أعطنى ساعة من وقتك ياأبى؟
أعطنى ساعة من وقتك ياأبى؟
دخل أحمد - ابن التاسعة من عمره - على والده الذي أنهكه العمل
، فمن الصباح إلى المساء وهو يتابع مشروعاته ومقاولاته ، ولا وقت عنده
للمكوث في البيت إلا لتناول الطعام أوالنوم . ودار بينهما الحوار التالى :
أحمد / لماذا يا أبي لم تعد تلعب معي وتحكى لي حكايات ماقبل النوم ، فقد
اشتقت إلى حكاياتك وقصصك المسلية كما أشتقت إلى اللعب معك كما كنا نفعل من
قبل ، فما رأيك أن تلعب معي اليوم قليلاً وتحكى لي قصة ؟ الأب / يا ولدي
أنا لم يعد عندي وقت للّعب وضياع الوقت ، فعندي من الأعمال الشيء الكثير
ووقتي ثمين . الطفل / طيب ... ياوالدى هل يسمح وقتك أن تحضر معى اليوم
الرياضى الذى تقيمه المدرسة يوم الثلاثاء القادم ..؟؟ الأب / لا أستطيع أن
أعدك بذلك ياأحمد فلدى إرتباطات كثيرة فى العمل كل يوم . اذهب إلى أمك فهى
لديها متسع من الوقت ويمكنها أن تذهب معك فى ذلك اليوم . أحمد / ولكننى
أريدك أنت ياأبى لأن المدرسة ستنظم مباراة لكرة القدم بين الأباء والأبناء
واريدك أن تشارك معنا فى هذه المباراة. الأب / مباراة ايه ياأحمد !! أنا
كبرت خلاص وليس عندى لياقة بدنية لممارسة كرة القدم ، عموما" سوف أبذل
قصارى جهدى لحضور ذلك اليوم معك . قفز أحمد من الفرح وهرول إلى والدته
ليخبرها بهذا الخبر السار.وفى اليوم التالى بالمدرسة راح يخبر زملاءه
وأصدقاءه عن هذا الأمرفى سعادة بالغة. . تمضي الأيام ويزداد انشغال الأب
فى عمله ومشاغله اليومية حتى جاء ذلك الثلاثاء المرتقب !! والذى كانت
مشاهده كالتالى : أحمد يستيقظ مبكرا" ويرتدى الملابس الرياضية فى نشاط
وابتهاج . الأم تستيقظ بدورها مبكرة لتعد له الوجبة الخفيفة التى سيأخذها
معه ثم ترتدى ملابسها وتذهب إلى زوجها لتوقظه وتذكره بموعده مع أحمد وتؤكد
على ضرورة حضوره ، ثم تصطحب ابنها أحمد إلى مدرسته. وتبدأ فعاليات اليوم
الرياضى بالمدرسة بأنشطة رياضية متعددة . المشهد التالى فى مكتب والد أحمد
: مقابلات واجتماعات واتصالات هاتفية لا تنقطع .الوقت يمضى عليه كالبرق ..
ويمضى على ولده أحمد بطيئا" ثقيلا" كالسلحفاة .... وينسى الوالد موعده مع
أحمد .....!!!! المباراة على وشك أن تبدأ !!
وأحمد
يتلفت حوله فى حسرة يبحث عن والده ...؟؟؟! الأم قلقة بدورها تسارع
بالإتصال بزوجها ، ولكن كيف الوصول إليه وهاتفه مشغول دوما"! تبدأ
المباراة ... ثم تنتهى ولا يحضر والد أحمد الذى نسى أو تناسى موعده مع
أحمد تماما!! يعود أحمد إلى المنزل حزينا" مكدودا" وأمه تطيب خاطره وتلمتس
الأعذار لوالده بسبب كثرة ارتباطاته ومشاغله . فى وقت متأخر يعود الوالد
من عمله فيستقبله أحمد بنظرة عتاب دامعة فيسارع والده بالإعتذار إليه بسبب
ضغوط العمل ثم يحتضنه ويقبله ويعطيه خمسة جنيهات . ويسدل الستار على مشاهد
ذلك اليوم !!! تمضى الأيام التالية مثل سابقتها وفي إحداها يرى أحمد باب
مكتب والده مفتوحا" فيدخل على أبيه ويدور بينهما الحوار التالى : أحمد /
أعطني يا أبي 5 جنهيات . الأب / لماذا ؟ فأنا أعطيتك مثلها يوم أمس والأمس
الأول ويوم الثلاثاء الماضى ، ماذا تصنع بها ؟ ... هيا أغرب عن وجهي ، لن
أعطيك الآن شيئاً !! يذهب الابن وهو حزين ، ويجلس الأب يفكر في ما فعله مع
إبنه ، ويقرر أن يذهب إلى غرفته لكي يراضيه ،ويعطيه الـجنيهات الخمسة التى
طلبها . دخل الأب على ولده أحمد فى غرفته دون أن يشعر به فوجده قد جلس على
فراشه وأفرغ حصالته أمامه وراح يحصى مابها من جنيهات ؟؟! ثم سمعه يتمتم
ويقول : باقى خمسة جنيهات فقط سوف أاخذها من أمى ؟؟!! عندها تساءل الأب في
دهشة , قائلاً : لماذا يأحمد لم تخبرنى أنك تريد الجنيهات الخمسة لتدخرها
؟؟!! وماذا تريد أن تفعل بها ؟؟ فأجابه أحمد : لأننى أريدها مفاجأة
ياوالدى !! فسارع الوالد قائلا" : أى مفاجأة ..؟؟ ولمن ..؟؟ أخبرنى ..!!
