الحـق والباطـل
ليست
هذه بقصة، فهى لا تخضع لقواعد وفنون القصة، ولا تقترب إليها فى شئ، وليس
بينها وبين القصة صلة من قريب أو بعيد، فهى أقرب إلى أن تكون حواراً يتضمن
حكمة أردت أن أكتبها وأبلغها، فلنتفق على أنها حكمة ارتدت ثوب الحوار،
ولنتفق أيضاً على أن هذه الحكمة تختلف باختلاف نظرة قارئها، أو لنقل أنها
مجموعة من الحكم تتوسطها حكمة أساسية أردت أن أوصلها للقارئ
تعالوا
نتخيل الحق والباطل شخصين يسيران فى صحراء واسعة لا يعرفان لها بداية من
نهاية.. صحراء شمسها حارقة، وماؤها سراب، وظلها أمل عسير المنال، وهاهما -
الحق والباطل- يجلسان لينالا قسطا من الراحة وقد أنهكهما التعب من طول
المسير
*******
الباطل: هو إحنا هنفضل ماشيين كده لحد إمتى؟
الحق: إلى ما شاء الله
الباطل: بس أنا تعبت قوى، ومبقتش قادر أمشى تانى
الحق: مش بإيدينا
الباطل: وهو إيه الهدف من إننا نفضل ماشيين كده؟
الحق: ربنا خلقنا وأمرنا بكده من غير منعرف إيه الهدف من مشينا ده
الباطل: وإزاى يعنى ربنا خلقنا من غير ما يكون لينا هدف؟
الحق: أكيد فيه هدف اتخلقنا علشانه لكننا منعرفوش
الباطل: ومنعرفوش ليه بقى؟
الحق: لأن ربنا مش عايزنا نعرفه دلوقتى
الباطل: وهنعرفه إمتى إن شاء الله؟
الحق: لما ربنا يريد
الباطل: طيب وربنا مش عايزنا نعرف ليه الهدف إللى اتخلقنا علشانه؟
الحق: لأن من مصلحتنا إننا منعرفش
الباطل: مش معقول تكون مصلحتنا إننا منعرفش الهدف إللى اتخلقنا علشانه
الحق: لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم
الباطل: لكن أنا تعبت قوى ومبقتش قادر أمشى تانى
الحق: مفيش أدامنا حل تانى
الباطل: أكيد فيه حل يريحنا من العذاب ده
الحق: إيدى على كتفك
الباطل: عندى فكرة
الحق: إيه هى بقى؟
الباطل: إيه رأيك لو أشيلك فوق كتفى وأفضل ماشى بيك لحد ما أتعب وتكون أنت استريحت شوية تنزل تشيلنى على كتفك لحد ما تتعب وهكذا
الحق: فكرة تستحق التجربة
الباطل: طيب يلا نبدأ
الحق: يلاّ استعد بقى علشان تشيلنى
الباطل: لأ.. انت إللى هتبتدى
الحق: وليه ما تبدديش انت؟
الباطل: لأنى تعبان جداً ومحتاج للراحة أكتر منك
الحق: دي فكرتك انت وعليك انك تبدأ بتنفيذها
الباطل: العكس صحيح.. أنا إللى تعبت وفكرت يبقى انت إللى تبدأ بالتنفيذ.. هو ده الحق
الحق: خلاص اتفقنا
*******
وحمل الحق الباطل فوق ظهره وسار به مسافات طويلة حتى أجهده السير، فطلب من الباطل أن ينزل ويحمله حسب الاتفاق المبرم بينهما
الحق: أنا تعبت قوى.. انزل بقى وشيلنى علشان استريح
الباطل: شيلنى شوية كمان.. أنا لسه مستريحتش
الحق: خلاص.. مش قادر
الباطل: بس أنا مش هأشيلك
الحق: إيــه.. بتقول إيــه؟
الباطل: زي ما سمعت.. مش هاشيلك
الحق: ليه بقى؟
الباطل: كده
الحق: طب انزل بقى
الباطل: مش هانزل
الحق: بقى ده إللى احنا اتفقنا عليه
الباطل: حد يمشى ورا كلام الباطل
الحق: الحق علىّ إنى صدقتك
الباطل: طبعاً.. الحق عليك
الحق: بس أنا مش هاسيبك
الباطل: هتعمل إيه يعنى؟
الحق: هاعمل حاجات كتير قوى
الباطل: طب أقولك على فكرة
الحق: تانـــــي
الباطل: اسمعنى بس المرة دى
الحق: اتفضل قول
الباطل: فى الجبل إللى هناك ده فيه كهف.. عايش فيه راجل صالح، إيه رأيك نروحله وهو يحكم ما بينا
الحق: موافق
وذهبا إلى الكهف والحق يحمل الباطل فوق ظهره ،فوجدوا شيخاً كبيراً له لحية ناصعة البياض ووجه مشرق جالساً يتعبد ويتأمل فاقتربا منه
الباطل: السلام عليكم
الشيخ: وعليكم من السلام ورحمة الله وبركاته
الباطل: كنا عاوزين ناخد رأيك فى حاجة كده ياشيخنا
الشيخ: تفضلا
الباطل: الموضوع كله يا شيخنا متلخص فى سؤال واحد، عايزينك تجاوبنا عليه بصراحة
الشيخ: لم ينطق لسانى يوما بغير الصدق
الباطل: ياعم الشيخ.. مين إللى يمشى.. الحق ولا الباطل؟
الشيخ: الحق طبعاً
-تمــــــــت-