الشبهة الـــــرق فى الإســــــلام
الشبهة
الـــــرق فى الإســــــلام
تكمن
الشبهة التى بين أيدينا الآن فى أن الإسلام دين استعباد يقبل شراء الناس
وتسخيرهم وهو ما يعرف بنظام الرقيق ولم يجعل لهم أى حق من الحقوق التى
أتاحها للأحرار ألا يعد ذلك مخالفا لمبدأ المساواة الذى ينادي به الإسلام
_على حد زعمهم_
الـــــرَّد علـــى الشبهــــــة
قبل
أن نتحدث عن موقف الإسلام من الرق لا بد أن نذكر هؤلاء ببعض الحقائق أولا
لنعرف هل ابتدع الإسلام نظام الرقيق أم أنه كان موجودا من قبل وتكمن هذه
الحقائق على نحو ما يلى:ـ
الحقيقة الأولى:
هل الرق نظام ابتدعه الإسلام
لا يجرؤ أحد أن يدعى ذلك لأن الرق معروف من قديم
الأزل فقد كان السادة والأمراء وأصحاب رءوس الأموال يملكون الكثير من
الرقيق بأعداد لا حصر لها
إذا فإن الرق لم يكن اختراعا إسلاميا فقد كان موجودا قبل الإسلام بأزمنة عديدة
الحقيقة الثانية
كيف كان الرق قبل الإسلام
كان الرق قبل الإسلام بعدة طرق:ـ
1ـ الخطف:
ذلك أن ذا القوة كان يأتى على الضعيف فيطغى عليه بقوته ويسخره لخدمته ولم يكن المجتمع وقتها منصفا حتى يردع أمثال هؤلاء
2ـ الأسر:
وذلك فى الحروب بعد أن ينتصر فريق على آخر فيصبح
الأسرى ملكاً لمن أسرهم ويملك عليهم حق البيع والشراء والقتل ولا منازع له
فى هذا الحق
3ـ البيع والشراء:
فقد كانت لهم أسواق لبيع وشراء العبيد يقف فيها
العبد والأمة كسلعة تباع وتشترى ناهيك عن امتهان آدميتهم فى أسلوب البيع
والشراء من كشف للعورات وما إلى غير ذلك.
4ـ ولد الأمة:
ذالك أن الأمة إذا ولدت ولدا فإنه يعد ملكا لسيدها حتى وإن كانت الأمة متزوجة من رجل حر.
5ـ الهدايا:
فكان من الممكن أن يهدي السيد عبدا أو أمة مملوكة
له لمن يريد من أصدقائه ولا يملك العبد أو الأمة الاعتراض على ذلك فهو أشبه
بمن يهدى آخر حيوانا مثلا.
الحقيقة الثالثة
ما هى حقوق العبيد قبل الإسلام
بالبحث والتحرى فى تاريخ العرب والعجم قبل الإسلام
لم نقف على أى حقوق تذكر للعبيد والإيماء فقد كان من حق السيد أن يتعامل
معهم كما شاء وكيفما شاء بل كان من حقه تعذيبهم وقتلهم والاعتداء عليهم
وتسخيرهم لخدمته دون أدنى مقابل اللهم إلا قليل الطعام الذى يحصلون عليه
هل غير الإسلام فى الرق
مما لا شك فيه أن الإسلام عدل كثيرا من حال الرقيق
والعبيد من حيث الحقوق والمعاملة وتذكر معى الطرق العديدة التى كانت مفتوحة
قبل الإسلام لدخول الرقيق وكيف وأن الإسلام حد من تلك الطرق
لماذا لم يلغى الإسلام نظام الرقيق مرة واحدة
كلنا يعلم أن هناك عادات كانت عند العرب قبل
الإسلام وهذه العادات حينما يتعود الإنسان عليها سنينا طويلة فإنه من الصعب
أن يغيرها مرة واحدة وهذا بالضبط ما حدث عند مجئ الإسلام فلهذه الأسباب لم
يلغِ نظام الرقيق فى الإسلام جملة واحدة وهى كما يلى:ـ
السبب الأول
قوة بشرية هائلة
كانت أعداد الرقيق عند مجئ الإسلام هائلة جدا تصل
إلى ألوف مؤلفة وكان وقتها من المستحيل أن يطلق سراح هذا الجمع الهائل من
العبيد الذين إن أطلقوا فلا سلطان لهم أو عليهم ولا ننسي الضغوط النفسية
التى كانوا يتعرضون لها من ملاكهم إذ لو أطلق سراحهم فى تلك الفترة لأصبحت
قوة تدميرية فى المجتمع لأن هم أصبحوا أحرارا لا سلطان عليهم مشحونين
بأسوأ معاملة فلربما طوعت لهم أنفسهم الانتقام وهو أمر حتمى الوقوع
السبب الثانى
منهج الإسلام فى تغيير العادات القبيحة
من المعلوم أن الإسلام نهج مبدأ معينا هو التدرج فى
