خطبة أخطاء المصلين
أخطاء المصلين
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد:
فهذه مجموعة من الأخطاء التي يقع فيها بعض إخواننا من المصلين، ننبّه عليها ونبيّن الصواب فيها. سائلين الله تعالى أن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه الكريم، وأن يهدينا سواء السبيل.
أخطاء في القيام:
التهاون في القيام، مع القدرة عليه.
بعض الناس يتهاون في أمر القيام في صلاة الفريضة، فتراه يصلي جالسا مع قدرته على القيام. ومعلوم أن القيام فرض من فرائض الصلاة، لا يسقط إلا لعذر. لقوله تعالى: ﴿ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ﴾ [البقرة: 238] ولحديث عمران بن حصين رضي الله عنه قال: كانت بي بواسير، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة، فقال: «صَلّ قائما، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فإن لم تستطع فعلى جَنب». رواه البخاري.
الجهر بالنية:
من الخطأ الذي يقع فيه بعضُ الناسِ التلفظُ بالنية عند الدخول في الصلاة، كقول بعضهم مثلا: صلاة الظهر... فالنية محلها القلب، والتلفظ بها بدعة.
والنية كما هو معلوم فرض من فرائض الصلاة؛ ففي الصحيحين عن عُمَرَ بْن الخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ صلى الله عليه وسلم يقول: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى...».
ترك تكبيرة الإحرام، والاكتفاء بتكبيرة الركوع عند إدراك الإمام راكعا.
فبعض الناس مِن شِدّة سُرعتهم لإدراك الركوع مع الإمام يَهوي أحدُهم راكعا ويُكبر تكبيرة الركوع فقط، ويترك تكبيرة الإحرام، مع أن تكبيرة الإحرام فرض من فرائض الصلاة كما هو معلوم، فمن تركها فصلاته باطلة. لقوله عليه الصلاة والسلام: «مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطُّهُورُ، وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ، وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ». والحديث أخرجه أبو داود وابن ماجة والترمذي وأحمد وغيرهم بإسناد صحيح من حديث عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه.
تسكين بعض الحروف المُحَرّكة من سورة الفاتحة.
فقراءة الفاتحة فرض من فرائض الصلاة، لا تصح الصلاة بدونها، ففي الصحيحين وغيرهما عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: « لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب». فينبغي الاهتمام بسورة الفاتحة، والحِرص على قراءتها قراءة سليمة.
أخطاء في الركوع:
عدم الاستواء في الركوع.
فمِن الخطأ رفع الرأس أو خفضه وجَعْلُ الظَّهْر مُقوّسا أثناء الركوع، إلا مِن عُذر. فقد وصفت عائشة رضي الله عنها ركوع النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: "وكان إذا ركع لمْ يُشْخِصْ رأسَه ولمْ يُصَوِّبْه ولكن بين ذلك". أخرجه مسلم عن عائشة رضي الله عنها.
وأخرج البخاري في صحيحه عن أَبي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيّ رضي الله عنه قال: أَنَا كُنْتُ أَحْفَظَكُمْ لِصَلاَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «رَأَيْتُهُ إِذَا كَبَّرَ جَعَلَ يَدَيْهِ حِذَاءَ مَنْكِبَيْهِ، وَإِذَا رَكَعَ أَمْكَنَ يَدَيْهِ مِنْ رُكْبَتَيْهِ، ثُمَّ هَصَرَ ظَهْرَهُ، فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ اسْتَوَى حَتَّى يَعُودَ كُلُّ فَقَارٍ مَكَانَهُ، فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَ يَدَيْهِ غَيْرَ مُفْتَرِشٍ وَلاَ قَابِضِهِمَا، وَاسْتَقْبَلَ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ القِبْلَةَ، فَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ جَلَسَ عَلَى رِجْلِهِ اليُسْرَى، وَنَصَبَ اليُمْنَى، وَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ قَدَّمَ رِجْلَهُ اليُسْرَى، وَنَصَبَ الأُخْرَى وَقَعَدَ عَلَى مِقعَدَتِهِ». وقوله: "هَصَرَ ظَهْرَهُ" أي مَدَّهُ وسَوّاه.