فبادره أحمد قائلا" : وكيف تكون مفاجأة إذا أخبرتك ؟؟!!!! عندئذ إحتضن
الوالد ابنه بحنان وقبله وأعطاه عشرة جنيهات !! ابتهج أحمد وانفرجت
أساريره وشكر والده وقبله ، ثم طلب منه أن يخرج معه إلى أحد محلات الهدايا
القريبة من منزلهم . وماهى إلا دقائق معدودة حتى كان أحمد ووالده داخل محل
الهدايا هذا ....!!! بادرهم البائع قائلا" : أهلا" ياأحمد ..؟؟؟!! هل
أتممت المبلغ ؟؟ فأجابه أحمد : نعم أتممته ؟؟!! فاندهش الوالد من هذا
الحوار... ولم يخرجه من دهشته إلا صوت البائع - وهو يناول أحمد علبة صغيرة
مغلفة بورق الهدايا بعناية فائقة – قائلا" : وهذه هديتك التى كنت تدخر
للحصول عليها ياأحمد ..!! ناول أحمد البائع ثمن الهدية ثم شكره وخرج من
المحل مع والده الذى كان ومازال غارقا" فى حيرته ...!!! وفى السيارة ،
وقبل أن يلاحق الوالد ابنه أحمد بأسئلته ، سارع أحمد بإخراج الهدية من
علبتها الأنيقة ، فإذا بها ساعة مكتب أنيقة ومنبه وبداخلها نافذتان
صغيرتان ، واحدة تظهرتاريخ اليوم والثانية تظهر مايقابله من أيام الأسبوع
..!! ثم قدمها لوالده وقال له وهو يقبله : ضعها أمامك على مكتبك ياأبى حتى
لاتنسى موعد اليوم الرياضى التالى بالمدرسة الشهر القادم. فكم سوف أكون
سعيدا" لوحضرت معى فى ذلك اليوم .......؟؟؟؟؟؟!!!! انتهى
ونقول إن من الآباء ..! تحت سطـوة هذا الزمن اللاهث ...
والإيقاع الصاخب لدوامة الحياة اليومية .. والضغوط المعيشية التى ترهق
العقل والجسد .. قد نتشاغل عن أولادنا ونبخل عليهم بالفائض من أوقاتنا
ونتغافل عما يقوله علماء النفس عن تلك المرحلة العمرية الهامة من عمر
أطفالنا فى سنواتهم الأولى التى تتشكل فيها ملامح شخصيتهم ، وتحتاج أول
ماتحتاج إلى التقارب بينه وبين والديه، وأهم مايميز هذه المرحلة هو شغف
الطفل باللهو واللعب ، بالإضافة إلى فضوله ورغبته الفطرية فى اكتشاف
المجهول و التعرف على العالم من حوله لذلك نراه يكثر من طرح الأسئلة على
والديه حول كل مايراه بعينه أويلمسه بيده ، ولايمل من التكرار والإلحاح من
أجل أن يحظى بالإجابة التى تذهب حيرته . والطفل فى هذه المرحلة العمرية
لديه ميل فطرى إلى تقليد ومحاكات من حوله دونما تفريق بين الإيجابيات
والسلبيات فيما يقلده ، ومن هنا تأتى أهمية تقرب الوالدين من أطفالهم فى
هذه المرحلة السنية. فيا أيها الأباء أعطوا أولادكم من أوقاتكم فأن لهم
عليكم حق مثلما قال رسولنا ( صلى الله عليه وسلم ) : " إن لبدنك عليك حقا"
، وإن لأهلك عليك حقا" ، وإن لربك عليك حقا" ، فأعط كل ذى حق حقه " .
المصدر: د نعمان حسن البرديسي