خطبة ( محبة النبي صلى الله عليه وسلم ) بتاريخ: 27\ 5 \2011 (العبد الفقير) : يزن أحمد الهياجنه .
إن
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات
أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله
إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
{ يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ
إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } [آل عمران:102]،
{ يَا أَيُّهَا
النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ
وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً
وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ
اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا } [النساء:1]،
{ يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ
لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ
اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا } [الأحزاب:70-71].
واعلموا
عباد أن أصدقَ الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمد صلى الله عليه
وسلم، وشرَ الأمور محدثاتُها، وكُلَّ محدثة بدعة، وكُلَّ بدعة ضلالة،
وكُلَّ ضلالة في النار، ثم أما بعد:
أحبتي في الله : ( كيف نحقق محبة النبي عليه الصلاة والسلام ) هذا هو موضوع خطبتي لهذا اليوم إن شاء الله
إن
من أعظم حقوق النبي عليه الصلاة والسلام علينا: أن نحبه، وحبنا للنبي صلى
الله عليه وسلم دين لا يكتمل إيمان المرء إلا به، ففي صحيح مسلم من حديث
أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاث من كن فيه وجد
بهن حلاوة الإيمان من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء
لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره
أن يقذف في النار ).
بل لا يكتمل إيمان المرء إلا إذا كان حبه للنبي
صلى الله عليه وسلم أعظم من حبه لوالديه، وولده، بل ولنفسه التي بين جنبيه؛
ففي الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: (لَا
يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ
وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ). (لا يؤمن أحدكم)، أي: لا يكمل
إيمانه.
وفي صحيح البخاري أن عمر رضي الله عنه قال يوماً للحبيب النبي
صلى الله عليه وسلم: ( يا رسول الله! لأنت أحب إلي من كل شيء إلا نفسي ).
عَبْدَ اللَّهِ بْنَ هِشَامٍ قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ
لَهُ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ
شَيْءٍ إِلَّا مِنْ نَفْسِي فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ
مِنْ نَفْسِكَ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ فَإِنَّهُ الْآنَ وَاللَّهِ لَأَنْتَ
أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ الْآنَ يَا عُمَرُ ).
أود أن أقف هنا وقفة لطيفة؛ لأبين مفهوم
هذا الحديث، عمر رضوان الله عليه يقول: أنا أحبك؛ لكن ليس أكثر من نفسي،
ثم بعد قليل، قال له: أنا أحبك أكثر من نفسي! ماذا حصل؟! يقول الإمام
الخطابي رحمه الله تعالى في تعليق بديع، وفهم جليل دقيق لهذا الحديث: حب
الإنسان لنفسه طبع -يعني: كل واحد جبل على أن يحب نفسه- وحب الإنسان لغيره
اختيار بتوسط الأسباب.أي: لا أحبك، ولا تحبني، إلا إذا كانت بيننا أسباب،
أعرفك، وتعرفني في التعامل، في الود، في الخلق، أما إذا كنت لا أعرف لك
اسماً، ولا رقماً، فكيف أحبك، أو كيف أبغضك؟! قال: حب الإنسان لنفسه طبع،
وحب الإنسان لغيره اختيار بتوسط الأسباب -انظر ماذا يقول!- وما طلب النبي
صلى الله عليه وسلم من عمر حب الطبع؛ إذ لا سبيل إلى قلب الطباع عما جبلت
عليه، وإنما طلب منه النبي حب الاختيار، فلما نظر عمر في توسط الأسباب -أي:
في حب الاختيار- علم أن النبي كان سبب نجاته من النار؛ وحينئذٍ قال:
(فَإِنَّهُ الْآنَ وَاللَّهِ لَأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي)
قد
يقول قائل: في ذلك الزمان كان الرسول صلى الله عليه وسلم موجوداً بين
أظهرهم، ونحن الآن الرسول صلى الله عليه وسلم غير موجود فينا فكيف نحول
حبنا للرسول صلى الله عليه وسلم كأنه بيننا ؟
أقول له : إن الحب مختلف؛
الحب ليس كلمةً تقال لإنسانٍ فقط ، ولكن الحب حقيقةٌ كبيرةٌ ذات تكاليف،
وأمانةٌ عظيمةٌ ذات أعباء، كلنا يزعم أنه يحب النبي عليه الصلاة والسلام،
لكن هل من الممكن أن نقف وقفة صادقة، ويسأل كل واحد منا نفسهُ هذا السؤال:
أنا أحب النبي عليه الصلاة والسلام بصدق أم مجرد كلام؟!
