الحديث الثالث والعشرون الطَّهور شطر الإيمان
قال المؤلف – رحمه الله - : (عن أبي مالك الحارث بن عاصم الأشعري -رضي الله تعالى عنه- قال : قال رسول الله -صلي الله عليه وسلم- : (
الطَّهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله
تملآن – أو : تملأ – ما بين السماء والأرض ، والصلاة نور، والصدقة برهان،
والصبر ضياء، والقرآن حجة لك أو عليك، كل الناس يغدو، فبائع نفسه فمعتقها،
أو موبقها )[ رواه مسلم].)
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، وصلي الله وسلم وبارك علي نبينا محمد ، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
نسأل
الله عز وجل أن يرزقنا العلم النافع ، والعمل الصالح ، وأن يعلمنا ما
ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا ، وأن يزيدنا علما إنه سميع قريب مجيب .
هذا الحديث كما سمعنا نصه (الطهور شطر الإيمان ...) إلي آخر الحديث .
هذا الحديث أخرجه الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه ، وما أخرجه مسلم عرفنا أن الأمة تلقته بالقبول .
قال عليه الصلاة والسلام : (الطُهور شطر الإيمان) الطهور : يأتي بضم الطاء ويأتي بفتح الطاء ، فإذا نطق بالضم ضم الطاء فالمراد فعل الطهارة .
وإذا كان بفتح الطاء الطهور يكون بمادة الطهارة ، والمادة هنا هي الماء أو التيمم عند تعذر استعمال أو عدم وجوده .
إذن
الطهور بضم الطاء هو فعل الطهارة ، أما الطهور بفتح الطاء فالمراد حينئذٍ
مادة الطهارة وهي الماء أو التراب إذا تعذر استعمال الماء أو عدم وجوده .
(الطهور شطر الإيمان )
:الشطر هو النصف ، والإيمان هو سبق معنا الحديث عنه وهو التصديق ، والمراد
به الإيمان في الاصطلاح الشرعي وهو التصديق بالقلب والتحدث باللسان ، أو
القول باللسان ، والعمل بالجوارح والأركان ، الذي يزيد بالطاعة وينقص
بالعصيان ، وأركانه كما سبق بيانها ستة .
(الطهور شطر الإيمان )
هنا فسر الطهور بأحد تفسيرين كما فسر الإيمان بأحد تفسيرين ، فإذا كان
الإيمان المقصود به التوحيد ، والإيمان المعروف الذي ذُكِر سابقا ، فالطهور
هنا هو ترك الشرك ، فإذا قيل : ترك الشرك . معنى هذا : نصف الإيمان ترك
الشرك ، والنصف الباقي هو فعل الإيمان بمعني التصديق والقول والعمل ، ويفسر
الإيمان هنا بالصلاة كما جاء في قوله تعالي ] وَمَا كَانَ اللَّهُ
لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ [البقرة: من الآية143] يعني صلاتكم ، وهذا عند الحكم بالتوجه إلي الكعبة المشرفة بعد أن كان الناس يتوجهون إلي بيت المقدس .
]ففسر
الإيمان هنا بالصلاة ، فيكون الطهور هو الوضوء ، أو الطهارة من الحدث ،
سواء بالوضوء ، أو بالغسل ، سواء كان من الحدث الأصغر ، أو من الحدث الأكبر
، فالطهور هنا بمعني : الوضوء أو الغسل رفع الحدث وبالوضوء أو الغسل وهو
الأقرب ، يعني التفسير الثاني هو الأقرب، (الطهور شطر الإيمان )
الطهور هنا رفع الحدث وإزالة النجاسة ، والمراد بالإيمان هنا : الصلاة ؛
لأن الصلاة ، فأصبح الوضوء نصف الإيمان ، لأن الصلاة لا تصح بدون طهارة
سواء كان وضوء أو غسل .
لماذا التفسير الثاني هو الأصح ؟
لأنه ورد رواية بدل قوله الطهور شطر الإيمان ، ورد (إسباغ الوضوء شطر الإيمان )
فدلت هذه الرواية الثانية على أن المقصود بالطهور هنا الطهارة ، رفع الحدث
وإزالة النجاسة ، رفع الحدث بالوضوء أو بالتيمم أو بالغسل ، والتيمم يكون
عند تعذر استعمال الماء أو عدم وجوده ، وإزالة النجاسة من البدن أو الثوب .
