الأئمة الأربعة - وأصول مذاهبهمد. عـادل المطيرات
اسمه ونسبه:هو النعمان بن ثابت بن زوطي الكوفي مولدًا والفارسي أصلاً، كان خزَّازًا يبيع الخزَّ، وكان جده من أهل كابل مملوكًا لبني تيم الله بن ثعلبة فأُعتِق، وولد أبوه ثابت على الإسلام، وقيل: هو من الأحرار وما وقع عليه رق قط، وذهب ثابت إلى عليِّ بن أبي طالب وهو صغير فدعا له بالبركة فيه وفي ذريته.
ولد أبو حنيفة سنة 80 هـ ومات ببغداد سنة 150 هـ، ودفن بمقابر الخيزران، وقبره معروف ببغداد.
وأبو حنيفة من أتباع التابعين، ولا شك أنه أدرك زمن بعض الصحابة منهم: أنس بن مالك بالبصرة، وعبد الله بن أبي أوفى بالكوفة، وسهل بن سعد في المدينة، وأبي الطفيل عامر بن وائلة بمكة، ويزعم أصحاب أبي حنيفة أنه لقي جماعة من الصحابة وروي عنهم، ولم يثبت ذلك عند أهل النقل، قال الذهبي: إنه رأى أنس بن مالك. والذي جزم به الخطيب التبريزي في الإكمال: أنه لم يلق أحدًا من الصحابة الأربعة الذين كانوا في أيامه ولم يأخذ عنهم.
شيوخه وتلاميذه:روى أبو حنيفة عن جماعة من التابعين منهم: حماد بن أبي سليمان، وسلمة بن كهيل، وعامر الشعبي، وعكرمة، وعطاء، وقتادة، والزهري، ونافع مولى ابن عمر، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وأبو إسحاق السبيعي، وكان أبرز شيوخه وأكثرهم أثرًا في نهجه الفقهي شيخه حماد بن أبي سليمان فقيه أهل الرأي في العراق الذي تلقى فقهه من إبراهيم النخعي الذي تتلمذ على عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه.
وأشهر تلاميذه الذين نشروا مذهبه (أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري 182 ه)، فقد تفقَّه على أبي حنيفة، ورحل إلى المدينة واجتمع بالإمام مالك، وأخذ عنه العلم ورجع عن كثير من أقواله بعد اطلاعه على علم أهل الحجاز، وتولى القضاء في الدولة العباسية، وكان له أكبر الأثر في نشر المذهب الحنفي، ومن مؤلفاته: (الخراج) و(الرد على سير الأوزاعي).
ومن تلاميذ أبي حنيفة (محمد بن الحسن الشيباني 189 ه)، أدرك أبا حنيفة وتتلمذ عليه فترة قصيرة، ودرس على أبي يوسف، ورحل إلى المدينة ومكث بها مدة، وتفقه على الإمام مالك وأخذ عنه الحديث، وهو الذي دوَّن فقه أبي حنيفة ونشره، ومن تلامذته أيضًا: (زفر بن الهذيل 158 ه) و(الحسن بن زياد اللؤلؤي 204ه).
قواعد مذهبه:الإمام أبو حنيفة وارث علم مدرسة الكوفة، وانتهت إليه زعامتها، وبالتتبع نجد أن أقوال أبي حنيفة لا تخرج عن أقوال إبراهيم النخعي إلا في مواطن يسيرة لم يتكلم عليها إبراهيم واستنبطها أبو حنيفة، ومن قواعد مذهبه:
أولاً: اعتماده على الكتاب والسنة وأقوال الصحابة:
قال -رحمه الله: آخذ بكتاب الله إذا وجدت فيه الحكم، وإلا بسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم، فإن لم أجد في كتاب الله ولا سنة رسول الله أخذت بقول الصحابة، آخذ بقول مَن شئت منهم وأدع قول من شئت، ولا أخرج عن قولهم إلى قول غيرهم، فأما إذا انتهى الأمر إلى إبراهيم والشعبي وابن سيرين وعطاء وسعيد بن المسيب فإني أجتهد كما اجتهدوا.
وقيل له: إذا قلت قولاً وكتاب الله يخالفه؟ قال: اتركوا قولي لكتاب الله. فقيل: إذا كان خبر الرسول -صلى الله عليه وسلم؟ قال: اتركوا قولي لخبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم. فقيل: إذا كان قول الصحابة يخالفه؟ قال: اتركوا قولي لقول الصحابة.
شروط أبي حنيفة للأخذ بخبر الواحد:1 - ألا يخالف الراوي ما روى، فإن خالفه فالعمل بما رأى لا بما روى؛ لأنه لا يخالف روايته إلا لأنه قد اطلع على قدح في الرواية أو استند إلى دليل أقوى.
2 - ألا يكون الخبر فيما تعم به البلوى، فإن عموم البلوى يوجب اشتهاره، فإذا روي آحادًا فهو علة قادحة عنده.
3 - ألا يخالف القياس (أي القواعد العامة)، وأن يكون راويه فقيهًا، فإذا تخلف هذان الشرطان فالحديث المعارض للقياس لا يقبل إذا عرفت العلة بنص راجح على الخبر ووجدت العلة قطعًا في الفرع، أما إذا وجدت العلة ظنًّا في الفرع فالإمام يتوقف، ويقبل الحديث المخالف للقياس.