وأخرج الترمذي وأبو داود عن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه قال: أَنَا أَعْلَمُكُمْ بِصَلاَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ؛ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَكَعَ فَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ كَأَنَّهُ قَابِضٌ عَلَيْهِمَا، وَوَتَّرَ يَدَيْهِ فَنَحَّاهُمَا عَنْ جَنْبَيْهِ. قوله: "ووتر يديه" أي عوّجهما، من التوتير وهو جعل الوَتَر على القوس. وقوله: "فنحّاهما عن جنبيه" يعني أبعد مرفقيه عن جنبيه حتى كان يده كالوتر وجنبه كالقوس.
عدم الطمأنينة في الركوع.
من الخطأ سرعة بعض الناس في الركوع، مع أن الطمأنينة فيه واجبة، بقدْر ما تسكن فيه أعضاء المصلي ومفاصِله وتسترخِي.
ففي الصحيحين، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد، فدخل رجل فصلى، ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم ، فرد النبي صلى الله عليه وسلم السلام، فقال: «ارجع فصل فإنك لم تصل»، فرجع الرجل فصلى كما كان صلى، ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وعليك السلام»، ثم قال: «ارجع فصل فإنك لم تصل» ثلاثا. فقال الرجل: والذي بعثك بالحق ما أحسن غيره فعلمني. فقال صلى الله عليه وسلم : «إذا قمتَ إلى الصلاة فكبّرْ، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعا، ثم ارفع حتى تعتدل قائما، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسا، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها».
عدم الاعتدال بعد الرفع من الركوع.
والمراد بالاعتدال: سكون الأعضاء مع استقامة الظهر واستواء البدن أثناء القيام. فبعض الناس يرفع رأسه من الركوع قليلا ثم يهوي إلى السجود مباشرة مِن غير أن يستويَ قائما. وقد قال صلى الله عليه وسلم للمسيء صلاته: «ثم ارفع حتى تعتدِل قائما». وقالت عائشة في وَصْفِ صلاة النبي صلى الله عليه وسلم: "وكان إذا رفع رأسه من الركوع لم يسجد حتى يستوي قائما" أخرجه مسلم. ولحديث أَبي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيّ الذي تقدم؛ وفيه: "فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ اسْتَوَى حَتَّى يَعُودَ كُلُّ فَقَارٍ مَكَانَهُ". والفقار بفتح الفاء والقاف: جمع فقارة، وهي عظام الظهر.
أخطاء في السجود:
عدم الطمأنينة في السجود.
بعض الناس أيضا يُسرع في سجوده فينقره نقرا من غير طمأنينة، في حين أن السجود محلّ للتسبيح والإكثار من الدعاء. وقد قال صلى الله عليه وسلم للمسيء صلاته: "ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا".
رفع أطراف القدمين في السجود.
فمن الناس من يرفع قدميه أثناء السجود، ومنهم من يطوي أصابع قدميه إلى الخلف، بينما السنة أن يسجد على رؤوس الأصابع يضعها على الأرض، كما سيأتي في حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
رفع الأنف عن الأرض في السجود.
من الخطأ رفع الأنف على الأرض في حالة السجود إلا مِن عُذر، لأن السجود ينبغي أن يكون على سبعة أعظم. لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « أمرت أن أسجد على سبعة أعظم؛ على الجبهة - وأشار بيده إلى أنفه- واليدين، والركبتين، وأطراف القدَمَين». متفق عليه.
بسط الذراعين في السجود.
من الخطأ في السجود أن يبسط الساجد ذراعيه حتى تلامس مرافقه الأرضَ، تماما كما تفعل السّباع، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم برفع المرفقين عن الأرض، ونهى عن بسط الذراعين. ففي صحيح مسلم عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إذا سجدتَ فضعْ كفيك، وارفعْ مرفقيك».
وفي الصحيحين عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: « اعْتَدِلُوا فِي السُّجُودِ، وَلاَ يَبْسُطْ أَحَدُكُمْ ذِرَاعَيْهِ انْبِسَاطَ الكَلْبِ».
ترك التسبيح في السجود.