من يدعي حب النبي ولم يفد من هديه فسفاهة وهراء فالحب أول شرطه وفروضه إن كان صدقاً طاعة ووفاء
وقد
ذكرت قصة طالب علم نجيبٍ نبيل؛ سمع أن أستاذه يرى رسول الله صلى الله عليه
وسلم في الرؤيا؛ فذهب إليه، وقال: يا سيدي! لقد علمت أنك ترى رسول الله في
رؤياك، قال: ماذا تريد يا غلام؟! قال: يا سيدي! أريد أن أراه، أريد أن أرى
حبيبي رسول الله، هذه أمنيتي في الدنيا، أن أراه بعيني؛ قال: احضر هذه
الليلة لتتعشى معي، وبعد العشاء سوف أعلمك كيف ترى حبيبك رسول الله صلى
الله عليه وسلم؛ فلبى التلميذ نداء أستاذه، وخرج في غاية السعادة والفرح؛
لأنه سيتعلم كيف يرى النبي عليه الصلاة والسلام.
فلما ذهب التلميذ
لأستاذه، وأحضر الأستاذ لتلميذه العشاء؛ أكثر الأستاذ في العشاء من الملح،
والموالح، ومنع الماء تماماً عن التلميذ، وكلما ألحَّ التلميذ في طلب
الماء، قال الأستاذ: لا يوجد ماء، قال: أنا عطشان يا أستاذي، قال: لا، لا
يوجد ماء. وهو يريد أن يربيه ويعلمه، قال: حسناً علمني! قد أكلت وامتلأت،
قال: نم الآن، وإذا استيقظنا إن شاء الله تعالى لصلاة الفجر علمتك كيف ترى
حبيبك رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فنام التلميذ في غاية السعادة والفرح
وهو يريد أن يرى النبي عليه الصلاة والسلام، لكنه في الوقت ذاته نام وهو
يتلوى من شدة العطش.
فلما استيقظ قال له الأستاذ: يا بني! قبل أن أعلمك؛
هل رأيت الليلة شيئاً في نومك؟ قال: نعم يا سيدي، قال: ماذا رأيت؟ قال:
رأيت الأمطار تمطر، والأنهار تجري، والبحار تسير بين يدي؛ لأنه نام وهو
عطشان؛ فقال له أستاذه المربي: نعم يا بني، صدقت نيتك؛ فصدقت رؤيتك، ولو
صدقت محبتك لرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الحب ليس كلمةً ترددها
الألسنة دخاناً يسير في الهواء؛ ما أيسر الادعاء! وما أسهل الزعم! وما أسهل
التغني بحب الحبيب صلى الله عليه وسلم،
و انظر الحب الصادق في الحديث
الذي رواه الطبراني و ابن مردويه و أبو نعيم في الحلية و الضياء المقدسي
وغيرهم بسندٍ حسن من حديث عائشة رضي الله عنها: كان ثوبان مولى رسول الله
صلى الله عليه وسلم شديد الحب له
قليل الصبر عنه فأتاه ذات يوم وقد تغير لونه يعرف في الحزن في وجهه فقال له : " ما غير لونك " ؟
فقال : يا رسول الله ما بي من مرض ولا وجع غير أني إذا لم أرك استوحشت وحشة شديدة حتى ألقاك
ثم إني ذكرت الآخرة أخاف ألا أراك لأنك ترفع إلى عليين مع النبيين وإني إن
دخلت الجنة كنت في منزلة أدنى من منزلتك وإن لم أدخل الجنة لم أرك أبدا
فنزل قوله تعالى :
{ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ
مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ
وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ
رَفِيقاً * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنْ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيماً }
[النساء:69-70].
الله يعلم الصادق في حبه من المدعي، فالحب للنبي صلى
الله عليه وسلم ليس كلمة، بل امتثالاً لأمره، واجتناباً لنهيه، ووقوفاً عند
حده الذي حده عن الله تبارك وتعالى، ولو وقفت مع حب الصحابة رضوان الله
عليهم للنبي صلى الله عليه وسلم لرأيت العجب العجاب
تخيل معي مشهد أبي
دجانة رضوان الله عليه في غزوة أحد، وهو يترس على النبي، وقد أخذ النبي في
صدره بين أحضانه وأعطى ظهره للسيوف والرماح والنبال؛ خشية أن يصل سهم إلى
صدر الحبيب سيد الرجال.
وتدبر معي مشهد طلحة وهو يقاتل أمام النبي يمنة
ويسرة، و طلحة يلتفت إلى النبي ويقول: يَا نَبِيَّ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ
وَأُمِّي لَا تُشْرِفْ يُصِيبُكَ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ الْقَوْمِ نَحْرِي
دُونَ نَحْرِكَ).
