صفات الخطيب الناجح
يقول الدكتور أحمد ربيع:
أهلا بك أخي الكريم، وأسأل الله تعالى أن ينفع بك الإسلام والمسلمين.
أخي مدحت، إن الخطابة هي فن مشافهة الجماهير والتأثير عليهم، وخطبة الجمعة كانت ولا تزال لها أثر كبير إذ أُدِّيت على الوجه الصحيح.
وأما صفات الخطيب الناجح، أو الشرط التي يجب أن تتوفر فيمن يخطب الجمعة، فمن الممكن أن نلخصها في الأمور الآتية:
أولاً:
يجب أن يشعر الخطيب بأنه صاحب رسالة يؤديها، ويقصد من خلالها وجه الله،
حتى ولو كانت تلك وظيفته التي يقتات منها، وذلك لأن صاحب الرسالة يستفرغ كل
طاقته في محاولة توصيلها للناس، لا يكل ولا يمل.
والمشكلة الآن أن الخطابة أصبحت وظيفة فقط عند الغالبية العظمى في كل البلدان، وهذا ما ضيَّع كثيرًا من فائدتها.
ثانيًا:
الخطابة فن، ولذا ينبغي لمن يتصدى لها أن يكون ذا موهبة، يثقلها بالعلوم
والمعارف المختلفة، ذات الصلة الوثيقة بعلم الخطابة، فسعة الاطلاع خير معين
للخطيب في أداء خطبته بقوة وتأثير.
ثالثًا: الناس ينظرون إلى سلوك
الخطيب، ويدققون النظر فيه، ولذا ينبغي أن تتطابق أفعاله مع أقواله،
فالتزام الخطيب بأحكام الإسلام بوجه عام، وتطبيق ما يدعو إليه في خطبته،
يجعل لكلامه قبولاً عند المستمعين، أما مخالفة القول للعمل، فأكثر
المستمعين لا يثقون به ولا بكلامه.
رابعًا: أن يكون الخطيب شجاعًا
في قول الحق، مع التحلي بالحكمة وحسن التقدير للموقف، بعيدًا عن التهور
والاندفاع غير المحسوب، فالشجاعة في قول الحق صفة أساسية لابد وأن يتحلَّى
بها الخطيب؛ لأنه سيتعرض لأمور كثيرة إن لم تكن عنده الشجاعة الكافية فلن
يستطيع أن يوفيها، وكما نطالب الخطباء بالشجاعة، فعلى الحكومات والوزارات
المعنية أن توفر جانبًا من الحرية للخطباء، كما توفر هامشًا - قل أو كثر –
للصحافة وأجهزة الإعلام.
خامسًا: أن يكون وثيق الصلة بجمهوره، أقصد
مستمعيه، وأن يُحدِثَ تقاربًا بينه وبينهم، فيعود مرضاهم، ويسأل عن غائبهم،
ويشارك في وضع الحلول لمشكلاتهم، وكلما اقترب من المدعوين ووقف بجانبهم في
أزماتهم، كلما كان ذلك أدعى إلى التفافهم حوله.
مع ملاحظة أن يعف
نفسه عما في أيدي الناس، وكما ورد في الحديث الشريف: "ازهد في الدنيا يحبك
الله وازهد فيما في أيدي الناس يحبوك" رواه ابن ماجة بسند صحيح.
سادسًا:
أن يكون على قناعة تامة بما يدعو إليه، حتى يكون قادرًا على الإقناع
والتأثير، فالإيمان بقضية ما يجعل صاحبها يدافع عنها بكل ما يملك.
سابعًا:
اختيار موضوع الخطبة من واقع الحياة التي يحياها الناس، ومناقشة المشكلات
الاجتماعية المتعددة، ومحاولة طرح الحلول لها، أما الموضوعات السلبية التي
لا تعالج أمراض المجتمع وعلله المختلفة، فإن الاستفادة منها تكون قليلة.
ويا حبذا لو اتفق خطباء الحي أو المنطقة على موضوع واحد، كل يعالجه بطريقته الخاصة، فستكون النتيجة أفضل.
ثامنًا:
فصاحة اللسان، وسلامة مخارج الحروف، مع مراعاة حسن الإلقاء، قوةً ولينًا،
فلا يكون الإلقاء على وتيرة واحدة، حتى لا يمل السامع.
تاسعًا: حسن الهندام والمظهر، فينبغي عليه أن تكون ملابسه وهيئته حسنة.
عاشرًا:
مع الإعداد الجيد، ومع كل ما سبق: التوكل على الله، وطلب العون منه، كما
فعل ذلك نبي الله موسى عليه السلام، حينما دعا ربه قائلاً: (ربِّ اشرح لي
صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي).
ويضيف الأستاذ علي مدني الخطيب، الداعية المصري:
اعلم
- أخي الكريم - أن الخطيب الناجح والمؤثر هو ذلك الإعلامي الذي يعرف أخبار
أمته فيقوم بإعدادها، وتبسيطها، وصياغة عرضها، إلى خليط من الناس مختلفي
المنهل والمشرب.
الخطيب الناجح محب ودود، يَأْلف ويُؤْلف، فلا يعزل نفسه عن الناس، بل يسأل عنهم، ويغشَى مجالسهم، ويبارك أفراحهم، ويحزن لحزنهم.
الخطيب الناجح يغشى مجلسه الكرماء، والصلحاء والبسطاء، فيعمر الحديث بالفكر والذِّكر، فتحل بركة السماء في الزمان والمكان.
الخطيب الناجح له في القلوب مكانة، ولدى النفوس منزلة؛ لأنه عنصر من عناصر الخير والنماء.
الخطيب
الناجح هو من يدرك آلام أمته وآمالها، فيخفف الآلام، ويمسح الجراح، ويهون
الداء، وينفث في الآمال لينتشي ويرتقي بها نحو آفاق رحبة عالية.
الخطيب الناجح هو إفراز أصيل، يدرك عظمة الأمانة وقدر المسئولية وتبعة العطاء.
الخطيب الناجح له همة عالية، وإرادة ماضية، ونفس راضية، وفعالية رائعة.
الخطيب
الناجح هو ينبوع متدفق من الخير والعطاء؛ لأنه يحب ويعطي عن أريحية ورضى،
سيّما وأن الشفقة على الخلق إحدى سماته وصفاته، يرى المنكر فلا يسكت عليه،
بل يصوغه في قالب خطابي تربوي مؤثر، يوقظ الوسنان ويروي الظمآن، ويؤنس
الرجفان، ويقود العميان إلى دروب الحق وميادين المعرفة.
الخطيب
الناجح يُحسِّن الحَسَن، ويُقبّح القبيح، ويرى معروفًا مطبوعًا أو مصنوعًا
فلا ينسى أن يذكِّر به، وأن يشي بصاحبه، دعوة للخير وريادة في البر.
الخطيب
الناجح لا تؤثر فيه الأحداث، بل هو الذي يؤثر فيها، ويحولها إلى إشراقة من
الفأل الحسن، والثقة المبتغاة، فلا يزيده القهر إلا إرادة صلبة قوية، لا
تتفتت أو تلين، ولا يزيده الظلم إلا عفوًا وعزّا، ولا تزيده المكارة إلا
مضاء وعزمًا.
الخطيب الناجح يستلهم الحَدَث ليربي به تلك الجموع
الغفيرة التي قدمت إليه، وانساقت له، ورغبت فيه، فلا يمكن أن يمر حدث على
الخطيب الناجح دون حسّ تربوي مؤثر، أو موعظة بليغة، أو ربط جيد بالآخرة، أو
استنفار وبعث بالأمل بامتداد أنفاس الحياة، والتهوين من أمر الدنيا.
الخطيب الناجح إشراقة أمل، وفأل حسن، وهو روضة ندية نضيرة تغشاها رياحينها، وتزقزق حولها عصافيرها، ويشم عبيرها القاضي والداني.
الخطيب
الناجح والمؤثر هو الذي يسأل نفسه عندما يقوم بإعداد مادته: ما الذي أريده
من عرض هذا الموضوع دون غيره، والغاية من سرد هذه القضية، وما هي الوسيلة
المثلي لبسطها وعرضها؟.
وبمعني آخر يسأل نفسه: هل أريد معالجة فكرة جديدة؟ أم تثبيت مبدأ أصيل؟ أم محاربة عادة مقيتة دميمة وصفة مرذولة؟
الخطيب الناجح لا يقل أهمية عن المقاتل في صدر الجيش، يذود عن أمته بروحه؛ لأنه يحمي عقائدها من الدخن والدخل.
الخطيب
الناجح هو لسان أمته المعبر، وترجمانها المؤثر، وقلبها النابض، وشريانها
المتدفق، بل هو روح جديدة تسرى في نبضاتها وشرايينها وأبنيتها وكل
مؤسساتها.
الخطيب الناجح يفهم الإسلام بشموله وجميع محتوياته، من عبادات وآداب ومعاملات وعقائد وأخلاق وتشريعات.
الخطيب
الناجح يحدد الظاهرة التي يريد أن يتناولها، فيعيش معها سحابة النهار
وجزءًا من الليل، فيستغرق جل همه ومحتوى فكره مدندنًا حولها، ومصغيًا
إليها، حتى إذا غمرت عقله وسرت في شرايينه تحرك قلمه الدافئ يحفر أفكارًا،
حتى إذا وقف على المنبر فاسترجع ما كتب كان مصيبًا، في حسن الأداء وعمق
الربط بين الفكرة والتي تليها، دون أن ينسى استمالة القلوب أو تهييج
المشاعر وإيقاظ الوجدان.
الخطيب الناجح والمؤثر هو خطيب يتخذ الإخلاص مطية، تصل به إلى دربه ومبتغاه، ويحزم متاعه برباط الخوف من قيوم السماوات والأرض.
الخطيب
الناجح والمؤثر يمتلك من الألفاظ أعذبها وأشوقها وأقربها إلى القلوب
والشعور، يأسرك بكلماته التي هي واحة المتعبين وأنس السامرين، ودليل
الحائرين، يربطهم بالمسجد ربط الطائر بعشه وأفراخه.
الخطيب الناجح يمتاز بالقدرة على تحليل المواقف، وتركيب الفكرة وتنسيقها، والإيقاع بها في رشد زمانها وطيب مكانها.
الخطيب
الجيد إذا حدَّث الناس عن الجنة كأنما بجناحيه فيها يطير، وحول أنهارها
يسير، وبين يدي حُورها يميل، وإذا حدَّثهم عن النار كأنه في بركانها يصطلي،
كلامه عنها يفتت الأكباد، ويذهل الألباب، ويقطع الآمال.
ومن هنا - أخي - تبرز قيمة الخطيب الناجح والمؤثر، ولكن ذلك موقوف على إعداده وتكوينه.
وفقك الله وأعانك.