من الناس مَن يشتغل بالدعاء في السجود، ويترك التسبيح فيه. ولا شك أن الدعاء في السجود مُرَغّبٌ فيه، فقد حثّ عليه النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة، منها ما أخرجه مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ، فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ». لكن من السنة أيضا أن يقول المصلي في سجوده: "سبحان ربي الأعلى" على الأقل ثلاث مرات، ثم يدعو بعد ذلك بما يشاء من خيرَي الدنيا والآخرة. فقد أخرج ابن ماجة في السنن عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ إِذَا رَكَعَ: « سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ» ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، وَإِذَا سَجَدَ قَالَ: « سُبْحَانَ رَبِّيَ الأَعْلَى» ثَلاَثَ مَرَّاتٍ.
أخطاء في الجلوس للتشهد وبين السجدتين:
عدم الطمأنينة في الجلسة بين السجدتين.
الجلوس بين السجدتين فرض، والطمأنينة فيه فرض أيضا؛ وقد قال صلى الله عليه وسلم للمسيء صلاته: «ثم ارفع حتى تطمئن جالسا». وقالت عائشة في وصف صلاة النبي صلى الله عليه وسلم: "وكان إذا رفع رأسه من السجدة لم يسجد حتى يستوي قاعدا" أخرجه مسلم. ويُشرع للمصلي أن يقول في هذا الجلوس: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، وَارْحَمْنِي، وَعَافِنِي، وَاهْدِنِي، وَارْزُقْنِي» أو « اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَاجْبُرْنِي وَاهْدِنِي وَارْزُقْنِي » أو « رَبِّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَاجْبُرْنِي وَارْفَعْنِي وَارْزُقْنِي وَاهْدِنِي » أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجة من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. أو يقول: «رَبِّ اغْفِرْ لِي، رَبِّ اغْفِرْ لِي» أخرجه أحمد والنسائي وابن ماجة وأبو داود من حديث حُذَيْفَةَ رضي الله عنه.
مخالفة السنة في هَيْئَةِ الجلوس.
ترَى الناسَ عند الجلوس على هيئات متعددة، فمنهم مَن يفترش رجليه معا، ومنهم من يطويهما معا جهة اليمين أو الشمال، ومنهم من ينصبهما معا ويجلس على عقبيه في كل جلوس... والسنة أن ينصب المصلي رجله اليمنى فيجعلها ممدودة وأصابعها على الأرض متجهة نحو القبلة، ويفترش رجله اليسرى فيجلس عليها. فقد قالت عائشة رضي الله عنها في وَصْف صلاة النبي صلى الله عليه وسلم: "وَكَانَ يَفْرِشُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى، وَيَنْصِبُ رِجْلَهُ الْيُمْنَى، وَكَانَ يَنْهَى عَنْ عُقْبَةِ الشَّيْطَانِ، وَيَنْهَى أَنْ يَفْتَرِشَ الرَّجُلُ ذِرَاعَيْهِ افْتِرَاشَ السَّبُعِ" أخرجه مسلم. وعُقبة الشيطان هي الإقعاء؛ وهو أن يُلصِقَ إلْيَتَيْهِ بالأرض ويَنصبَ ساقيْهِ ويَضعَ يديه على الأرض، كما يفترش الكلب وغيره من السباع. وأضافها للشيطان لأنها مِنْ أمْرهِ؛ فإنّ الشيطان يأمر بالفحشاء. والإنسان مَنهي أن يفعل مثل أفعال البهائم لا في الصلاة ولا في غيرها.
ويجوز للمصلي في الجلوس الأخير أن يَنصِبَ اليمنى ويقدّم اليسرى فيجعلها تحت فخذِ اليمنى ويجلس على مقعدته على الأرض مباشرة. لِما رواه البخاري في صحيحه عن أبي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيّ رضي الله عنه في وصفه لصلاة النبي صلى الله عليه وسلم ، وفيه: "فَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ جَلَسَ عَلَى رِجْلِهِ اليُسْرَى، وَنَصَبَ اليُمْنَى، وَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ قَدَّمَ رِجْلَهُ اليُسْرَى، وَنَصَبَ الأُخْرَى وَقَعَدَ عَلَى مَقْعَدَتِهِ".