قال :(الطهور شطر الإيمان)
والحمد لله – هو الثناء على الله سبحانه وتعالي ، الحمد لله عز وجل هذا
ثناء على الله جل وعلا ، وله الثناء الحسن كله سبحانه وتعالي .
(تملأ الميزان ):
الميزان هو المقصود ، ميزان الأعمال يوم القيامة ، والميزان يثبت كما جاء
وأن له كفتين ، كفة لأعمال الخير وكفة لأعمال الشر ] فَمَنْ ثَقُلَتْ
مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [[الأعراف: من الآية8] .
ف(الحمد لله تملئ الميزان ، وسبحان الله تملأن أو تملئان ما بين السماء والأرض ):
سبحان الله تنزيه الله عن النقائص والعيوب ، فلذلك دائما تجد أن يقرن
الحمد لله بسبحان الله ، فسبحان الله تنزه الله سبحانه وتعالي عن النقائص
والعيوب ، والحمد لله تثني على الله سبحانه وتعالي ، تملأ أو تملئان ما بين
السماء والأرض من الحسنات .
(والصلاة نور): الصلاة المعروفة أصلها في اللغة الدعاء والمقصود بها هنا الصلاة المعروفة فرائضها ونفلها ، نور في الدنيا وفي الآخرة .
(والصدقة برهان) الصدقة أيضا الصدقة المفروضة والصدقة النافلة المستحبة ، برهان دليل على الإيمان .
(والصبر ضياء )
الصبر هو الحبس والمقصود بالصبر في الاصطلاح الشرعي حبس النفس عن التشكي
وينقسم كما هو معلوم ومر معنا إلي ثلاثة أقسام صبر على الطاعات ، صبر عن
المعاصي ، صبر على أقدار الله عز وجل المؤلمة .
فالصبر
على الطاعات هو أعلاها وأجلها وأفضلها ، لماذا ؟ لأنه يتطلب فعل ليس أمراً
تركيا فقط ، فالصلاة مثلا من الطاعات ، الصيام من الطاعات ، قراءة القرآن
من الطاعات ، هذه أمور وعبادات تحتاج إلي صبر ، الذي يريد أن يستيقظ لصلاة
الفجر في الصيف وهو ما نام إلا ثلاث ساعات أو أربع ساعات لابد أن يجاهد
نفسه ، هذه المجاهدة تحتاج إلي صبر لكي يستيقظ .
وكذا
بقية الصلوات ، الصيام من طلوع الفجر الثاني إلي غروب الشمس لا يأكل ، لا
يشرب ، لا يستمتع بملذاته وشهواته يحتاج إلي صبر ، فإذن الصبر على الطاعات
أعلاها .
الصبر عن المعاصي : أيضاً درجة ثانية ؛ لأنها كف مجرد كف عن أشياء معينة .
الصبر
على أقدار الله المؤلمة : هذه الدرجة الثالثة وكان في الدرجة الثالثة لأن
لا حيلة للإنسان فيها ، بينما الصبر على الطاعات والصبر عن المعاصي فيه
حيلة للإنسان فيه حركة من الإنسان ، لكن الصبر على أقدار الله المؤلمة هذا
قدر الله نزل .
فلذلك
رتبت من حيث الأفضلية هذا الترتيب الصبر على الطاعات ، الصبر عن المعاصي ،
الصبر على أقدار الله المؤلمة ، والصبر بأنواعه الثلاثة ضياء وسيأتينا
معني الضياء بمعني النور أيضاً .
(والقرآن ) المعروف (حجة لك أو عليك )
فمن عمل به وقام بحقه فهو حجة له يوم القيامة ويكون شفيعا لصاحبه ويقوده
إلي الجنة ، أو حجة عليك إذا لم تعمل به وإنما قرأته بطرف لسانك فهو حجة
عليك ، برهان عليك يوم القيامة فيزجك على قفاك في النار يوم القيامة
والعياذ بالله .
ثم قال : (كل الناس يغدوا ) يغدوا يذهب والأصل في الغدو الذهاب أول النهار و(كل الناس يغدو) يعني كل الناس يعمل رايح وجاي في عمله لكن هل هذا العمل في الطاعة والعبادة أو العمل في الضد ؟
قال :(فبائع نفسه فمعتقها ) يغدوا رايح جاي بايع نفسه لله سبحانه وتعالي وذلك بعمل الطاعات وترك المعاصي فمعتقها مخلصها من النار .
