وابتسامة وبسرور ماذا يحدث؟اسمع إلى رسولك وهو يقول {نظرة في وجه أخ في الله على شوق خير من اعتكاف في مسجدي هذا عاماً}[2] أفضل من الاعتكاف في مسجد رسول الله سنةَ وما أجر الاعتكاف؟إن الاعتكاف يقول فيه رسول الله {من اعتكف قدر فواق ناقة - والفواق هو الوقت بين حلبتين للناقة وهو وقت يسير- كان كمن أعتق رقبة من ولد إسماعيل}[3] والأجر في مسجد رسول الله يضاعف عشرة آلاف مرة عن هذه البقاع التي نحن فيها فإذا عبد الإنسان الله واعتكف في مسجد رسول الله عاماً فله من الأجر ومن الثواب ما يعجز عنه حتى الكرام الكاتبين هذا الأجر كله نأخذه بنظرة في وجه أخيك ولكنها نظرة بمحبة ونظرة بحنو ونظرة بشفقة ونظرة بعطف ونظرة بقبول وإقبال وليست نظرة بحقد ولا حسد وليست نظرة بكراهية وبغضاء فانظر كم يحرم نفسه الحاقد في هذا اليوم من الأجر والثواب ماذا يتعب الإنسان في النظرة التي يحصل منها وبها على هذا الأجر الكبير؟ لا يتعب كل ما في الأمر أن يملأ قلبه بالمحبة لعباد الله في هذا اليوم لكي تكون نظرته نظرة محبة وعطف وشفقة لجميع عباد الله ولو أن مسلماً كان مسيئاً إليك فسامحه اليوم إن لم يكن إكراماً لذاته فإكراماً لرسول الله فإنك إذا كان لك أبناء وتخاصم بعضهم مع بعض وجاء يوم العيد ماذا تريد منهم؟ وماذا تحب منهم؟هل تحب أن يظلا متخاصمين ذلك اليوم؟أبداً لكنك تريد منهم أن يكونوا في هذا اليوم على بساط المودة والصفاء وكذا رسولكم الكريم نحن جميعاً أبنائه بنص قول الله {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} فأبوكم المصطفى يريد منكم أيها الأخوة بنص كلام الله {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ } أن تصفحوا الصفح الجميل وأن تكونوا في هذا اليوم إخوة متآلفين متحابين متعاونين إكراماً لسيد المرسلين وإكراماً لرب العالمين من قال في كلامه المتين {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}هذه عبادتنا في ذلك اليوم المصافحة والمعانقة وصلة الأرحام وما أدراك ما صلة الأرحام إن هذا اليوم الكريم هو يوم صلة الأرحام يوم صلة الأقارب ويوم بر الوالدين وبالذات بر الوالدين وبر صديقهما وبر الناس الذين لا يبرون إلا عن طريقهما فقد كان رسول الله في هذا اليوم الكريم يبر أصدقاء السيدة خديجة بعد وفاتها إكراماً لها ويرسل إليهم الهدايا ويقولون له يا رسول الله لم ترسل إلى فلانة؟فيقول {إِنَّهَا كَانَتْ تَأْتِينَا زَمَنَ خَدِيجَةَ وَإِنَّ حُسْنَ الْعَهْدِ مِنَ الإيمَانِ}[4] أي كانت تصلها فأحب أن أصلها بعد موتها فمن تمام بر الوالدين أن تبر صديقهما الذي كان يصادقهما في حياتهما وأن تبر أهل ودهما وأن تبر ذوي رحمهما كل ذلك كما جاء بالحديث ومن عمل هذا اليوم أيضاً الإنفاق على الفقراء والمساكين والتصدق على ذوي الحاجات لأن هذا اليوم يوم الكرم الإلهي والعمل فيه يضاعف أضعافاً كثيرة ومن تمام هذا اليوم أن نقوم بإدخال البهجة والسرور على أولادنا فقد قال النبي {للجنة باب يقال له: الفرح لا يدخل منه إلاَّ مفرح الصبيان}[5] باب خاص جعله الله ليدخل منه من يدخل الفرح على قلوب الأطفال من البنين والبنات ولمن يفرحهم بلعبة أو يفرحهم بنقود أو يفرحهم بفاكهة أو يفرحهم بحلوى ولكن