حكم الاحتفال بعيد الأم
السؤال :
لدي صديق من أحد البلاد العربية و في تلك البلد عيد الأم لديهم رسمي ، و هو يحتفل مع إخوته و أخواته من أجل أمهم ، و هو الآن يريد أن يقطع هذا الشيء ، و لكن أمه ستغضب منه لأنها تعودت على هذا الشيء و أصبح عادة عندهم في بلادهم ، و هو خائف أن تغضب منه أمه و تحمل عليه إلى أن تموت و لا ترضى ، حاول إقناعها بأن هذا حرام و بالحكمة و لكنها لم تقتنع للجو العام في بلدهم ، ماذا يفعل ؟ أفيدونا يرحمكم الله .
:26:
الجواب :
الحمد لله
الاحتفال بعيد الأم من الأمور المحدثة التي لم يفعلها النبي صلى الله عليه و سلم و لا أصحابه رضي الله عنهم ، و هو كذلك من التشبه بالكفار الذين أُمِرْنا بمخالفتهم ، و لهذا لا يجوز الاحتفال به ، و لا تطاع الأم في ذلك ، لقول النبي صلى الله عليه و سلم : << لَا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةٍ ، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ >> رواه البخاري (7257) و مسلم (1840) .
و ليستمر في برها و الإحسان إليها ، و إقناعها بأن هذا الاحتفال من البدع المحدثة ، و قد قال النبي صلى الله عليه و سلم : << و شَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا ، وَ كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ >> رواه مسلم (867) و النسائي (1578) و زاد : << وَ كُلُّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ >> .
ثم إن الأم لها حق الاحترام و الإكرام ، و البر و الصلة ، طول العام ، فما معنى تخصيص إكرامها بيوم معين ؟!
ثم إن هذه البدعة لم تأت إلينا إلا من المجتمعات التي انتشر فيها العقوق ، و لم تجد فيه الأمهات و الآباء من ملجأ غير دور الرعاية ، حيث البعد و القطيعة و الألم ، فظنوا أن إكرامها في يومٍ يمحو إثمَ عقوقِها في بقية السنة !
أما نحن أمة الإسلام فقد أُمرنا بالبر و الصلة ، و نهينا عن العقوق ، و أُعطيت الأم في ديننا ما لم تعطه في شريعة قط ، حتى كان حقها مقدما على حق الأب ، كما روى البخاري (5514) و مسلم (4621) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ فَقَالَ :<< يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي ؟ قَالَ : أُمُّكَ . قَالَ : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : ثُمَّ أُمُّكَ . قَالَ : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : ثُمَّ أُمُّكَ . قَالَ : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : ثُمَّ أَبُوكَ >> .
و لا ينقطع بِرُّ الأم حتى بعد وفاتها ، فهي مُكَرَّمَةٌ حال الحياة ، و حال الممات ، و ذلك بالصلاة عليها و الاستغفار لها ، و إنفاذ وصيتها ، و إكرام أهلها و أصدقائها .
فلنتمسك بهذا الدين العظيم ، و لنلتزم آدابه و أحكامه ، ففيه الهدى ، و الكفاية ، و الرحمة .
قال الشيخ علي محفوظ رحمه الله مبينا ما في هذا الاحتفال من مشابهة الكفار :
" و بيانا لخطورة الاحتفال بغير الأعياد الإسلامية : قد أخبر النبي صلى الله عليه و سلم أن أقواما أو فئاما من أمته سيتبعون أهل الكتاب في بعض شعائرهم و عاداتهم ، كما جاء في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : << لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ، شِبْرًا شِبْرًا ، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ ، حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُمْ . قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، الْيَهُودُ وَ النَّصَارَى ؟ قَالَ : فَمَنْ ؟! >> أخرجه البخاري و مسلم . . . . فحبُّ التقليد ، و إن كان موجوداً في النفوس ، إلا أنه ممقوت شرعا إذا كان المقلَّد يخالفنا في اعتقاده و فكره ، خاصة فيما يكون التقليد فيه عَقَدِيّاً أو تعبُّديا أو يكون شعارا أو عادة ، و لما ضعف المسلمون في هذا الزمان ؛ ازدادت تبعيتهم لأعدائهم ، و راجت كثير من المظاهر الغربية سواء كانت أنماطا استهلاكية أو تصرفات سلوكية . و من هذه المظاهر الاهتمام بعيد الأم " انتهى .
و سئل الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله عن الاحتفال بعيد الأم فأجاب قائلا :
" إن كل الأعياد التي تخالف الأعياد الشرعية كلها أعياد بدع حادثة ، لم تكن معروفة في عهد السلف الصالح ، و ربما يكون منشؤها من غير المسلمين أيضا ، فيكون فيها مع البدعة مشابهة أعداء الله سبحانه و تعالى ، و الأعياد الشرعية معروفة عند أهل الإسلام ؛ و هي عيد الفطر ، و عيد الأضحى ، و عيد الأسبوع " يوم الجمعة " ، و ليس في الإسلام أعياد سوى هذه الأعياد الثلاثة ، و كل أعياد أحدثت سوى ذلك فإنها مردودة على محدثيها ، و باطلة في شريعة الله سبحانه و تعالى لقول النبي صلى الله عليه و سلم : << مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ >> . أي مردود عليه ، غير مقبول عند الله . و في لفظ : << مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ >> .
و إذا تبين ذلك فإنه لا يجوز في العيد الذي ذكر في السؤال و المسمى عيد الأم ، لا يجوز فيه إحداث شيء من شعائر العيد ؛ كإظهار الفرح و السرور و تقديم الهدايا و ما أشبه ذلك .
و الواجب على المسلم أن يعتز بدينه و يفتخر به و أن يقتصر على ما حده الله تعالى و رسوله صلى الله عليه و سلم في هذا الدين القيم الذي ارتضاه الله تعالى لعباده فلا يزيد فيه و لا ينقص منه ، و الذي ينبغي للمسلم أيضا ألا يكون إمَّعَةً يتبع كلَّ ناعق ، بل ينبغي أن يكون شخصيته بمقتضى شريعة الله تعالى ، حتى يكون متبوعا لا تابعا ، و حتى يكون أسوة لا متأسيا ، لأن شريعة الله - و الحمد لله - كاملة من جميع الوجوه كما قال الله تعالى : {{ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً }} المائدة/3 .
و الأم أحق من أن يحتفى بها يوما واحدا في السنة ، بل الأم لها الحق على أولادها أن يرعوها ، و أن يعتنوا بها ، و أن يقوموا بطاعتها في غير معصية الله عز و جل في كل زمان و مكان " . انتهى من " مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (2/301) .
و الله أعلم ، و صلى الله على نبينا محمد و الحمد لله رب العالمين .
المصدر : الإسلام سؤال و جواب