خطبة رائعة ومن الأهمية بمكان بعنوان ( إستلام صحائف الأعمال يوم القيامة )
( الخطبة الأولى )
الحمد لله، خلق الإنسان وعلمه ،وشق سمعه وبصره ،هدى من شاء بفضله، وأضل من شاء بعدله،
اللهم لك الحمد كثيرا كما تنعم كثيرا، ولك الشكر كثيرا كما تجزل كثيرا ،
واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، في السماء ملكه، وفي الأرض سلطانه ، سبحانه من اله ما أعظمه، وما أعدله وما أجله،
واشهد أن محمدا عبده ورسوله، إمام الهدى ،ونبي التقى ،صلى الله عليه وعلى اله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين أما بعد :
فاتقوا الله يا امة الاسلام
اتقوا
الله تقوى رجل يعلم أن الموت ملاقيه، وان القبر مسكنه، والقيامة مرجعه،
والى الله جل وعلا قدومه ، والجنة أو النار مستقره ومصيره .
أيها الناس :
ومع
موقف رهيب مهيب من مواقف يوم القيامة ،وبعد أن يسال العباد عن الإله الذي
كانوا يعبدونه ،وعن إجابتهم للمرسلين ، وبعد أن يسالوا عن الأعمال التي
عملوها
وسألوا عن النعيم الذي كانوا يتنعمون به في الدنيا ، وعن العهود والمواثيق ، وعن الأسماع والأبصار والأفئدة .
بعد هذا كله تأتي مرحلة أخرى من مراحل يوم القيامة .
إنها مرحلة إعطاء كل عبد كتابه ، المشتمل على سجل كامل لأعماله التي عملها في الحياة الدنيا .
إنها مرحلة استلام صحائف الإعمال التي لا تغادر بلية كتمتها ولا مخبأة أسررتها
كم من بلية عملتها ونسيتها لكنك وجدتها في كتابك ،
كم من سيئة قد كنت أخفيتها لكنَّ كتابك قد اظهرها0
هذا الكتاب مَن الذي كتبه ، ولماذا كتبوه ؟ وما الشيء الذي يكتبونه فيه ؟
ان الذي كتبه عليك هم الملائكة الكرام الكاتبون ـ ليكون حجة عليك يوم القيامة أو حجة لك ـ
إنهم يكتبون فيه كل حسنة عملتها او هممت بها ، وكل سيئة فعلتها أو هممت بها ،
يقول الله جل شانه:
(وان عليكم لحافظين كراماً كاتبين يعلمون ما تفعلون ) والمقصود بهم الملائكة .
ويقول الله تعالى : ( ونخرج له يوم القيامة كتاباً يلقاه منشوراً . اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً)
إن هذا الكتاب المسجل ، يقرؤه كل إنسان متعلِّم أو جاهل ، عالم بالكتابة أو جاهل بها
.
هذا الكتاب تسجل فيه الحسنات والسيئات ، ولا تخفى فيه خافيه من أعمال العباد
(ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها )
قال ابن عباس رضي الله عنهما : الصغيرة : التبسم والإستهزاء بالمؤمنين ، والكبيرة : القهقهة بذلك .
ولربما خطر على قلب عبد من عباد الله أن يُنكر عملاً من الأعمال التي عملها فيكون ذلك الكتاب شاهداً عليه بما عمل
مثل وقوفك يوم العرض عرياناً مستوحشاً قلق الأحشاء حيرانا
والنار تلهب من غيض ومن حنق على العصاة ورب العرش غضبانا
اقرأ كتابك ياعبدي على مهل فهل ترى فيه حرفاً غير ماكان
لما قرأت ولم تنكر قراءته إقرار من عرف الأشياء عرفانا
ناد الجليل خذوه ياملائكتي امضوا بعبد عصى للنار عطشانا
المشركون غداً في النار يلتهبوا والمؤمنون بدار الخلد سكانا
عباد الله :
إن من الناس من يأخذ كتابه بيمينه ـ وهؤلاء هم السعداء أصحاب اليمين ـ أهل الجنة . الذين يقول الله فيهم :
(فأما
من أوتي كتابه بيمينه ـ فيقول هاؤم اقرءوا كتابيه ـ إني ظننت أني ملاق
حسابية ـ فهو في عيشة راضية ـ في جنة عالية ـ قطوفها دانية ـ كلوا واشربوا
هنيئاً بما أسلفتم في الأيام الخالية )
نعم إنه العبد الصالح يأخذ كتابه
بيده اليمنى ـ فيبشِّر أصحابه بذلك ويقول لهم : اقرؤوا كتابية . وقد كان
مستعدا لذلك اليوم الذي يتسلم فيه كتابه فاتقى الله وعمل الصالحات .
وقد وجد الراحة في الدار الآخرة ، في الجنة العالية عند الرحمن ، ذات الثمار المتدنية منه
نعم إن هذا الثواب بما أسلفتم من الأعمال الصالحة في الأيام الخالية .
هؤلاء هم أهل الجنة نسأل الله أن نكون منهم .
وأما
القسم الثاني من الناس فهم أصحاب الشمال ـ وهم الأشقياء أهل النار . (
وأما من أوتي كتابه بشماله ـ فيقول ياليتني لم أوت كتابيه ـ ولم أدر ما
حسابيه ـ ياليتها كانت القاضية ـ ما أغنى عني ماليه ـ هلك عني سلطانية )
نعم : إنه صاحب العمل السيء ـ الذي يأخذ كتابه بيده اليسرى ـ ويتمنى أنه لم ير ذلك الموقف
والسبب انه لم يكن يحسب للأمر حسابه ـ ولم يتوقع هذا الموقف .