تحريك اليد اليمنى كلها، وضمّ أصابع اليسرى في التشهد.
مِن الناس مَن يُحرّك يَدَه اليمنى كلها في التشهد، ومنهم مَن يَقبض أصابعَ يَدِه اليُسرى. بينما السنة في التشهد أن يَضمّ المصلي أصابعَ اليد اليمنى ويشير بالسبابة يُحركها تحريكا وسطا، دون أن يُحرك اليدَ كلها، أما اليدُ اليسرى فيجعلها على فخذه اليسرى مبسوطة الأصابع.
فيجوز ضمّ الأصابع الثلاثة (الخِنصِر والبِنصِر والوُسطى) من اليد اليمنى، ووضع الإبهام على الوسطى، والإشارة بالسبابة. ويدل على هذا ما أخرجه أحمد عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ رضي الله عنه قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَبَّرَ، فَرَفَعَ يَدَيْهِ حِينَ كَبَّرَ، يَعْنِي اسْتَفْتَحَ الصَّلَاةَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ حِينَ كَبَّرَ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ حِينَ رَكَعَ، وَرَفَعَ يَدَيْهِ حِينَ قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ. وَسَجَدَ فَوَضَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ أُذُنَيْهِ. ثُمَّ جَلَسَ فَافْتَرَشَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى، ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى رُكْبَتِهِ الْيُسْرَى، وَوَضَعَ ذِرَاعَهُ الْيُمْنَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى، ثُمَّ أَشَارَ بِسَبَّابَتِهِ، وَوَضَعَ الإِبْهَامَ عَلَى الْوُسْطَى، وَقَبَضَ سَائِرَ أَصَابِعِهِ. ثُمَّ سَجَدَ فَكَانَتْ يَدَاهُ حِذَاءَ أُذُنَيْهِ.
كما يجوز أيضا ضمّ الأصابع كلها عَدا السبابة؛ ويدل على هذا: ما أخرجه مالك ومسلم وأبو داود وابن حبان عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُعَاوِيِّ أَنَّهُ قَالَ: رَآنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رضي الله عنه وَأَنَا أَعْبَثُ بِالْحَصَى فِي الصَّلاَةِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ نَهَانِي، فَقَالَ: اصْنَعْ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَصْنَعُ. فَقُلْتُ: وَكَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَصْنَعُ؟ قَالَ: كَانَ إِذَا جَلَسَ فِي الصَّلاَةِ وَضَعَ كَفَّهُ الْيُمْنَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى، وَقَبَضَ أَصَابِعَهُ كُلَّهَا، وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ الَّتِي تَلِي الإِبْهَامَ، وَوَضَعَ كَفَّهُ الْيُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُسْرَى.
كما يجوز أيضا التحليق بين الإبهام والوسطى وبسط السبابة، وقبْض ما عدا ذلك؛ ويدل على هذا: ما أخرجه أبو داود والنسائي عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ: لأَنْظُرَنَّ إِلَى صَلاَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَيْفَ يُصَلِّي؟ قَالَ: فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَكَبَّرَ، فَرَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى حَاذَتَا أُذُنَيْهِ، ثُمَّ أَخَذَ شِمَالَهُ بِيَمِينِهِ، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ رَفَعَهُمَا مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ وَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ رَفَعَهُمَا مِثْلَ ذَلِكَ، فَلَمَّا سَجَدَ وَضَعَ رَأْسَهُ بِذَلِكَ الْمَنْزِلِ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ، ثُمَّ جَلَسَ فَافْتَرَشَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى، وَوَضَعَ يَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُسْرَى، وَحَدَّ مِرْفَقَهُ الأَيْمَنَ عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى، وَقَبَضَ ثِنْتَيْنِ وَحَلَّقَ حَلْقَةً، وَرَأَيْتُهُ يَقُولُ هَكَذَا. وَحَلَّقَ بِشْرٌ الإِبْهَامَ وَالْوُسْطَى وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ.