فإذا توفرت هذه الشروط في خبر الواحد أخذ به أبو حنيفة ولو كان ضعيفًا ويقدمه على القياس، وإن لم تتوفر تلك الشروط في خبر الواحد اعتبر الحديث شاذًّا، وتركه وأخذ بالقياس.
ثانيًا: توسع الإمام أبي حنيفة في القياس:
من قواعد الإمام الأخذ بالقياس والتوسع فيه في غير الحدود والكفارات والمقدرات الشرعية، والسبب في ذلك أن الإمام أقل من غيره من الأئمة في رواية الحديث؛ لتقدم عهده على عهد بقية الأئمة، ولتشدده في رواية الحديث بسبب فشو الكذب في العراق وكثرة الفتن.
ثالثًا: التوسع في الاستحسان:
الاستحسان: هو العدول بالمسألة عن نظائرها إلى حكم آخر لوجه أقوى يقتضي هذا العدول.
وقد توسع الإمام أبو حنيفة في الأخذ بهذا الأصل، وقال: أستحسن وأدع القياس. وذلك أنه إذا وجد أثرًا يخالف القياس يترك القياس ويعمل بالأثر أو يرجع إلى أصول عامة.
انتشار مذهب أبي حنيفة:انتشر مذهب أبي حنيفة انتشارًا واسعًا في العراق والهند والصين وبلاد العجم كلها كما يقول ابن خلدون، وقد كان لاتصال أبي يوسف بالخلفاء العباسيين وشدة نفوذه عندهم وتنصيبه على ولاية القضاء الفضل في الانتشار السريع لمذهب أبي حنيفة.
كما مكن العثمانيون خلال فترة حكمهم الطويلة للعالم الإسلامي للمذهب الحنفي فصار هو المذهب السائد في العراق وسوريا ولبنان وباكستان والهند وأفغانستان وتركيا وألبانيا والبلقان والقوقاز والصين.
تدوين مذهب أبي حنيفة والكتب المعتمدة في المذهب:يظن الكثير من طلبة العلم أن كلَّ كتاب ألَّفه عالم في مذهبه الذي ينتسب إليه أن ذلك الكتاب يمثل المذهب، ومِن ثَمَّ ينسب كل ما في هذا الكتاب من أحكام إلى المذهب، وقد تكون تلك الأقوال مرجوحة أو قد رجع عنها، فلا بد إذن من التحقيق قبل نسبة القول إلى المذهب؛ وذلك بالرجوع إلى الكتب المعتمدة فيه.
وقد نقل إلينا أصحاب أبي حنيفة فقهه، وقام بتدوين ذلك الفقه محمد بن حسن الشيباني مما رواه بنفسه عن أبي حنيفة أو مما رواه عن أبي يوسف، وقد كان يضع المؤلف ويعرضه على أبي يوسف.
والكتب الأولى التي وضعها محمد بن الحسن جمعت كلام الإمام وكلام أصحابه أيضًا، فالمذهب في تلك الفترة مجموع تلك الأقوال.
المسائل المنقولة عن الأئمة المتقدمين قسمان:القسم الأول: مسائل الأصول: وتُسمَّى (ظاهر الرواية)، وهي المسائل التي رُوِيَت عن أصحاب المذهب (أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد) وقد يلحق بهم زفر والحسن بن زياد، وظاهر الرواية هي ستة كتب وضعها محمد، وهي: (المبسوط – الزيادات – الجامع الكبير – الجامع الصغير – السير الكبير – السير الصغير)، وسُمِّيت بظاهر الرواية؛ لأنها رويت عن محمد برواية الثقات فهي متواترة أو مشهورة عنه.
وقد جمع الحاكم الشهيد كتب ظاهرة الرواية في كتاب واحد سماه (الكافي)، وقام بشرحه السرخسي في كتابه (المبسوط)، وهو من الكتب المعتمدة عند الحنفية.
القسم الثاني: مسائل النوادر: وهي المسائل المروية عن أصحاب المذهب في غير كتب ظاهر الرواية، وبعضها ألفها محمد مثل: (الهارونيات؛ لأنه أملاها في زمن هارون الرشيد) و(الكيسانيات نسبة إلى راويها شعيب بن سليمان الكيساني) و(الرقيات نسبة إلى مدينة الرقة).
وبعضها ألفها غير محمد مثل: (المجرد للحسن بن زياد) وكتاب (الأمالي لأبي يوسف).
وهناك قسم ثالث من المؤلفات يُسمَّى (الفتاوى والواقعات): وهي المسائل التي استنبطها المجتهدون المتأخرون لمَّا سُئِلوا عنها، ولم يجدوا فيها رواية عن أهل المذهب المتقدمين.
الكتب المعتمدة في المذهب: 1 - مختصر الطحاوي.
2 - الهداية للمرغيناني، وأهم شروحها (فتح القدير) للكمال بن الهمام.
3 - رد المحتار على الدر المختار (حاشية ابن عابدين).
4 - بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع للكاساني.
5 - كنز الدقائق للنسفي، وشروحه: (البحر الرائق لابن نجيم) و(تبيين الحقائق للزيعلي).
6 - المختار للفتوى وشرحه (الاختيار لتعليل المختار)، وكلاهما لعبد الله بن مودود الموصلي.
7 - أحكام القرآن للجصاص في تفسير آيات الأحكام.
8 - شرح معاني الآثار للطحاوي في شرح أحاديث الأحكام.