(أو موبقه) يعني مهلكها إذا لم يعمل بطاعة الله وترك لنفسه الحبل على الغارب حين إذن أوبقها يعني أهلكها .
هذا الحديث عظيم جدا :
يفتح
الأمل للإنسان وهو في حركته الدؤبة في هذه الحياة ، فتجد هذا يعمل مزارع ،
وهذا يعمل صانع ، وهذا موظف ، وهذا يكتب ، وهذا يقرأ ، وهذا يشتغل أعمال
حرفية صغيرة ، إلي أخر ذلك .
إذن أعمال كلها يقصد منها الناس جلب الرزق إليهم ، والرزق هذا حسنة دنيوية ليستمتع بدنياه وليعيش .
الله
سبحانه وتعالي جعل هذا الرزق في الدنيا مثلاً مصغر للرزق في الآخرة ،
وكأنه قال : هذه أبواب متعددة ، ماذا تستطيع أنت ؟ إما من أهل الذكر فتشتغل
بالذكر ، وهناك مجال عظيم أمامك ، أنت من أهل الصلاة تشتغل في الصلاة ،
أنت من أهل الصدقة من أهل المال تشتغل في المال ، أنت من أهل الصيام كذلك ،
أنت من أهل القرآن ، كذلك .
إذن
الناس عاملون ، وأبواب الخير كأبواب الرزق ، أبواب الرزق في الآخرة كأبواب
الرزق في الدنيا ، لا تتعذر لأنك ما تستطيع أن تعمل أي عمل إنما تستطيع .
وكل
بقدره وباستطاعته وبما منح الله سبحانه وتعالي ، فتح لك في باب الصلاة
اشتغل في الصلاة أكثر ، فتح لك في الذكر أكثر ، فتح لك في العلم اشتغل في
العلم وهكذ .
فهذه مجرد أمثلة لأبواب الخير المتعددة لرزق الله في الآخرة ، لذلك عقب في الأخير ماذا قال ؟ قال :(كل الناس يغدو فبائع نفسه ) فمخلصها (معتقها ) من النار أو (موبقه) إذا ترك هذه الأعمال ، فالأعمال إذن كثيرة .
هذا الحديث يجسد لنا أن أبواب العمل كثيرة فالأمل كبير أن يكون الإنسان من أهل هذه الأبواب .
ولذلك جاءت عظمة هذا الحديث القصير من فتح هذا الباب ، أو الأبواب المتعددة .
نأخذ هذه الأبواب :
(الطهور شطر الإيمان )
إذن الإسلام دين الطهارة ، ودين الطهارة الحسية والمعنوية ، الحسية بإزالة النجاسات والأقذار والأوساخ البدنية على الثوب أو اللباس .
والطهارة
من الطهارة الحسية رفع الحدث سواء كان الحدث أكبر كالجنابة أو الحيض أو
النفاس ، أو الحدث الأصغر كالحدث بنقض الوضوء ، فالطهارة من الحدث الأصغر
بالوضوء الشرعي ، والطهارة من الحدث الأكبر بالغسل الشرعي.
إذن
هذه الطهارة سواء بغسلها أو بوضوئها لها فضل عظيم عند الله سبحانه وتعالي ،
فجعلها نصف الإيمان ، سواء قلنا : أن الإيمان بالصلاة أو أن الإيمان
المعروف ، فيدل على أهمية هذه الطهارة الحسية والله سبحانه وتعالي قال
]إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ [[البقرة: من الآية222] وهذه غاية من الغايات التي يسعى لها الإنسان أن يسعى إلي أن يحبه الله جل وعلا .
والرسول عليه الصلاة والسلام قال : ( ما من مسلم يتوضأ فيحسن الوضوء ثم يقوم فيصلي ركعتين يقبل الله سبحانه وتعالي بقلبه ووجهه إلا وجبت له الجنة ) وهذا دليل على أهمية هذه الطهارة العظيمة .
إذن
هذه الطهارة الحسية ، من الطهارة الطهارة المعنوية ، بمعني طهارة القلب من
أمراضه التي تعتريه كالحسد والبغض والكره للآخرين ، والرياء والسمعة
والعجب والغرور والكبر .