التكاليف بمعنى أن يدفع الناس من العادات البالية الضارة إلى الأخرى التى
فيها صلاح المجتمع لكن على التدريج حتى لا ينفر الناس من تعاليمه
ولأنه من الصعب أن يتحول المجتمع من الضد إلى النقيض مرة واحدة
مثلا فى تحريم الخمر
أنزل الله عز وجل:
]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ[ ([1])
لان الناس وقتها كانوا يشربون الخمر أكثر من الماء
فإذا منعوا الخمر مرة واحدة رجعوا إليه مرة واحدة وسبحان الله فى تدبيره
لشئون خلقه إذ أن المصحات التى تعالج الإدمان فى عصرنا اليوم أخذت هذا
المنهج فى علاج الإدمان وذلك عن طريق سحب المخدر تدريجياً من الجسد حتى لا
تحدث صدمة للجهاز العصبي
ولما تعود الناس على اجتناب الخمر فى معظم أوقات النهار أنزل الله عز وجل
]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا
الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ
الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ[([2])
هنا امتنع الناس عن شرب الخمر بعدما تعودوا على ذلك تدريجيا
وكذلك الحال بالنسبة للرقيق لم يكن من السهل أن يطلق سراحهم جملة واحدة وإنما كان بالخطوات التالية:ـ
خطوات القضاء على نظام الرقيق
الخطوة الأولى:شراء العبيد وإعتاقهم
في بداية الإسلام أسلم كثير من العبيد ووقع عليهم
ألوان بشعة من العذاب من ملاكهم فكان سيدنا أبو بكر الصديق يقوم بشرائهم
وإعتاقهم ابتغاء مرضات الله تبارك وتعالى
الخطوة الثانية:غلق عدة أبواب من الرق
عرفنا أن طرق الرق كانت كثيرة قبل بعثة النبى صلى
الله عليه وسلم لكن الإسلام أغلق الكثير منها ليحد من انتشار الرقيق فحرم
صورا عديدة وألغى أخرى وإليك بيان ذلك
1ـ تحريم استرقاق الحر
بمعنى أن الشريعة حرمت الاستيلاء على الضعفاء وغيرهم فحرم على أي إنسان أن يأخذ حرا فيسترقه
قال تعالى فى حديثه القدسي
"عن النبي صلى الله عليه وسلم قال قال الله:ـ
ثَلَاثَةٌ أنا خَصْمُهُمْ يوم الْقِيَامَةِ رَجُلٌ
أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ
وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى منه ولم يُعْطِ أَجْرَهُ
"([3])
وجه الدلالة
يضع هذا الحديث القدسي الصحيح كل من تعدى على حر
فأسره أو حبسه أو استرقه بأى حال من الأحوال فاستعمله لنفسه أو باعه فى
خصومة مباشرة مع الله تبارك وتعالى فمن يطيق ذلك أو يتحمل عواقبه.
يعلق صاحب فتح البارى على هذه الجزئية من الحديث فيقول فى كتابه فتح البارى بشرح صحيح البخارى ما نصه:
قوله باع حرا فأكل ثمنه
خص الأكل بالذكر لأنه أعظم مقصود
ووقع عند أبي داود من حديث عبد الله بن عمر مرفوعا
ثلاثة لا تقبل منهم صلاة فذكر فيهم ورجل اعتبد محررا وهذا أعم من الأول في
الفعل وأخص منه في المفعول به
قال الخطابي
اعتباد الحر يقع بأمرين أن يعتقه ثم يكتم ذلك أو يجحد والثاني أن يستخدمه كرها بعد العتق والأول أشدهما
قلت وحديث الباب أشد لأن فيه مع كتم العتق أو جحده العمل بمقتضى ذلك من البيع وأكل الثمن فمن ثم كان الوعيد عليه أشد
قال المهلب
وإنما كان إثمه شديدا لأن المسلمين أكفاء في
الحرية فمن باع حرا فقد منعه التصرف فيما أباح الله له وألزمه الذل الذي
أنقذه الله منه
وقال ابن الجوزي
الحر عبد الله فمن جنى عليه فخصمه سيده
وقال بن المنذر
لم يختلفوا في أن من باع حرا أنه لا قطع عليه يعني
إذا لم يسرقه من حرز مثله إلا ما يروي عن علي تقطع يد من باع حرا قال وكان
في جواز بيع الحر خلاف قديم ثم ارتفع فروى عن علي قال من أقر على نفسه بأنه
عبد فهو عبد ..