وآخر يقول له أبو سفيان وهو يعذب: أيسرك أن تكون في
أهلك بين ولدك ومحمد في موضعك تُضرب عنقه؟! فقال هذا الصحابي الجليل: والله
ما أحب أن تصيب رسول الله شوكة تؤذيه وأنا في أهلي معافى، فقال أبو سفيان
قولته الخالدة: والله ما رأيت أحداً يحب أحداً كما رأيت أصحاب محمد يحبون
محمداً) جسدوا الحب إلى واقع وعمل.
واسمعوا وتدبروا معي هذا المشهد وهو مشهد يحكيه عروة ابن مسعود الثقفي وابن أخيه المغيرة ابن شعبة
عندما
كان المغيرة بن شعبة واقفا ليظلل رأس النبي صلى الله عليه وسلم من الشمس
في الحديبية جاء عروة بن مسعود الثقفي رسولاً من قبل قريش ليفاوض النبي في
الحديبية، فكان المغيرة واقفاً يظلل ويحمي رسول الله، فمد عروة بن مسعود
يده ليداعب بعض الشعرات الطاهرات من لحية الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم
جرياً على عادة العرب في التودد إلى من يريد هذا المتحدث أن يكلمه، فمجرد
ما مد عروة يده ليمسك لحية النبي عليه الصلاة والسلام وإذ بـ المغيرة ابن
أخي عروة يضرب يد عمه بمؤخرة السيف ضربة شديدة وهو يقول له: أخر يدك عن
لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإلا سأقطعها، مع أنه مدها مداعبة
لشعرات النبي صلى الله عليه وسلم! وأنا أقول الآن: قد يُسب دين الله ودين
رسول الله اليوم ولا يتحرك أحد إلا من رحم الله
فعروة بن مسعود الثقفي تعجب من حب أصحاب النبي للنبي صلى الله عليه وسلم فوصف هذه المحبة وصفا جيدا
والحق
ما شهدت به الأعداءُ ، كما في الحديث الذي ورد في الصحيحين- وعاد عروة بن
مسعود إلى قومه من المشركين فقال: (يا قوم! والله لقد وفدت على الملوك
والرؤساء، وفدت على كسرى، وقيصر، والنجاشي، ووالله ما رأيت أحداً يعظمه
أصحابه كما رأيت أصحاب محمدٍ يعظمون محمداً صلى الله عليه وسلم- اسمع ماذا
يقول:- والله ما تنخم محمدٌ نخامة إلا وقعت في كف رجلٍ منهم؛ فدلك بها وجهه
وجلده).
يخرج علينا هؤلاء الماديون الجفاة، فيقولون: ما هذا؟ نخامة
يدلك بها وجهه وجلده؟! وهؤلاء أنفسهم يعلمون أن العشاق يفعلون بعشيقاتهم في
الحرام ما يستحي اللسان عن ذكره الآن.
فمن ذاق عرف؛ من ذاق طعم الحب لله ورسوله عرف أنه لا يستحسن هذا إلا من ذاق قلبه حلاوة الحب الصادق لله ولرسوله.
يقول عروة
والله ما تنخم محمدٌ نخامة إلا وقعت في كف رجلٍ منهم؛ فدلك بها وجهه
وجلده، ولا توضأ حتى كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا أمرهم ابتدروا أمره،
وإذا تكلم خفضوا الصوت عنده، ولا يحد أحدهم الطرف إليه إجلالاً له)..هذه
شهادة عدو كان على الشرك في ذلك الوقت شهد للصحابة رضوان الله عليهم
بالمحبة لنبينا صلى الله عليه وسلم، فما أحوجنا إلى أن نحب نبينا!
أسأل الله تعالى أن نكون من الذين يحبهم الله ورسوله ويحبون الله ورسوله إنه ولي ذلك والقادر عليه
وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية :
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد
أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله
وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه، واستن بسنته، واقتفى
أثَرَه إلى يوم الدين. أما بعد :
ثانيا : كيف نحقق المحبة للنبي صلى الله عليه وسلم ؟
أيها
الإخوة! ما أحوج الأمة الآن أن تحول محبة النبي صلى الله عليه وسلم في
حياتها إلى منهج حياة إلى واقع يتألق سمواً وعظمة وروعة وجلالاً، ما أيسر
أن تحتفل الأمة وتحتفي بالمولد تارة وبالهجرة تارة، وبليلة النصف من شعبان
تارة إلى آخره من هذه الاحتفالات والأعياد التي كثرت في أمتنا..ما أحوج
الأمة التي تجيد الكلام والخطابات والاحتفالات والقصائد والأشعار إلى أن
تحول محبة النبي المختار إلى واقع عملي ومنهج حياة.