كل
هذه أمراض ونحوها تعكر بياض القلب ، وتسوده ، فتؤثر على طهارته ، فكما
يسعى هذا الدين لطهارة الجسد ورفع الحدث منه وإزالة النجاسة منه، فكذلك
يسعى إلي تطهيره من الداخل برفع هذه الأمراض وإزالتها .
ولذلك قرن الله سبحانه تعالى ]إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ [[البقرة: من الآية222] والتوبة تغسل الأوساخ والنجاسات التي تعلق بالقلب ، والطهارة الحسية تغسل الظاهر .
الأمر الثاني ،الباب الثاني : باب الذكر :
( الحمد لله تملئ الميزان وسبحان الله تملأن أو تملأ ما بين السماء والأرض)
هذا
فضل من أعظم الفضل للذكر ، لذكر الله سبحانه وتعالي ، ولا عجب في ذلك ،
بعض الناس يقول : كيف ؟ إن هذا شيء سهل . يعني ويكون له هذا الأجر العظيم
الكبير والفضل الجزيل ؟ نعم ، لماذا ؟ لأنه متصل بالله – عز وجل – فأنت
تذكر من ؟تذكر الله –سبحانه وتعالى - .
ولله
المثل الأعلى : لو أنك تذكر مسؤلك في الوظيفة ، أو مسؤلك في العمل في كل
مجلس في كل مكان ، وأنت تمدح فيه ، وتقول ك هذا الذي لم ارى فيه عيباً ،
وهذا الذي ممتاز ، وهذا الذي لا يظلم ، وهذا الذي يعطي للناس حقوقهم ،
وتثني عليه ، وتنزهه من المعايب ، كيف يحبك هذا الرجل ؟ وهذا المسؤل . وهذا
في الدنيا .
ولله المثل الأعلى :
الله
يحب الصلاة من عبده ، فلذلك كان لهذا الذكر الأثر العظيم سواء كان في الله
– سبحانه وتعالى – لعبده الذاكر ، أو كان في ثقل ميزانه بالحسنات .
فإذا
كانت لا إله إلا الله إذا وضعت في الميزان طاشت الصحف ، وهي كلمة "لا إله
إلا الله " ، لماذا ؟ لأنها مرتبطة بتوحيد الله – عز وجل – وكذلك بقية
الأذكار ، ومن هنا يأتي الفضل الثالث ، حتى في الدنيا ، أن هذا الذكر يطرد
الأعداء ( كلمة غير مفهومة19:28) وأقواهم وأشدهم ، وأعظمهم الشيطان ، فيطمئن القلب .
واعظم
باب يوصد ضد الشياطين ، الحصن الحصين ، هو الذكر ، ذكر الله – سبحانه
وتعالى – ولذلك قال الله سبحانه وتعالى ]الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ
قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ
الْقُلُوبُ [ [الرعد:28] ، لماذا ؟
لأن الشيطان يهرب ، فإذا هرب الشيطان ( كلمة غير مفهومة20:00) القلب لله – عز وجل – فاطمئن وسكن ، ولذلك من أعظم الامتنان على العبد أن يكون صدره منشرحاً ، مطمئنً
لذلك امتن الله – سبحانه وتعالى على عبده ورسول e بانشراح الصدر ]أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ [ [الشرح:1]فهذا امتنا من الله – سبحانه وتعالى .
من أراد حسنة الدنيا وحسنة الآخرة ، والراحة والطمأنينة ، والهدوء والسكينة فليذكر الله – عز وجل – فسينال خيري الدنيا والآخرة .
من
خير الدنيا : الأرزاق ، والذكر من أعظم أبواب الرزق ، يقول الل – سبحانه
وتعالى حكاية عن نوح ]فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ
غَفَّار[ [نوح:10] ثم ماذا ؟ ]يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَار[ [نوح:11] هذا رزق لمن ؟ للمستمع كله.
لما
يأتي المطر ، وتحيا الأرض ، وتجري الأنهار ، وتمتليء الآبار بالمياه ،
والعيون ، رزق لعامة الناس بسبب نوع من الذكر ، وهو الاستغفار .
]فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّار[10]يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَار [ [نوح:10- 11] انظر بعدها ]وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ [[نوح: من الآية12]
ما قال : مال ، ما يمكن يفتقر الذاكر أبداً ، مهما كان ، لا يمكن يجوع
أبداً ، إذا ذكر الله واستمر بذكر الله ، وهذا نوع من الذكر ، وهو
الاستغفار ، فما بالك ببقية أنواع الذكر الأخرى إذا عملها ] وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ [[نوح: من الآية12]
لأن البنين من الرزق ، وهذا الرزق كما هو في الدنيا ، فالبنين إذا كانوا
صالحين ، كان رزقاً في الدنيا وفي الآخرة ؛ لأن امتداد الإنسان في حياته
وبعد مماته ، فما هو ماله ؟ أيضاً أبناءه ، فجمع حسنتي الدنيا ، بسبب
الاستغفار ، وهو نوع من الذكر ، فكيف لو اجتمعت أنواع الذكر .
ولذا كان النبي e ، وقد غفر له ما تقدم من ذنبه ، ومت أخر يقول : ( استغفروا بكم ، والله إني لاستغفر الله في اليوم أكثر من مائة مرة)
وهو رسول الله e غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، وأفضل الخلق وهو
الشافع المشفع في المحشر ، وأول من يدخل الجنة ، وله حوض من شرب منه لا
يظمأ بعضه أبدا ، في عرصات يوم القيامة ، وفي الجنة ، وله المنزلة العالية
والرفيعة ، ومع ذلك يقول : ( استغفروا بكم ، والله إني لاستغفر الله في اليوم أكثر من مائة مرة) وورد ( في المجلس الواحد أكثر من سبعين مرة ) هذا رسول الله e .
إذن هذا من فضل الذكر ]يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَار[11]وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ [[نوح: من الآية11- 12]
ثم رجع للمستمع ] وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَار [[نوح: من الآية12]
أتى
الرزق من جميع جوانبه ، ما قال : والله لا يمكن إلا بهذا السبب ، أو بهذا
السبب الآخر ، ويمكن صناعات ، وزراعات ، اشتغلوا بهذا المنطلق .
هذه
جملة من فضائل هذا الذكر العظيم ، الذي يستطيعه الصغير ، والكبير والمتعلم
وغير المتعلم ، والذكر والأنثى ، والمريض على السرير الأبيض كما يقولون ،
والصاحي ، والذي في عمله وهو يشتغل ، والمرأة في مطبخها ، والإنسان في
سيارته ، والعربي والعجمي ، والبنت في الحافلة وهي تتجه إلى مدرستها ،
وهكذا .
يعني في جميع المجالات ، ما في أي عذر ، حتى الذي لا يستطيع الكلام يذكر الله بقلبه فيشمله هذا الذكر .
هذا باب عظيم ، والكلام فيه يطول ، لكن نكتفي بهذا منه .
قال بعد ذلك : ( الصلاة نور)
الصلاة نوع من الذكر ، وما شرعت إلا لذكر الله فلذلك كان من فوائد الذكر
أنه نور في القلب ونور في الوجه ، قال سبحانه وتعالى ]وَأَقِمِ الصَّلاةَ
لِذِكْرِي[[طـه: من الآية14] فالصلاة
كلها ذكر ؛ لأن الذكر كما يكون بالسان يكون بالقلب والعمل ، فالصلاة نور
في القلب لأنها تطهر القلب ونور في الوجه ، ولذلك ترى أن الإنسان المصلي
دائماً وجهه وضاء ، وترى الإنسان من وجهه تحبه فإذا فتشت وجدته مصلي ،
فالصلاة نور.
والمقصود
بالصلاة :الصلاة الحقيقية ، وكلما زاد منها العبد بما شرع الله – عز وجل –
كانت له نوراً في الدنيا ، ونوراً في الآخرة ، ونورا في القلب ، ونورا في
الوجه .
قال بعد ذلك ( والصبر ضياء ، والصدقة برهان)
نعم ، الصدقة ؛ لأن المال محبب للنفس ، واشد ما يملك الإنسان ماله ، فهو
شحيح ، الأصل أنه شحيح بماله ، لأنه تعب عليه وبذل واجتهد ، فإذا أنفق من
هذا المال كأنه ينزعه نزعاً من نفسه ، وبعض الناس قد يضحي بشيء من جسده ولا
يضحي بشيء من ماله ، هذا يدل على حب التملك للمال .
فإذا
أخرج الإنسان من ماله بطوع نفسه وباختياره ، كان ذلك برهان ودليل على
إيمانه بالله عز وجل ، ومن ثم تكفيه الآثار الأخرى للصدقة .