ونقل ابن حزم
أن الحر كان يباع في الدين حتى نزلت ]وإن كان ذو
عسرة فنظرة إلى ميسرة[ ونقل عن الشافعي مثل رواية زرارة ولا يثبت ذلك أكثر
الأصحاب واستقر الإجماع على المنع ([4])
ما يستفاد من النصوص السابقة
يستفاد من النصوص السابقة أن الإسلام قد حرم
استرقاق الحر بكافة طرق الرق المعروفة وحرم على الرجل أن يسترق بدين عليه
لغيره ذلك أنه قبل نزول الآية المشار إليها فى النص السابق كان الرجل إذا
كان له دين على آخر وليست له القدرة على الوفاء كان من حقه أن يصبح المدين
رقيقا لدائنه بهذا الدين إلى أن نزلت الآية الكريمة فألغى الإسلام بذلك هذا
الحكم الظالم بل إن من سرق آخر وباعه أقيم عليه حد السرقة كل ذلك يؤكد أن
الإسلام منع استرقاق الأحرار فى خطوة واسعة للقضاء على تلك الظاهرة
2ـ جعل إعتاق الرقبة من الكفارات
إذا أخطأ إنسان فى أمر ما فإن من بين وسائل إصلاح
هذا الخطأ إعتاق رقبة بمعنى شراء عبد أو أمة ثم إطلاق سراحه بتحريره من
الرق وجعله حرا لا قيود عليه
مثال ذلك
ـ كفارة الأيمان
ـ كفارة القتل الخطأ
3ـ منع الكفار من تملك الرقيق
ذلك لأن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه
قال تعالى :ـ
]وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا[ ([5])
من هنا منع الإسلام الكفار من تملك الرقيق وأوجب عليهم عدم تملك الرقيق المسلم وألزمهم بإعتاقه بلا قيد أو شرط أو التنازل عنه لمسلم
بل إن الإسلام أوجب على الكافر إذا أسلم عنده رقيق أن يعتقه أو يتنازل عنه لمسلم
وما كان هذا إلا لأن الكفار ضربوا أبشع الأمثلة فى الإساءة للعبيد فمنُعوا من تملك الرقيق
4ـ إيجاب إعتاق الأقرباء وذوي الأرحام
أوجب الإسلام على المالك للرقيق ألا يكون من بينهم أحد أقاربه من ذوي الأرحام وأوجب عليه إعتاقه دون قيد أو شرط
الدليل على ذلك
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
]من ملك ذا رحم محرم فهو حر[([6])
وجه الدلالة
يتضح من هذا الحديث النبوى الشريف أن أى إنسان ملك
ذا رحم من أقاربه فإن هذا المملوك يصبح حرا بلا قيد أو شرط وهذا أمر
وإخبار منه صلى الله عليه وسلم بذلك إذ لا يجوز أن يكون الأخ مملوكا لأخيه
أو الأب لابنه وهكذا لأن ذلك يتنافى مع تعاليم الإسلام التى أمرت بالإحسان
والتآلف مع ذوى الأرحام
5ـ إعطاء العبد الفرصة لشراء نفسه
أنشأ الإسلام نظاماً جديدا فى الرق يسمى بالمكاتب
وهو أن يتفق العبد مع سيده على أن يدفع ثمن نفسه شيئا فشيئا فإذا أتم الثمن
فقد أصبح حرا
بل إن الإسلام جعل من حق العبد أن يدفع نصف ثمنه وهو المعروف بنصف المكاتب وعليه فإنه يعامل كنصف عبد ونصف حر.
5ـ أم الولد
ذلك أن الجارية إذا ولدت من سيدها ولدا فإنها تصبح حرة من وقت الولادة هى وابنها وينسب هذا الابن إلى أبيه ويرثه بعد موته
اذا فكيف يكون الرق فى الإسلام؟
لم يعد للرق إلا باب واحد فى الإسلام ألا وهو أسير الحرب فقط ويجوز بيعه وشراؤه لكن لا بد أن يكون أصل رقه من كونه أسير حرب
ثم استنبط الفقهاء قاعدة تقضي بأنه لا يرق ابن الحر
وعليه فقد منعت كل أبواب الرق على فترة من الزمن وإن طالت إلا أن هذا ما
كان يقتضيه الحال وقتها.
لكل ذي عقل أقول
أمامك نظامان من الرق قبل وبعد الإسلام وأترك لك
أنت وحدك التفكر في أيهما كان أفضل وأيهما كان أحرص على غلق هذا الباب
وأيهما عمل لمصلحة تلك الطبقة.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] ـ سورة النساء آية 43
[2] ـ سورة المائدة آية 90
[3] ـ صحيح البخارى جـ 2 صـ 676 حديث رقم2114 وهذا
سنده حدثني بِشْرُ بن مَرْحُومٍ حدثنا يحيى بن سُلَيْمٍ عن إِسْمَاعِيلَ بن
أُمَيَّةَ عن سَعِيدِ بن أبي سَعِيدٍ عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه...
[4] ـ راجع فيما سبق فتح البارى بشرح صحيح البخارى جـ 4 صـ 418
[5] ـ من الآية 141 سورة النساء.
[6] المستدرك على الصحيحين جـ 2 صـ 233 حديث رقم
2851 وهذا سنده حدثنا أبو علي الحسن بن علي الحافظ حدثنا محمد بن الحسن بن
قتيبة وعبد الله بن محمد بن سالم قالا حدثنا إبراهيم بن محمد بن يوسف
الفريابي حدثنا ضمرة بن ربيعة عن سفيان عن عبد الله بن دينار