التمر: غذاء.. ودواء.. وإعجاز
[وحدهم المديرون لديهم صلاحيات معاينة هذه الصورة]
التمر: غذاء.. ودواء.. وإعجاز
د. رمضان مصري هلال
الأستاذ بكلية الزراعة- جامعة كفر الشيخ
[وحدهم المديرون لديهم صلاحيات معاينة هذه الصورة]
مقدمة:
تشكل النخلة بشموخها فخراً واعتزازاً ورمزاً للحياة والعطاء المتجدد منذ القدم، كرمها المولى عز وجل في كتابه الكريم، لم يذكر المولى سبحانه وتعالى شجرة في القرآن الكريم كما ذكر النخل والنخيل فقد ورد ذكرها في عشرين موضعاً من القرآن الكريم علاوة على بعض الآيات التي ذكرت النخل بصفة من صفاتها مثل:
اللينة: نوع جيد من الثمر "مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ" (الحشر:5)
القطمير: القشرة الرقيقة التي تلف النواة " يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ " (فاطر :13)
النقير: النكتة في ظهر النواة "وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا " (النساء:124)
الفتيل : الخيط الذي في شق النواة "أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلَا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا" (النساء : 77)
ومن عظم قدر هذه الشجرة وكبير نفعها ذهب أهل التفسير من الصحابة والتابعين ومن بعدهم على أن الشجرة الطيبة التي شبهت بكلمة التوحيد في قوله تعالى "أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ" (إبراهيم : 24- 25) بأنها النخلة، فقد روى الحاكم في كتابه المستدرك على الصحيحين (جـ2، ص 383) عن أنس مالك رضي الله عنه قال: " ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقناع من بسر فقرأ مثل كلمة طيبة كشجرة طيبة قال هي النخلة. " قال الحاكم حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.
والحديث عن النخلة يمتد امتداد الأجيال، ويتجدد تجدد الآمال فهي غنية بقيمتها وأهميتها، وهى الشجرة التي جاورت الفقراء وأطعمتهم خلاصة خيرها، وغطت سقوفهم ، وأوقدت نيرانهم، فهي رمز للصحراء بكل آلامها وأفراحها، وهي الربيع الدائم، معشوقة للشمس والقمر والصحو والمطر.
.وزخرت السنة النبوية الشريفة بالعديد من الأحاديث التي تشير إلى أهمية النخلة وثمارها. شبهها المصطفى صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الشيخان عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها، وأنها مثل المسلم فحدثوني ما هي؟ فوقع الناس في شجر البوادي، قال عبد الله: ووقع في نفسي أنها النخلة فاستحييت ثم قالوا حدثنا ما هي يا رسول الله فقال: "هي النخلة ".
والمصطفى صلى الله عليه وسلم شبه النخلة بالمسلم في كثرة خيرها ودوام ظلها وطيب ثمرها ووجوده على الدوام، فإنه من حيث يطلع ثمرها لا يزال يؤكل منه حتى ييبس.
ولقد حبا المولى عز وجل شجرة النخل بعدة مميزات لا تتوافر في غيرها من الأشجار:
• إمكانية نموها تحت ظروف الجفاف الشديد ويرجع ذلك إلى طبيعتها التركيبية والتشريحية.
• يمكنها أن تتحمل المناطق الغدقة والتي يرتفع فيها مستوى الماء الأراضي وقله التهوية.
• تتحمل شجرة النخل التركيز العالي من الأملاح في مياه الري وعلى ذلك فإن النخيل يلعب دوراً هاماً في المحافظة على البيئة ومكافحة التصحر.
وأهم ما يميز شجرة النخيل هي رقتها ولينها. وقد آنت وبكت عندما فارقها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن كان يستند إليها في خطبة الجمعة، فعن جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم يوم الجمعة إلى شجرة أو نخلة، فقالت امرأة من الأنصار أو رجل : يا رسول الله، ألا نجعل لك منبراً؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (إن شئتم ) فجعلوا له منبراً، فما كان يوم الجمعة دفع إلى المنبر، فصاحت النخلة صياح الصبي، ثم نزل النبي صلى الله عليه وسلم فضمه إليه وهي تئن أنين الصبي الذي يسكن، قال: "كانت تبكي على ما كانت تسمع من الذكر عندها" متفق عليه.
[وحدهم المديرون لديهم صلاحيات معاينة هذه الصورة]
ويحدثنا القرآن الكريم بأنه عندما أحست السيدة مريم العذراء عليها السلام بآلام الوضع أمرها الله عز وجل أن تهز جذع النخلة وتأكل الرطب.
" وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا* فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا"(سورة مريم).