وأخرج ابن ماجة عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَدْ حَلَّقَ الإِبْهَامَ وَالْوُسْطَى وَرَفَعَ الَّتِي تَلِيهِمَا يَدْعُو بِهَا فِي التَّشَهُّدِ.
الإشارة باليدين عند السلام.
من الخطأ الذي يقع فيه بعض المصلين إشارتهُم باليدين عند السلام من الصلاة. وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن فعل ذلك؛ ففي صحيح مسلم وغيره عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنه قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَكُنَّا إِذَا سَلَّمْنَا قُلْنَا بِأَيْدِينَا: السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ، السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ. فَنَظَرَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «مَا شَأْنُكُمْ تُشِيرُونَ بِأَيْدِيكُمْ كَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيْلٍ شُمُسٍ؟ إِذَا سَلَّمَ أَحَدُكُمْ فَلْيَلْتَفِتْ إِلَى صَاحِبِهِ، وَلاَ يُومِئْ بِيَدِهِ ». والشُّمس بضم الشين: جمع شَموس، وهي الخيل النَّفور التي لا تستقرّ ولا تسْكُنُ لشَغَبها وحِدّتها.
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم الأمر بمخالفة سائر الحيوانات في هيئات الصلاة؛ فنهى عن بروك كبروك البعير، وعن التفات كالتفات الثعلب، وعن افتراش كافتراش السبع، وإقعاء كإقعاء الكلب، ونقر كنقر الغراب، ورفع الأيدي كأذناب خيل شمس حال السلام. وقد جمعها بعض أهل العلم فقال:
إذا نحن قمنا في الصلاة فإننا نهينا عن الإتيان فيها بستة
بروك بعير والتفات كثعلب ونقر غراب في سجود الفريضة
وإقعاء كلب أو كبسط ذراعه وأذناب خيل عند فعل التحية |
الالتفات في الصلاة.
من الخطأ الذي يقع فيه بعض المصلين الالتفات في الصلاة يمينا أو شمالا، ومنهم من يَسرح ببصره في جميع الجهات. وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، ففي صحيح البخاري عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الالْتِفَاتِ فِي الصَّلاَةِ؟ فَقَالَ: «هُوَ اخْتِلاَسٌ يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ صَلاَةِ العَبْدِ». فينبغي للمصلي أن يسكن في صلاته ولا يلتفت فيها، بل ينبغي له ألاّ يُجاوزَ بصرُه موضعَ سجودِه.
أخرج ابن أبي شيبة وعبد الرزاق في مُصنفيْهما عَنْ أَبِي قِلابَةَ، قَالَ: سَأَلْتُ مُسْلِمَ بْنَ يَسَارٍ: أَيْنَ مُنْتَهَى الْبَصَرِ فِي الصَّلاةِ؟ فَقَالَ: «إِنْ حَيْثُ تَسْجُدُ حَسَنٌ».
وأخرج ابن أبي شيبة عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، أَنَّهُ كَانَ يُحِبُّ لِلْمُصَلِّي أَنْ لا يُجَاوِزَ بَصَرُهُ مَوْضِعَ سُجُودِهِ.
وكما لا يجوز الالتفات يمينا ولا شمالا، فكذلك لا يجوز رفعُ البصر إلى السماء. ففي صحيح مسلم عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لينتهيّنًّ أقوامٌ يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة أو لا ترجِعُ إليهم». وفيه أيضا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: « لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ رَفْعِهِمْ أَبْصَارَهُمْ عِنْدَ الدُّعَاءِ فِي الصَّلاَةِ إِلَى السَّمَاءِ أَوْ لَتُخْطَفَنَّ أَبْصَارُهُمْ ».
وفي صحيح البخاري عن أَنَس بْن مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ فِي صَلاَتِهِمْ»، فَاشْتَدَّ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ، حَتَّى قَالَ: «لَيَنْتَهُنَّ عَنْ ذَلِكَ أَوْ لَتُخْطَفَنَّ أَبْصَارُهُمْ».
تشبيك الأصابع.
