الرد على صاحب مقال البخاري وحده لا شريك له
نستكمل من الجزء الثاني شيئًا من الرد على هذا الرويبضة
ونورد كلامه (مائلاً) باللون الأسود ثم التعقيب عليه بالخط المعتدل باللون الأحمر.
قال: فكُلُّ حديثٍ يخالفُ كتاب الله «القرآن» ويناقضُهُ لا يمكنُ القبول به.
نقول: إنما أوتيتَ من قِبَلِ عقلك القاصر، وكلامك هذا بوجود حديث يخالف القرآن هو ادِّعاءٌ باطل، وإلا فأتنا بحديث واحدٍ صحيحٍ يخالف آيةً.
ولقد قال الإمام ابن عبد البر: «أمرَ الله جلَّ وعزَّ بطاعته صلى الله عليه وسلم واتباعه، أمرًا مطلقًا مجملاً، لم يقيَّد بشيء، كما أمرنا باتباع كتاب الله، ولم يقل: وافق كتاب الله، كما قال بعض أهل الزيغ».
قال: ولا عصمة لأحدٍ من الرُّواة أو الفُقهاء أو من جامعي أو واضعي كُتب الحديث، سوى عصمةِ نبيِّ الله محمد.
نقول: ونحن لا نقول بعصمة بشرٍ إلا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وكلامك هذا تشويش فقط لا موقع له من الإعراب.
قال: وكوني أو غيرى يذكُرُ أن هناك أحاديثَ ضعيفةً في «صحيح» البُخاري أو «صحيح» مُسلم، لا يعني أنه قد عصى أو كفَرَ أو فسَقَ.
نقول: بل في الصحيحين أحاديث انتقدها عليهما بعض علماء هذا الشأن كالدارقطني وغيره كما فصَّلنا الكلام في الرد عـلى الجـزء الأول، وإنـما البـلاء فـي طـعـنـك في الكـتابين –أو أحـدهـما- بغـير عـلم، فـهـذا هو الـفـسوق بمـعـنى الخـروج عن طاعة الله تعالى الذي عصم هذه الأمة أن تجتمع على ضلالة، وأنت تقول إنها باعتمادها الصحيحين قد ضلَّت طوال القرون السابقة.
قال: ومن الخطأ أن نقول إنَّ «صحيح» البخاري أصحُّ كتابٍ وأَسْلُمُ متْنٍ دينيٍّ بعد القرآن، لأننا بذلك نُضفِي قداسةً عليه من حيث ندري أو لا ندري.
نقول: هو أصحُّ كتابٍ وأَسْلَمُ مَتْنٍ دينيٍّ بعد القرآن ولا غضاضة ولا حرج في هذا وليس فيه إضفاء قداسة عليه، ولم يقل عالِمٌ إن صحيح البخاري من عند الله ولا قال عالِمٌ إنَّ القرآن من قول البشر...
القرآن كلام الله وهو صفة من صفاته وغير مخلوق، وصحيح البخاري هو جمع أحاديث للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وغيرهم، ويعتريه الخطأ الذي يعلمه أهل العلم...
بل نحن نستخدم هذه الطريقة في أعمالنا وبيوتنا دون حرج ودون إضفاء قداسة على أحدٍ؛ فنقول: في غياب الوالد عن المنزل فإنَّ الأم –أو الأخ الكبير مثلاً- تحل محل الوالد، فهل الأم هنا تمتلك صفات أو قدرات أو حكمة الوالد أم هذا بحسب إمكانياتها؟ وكذا الإمام البخاري جمع ما علم أنه صحيح حسب قواعد أهل الشأن، وحتَّى إذا اعترضه معترض منهم وصحَّ قوله بتخطئة البخاري فليس عليك إلا قياس نسبة الخطأ إلى الموجود فيه لتعلم أنه أصحُّ من غيره.
قال: كأنَّ هناك قُرآنًا أولَّ، وقُرآناً ثانيًا.
نقول: هذا كلام لا خطام له ولا زمام!
منذ متى والعلماء الذين هم علماء بحقٍّ ينزلون البخاري منزلة القرآن؟
قال: لأنَّ الفُقهاء في بلادي وغيرها، صاروا يُنزِلُون البُخاري منزلةَ التقديسِ، وأنَّ الخطأ لا يدركُهُ من بين صفحاته.
نقول: على هؤلاء (الفقهاء) في بلادك وغيرها –إن كان كلامك صحيحًا- أن يتعلموا من (الفقهاء) السابقين معنى قول عائشة رضي الله عنها: أُمِرْنا أن ننزل الناسَ منازلهم، فيعرفون لكل مخلوق قدره وأن لا يرفعوه فوق منزلته، ألا تعلم نهيَ النبي صلى الله عليه وسلم أُمَّتَه أن ترفعه فوق منزلته؟
ثم إذا كان هؤلاء (الفقهاء) كما تقول، فمَن ذا الذي قال إنهم (فقهاء)؟!
قال: رغم أن الأسبقين كالنووي، وابن الجوزي، قد انتقدوا أحاديثَ كثيرةً لمُخالفتها الواقع والتاريخ، وقالوا عن رُواتها: (... وَهْمٌ من بعضِ الرُواة لا شكَّ فيه ولا تردُّد).
نقول: الإمامان المذكوران هما من علماء الحديث، ولهما أن ينتقدا العلماء ولكن في حدود قواعد هذا العلم الشريف، أمَّا أنهما انتقدا أحاديث (كثيرة) فهذا من ضمن مبالغاتك وتهويلاتك، والحديث الذي تتكلم عنه معلوم معروف؛ وهو الحديث الذي رواه الإمام مسلم من طريق عكرمة بن عمار وفيه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أجاب أبا سفيان طلبَه في أن يتزوج صلى الله عليه وسلم أمَّ حبيبةَ بنتَ أبي سفيان، وكانت بالفعل تحت النبيصلى الله عليه وسلم، فكيف يتزوجها؟
والجواب الذي قاله الإمام ابن الجوزي رحمه الله تعالى هو ما اعتمده الإمام ابن القيم وغيره من أنَّ عكرمة هذا وهم في الحديث، فما المشكلة؟
أحد الرواة الثقات وهم أو نسي أو أخطأ، فهل أحدٌ من البشر –غير الأنبياء عليهم الصلاة والسلام- لا يصيبه هذا؟
ثم نعود ونسألك: كيف علمتَ بصحة نسبة هذه الأقوال إلى أصحابها الذين لم تقابلهم؟ هل من كتبهم أم بواسطة العنعنة؟ وكيفما كان الجواب لزمك مثله في اعتماد العلماء لكتب السنة.
ونحن نستحث إخواننا أن يتكرموا بنشر هذه الردود في كافة المنتديات والمواقع والفيس ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً