خطبة جمعة عن مفهوم التربية والتعليم
(الخطبة الأولى)
اتقوا الله ربكم، اتقوا الله حق التقوى، واعلموا أن الله افترض على المسلمين واجبات مفروضة على العباد؛ لتستقيم الحياة، وتصلح الشعوب، وتبنى الحضارات، وتحيا الأمم.
هذه المفروضات تتعلق بكل مسلم، والمسلم هو المكلف، وهو الذي ترجح عقله، ببلوغه سن التكليف.
أيها المؤمنون: إن الأبناء هم حديث اليوم وحديث كل يوم، بهم تقر عيون الآباء والأمهات، وبهم يزدان الكون والحياة، وقد علمنا القرآن الكريم في الدعاء أن نقول: [ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً] سورة الفرقان آية 74.
نعم، إن هؤلاء الأبناء والشباب أمانة ومسؤولية في أعناق الآباء والأمهات، وفي أعناق المربين والمربيات، فماذا قدَّمنا لهم، وإلى أي مدى وإلى أي عمر وسن نقدِّم لهم من العطاء؟!!.
إذا بدأنا بالشباب نبدأ بهم من طفولتهم، فالطفل نبتة صغيرة تنمو وتترعرع، فتصير شجرة نافعة؛ مثمرة أو وارفة الظلال، أو قد تصير ضارة غير نافعة؛ شجرة شائكة أو سامَّة والعياذ بالله.
وكل يتمنى أن يكون ولده شاباً قوياً نافعاً، يحمل رسالة ويبني حضارة، فتعالوا نتعرف كيف يكون بناء هذا الإنسان؟!!.
إنه حتى نربي جيلاً من الأشجار المثمرة، أو وارفة الظلال؛ فإنه علينا أن نعتني بهم منذ البداية، مع حسن التوكل على الله تعالى والاستعانة به في صلاحهم.
فمن واجبك تجاه ولدك أن ترعاه وتحسن إليه، وتكرمه وتعطف عليه.
ولا شك أنّ كل أب يتمنى لابنه النجاح في دراسته، فهو دائماً يدعو الله بتوفيقه وتسديده وتثبيته،
يَعِده ويُمنّيه إن نجح في دراسته، ويتوعّده ويهدده إن رسب في دراسته، ولكن أي نجاح تريده لابنك؟!!، وأي استمرار وبناء تبغيه من ولدك؟!!.
المسألة أيها الأب الحنون ليست مسألة نجاح أو رسوب في الدراسة فحسب، بقدر ما هي مسألة نجاح أو رسوب في الحياة.
أيها الأخوة والأحبة:
ما أحوجنا في هذا الزمن العصيب أن نربي أبنائنا، وننشئ جيلاً قوي الإيمان يثبت على الحق، ويحمل لواء الإسلام، ويدافع عنه بكل طاقته.
كلنا يردد بأن الإسلام دين العلم، وقد جاء القرآن ثورة ضد الجهل والتخلف، هذا، وإن بداية أي إصلاح تبدأ من إصلاح التعليم وحسن التربية.
فالمصود بالتربية هي التربية الدينية والوطنية والأخلاقية والعقلية والنفسية، فهي التربية الكاملة الشاملة.
فمن ذا الذي يقوم بذلك؟، إنه أنت أيها الأب الكريم، يا من تهتم بولدك لتعده ليصبح شاباً، يا من تقدم لولدك من الطعام أطيبه، ومن الثياب أجملها، وتشتري له من السيارات أحدثها، وتحاول أن تبني له من البيوت أفخمها،
فهلا تأملت وتوقفت مع ذاتك: ماذا قدّمت له ليتعلم الحياة، ماذا أعطيته ليكون نافعاً في دنياه ناجحاً في آخرته؟!!.
لذا كان اهتمامك بولدك، وقيامك بهذا الدور من أوجب الواجبات، وأعلى القربات، وأجلِّ المهمات، وأشرف المقامات، بل يقول علماء التربية: إنه شرط ضرورة، ويقول علماء الشريعة: إنه فرض عين على الجميع.
فرض العين هو الذي لا يجوز للمسلم أن يتركه أو يتخلى عنه.
أليس الصلاة مفروضة عليك فرض عين؟!!، بلى.
أليس الصيام مفروضاً عليك فرض عين؟!!، بلى.
فلا يصلي أحد عن أحد، ولا يصوم أحد عن أحد.
وبالتالي: فإن إعداد ولدك للحياة هو فريضة بعد الفريضة، وتعليم ابنك فريضة عين كما فريضة الصلاة، فلا تهملها.
ألا واعلم أخي المسلم أن اهتمامك بتربية أبنائك هو فرض عين كفرض الصلاة المكتوبة، وأداء الزكاة المفروضة.
وعندما نسمع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : "طلب العلم فريضة على كل مسلم"، والخطاب يتوجه إلى المكلفين بأعيانهم، وإلى الآباء والمربين إذا كان الإنسان قبل سن التكليف، مَن الذي يسمع الخطاب وينفذه؟!!، أنت أيها المسلم المكلف، فما دمت قادراً على أداء الصلاة لأنك مكلفاً بها، فيجب أن تكون قادراً على التعلم لأنك مكلف به.