يُكره تشبيك الأصابع في الصلاة، وداخل المسجد، بل وعند القدوم إليه، لِما أخرجه ابن حبان وأبو داود والترمذي عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ قال: حَدَّثَنِي أَبُو ثمَامَةَ الْحَنَّاطُ أَنَّ كَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ أَدْرَكَهُ وَهُوَ يُرِيدُ الْمَسْجِدَ، أَدْرَكَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، قَالَ: فَوَجَدَنِي وَأَنَا مُشَبِّكٌ بِيَدَيَّ فَنَهَانِي عَنْ ذَلِكَ، وَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ ثُمَّ خَرَجَ عَامِدًا إِلَى الْمَسْجِدِ فَلاَ يُشَبِّكَنَّ يَدَيْهِ فَإِنَّهُ فِي صَلاَةٍ ».
وأخرج الحاكم وابن خزيمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: «إذا توضأ أحدكم في بيته ثم أتى المسجد كان في صلاة حتى يرجع، فلا يقل هكذا: وشبك بين أصابعه». قال الحاكم صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي. وقوله: "فلا يقل" أي فلا يفعل، فالقول يَردُ أحيانا بمعنى الفعل في كلام العرب.
وأخرج أبو داود والبيهقي عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ، سَأَلْتُ نَافِعًا، عَنِ الرَّجُلِ يُصَلِّي، وَهُوَ مُشَبِّكٌ يَدَيْهِ، قَالَ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ: «تِلْكَ صَلاةُ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ».
أخطاء في صلاة الجماعة:
التهاون في تسوية الصفوف.
مِن الناس مَن يقف في الصفّ غيرَ مُبَال بتسوية الصفوف، فيتقدّم عن الصف أو يتأخر وهو لا يبالي. مع أن النبي صلى الله عليه وسلم شدّد في الأمر بتسوية الصفوف، واعتبرها من تمام الصلاة.
ففي الصحيحين عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «سَوُّوا صُفُوفَكُمْ، فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصُّفُوفِ مِنْ إِقَامَةِ الصَّلاَةِ». وفي لفظ مسلم «...فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصَّفِّ مِنْ تَمَامِ الصَّلاةِ».
وفي الصحيحين عن النُّعْمَان بْن بَشِيرٍ رضي الله عنه يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ ».
ترْك الفرَج بين المصلين.
مِن الناس مَن يَقف في الصفّ فيجمَع بين قدميه ويترك الفُرْجة بينه وبين مَن يقف إلى جانبه، ومنهم مَن يتعمّد ذلك ولا يقبل أن تلامسَه رجلُ المصلي الذي بجانبه. وهذا خطأ ينبغي التنبّه له. فقد أخرج الإمام أحمد وأبو داود والبيهقي عن ابْن عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَقِيمُوا الصُّفُوفَ، وَحَاذُوا بَيْنَ الْمَنَاكِبِ، وَسُدُّوا الْخَلَلَ، وَلِينُوا بِأَيْدِي إِخْوَانِكُمْ، وَلاَ تَذَرُوا فُرُجَاتٍ لِلشَّيْطَانِ، وَمَنْ وَصَلَ صَفًّا وَصَلَهُ اللَّهُ، وَمَنْ قَطَعَ صَفًّا قَطَعَهُ اللَّهُ ».
مسابقة الأمام.
لا ينبغي للمأموم أن ينتقل من ركن إلى آخر إلا بعد أن ينتقل إمامه، ولا يجوز له أن يسبقه أو يتساوى معه، فإن سبقه عمدا بطلت صلاته، وإن سبقه سهوا عاد كما كان وتابعَ إمامه ولا شيء عليه. ويدل على وجوب هذه المتابعة أحاديث كثيرة منها: حديث أبي هريرة المتفق عليه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنما جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه، فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا قال سمع الله لمن حمد فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعون».
وعن أنس رضي الله عنه قال: سقط النبي صلى الله عليه وسلم عن فرسٍ فجُحِشَ شِقه الأيمن، فدخلنا عليه نعُودُه، فحضرت الصلاة، فصلَّى بنا قاعداً، فصلينا وراءهُ قعوداً، فلما قضى الصلاة، قال: « إنما جُعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبَّر فكبروا وإذا سجد، فاسجُدوا، وإذا رفع فارفعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا ربّنا ولك الحمد، وإذا صلى قاعداً، فصلُّوا قعوداً أجمعين» أخرجه البخاري ومسلم. (فجُحِش؛ الجُحْش: هو أن يصيبه شيء كالخدش فينسلخ منه جلده).
