الإعاقة البدنية.. والسعادة في الزواجتفاعلات عاطفية حساسة أقوى بين شركاء العمرد. حسن محمد صندقجي * «رُبَّ ضارة نافعة» هو المثل الذي ينطبق على نتائج أحدث الدراسات النفسية في جانب تأثيرات الإصابة بالإعاقة البدنية، بالنسبة للعلاقة في ما بين المتزوجين على أقل تقدير. وضمن عدد بداية السنة الجديدة لمجلة أبحاث الشيخوخة، قال الباحثون من جامعة بريهام يونغ، في يوتاه في الولايات المتحدة، بأنهم وجدوا أن بداية إصابة أحد الزوجين بإحدى الإعاقات البدنية ترفع من مستوى السعادة الزوجية في غالب الأحوال.
وفي نتائج دراسته، عرض البروفسور جيرمي يورغاسون، الباحث الرئيسي في الدراسة، مجموعة من النتائج التي توصل إليها حول ما يحصل لدى الزوجين عقب فقد أحدهما لأحد أنواع قدرات الأداء في أنشطة الحياة اليومية، ومنها:
* الرجال والنساء كلهم، بغض النظر عن عمر الرجل أو المرأة، أفادوا بأنهم غدوا أكثر سعادة في زواجهم بعد أن أصبحوا هم أنفسهم معاقين بدنياً.
* الرجال الذين تعرضت زوجاتهم للإعاقة البدنية، ذكروا أيضاً شعورهم بسعادة أكبر في علاقتهم الزوجية.
* النساء اللواتي تعرض أزواجهن للإعاقة البدنية، ذكرن بأن لا تغيير حصل لديهن في مقدار سعادتهن بالعلاقة الزوجية.
وعلّق البروفسور يورغاسون بالقول: «الأرقام تُظهر لنا أن المتزوجين يبدون أكثر قرباً من بعضهم البعض حينما يُصاب أحدهم بالتأثيرات المعوقة للقدرات البدنية. وهذا يُشير إلى أن الإعاقة يُمكن تُشبيهها بالطريق المزدوج ذي الاتجاهين، أي أن أحدهما يُؤدي إلى اليمين، والآخر يُؤدي إلى اليسار. ومما قد يُثير الدهشة لدى البعض أن ثمة إيجابيات إضافية ترافق توقعات النقص في القدرات البدنية للبعض».
واعتمد الباحثون في تقرير هذه النتائج على مراجعاتهم للمعلومات المتعلقة بأكثر من 1200 من الأشخاص المتزوجين، تم اختيارهم بشكل عشوائي من بين المتزوجين في كافة أرجاء الولايات المتحدة. وقام الباحثون بمتابعتهم لمدة تجاوزت 12 سنة. وفي نهاية مدة متابعة الدراسة، أُصيب حوالي ربعهم، ممن تراوحت أعمارهم ما بين 36 و 75 سنة، بإعاقة بدنية دائمة. وهي الإعاقة التي أثرّت بشكل واضح على قدرات العناية بالنفس وممارسة أنشطة الحياة اليومية، مثل ارتداء الملابس، أو الاستحمام، أو تناول الطعام، أو القيام بشؤون الأعمال المنزلية. وقام الباحثون بجعل الإصابة بالإعاقة نقطة للمقارنة فيما بين مستوى السعادة الزوجية التي يشعر بها الزوجان كلاهما قبل وبعد حصول تلك الإعاقة البدنية. كما قال البروفسور يورغاسون: «إن مما لم نستطع إعطاء تبرير علمي له، هو ذلك الارتفاع في مستوى السعادة الزوجية، جراء حصول ذلك العجز البدني»، بيد أنه لمّح إلى ملاحظة أن بعض حالات الإعاقة لدى المتزوجين يُصاحبها تفاعل أكثر فيما بينهما. وفي هذا الموضوع أشارت إحدى الخبيرات في مجال العلوم النفسية والشيخوخة، التي لم تُشارك في الدراسة، إلى أن ثمة، بالعموم، ارتفاعاً ملحوظاً في «مستوى النوعية» للوقت الذي يقضيه المتزوجون مع بعضهم البعض كلما تقدم العمر بهم. وأضافت كارن روبيرتو، مديرة مركز فرجينا التقني لعلوم مشكلات الشيخوخة، قائلة: «هذا يُشير إلى أن تقديم واجبات الرعاية وتحمل مسؤوليتها ربما يُمسي شيئاً جديداً أو أكثر تركيزاً مما كان يحصل بين المتزوجين فيما سبق من سنوات الزواج الماضية. وهو ما يُوفر للرجال فرصة تقديم الدعم والمساندة للزوجات، وإمضاء المزيد من الوقت معهن؛ مما يؤدي إلى رفع مستوى النظرة والتقدير لدى الرجال لعلاقتهم بزوجاتهم».
