خطبة غوث المكروب ونصرة المظلوم
إن كثيرًا من بلاد المسلمين -وللأسف- تسلط عليهم طغمة من الظالمين، فأذاقوا المستضعفين سوء العذاب، وكم من صارخ فلا يُجابَ؟! وكم من معذَّب محروم يرجو النصرة من إخوانه، فلا يسمع له أحد ولا يجبيب!! لقد عاث الحوثيون في اليمن، وأكثر الروافض من نشر الفتن والقلاقل والاضطرابات في بلاد المسلمين، واستحلوا المحرمات، وسفكوا الدماء، وآذوا عباد الله، وهدموا المساجد، وقطعوا الطرق وأثاروا الفزع، ففزع المستضعفون يطلبون النصرة من إخوانهم، فهب الكرام لنجدتهم ونصرتهم. وإن المسلم اليوم ليرجو من الله أن ينصر هذا التحالف ويعلي كلمته ويسدد رميهم، وينتقم من هذا العدو الفاجر،
المسلم أخو المسلم حقيقة أزلية لا شك فيها، ولقد ربط الإسلام بين المؤمنين برباط محكم وثيق، وحثهم على أن يترابطوا فيما بينهم، ويواسي بعضهم بعضًا، ويتعاونوا في الشدائد والملمات، وهذا التعاون والتعاضد والتناصر علامة بيّنة على قوة الدين وسلامة العقيدة، وقد ضرب المسلمون الأوائل من سلفنا الصالح المثل الفريد في التناصر ومراعاة حقوق الأخوة الإيمانية، من المناصحة والنصرة وغيرها.
ومتى ما شعر المسلمون بحاجة فريق منهم إلى النصرة والمساعدة وجب عليهم أن يهبوا جميعًا لنجدته؛ كلّ بحسب استطاعته وقدرته، وقد دعا ربنا -سبحانه- عباده المؤمنين إلى مؤازرة الضعفاء والمستضعفين في الأرض، فقال سبحانه: (وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا) [النِّساء: 75].
قال الحافظ ابن كثير –رحمه الله- في هذه الآية: "يحرِّض –تعالى- عباده المؤمنين على الجهاد في سبيله، وعلى السَّعي في استنقاذ المستضعفين بمكَّة من الرِّجال والنِّساء والصِّبيان، المتبرِّمين بالمقام بها..." (تفسير ابن كثير: 358).
وأمر ربنا –تبارك وتعالى- أمرًا صريحًا بإغاثة المكروب ونجدة الملهوف، فقال تعالى: (وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ ) [الأنفال: 72]، قال الطَّبري –رحمه الله-: "إن استنصركم هؤلاء -الذين آمنوا ولم يهاجروا- في الدِّين، يعني بأنَّهم من أهل دينكم، على أعدائكم وأعدائهم من المشركين، فعليكم أيُّها المؤمنون -من المهاجرين والأنصار- النَّصر" (تفسير الطبري: 11/ 294).
إن نصرة المستضعفين عمل محبوب إلى نفس كل نبيل، وعمل كريم عند الكرماء، فضلاً عن أنه من حق المسلم على أخيه، فالذي يحرك المسلم لنصرة إخوانه هو الغَيْرة الإيمانيَّة، التي تدفع المسلم لرفع الظُّلم عن أخيه المسلم المستَضْعف المغلوب على أمره.
وقد كان النَّبي -صلى الله عليه وسلم- مثلاً أعلى في نجدة الملهوف وإغاثة المكروب، فكان يحمل الكَلَّ ويعين على نوائب الحقِّ، وينتصر للمظْلوم، وقد شَهِد حِلْفًا في الجاهليَّة من أجل نُصْرَة المظْلوم، قال -صلى الله عليه وسلم- في ذلك: "شَهِدت حلف المطَيَّبين مع عُمُومَتي وأنا غلام؛ فما أحبُّ أنَّ لي حُمْر النَّعم وأنِّي أنكُثه" (رواه أحمد 1655 وصححه أحمد شاكر).