وفي الصحيحين عن أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم : «أَمَا يَخْشَى الَّذِي يَرْفَعُ رَأْسَهُ قَبْلَ الإِمَامِ أَنْ يُحَوِّلَ اللَّهُ رَأْسَهُ رَأْسَ حِمَارٍ؟ ».
وفي الصحيحين عن عَبْداللَّهِ بْن يَزِيد قال: حَدَّثَنِي الْبَرَاءُ - وَهُوَ غَيْرُ كَذوبٍ - قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا قَالَ: « سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ » لَمْ يَحْنِ أَحَدٌ مِنَّا ظَهْرَهُ حَتَّى يَقَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَاجِدًا، ثُمَّ نَقَعُ سُجُودًا بَعْدَهُ.
الدخول إلى المسجد بروائحَ خبيثة.
فمِن احترام المسجد وعُمّاره تجْنِيبُه الروائحَ الكريهة، لأنها تؤذي المصلين وتشوّش عليهم في صلاتهم، سواء في ذلك رائحة الثوم أو البصل أو الدخان أو العرق أو الجوارب أو ما أشبه ذلك..
ففي صحيح مسلم عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: « مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الْبَقْلَةِ الثُّومِ - وَقَالَ مَرَّةً مَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ وَالثُّومَ وَالْكُرَّاثَ - فَلاَ يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا، فَإِنَّ الْمَلاَئِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ».
التهاون في أداء الصلاة مع الجماعة.
مِن الخطأ الذي يقع فيه كثير من الناس: التهاونُ في أداء الصلوات الخمس في أوقاتها مع الجماعة في المسجد، مع ما ورد في فضل صلاة الجماعة والحث عليها، والمحافظة عليها في أوقاتها في نصوص الكتاب والسنة. يقول ربنا سبحانه: ﴿ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ﴾ [البقرة: 238].
وفي الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأَوَّلِ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلاّ أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لاَسْتَهَمُوا، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لاَسْتَبَقُوا إِلَيْهِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي العَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا».
وفي الصحيحين واللفظ للبخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ؛ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِحَطَبٍ، فَيُحْطَبَ، ثُمَّ آمُرَ بِالصَّلاَةِ، فَيُؤَذَّنَ لَهَا، ثُمَّ آمُرَ رَجُلا فَيَؤُمَّ النَّاسَ، ثُمَّ أُخَالِفَ إِلَى رِجَالٍ، فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ؛ لَوْ يَعْلَمُ أَحَدُهُمْ أَنَّهُ يَجِدُ عَرْقًا سَمِينًا، أَوْ مِرْمَاتَيْنِ حَسَنَتَيْنِ، لَشَهِدَ العِشَاءَ». (أخالف) أقصد، وخالف إليه إذا غاب عنه. (عَرْقا) عَظما عليه بقية لحم قليلة. (مِرماتين) مثنى مرماة، وهي ظِلف الشاة أي قدمها. (لشهد العشاء) أي لحضر صلاة العشاء.
وأخرج مالك وأحمد ومسلم وغيرهم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: « أَلاَ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟» قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: « إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلاَةِ بَعْدَ الصَّلاَةِ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ».
وفي الصحيحين عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «صَلاَةُ الجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلاَةَ الفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً».
وأخرج مالك في الموطأ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى عَبْدِاللهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الَخْطَّابِ رضي الله عنه كَتَبَ إِلَى عُمَّالِهِ: إِنَّ أَهَمَّ أَمْرِكُمْ عِنْدِي الصَّلاَةُ، مَنْ حَفِظَهَا وَحَافَظَ عَلَيْهَا، حَفِظَ دِينَهُ، وَمَنْ ضَيَّعَهَا، فَهُوَ لِمَا سِوَاهَا أَضْيَعُ.
والله تعالى أعلم وأحكم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
والحمد لله رب العالمين.