أيها الأحبة! لو
ظللنا الدهر كله نتغنى بمحبة النبي صلى الله عليه وسلم ونحن لم نمتثل أمره
ولم نجتنب نهيه ولم نقف عند حده، ولم نذب وندافع عن سنته ولم نحمل هم
دعوته، فوالله لن نغير من الواقع شيئاً، فما أحوج الأمة في هذه الأيام أن
تحول محبتها للنبي صلى الله عليه وسلم إلى واقع عملي ومنهج حياة.
فالمحبة بحاجة إلى تطبيق عملي وبحاجة إلى حسن الإتباع حتى في محبتها لرسول الله صلى الله عليه وسلم
فشتان
بين حب دائم مبني على الاتباع، وبين حب مبني على الغلو والابتداع؛ فينبغي
أن ننسب ما لله لله، وأن ننسب ما لرسول الله لرسول الله، وألا نخلط بين حق
الله وحق رسوله بدعوى الحب؛ فالحب: امتثالٌ لأمره، واجتنابٌ لنهيه، ووقوفٌ
عند حدوده، وتصديقٌ لخبره وبلاغ لدعوته ورسالته، وذبٌ عن سنته، وصلاة عليه.
فلا شك أن المحب الصادق للنبي صلى الله عليه وسلم الذي يفعل ذلك كله
مكانته عند الله عظيمة، ومكانته عند النبي كبيرة، ومن أجل هذا أقول لأحبابي
وإخواني: امش على الأثر، النبي مشى برجله اليمنى؛ ضع رجلك اليمنى، يمشي
برجله اليسرى ضع رجلك اليسرى،وامش على آثار أقدام النبي؛ لترى آخر هذا
الطريق الحبيب المصطفى ينتظرك على الحوض إن شاء الله تعالى.
وأخيرا :
بشرى لنا : النبي صلى الله عليه وسلم قد يبين لنا مكانة وقدر أول هذه
الأمة، وأن هناك فرقاً كبيراً بين من عاش معه عليه الصلاة والسلام، وتعلق
به، وبين من أحبه وتعلق به، ودافع عن سنته في زماننا هذا؛ لأننا نعيش
زماناً ابتعدنا فيه كثيراً عن زمن الحبيب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛
فبين لنا نبينا عليه الصلاة والسلام أننا إخوانه، وأحبابه، كما في الحديث
الصحيح الذي رواه البخاري قال النبي صلى الله عليه وسلم: (السلام عليكم دار
قوم مؤمنين و إنا إن شاء الله بكم لاحقون وددت أنا قد رأينا إخواننا قالوا
: أولسنا إخوانك ؟ قال : بل أنتم أصحابي و إخواننا الذين لم يأتوا بعد
قالوا : كيف تعرف من لم يأت بعد من أمتك ؟ قال : أرأيت لو أن رجلا له خيل
غر محجلة بين ظهري خيل دهم بهم ألا يعرف خيله قالوا : بلى قال : فإنهم
يأتون يوم القيامة غرا محجلين من الوضوء و أنا فرطهم على الحوض ألا ليذادن
رجال عن حوضي كما يذاد البعير الضال أناديهم : ألا هلم ألا هلم فيقال :
إنهم قد بدلوا بعدك فأقول : سحقا فسحقا فسحقا .
أسأل الله تعالى أن
يرزقنا حب ربنا وحب رسولنا وأن يسقينا من يد نبينا شربة لا نظمأ بعدها أبدا
و أن نكون معه في المرتبة التي قال عنها ربنا : ( وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ
وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ
النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ
أُولَئِكَ رَفِيقًا ) النساء (69)
عباد الله :إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين ءامنوا صلوا عليه وسلمو تسليما ) ......
اللهم
لا تدع لأحد منا في مقامنا هذا ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته،
ولا ديناً إلا قضيته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا عاصياً بيننا ومن أهلينا
إلا هديته، ولا طائعاً معنا إلا زدته وثبته، ولا حاجة هي لك رضاً ولنا فيها
صلاح إلا قضيتها يا رب العالمين! يا رب! اجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوماً،
وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ولا تجعل فينا ولا منا شقياً ولا محروماً!
اللهم اهدنا واهد بنا، واجعلنا سبباً لمن اهتدى،!
اللهم أنصر الإسلام ...
اللهم
إهد ملك البلاد للحكم بكتابك وبسنة نبيك صلى الله عليه وسلم وارزقه
البطانة الصالحة التي تعينه على ذلك هو وجميع حكام المسلمين إنك على كل شيء
قدير .
وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.والحمد لله رب العالمين.