ولذلك مثل الله الصدقة بالسنبلة ، هذه الحبة تكون سبع سنابل وفي كل سنبلة مائة حبة ، والله يضاعف لمن يشاء .
لو
أخذناه بالحساب الرياضي لا يمكن ، هذا ريال واحد أنت تتصدق به لا تعلم إذا
خرج من إخلاص وبنفس طيعة وبدون منّ على هذا المتصدق عليه كم سيكون عندك
يوم القيامة ، ولذلك قال : (والصدقة برهان) دليل على قوة إيمان الإنسان .
(والصبر ضياء)
الصبر بأنواعه الثلاثة التي ذكرناها ضياء للإنسان ؛ لأنه بالصبر يطيع
العبد ربه ، بالصبر يكف عن المعاصي ، بالصبر يرضى بأقدار الله عز وجل ،
بالصبر ينال مبتغاه .
ولذلك جاء الصبر في القرآن في أكثر من تسعين موضعاً ، والنهاية ]يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ [[الزمر: من الآية10]
، والقائل من هو ؟ الله سبحانه وتعالى ، ما قال : قال المسؤول الفلاني ،
ولا التاجر الفلاني يقول لك بغير حساب ، لو قال لك : بغير حساب بما يستطيعه
، وهو من هو في هذا الكون ، الله سبحانه وتعالى هنا يوفى الصابرون أجرهم
بغير حساب من الله سبحانه وتعالى .
[size=12]والباب الأخير هنا باب القرآن (القرآن حجة لك أو عليك)
إذن معك سلاح ، هذا السلاح ما هو ؟ كتاب الله عز وجل ، القرآن حفظاً
وقراءة ، وتدبراً ، وعملاً ، ودعوة إليه ، ودفاعاً عنه ، كل هذا يشمله قول ( والقرآن حجة لك أو عليك) فإذا عملت بهذا القرآن كان حجة لك يوم القيامة ، فهو يقودك ، ويكون لك قائداً خيراً يوم القيامة ، ( ويقال لصاحب القرآن : ارق وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرأها ) كما صح عن النبي e .
أيضاً صاحب القرآن ليس حسنته لنفسه فقط ، وأول من ينال حسنة قاريء القرآن والداه (يوضع عليهما تاج الوقار يوم القيامة )
فيعرف أن ابنهما أو بنتهما كانا حافظين لكتاب الله – عز وجل - ، فيدل هذا
على عظمة القرآن ، ولا غرابة في ذلك ، هذا كلام الله ، ما بالك لو كنت تردد
بكلام واحد من عظماء الدنيا ؟ سيفرح ويقدمه .
لكن
ولله المثل الأعلى : فأنت الآن تردد كلمه وتقرأه وتحفظه ليلا ونهارا سرا
وجهارا ، فالله سبحانه وتعالى يعلي منزلتك ؛ لأن هذا كلامه جل وعلا ، تكلم
به وأنزله على نبيه e قرآناً يتلى إلى يوم القيامة .
هذه
جملة من أبواب الخير ، فيكون لك القرآن حجة لك ، أما إذا أدبرت عنه فسيكون
حجة عليك ، وسيجزك في قفاك يوم القيامة إلى النار والعياذ بالله ، بل قد
يوقعك في الدنيا .
وما
أحد تطاول على كتاب الله عز وجل إلا كانت نهايته بائسة في هذه الدنيا إلم
يراجع نفسه ويتب إلى الله سبحانه وتعالى ، والحوادث التاريخية لمن تعرض
لكتاب الله عز وجل ، فالله يغار ، يمهل ولكن لا يهمل سبحانه وتعالى ،
فليتنبه إلى من يتعرضون لحفظ القرآن ، أو من يتعرضون لحفظة القرآن لذات
القرآن فيتنبهون لمثل هذا الأمر .
إذن
هذه جملة أعمال يشل بها الإنسان أو بأحدها إلى الهدف النهائي الذي يجب أن
يرسمه الإنسان لنفسه في هذه الحياة التي عبر عنها النبي e (كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقه) فاشتري نفسك وخلصها من النار ، أو توقعك في النار والعياذ بالله ، اشتري نفسك بهذه الأعمال الصالحة .
إذن
الهدف الخلوص من النار ، ودخول الجنة ، اسعى لهذا الهدف بأحد الأعمال
الآتية ، أو بجميع هذه الأعمال أو بعضها وكلما زاد العمل فهو خير لك أضعاف
مضاعفة عند الله سبحانه وتعالى ، نكتفي بهذا القدر من هذا الحديث .