فلماذا كانت النخلة وكان الرطب … إنه إعجاز الهي … ودعوة من الحق كي نفكر ونتأمل ونبحث عن السر في ذلك … لكي نثبت مما أفاض به علينا الله من علم، صحة ما توصلنا إليه من خلال فهمنا لآيات الله.. وما تحويه من إعجاز علمي لم يكن واضحاً ولا معروفاً وقت نزول القرآن الكريم منذ أكثر من أربعة عشر قرناً، ولم يكتشف العلم الحديث مدلول ذلك إلا في العصر الحديث.
[وحدهم المديرون لديهم صلاحيات معاينة هذه الصورة]
فقد جاءت الأبحاث الطبية لتكشف عن أثار الرطب التي تعادل أثار العقاقير الميسرة لعملية الولادة والتي تكفل سلامة الأم والجنين معاً.
ومن المعروف طبياً أن الفص الخلفي من الغدة النخامية تفرز هرمون الأوكسي توسين oxytocin اللازم لعملية الولادة لأنه ينشط انقباض عضلات الرحم لتيسير هذه العملية، وبعد نزول الجنين يساعد هذا الهرمون على إعادة الرحم إلى سيرته الأولى فيتضاءل حدوث النزيف الرحمي بعد الولادة، وقد أثبت العلماء والباحثين أن التمر يحتوي على مادة تنبه تقلصات الرحم وتزيد من انقباضها وخاصة أثناء الولادة وهذه المادة تشبه هرمون الأوكسي توسين، وأن ثمرة النخيل الناضجة تحتوي على مادة قابضة لعضلات الرحم وتقوي عملها في الأشهر الأخيرة للحمل فتساعد على الولادة من جهة، كما تقلل كمية النزف الحاصل من جهة أخرى بعد الولادة. ومن أثار الرطب أيضاً أنه يخفف ضغط الدم عند الحامل فترة ليست طويلة ثم يعود لطبيعته وهذه الخاصية تقلل كمية الدم النازفة.
والرطب من المواد الملينة التي تنظف القولون، كما أن احتواء التمر على نسبة عالية من البوتاسيوم وهو لازم لتوازن كمية الماء داخل خلايا الجسم وخارجها، ولعمليات التمثيل الغذائي للعضلات والمخ.
والتمر يعتبر منجماً كاملاً من المعادن والفيتامينات والهرمونات التي تحتاجها المرأة الحامل والتي تلد وللنفساء المرضع، حيث أن الهرمونات الموجودة في الرطب تساعد على انقباض الرحم وعودته إلى وضعه الطبيعي، وتزيد من رقة القلب والحنان والعطف والحب والإحساس المرهف، ولين العريكة والطبع وإرهاف الفؤاد.
[وحدهم المديرون لديهم صلاحيات معاينة هذه الصورة]
وكذلك التمر يحتوي على مادة تشبه هرمون الأوكسيتوسين والذي يتألف من تسعة أحماض أمينية والهرمون يساعد في توسيع عنق الرحم تمهيداً للولادة، وبعد الولادة يساعد في وقف النزف تدريجياً، ويساعد كذلك على استعادة الرحم لحجمه الطبيعي، ويسهم كذلك هذا الهرمون بشكل فعال في عملية إدرار الحليب للمولود، كما يحتوي التمر الرطب أيضاً المغنيسيوم وكذلك المنجنيز، والمغنسيوم يعمل على تهدئة الجهاز العصبي ومنع توتره وهياجه، ومهم جداً لحماية العظام والأسنان كما أنه خافض طبيعي للحرارة.
وستظل أسرار التمر والرطب تزداد يوماً بعد يوم ليقف الإنسان خاشعاً أمام إعجاز آيات الله وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي أخبر عنه النبي قبل أربعة عشر قرناً من خلال كتاب معجز، لا يأتيه الباطل بين يديه ولا من خلفه، لأنه تنزيل من العليم الحكيم.
وصدق الحق (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ)(النمل:من الأية 88)
كما أن الرطب وما يحتويه من جلوكوز ذو الأهمية في علاج العديد من الأمراض مثل أمراض الدورة الدموية وزيادة التوتر، والنزيف وأمعاء الأطفال والأمراض المعدية المختلفة مثل التيفوس والملاريا والتهاب الزور، والحمى القرمزية والتسمم بأنواعه. كما أنه طعام ممتاز لخلايا الجسم وأنسجته وأعضائه حيث يزيد السكر الحيواني "جليكوجين"في الكبد وهو منبع الطاقة في جسم الإنسان، كما يفيد في تحسين عملية بناء الأنسجة والتمثيل الغذائي وتقوية الجهاز الدوري إذا كان هناك نقص في السكر الموجود بالدم.