حديث عن الواشمات والمستوشمات والنامصات والمتنمصات
عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" لعن الله الواشمات والمستوشمات والنامصات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله "
قال فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها أم يعقوب وكانت تقرأ القرآن فأتته فقالت ما حديث بلغني عنك أنك لعنت الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله ؟
فقال عبد الله وما لي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في كتاب الله
فقالت المرأة لقد قرأت ما بين لوحي المصحف فما وجدته .
فقال لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه قال الله عز وجل :
" وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا "
فقالت المرأة فإني أرى شيئا من هذا على امرأتك الآن .
قال اذهبي فانظري
قال فدخلت على امرأة عبد الله فلم تر شيئا
فجاءت إليه فقالت ما رأيت شيئا .
فقال أما لو كان ذلك لم نجامعها .
* رواه مسلم
شرح النووي :
أما ( الواشمة ) بالشين المعجمة ففاعلة الوشم ، وهي أن تغرز إبرة أو مسلة أو نحوهما في ظهر الكف أو المعصم أو الشفة أو غير ذلك من بدن المرأة حتى يسيل الدم ، ثم تحشو ذلك الموضع بالكحل أو النورة ، فيخضر ، وقد يفعل ذلك بدارات ونقوش ، وقد تكثره وقد تقلله ، وفاعلة هذا واشمة ، وقد وشمت تشم وشما ، والمفعول بها موشومة . فإن طلبت فعل ذلك بها فهي مستوشمة ، وهو حرام على الفاعلة والمفعول بها باختيارها ، والطالبة له ، وقد يفعل بالبنت وهي طفلة فتأثم الفاعلة ، ولا تأثم البنت لعدم تكليفها حينئذ .
قال أصحابنا : هذا الموضع الذي وشم يصير نجسا ، فإن أمكن إزالته بالعلاج وجبت إزالته ، وإن لم يمكن إلا بالجرح ، فإن خاف منه التلف أو فوات عضو أو منفعة عضو أو شيئا فاحشا في عضو ظاهر لم تجب إزالته ، فإذا بان لم يبق عليه إثم ، وإن لم يخف شيئا من ذلك ونحوه لزمه إزالته ، ويعصي بتأخيره . وسواء في هذا كله الرجل والمرأة . والله أعلم .
وأما ( النامصة ) بالصاد المهملة فهي التي تزيل الشعر من الوجه ، والمتنمصة التي تطلب فعل ذلك بها ، وهذا الفعل حرام إلا إذا نبتت للمرأة لحية أو شوارب ، فلا تحرم إزالتها ، بل يستحب عندنا .
ومذهبنا ما قدمناه من استحباب إزالة اللحية والشارب والعنفقة ، وأن النهي إنما هو في الحواجب وما في أطراف الوجه .
وذهب الجمهور إلى أنه لا يجوز التنمص لغير المتزوجة ، وأجاز بعضهم لغير المتزوجة فعل ذلك إذا احتيج إليه لعلاج أو عيب ، بشرط أن لا يكون فيه تدليس على الآخرين .
قال العدوي : والنهي محمول على المرأة المنهية عن استعمال ما هو زينة لها ، كالمتوفى عنها والمفقود زوجها . أما المرأة المتزوجة فيرى جمهور الفقهاء أنه يجوز لها التنمص ، إذا كان بإذن الزوج ، أو دلت قرينة على ذلك ، لأنه من الزينة ، والزينة مطلوبة للتحصين ، والمرأة مأمورة بها شرعا لزوجها .
ودليلهم ما روته بكرة بنت عقبة أنها سألت عائشة رضي الله عنها عن الحفاف - الاخذ من شعر الحاجب بدون نتفه- ، فقالت :
إن كان لك زوج فاستطعت أن تنتزعي مقلتيك فتصنعيهما أحسن مما هما فافعلي .
وذهب الحنابلة إلى عدم جواز التنمص - وهو النتف - ولو كان بإذن الزوج ، وإلى جواز الحف والحلق .
وخالفهم ابن الجوزي فأباحه ، وحمل النهي على التدليس .
وأما ( المتفلجات ) بالفاء والجيم ، والمراد مفلجات الأسنان بأن تبرد ما بين أسنانها الثنايا والرباعيات ، وهو من الفلج بفتح الفاء واللام ، وهي فرجة بين الثنايا والرباعيات ، وتفعل ذلك العجوز ومن قاربتها في السن إظهارا للصغر وحسن الأسنان ، لأن هذه الفرجة اللطيفة بين الأسنان تكون للبنات الصغار ، فإذا عجزت المرأة كبرت سنها وتوحشت فتبردها بالمبرد لتصير لطيفة حسنة المنظر ، وتوهم كونها صغيرة ، ويقال له أيضا الوشر ، ومنه لعن الواشرة والمستوشرة ، وهذا الفعل [ ص: 289 ] حرام على الفاعلة والمفعول بها لهذه الأحاديث ، ولأنه تغيير لخلق الله تعالى ، ولأنه تزوير ولأنه تدليس .
وأما قوله : ( المتفلجات للحسن ) فمعناه يفعلن ذلك طلبا للحسن ، وفيه إشارة إلى أن الحرام هو المفعول لطلب الحسن ، أما لو احتاجت إليه لعلاج أو عيب في السن ونحوه فلا بأس والله أعلم .
قوله : ( لو كان ذلك لم نجامعها ) قال جماهير العلماء : معناه لم نصاحبها ، ولم نجتمع نحن وهي ، بل كنا نطلقها ونفارقها . قال القاضي : ويحتمل أن معناه لم أطأها ، وهذا ضعيف ، والصحيح ما سبق
والله اعلم