سؤال : قال e ( الحمد لله تملأ الميزان) ، هل المراد الحمد لله بذاتها أم (كلمة غير مفهومة 33:14) الذكر .
أجاب فضيلة الشيخ :
الظاهر من اللفظ أن الحمد لله ، بدليل أنه قال (سبحان الله تملأ ما بين السماء ) لكن لا يعني هذا أن بقية الأذكار لا حظ لها في الميزان ، لكن هذه ميزة للفظ الحمد لله .
سؤال : ما سبب ذكر لفظ الصلاة مرتين بلفظين مختلفين : الأول ( الطهور شطر الإيمان) ، واللفظ الآخر ( الصلاة نور) .
أجاب فضيلة الشيخ :
الأول للطهور ، ليس للصلاة ، والثانية للصلاة .
سؤال : هل من الجائز أن يقال في تفسير كلمة "الطهور" طهارة القلب من الغل والحسد وسائر أمراض القلب ؟
أجاب فضيلة الشيخ :
الطهور من هذه الأمراض ، يعني التطهر منها .
سؤال : هل الأجر على الذكر يختلف على حسب استحضار القلب ؟
أجاب فضيلة الشيخ :
بلا
شك أنه كلما استحضر الإنسان الذاكر بقلبه الذكر الذي يذكره فهو أولى من
الذي يردد بدون استحضار ، مع أن الذي يردد بدون استحضار له أجره ، لكن كون
اللسان يتعود على الذكر هذا خير وبركة ، لكن إذا استحضر الذكر فهو أعظم
وأجل .
سؤال
: لا أذكر الله كثيراً بالتسبيح والأذكار ، ولكن أذكر الأخوات بالمحاضرات
والبرامج الدينية ونتحدث في ذلك ، هل يعد هذا ذكراً ، وأنى اذكر الله في
هذه الحال ؟
أجاب فضيلة الشيخ :
هذا
نوع من الذكر ، ذكر الله الجماعي أمام الناس هذا نوع من الذكر ، المحاضرة
بذاتها إذا كانت في العلوم الشرعية هي ذكر لله – عز وجل – فهي نوع من الذكر
، لكن لا يعني هذا أنها تكتفي به عن الأذكار الأخرى الواردة ، هذه هي
الزاد الحقيقي للإنسان ليؤدي بقية أعمال ، فهي التي تعطيه القوة ، كما أن
السيارة تأخذ بنزين ، فبنزين الإنسان للقوة العملية هذا ذكر .
شيخ
الإسلام ابن تيمية ، كان يجلس من بعد صلاة الفجر إلى أن يرتفع الضحى
كثيراً ، فيأتيه ابن القيم ويسأله لماذا جالس ؟ قال هذا حصتي ، يعني لبقية
أعمالي في هذا الوقت .
الأخت
التي تلقي محاضرات وندوات وتدل الناس لا تكتفي بهذا ، فقد يقسوا قلبها مع
كثرة هذا العمل فعليها وعلى كل إنسان أن يكون له جلسات مع نفسه لكر الله
سبحانه وتعالى ، وقد شرع الله لنا أذكار الصباح ، والمساء وغيرها ، هي
الزاد الحقيقي للإنسان ، فلا يكتفى بمجرد طلب العلم ، أو بمجرد المحاضرات
أو التوجيه ونحو ذلك .
سؤال : ما حكم من حفظ آية من القرآن ثم نسيها ؟ هل يكون هذا عليه ؟
أجاب فضيلة الشيخ :
نسيان
الحفظ إذا كان متعمد وبإهمال لا شك انه نوع من الحجة يوم القيامة على
الإنسان ، لأنه أهمل كتاب الله عز وجل ، لكن إذا كان النسيان هذا مقدرة في
الإنسان ، هو لا يستطيع هو (كلمة غير مفهومة27:25)
ويقرأ ولكن ينسى هذا نوع من المدافعة ، نوع من المجاهدة للنفس فهو مأجور
إن شاء الله على قراءته ومأجور على المجاهدة عندما جاهد عن نفسه عن النسيان
، أما إذا كان النسيان لإهمال كما هو واقع كثير من الناس لإهمال أو لا
مبالاة فهذا نوع من الذين يكون القرآن حجة عليه .