وهذه الدراسة عند إضافتها إلى نتائج دراسات أخرى تتعلق بالتفاعلات العاطفية في ما بين الأزواج بُعيد حصول الإصابات المرضية أو المعرفة بدنو أجل أحدهما نتيجة الإصابة بأحد الأمراض المستعصية، أو حصول وفاة شريك العمر، تُشير بواقعية إلى أن هذه الأحداث الحياتية المؤلمة، لها تأثيرات إيجابية على نوعية العلاقة التي يرتبط بها شركاء الحياة مع بعضهم البعض. وإنْ تم إجراؤها في مجتمعات مختلفة، إلاّ أنها تدل على ما يُخالف كثيراً اعتقاد البعض حول مدى عمق تغلغل قيمة العلاقة الزوجية في نفوس عامة المتزوجين الطبيعيين. وهذه الإيجابية للزواج في جوانب تقوية «الرباط المُقدس» في ما بين شركاء العمر، التي تزداد أو تنشأ بشكل غير متوقع خلال الأزمات الصحية، ربما تُفسر لنا لماذا تُؤكد نتائج الدراسات الصحية على أن لدى المتزوجين ترتفع فرص القدرة على عيش الحياة الصحية بصفة أفضل، وترتفع احتمالات تمتعهم بصحة أفضل، وترتفع احتمالات نجاحهم في معالجة الحالات المرضية التي قد تعصف بأحد الزوجين. كل هذا بالمقارنة مع العزاب من الرجال أو النساء.
والدراسة هذه بالذات، تُشير إلى جانب دقيق جداً في نوعية علاقة الزوج بالزوجة، والزوجة بالزوج، وسبب مستوى السعادة لدى كل منهما. ولأن الرجال عادة «بخلاء» و «غير مُفرطين» في إظهار مشاعر عواطف السعادة بالزواج، فإن حصول الإعاقة لدى الزوجات يضطرهم إلى «تليين» موقفهم وإظهار ما هو مكنون في صدورهم من عواطف الدعم والمساندة للزوجات. ولذا، تغدو الزوجة أكثر سعادة بزواجها بُعيد إعاقتها البدنية، ربما نتيجة لدهشتها بمدى صدق وحضور تعاطف زوجها معها بشكل «غير متوقع». أما غالبية الزوجات، فهنّ بالفعل يُقدمن «بسخاء»، في معظم الوقت، أفضل العواطف نحو أزواجهن، ولذا لا يبدو عليهن المزيد من السعادة بالزواج حال إصابة الزوج بالإعاقة، وأنّى للزوجة أن تشعر بسعادة الزواج بُعيد إصابة شريك العمر بهذا العارض الصحي المُحزن، ولكن بالمقابل.. يغدو الزوج أكثر سعادة في زواجه بُعيد إصابته بالإعاقة البدنية، ربما نظراً إلى التفاته بشكل عاطفي أكبر نحو «قيمة» و «نعمة» وجود زوجته حوله