يفسر ذلك ابن إسحاق في السيرة فقال: "تداعت قبائل من قريش إلى حِلْف، فاجتمعوا له في دار عبد الله بن جدعان لشَرَفه وسنِّه، فكان حِلْفهم عنده: بنو هاشم، وبنو المطَّلب، وأسد بن عبد العزَّى، وزهرة بن كلاب، وتيم بن مرَّة. فتعاقدوا وتعاهدوا على أن لا يجدوا بمكَّة مَظْلومًا من أهلها وغيرهم -ممَّن دخلها من سائر النَّاس- إلا قاموا معه، وكانوا على مَن ظَلَمه حتى تُرَدَّ عليه مَظْلمته، فسمَّت قريشٌ ذلك الحِلْف: حِلْف الفُضُول" (سيرة ابن هشام 1/ 133).
وأكَّد –صلى الله عليه وسلم- أن نصرة المستضعفين من حق المسلم على أخيه، فعن البراء بن عازب -رضي الله عنه- قال: "أمرنا بسبع: بعيادة المريض، واتِّباع الجنائز، وتشميت العاطس، وردِّ السَّلام، وإجابة الدَّاعي، وإِبْرَار المقْسِم، ونَصْر المظْلوم" (مسلم 2066).
وجعل –صلى الله عليه وسلم- الجزاء من جنس العمل، فمن نصر المسلمين نصره الله في الدنيا والآخرة، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "من نَصَر أخاه بظَهْر الغيب، نَصَره الله في الدُّنْيا والآخرة" (صحيح الجامع 6574).
وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "المسلم أخو المسلم، لا يَظْلِمه، ولا يُسْلِمه، ومن كان في حاجة أخيه، كان الله في حاجته، ومن فرَّج عن مسلم كُرْبة، فرَّج الله عنه كُرْبة من كُرُبات يوم القيامة، ومن ستر مسلمًا، ستره الله يوم القيامة" (البخاري 2442).
قال الحافظ ابن حجر: "قوله (لا يَظْلِمه) هو خَبَر بمعنى الأمر، فإنَّ ظُلم المسلم للمسلم حرام، وقوله: (ولا يُسْلِمه) أي: لا يتركه مع من يُؤذيه، ولا فيما يُؤذيه، بل يَنْصُره، ويدفع عنه، وهذا أخصُّ مِنْ تَرْك الظُّلم" (فتح الباري 5/97).
وبيَّن –صلى الله عليه وسلم- حقيقة النصرة أنها لردع الظالم عن ظلمه، والتخفيف عن المظلومين، فعن أنس -رضي الله عنه-، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "انصر أخاك ظالمًا، أو مَظْلومًا". فقال رجل: يا رسول الله، أنصره إذا كان مَظْلومًا، أفرأيت إذا كان ظالمًا، كيف أنصره؟ قال: "تَحْجُزُه، أو تمنعه من الظُّلم، فإنَّ ذلك نَصْره" (صحيح البخاري 6952).
إن شريعة الإسلام جعلت السكوت على الظلم، والرضا بانتشاره، وعدم مساعدة المستضعفين، جعلت هذا النكوص عن العدل ونجدة الضعفاء وإغاثة المكروب، جعلته علامة على انهيار الأمة قيميًّا، وضعفها إنسانيًّا، وتدهورها إيمانيًّا، فعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: "لما رَجَعَت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مُهَاجرة البحر، قال: ألا تُحَدِّثوني بأعاجيب ما رأيتم بأرض الحبشة؟ قال فتية منهم: بلى يا رسول الله، بينا نحن جلوس مرَّت بنا عجوز من عجائز رهابينهم، تحمل على رأسها قُلَّة من ماء، فمرَّت بفتى منهم، فجعل إحدى يديه بين كتفيها، ثمَّ دفعها، فخرَّت على ركبتيها، فانكسرت قلَّتها، فلمَّا ارتفعت، التفتت إليه، فقالت: سوف تعلم -يا غُدر- إذا وضع الله الكرسيَّ، وجمع الأولين والآخرين، وتكلَّمت الأيدي والأرجل بما كانوا يكسبون، فسوف تعلم كيف أمري وأمرك عنده غدًا، قال: يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: صَدَقَت صَدَقَت، كيف يقدِّس الله أمَّة لا يؤخذ لضعيفهم من شديدهم؟!" (صحيح سنن ابن ماجه 3255).