وهو يتمنى أن ماله ينفعه ذلك اليوم أو سلطانه أو جاهه ومنصبه، بل ود أن الموت يأتيه ويريحه مما هو فيه .
لكن الجواب سرعان ما يأتي ( خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً فاسلكوه) .
وهذا الشقاء الذي هو فيه بسبب عمله السيء ـ ونسيانه لموقف القيامة الرهيب .
ومن
أمثلة الأعمال السيئة التي كان يعملها ( إنه كان لا يؤمنون بالله العظيم ـ
ولا يحض على طعام المسكين ) هؤلاء هم أهل النار نعوذ بالله من حالهم
ومآلهم .
وأهل النار يأخذون كتبهم بشمائلهم ،
وورد في آية أخرى
أنهم يأخذون كتبهم من وراء ظهورهم ، وهي قول الله تعالى : ( وأما من أوتي
كتابه وراء ظهره ) . فقيل : تلوى يده اليسرى خلف ظهره
.
وقيل : تنزع يده اليسرى من صدره إلى خلف ظهره .
وقال مجاهد رحمه الله : تخلع يده اليسرى من وراء ظهره .
وقيل : تغل يده اليمنى إلى عنقه ، وتجعل يده الشمال وراء ظهره ، فيعطى كتابه وراء ظهره
قال ابن عثيمين رحمه الله :
الجزاء من جنس العمل ـ فكما أن هذا الرجل جعل كتاب الله وراء ظهره ، أعطي كتابه يوم القيامة وراء ظهره جزاءً وفاقا0
وبعد أيها الأخوة :
هذا موقف من مواقف القيامة ـ موقف توزيع الصحائف والكتب على الناس .
فمنهم من يأخذ ه بيمينه وهم أهل الأعمال الصالحة ـ ومنهم من يأخذه بشماله وهم أهل السيئات ـ
فاتقوا الله وكونوا مع الصادقين أهل الأعمال الصالحة . أعوذ بالله من
الشيطان الرجيم ( ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئاً ـ
وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين)
اللهم ارحم
ضعفنا واجبر كسرنا واغفر ذنبنا يا سميع الدعاء . أقول ما تسمعون واستغفر
الله العظيم الجليل لي ولكم من كل ذنب فأستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
(الخطبة الثانية)
الحمد
لله، الأول والآخر ،والظاهر والباطن ،وهو بكل شيء عليم . وأشهد أن لا إله
إلا الله وحده لا شريك له ، واشهد أن محمدا عبده ورسوله ، صلى الله عليه
وعلى آله وصحبه وسلم أما بعد :
أولا : ينبغي للمسلم أن لا يغفل عن ذكر الموت وما بعده من مواقف يوم القيامة .
ثانياً : أنت احد رجلين أما آخذ كتابك بيمينك ولك الجنة ، أو الأخرى نعوذ بالله من ذلك .
ثالثاً : أهل اليمين هم أهل العمل الصالح ،وأهل الشمال هم أهل العمل السيء ، فاختر لنفسك أي المكانين أحب إليك ؟
رابعاً : دقة الحساب يوم القيامة ، فالله لايظلم الناس شيئاً ، وإنما يجد كل إنسان عمله مسجل عليه فهل يستطع أن ينكر؟
خامساً : اتق الله يا عبد الله ولا تمل على الكتبة شيئا يكتبونه إلا وفيه نجاتك يوم القيامة
.
سادساً
: كلنا يخطئ ويذنب ـلكن المؤمن سرعان ما يستغفر الله ويتوب إليه ( والذين
إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر
الذنوب إلا الله)
فأكثر من الاستغفار يا عبد الله .
يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( طوبى لمن وجد في صحيفته يوم القيامة استغفارا كثيراً)
سابعاً
: أن معنا ملائكة يسجلون أعمالنا ـاحدهما عن اليمين وهو الملك الذي يكتب
الحسنات والآخر عن الشمال وهو الملك الذي يكتب السيئات فحقهم علينا أن
نستحي منهم ونجلهم ،
ومن إجلالنا لهم : أن نعمل عملا صالحا يكتبوه لنا.
ثامنا: احذر يا عبد الله من الإشراك بالله والذهاب إلى السحرة والمشعوذين والكهنة والعرافين
ومن الذهاب إلى من يعالج بالرقى الشيطانية وهو في نفسه لم يعرف صلاة ولا صوم.
واحذر من ترك الصلاة والتهاون بها والتكاسل عن أدائها جماعة مع المسلمين.
واحذر
من حضور مجالس الغيبة والنميمة والسخرية والإستهزاء بالمؤمنين ومن حضور
مجالس اللهو واللعب والغناء والموسيقى فكل ذلك مسجل عليك في كتاب لا يغادر
صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها.
واحذر من قطيعة الرحم وعقوق الوالدين
والإساءة للجيران وسوء الأخلاق مع الناس ، فإن من الناس من يأتي يوم
القيامة بحسنات عظيمة لكنه يأتي وقد شتم هذا وسب هذا وأكل مال هذا وضرب هذا
واغتاب هذا وكذب على هذا ونم على هذا وأضر بهذا فكل هؤلاء يأخذون من
حسناته حتى إذا لم تبق له حسنات أخذ الله منه سيئات الناس وطرحها عليه وطرح
في النار نعوذ بالله من ذلك .
تاسعا: تذكر أن الجنة فيها مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر فأين أنت منها؟
عاشرا : تذكر أن النار قعرها بعيد وحرها شديد وطعام أهلها الزقوم والصديد فهل هربت منها ؟
ونقول أخيرا : الله الله في العمل الصالح والأخلاق الحسنة.
قال الله تعالى : ( وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى )
ثم صلوا وسلموا على أشرف الأنبياء والمرسلين.