علينا في هذا الأمر أن ننظر إلى ما يجب أن نكون عليه وهو أنني إذا أعطيت إلى أولاد أخي أو إلى أولاد أقاربي شيئاً لا أنتظر الرد ولا أذهب إلى أولادي وأقول لهم كم أعطاكم عمكم فلان وأقول لزوجتي أكتبي ورقة بالذي يعطيهم فلان وفلان واذهب إلى البيت وأرد لهم ما أعطوه فإن هذا ليس من عمل الإسلام ولكنه من عمل الجاهلية إنما أنا أعطيهم لله لآخذ الأجر من الله فإذا أعطيت أخي فإنه من باب قول الله {وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} فهو أيضاً يرجو العمل ويرجو الثواب من الله وأيضاً يكون هذا الأمر في زيارة منازل وبيوت إخواننا فإذا ذهبت إلى أخيك لزيارته في بيته فلا تنتظر الرد حتى يكون أجرك تاماً من الله فقد قال رسول الله: {لَيْسَ الْوَاصِلُ بالمُكَافِىءِ}[6] فالذي يذهب لزيارة أخيه ولا ينتظر الرد إذا ذهب أخاه لزيارته فبها ونعمت وإذا لم يذهب لم تتغير نفسه ولا يتغير قلبه لأنه عمل العمل لله ويريد الثواب من الله ويريد الأجر من الله وما دام يرجو بعمله وجه الله ويريد بثوابه الله لم يحزن من خلق الله؟ولم يتغير من عباد الله؟فعلينا في هذا اليوم أن نفعل ما يأتي أن نصافح بعضنا وأن ننظر في وجوه بعضنا بالمحبة والرضا ونطلق الألسنة بالكلمة الطيبة فالكلمة الطيبة صدقة وتبسمك في وجه أخيك صدقة ثم نصل ذوي رحمنا ونعطف على فقرائنا ونشيع البهجة في صغارنا وأولادنا أما ما يفعله بعضنا من إشاعة الحزن في ذلك اليوم بالجلوس في المنازل لأن لهم قريب توفى من شهرين أو أكثر أو أقل وهذا أول عيد يمر عليه ما للميت وما للعيد؟العيد للأحياء هل الأموات في المقابر لهم ليل ونهار مثلنا؟أو لهم صيام وفطر مثلنا؟إنه إما في جنة عرضها السموات والأرض وإما في نار أعدت للعصاة والمذنبين والكافرين والجنة والنار ليس فيها ليل أو نهار ولا شهر ولا يوم ولا سنة إنهم مقبورون بأعمالهم وبثوابهم فإذا ذهبنا إلى المقابر لقراءة الفاتحة لهم فيها فبها ونعمت وإذا لم نذهب فليس علينا شئ أما الجلوس في البيوت لتجديد الحزن في هذا اليوم فلا يجوز فهذا اليوم يوم بهجة ويوم سرور فإذا ذهبنا لأهل الميت فلأجل أن تشيع بينهم البهجة وتغير ما عندهم من الحزن وتقلب حالهم إلى حال الفرح هذه هي سنة الإسلام يا جماعة المسلمين فنريد إذاً أن نبطل هذه العادة الجاهلية وهي عادة الجلوس في البيوت ويمر الناس على البيوت فيقولون نأخذ خاطر فلان وخاطر فلان فالعزاء في الإسلام بعد الثلاثة أيام لا يجب على مسلم هذه هي أعمالنا التي نقوم بها في يوم العيد ومع القيام بهذه الأعمال يجب أن لا تفوتنا الفرائض في جماعة فقد عهدنا في السنوات الأخيرة أن الناس في يوم العيد يسهون عن صلاة الجماعة ويؤدونها بعدها إن هذا اليوم يوم شكر لله والشكر لله يقتضي أن نحافظ على فرائضه في وقتها ثم نسرع بعدها لنؤدي ما كلفنا به الله [1] رواه ابن ماجة في سننه وأحمد في مسنده وأبو داود والترمذي عن البراء بن عازب [2] رواه السيوطي في الفتح الكبير عن ابن عمر[3] روح البيان وتفسير نور الأذهان لإسماعيل البروسوى[4] أخرجه الحاكم في المستدرك والدارمي عن عائشة[5] الفردوس عن ابن عباس عمدة القاري[6] رواه البخاري وأبو داود والترمذي وأحمد عن عبد الله بن عمر.
منقول من كتاب