وقديمًا صرح شيخ الإسلام بقاعدة ذهبية استقاها من النصوص الشرعية، أن السكوت عن الظلم حمق، وقرَّر أنَّ الله -عزَّ وجلَّ- يقيم وينصر ويمكِّن الدَّولة التي يُنْصَر فيها المظْلوم، ويأخذ فيها حقَّه حتى ولو كانت هذه الدولة كافرة، ويُذهِب الله الدولة المسلمة متى كانت ظالمة يضيع فيها حقوق الخلق، ويكثر فيها التظالم، فقال ابن تيمية –رحمه الله-: "إنَّ الله يقيم الدَّولة العادلة، وإن كانت كافرة، ولا يقيم الدَّولة الظَّالمة، وإن كانت مسلمة" (مجموع الفتاوى 28/ 146).
لقد عاث الحوثيون في اليمن، وأكثر الروافض من نشر الفتن والقلاقل والاضطرابات في بلاد المسلمين، واستحلوا المحرمات، وسفكوا الدماء، وآذوا عباد الله، وهدموا المساجد، وقطعوا الطرق وأثاروا الفزع، ففزع المستضعفون يطلبون النصرة من إخوانهم، فهب الكرام لنجدتهم ونصرتهم.
وإن المسلم اليوم ليرجو من الله أن ينصر هذا التحالف ويعلي كلمته ويسدد رميهم، وينتقم من هذا العدو الفاجر، وفي نفس الوقت كم نتمنى أن يكون هذا التحالف السني ليس مخصوصًا باليمن، بل يهب لنصرة المستضعفين في سوريا والعراق ولبنان، وفلسطين، وغيرها.
إن كثيرًا من بلاد المسلمين -وللأسف- تسلط عليهم طغمة من الظالمين، فأذاقوا المستضعفين سوء العذاب، وكم من صارخ فلا يُجابَ؟! وكم من معذَّب محروم يرجو النصرة من إخوانه، فلا يسمع له أحد ولا يجبيب!!
هذا وإن في نصرة المستضعفين ونجدتهم فوائد كثيرة، منها:
- نجاة الأمَّة من العقاب، فإن لم تَنْصر الأمَّةُ المظْلوم، وتأخذ على يد الظَّالم، وتمنعه من الظُّلم، فسَيَعُمُّ العقابُ الجميع، قال تعالى: (وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [الأنفال: 25].
- أنَّ الذي يَنْصُر المظْلوم يَنْصُره الله، والجزاء من جنس العمل، فالله -سبحانه وتعالى- يُسخّر له من يقف إلى جانبه وينصره في الدُّنْيا، ويتولَّاه الله في الآخرة.
- نجاة الأمة من الفتنة والفساد، قال تعالى: (وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ .... إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ) [الأنفال: 72-73].
قال الطبري: "فبيِّنٌ أنَّ أولى التأويلين بقوله: (إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ)، تأويلُ من قال: إلا تفعلوا ما أمرتكم به من التعاون والنصرة على الدين، تكن فتنة في الأرض" (تفسير الطبري 14/ 87).
إن إخواننا في سوريا وفلسطين ولبنان والعراق، واليمن، يتعرضون لويلات وحروب طائفية حاقدة برضا غربي وتأييد إسرائيلي، ولا يكتوي بنار هذه الحروب إلا مستضعفي أهل السنة، فهل نمد لهم يد المساعدة وننصرهم على عدوهم، أم نتولى فيستبدلنا ربنا بقوم آخرين، نسأل الله السلامة والعافية.
ومن أجل تذكير المسلمين بوجوب نصرة المستضعفين، وضعنا بين يديك أخي الخطيب الكريم مجموعة خطب منتقاة توضّح فضائل نجدة الملهوف وإغاثة المكروب، ونسأل الله أن يرزقنا وإياكم الإخلاص في الأقوال والأعمال، إنه ولي ذلك والقادر عليه.