أما قبل بلوغ سن البلوغ والتكليف، فمهمة التربية والتعليم على الآباء،
فقد وجَّهنا النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "مروا أبناءكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع" [خرَّجه جماعة من أهل الحديث وهذا لفظ أبي داود].
لقد توجَّه الخطاب إلى صاحب التكليف، لِمَن ترجَّح عقله لأن يؤدي واجبات ربه، واعلم أيها الأخ الكريم، والأب الرؤوف، أن مستقبل أبنائك مرهون بحسن إعدادك لهم.
أخي المسلم يوصيك الله في ولدك، والآية وإن كان بدءً لآيات الميراث إلا أن معناها عام في كل شأن من شؤون الحياة، يقول تعالى: { يوصيكم الله في أولادكم }.
يوصيكم الله في أولادكم؛ إعداداً وتربية وتهيئة حتى يصبحوا في سن التكليف والبلوغ قادرين على تحمل المسؤولية.
فسابقآ كانوا يتعلمون شؤون الحياة، كانوا يتربون تربية صالحة، كان الأب ينشئ ولده تنشئة إيمانية، حتى إذا ما وصل إلى سن التكليف كان الحد الفاصل بين مسؤوليته وواجبه تجاه ولده، وبين أنه قد انتقلت المسؤولية الآن من الولد تجاه أبيه.
فكما تحرص على طعامهم وشرابهم وثيابهم ومسكنهم فاحرص على إعدادهم الإعداد الجيد المفروض عليك وتربيتهم الأخلاقية وتنشئتهم الإيمانية.
واهتمامك هذا له زمن محدد، وإعداد الأبناء لا يكون طوال أعمارهم، بل له سن محددة، ألا وهي سن التكليف الشرعي، سن البلوغ.
لأن الولد بعد هذا السن مسؤول عن نفسه شرعاً، فإن ترك الصلاة حوسب، وإن ترك الزكاة عوقب، ولا ينفعه التجاؤه بأبيه أو أمه، قال تعالى: { يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه، لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه }.
لأن الوالد علّم ولده الأحكام الشرعية المفروضة وهو في سن السابعة، وأدبَّه عليها في سن العاشرة، وهيأه لتحمَّل مسؤولية التكليف الشرعي في سن البلوغ.
فهل تحاسب عن ولدك إن ترك الصلاة بعد سن التكليف، هل تعاقب عوضاً عن ولدك إن أخطأ بحق المجتمع، أم إن المسؤولية الدينية والمدنية يتحملها كل بنفسه، { ولا تزر وازرة وزر أخرى)
إن الشريعة لم تجعل محلاًّ للمسئولية إلا الإنسان المكلف.
وهو من ترجح اكتمال عقله ببلوغه سن النكاح، قال تعالى: (وإذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنكُمُ الحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ }.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاَثٍ: عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ"
أخوتي وأحبتي: يا مَن ترعون أبنائكم، ويا مَن ترومون منهم الخير والصلاح لكم ولمجتمعاتهم، احرصوا على خيرهم بدفعهم إلى ما يحقق مصالحهم في الدنيا والآخرة، ومن هنا كان الواجب الشرعي: إعداد الطفل لحياة علمية عملية يستشعر بها مسؤوليته في المجتمع الصالح النافع.
أقول ماتسمعون وأستغفرالله العظيم الجليل لي ولكم من كل ذنب فأستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
(الخطبة الثانية)
الحمد لله صاحب النعم والجود والعظيم الخالق المعبود ، وأشهد أن محمدآ عبده ورسوله صاحب اللواء المعقود ، وعلى آله أصحابه أجمعين
ألا ولنعلم أيها الأحبة في الله: أن للولد حقاً على الوالد قبل حق الوالد على الولد..! فمن أهمل تعليم ولده ما ينفعه، وتركه سدى، فقد أساء غاية الإساءة؛ وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء، وإهمالهم لهم، وترك تعليمهم فرائض الدين وسنته، فأضاعوهم صغاراً، فلم ينتفعوا بأنفسهم، ولم ينفعوا آباءهم كباراً.
واسمع إلى هذا الطفل يجيب والده الذي عاتبه على العقوق، قال: يا أبت!، إنك عققتني صغيراً، فعققتك كبيراً؛ و أضعتني وليداً؛ فأضعتك شيخاً.
أيها المؤمنون: لنـتأمل فيما يريده منَّا القرآن، ولنعمل ما يطلبه منَّا الإسلام، بتنشئة الأجيال والأبناء تنشئة صالحة، إعدادهم لسن التكليف والبلوغ، تربية وعلماً وعملاً؛ فالخطاب يتوجه إلينا جميعاً، { وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون }.
فسيرى الله عملك أيها الأب.
سيرى الله عملك أيها الشاب المكلف.
سيرى الله علمك يا مَن تتولى مسؤولية تربية وتعليم أبناء المسلمين
فيا عباد الله: هذه وصايا الله إليكم ـ في أبنائكم ـ لترعوها، هذه توجيهات نبيكم إليكم لتحسنوا التصرف بها.