عـرض المـرأة نفســـها على الرجل الصــالح
إذا أعجبت
المرأة بخلق ودين رجل فهل تعرض نفسها عليه ليتزوجها ؟
أنا فتاة ملتزمة ،
عمري 27 ، وحافظة لكتاب الله ، وأعمل معلِّمة لكتاب الله عز وجل ، وأطلب
العلم الشرعي ، وأمتلك من الصفات ما يجعل الشبان يقبلون لخطبتي كثيراً ،
ولكن كل الذين يتقدمون لخطبتي أرفضهم بسبب ضعف التزامهم الديني ، وأعاني من
الضغط الأسري بسبب رفضي الدائم ، ولأني تركت عملي الحكومي بسبب الاختلاط :
زاد الضغط عليَّ ، في الفترة الأخيرة يريدون مني أن أقبل بأي شاب ، المهم
أتزوج ، وطبعا الزواج من غير القبيلة ممنوع ، أنا لا أريد مالاً ، ولا
رجلاً ذا مال ، أو منصب ، أو شابّاً وسيماً ، بل أريد شابّاً صالحاً يعينني
على طاعة الله ، ويعفني ، وحتى أنتهي من هذه المشاكل التي لا تنتهي مع
أهلي ، لذا فكرت أن أخطب لنفسي شابّاً من معارفنا ، تربط بيننا وبينهم
علاقة مصاهرة ، وهو شاب خلوق ، صاحب دين ، حافظ لكتاب الله ، وطالب علم ،
وذلك بإرسال رسالة جوال - بطريقة لبقة ، وبكل أدب - ، وهذا الشاب لا علاقة
لي به أبداً ، ولكن عرفت رقم هاتفه عن طريق الخطأ ، ولا أريد أن أجعل
وسيطاً ثالثاً في الموضوع ، ولا أريد إدخال طرف آخر ، فيكون الموضوع محرجاً
للطرفين ، وأيضاً لا آمن أن يفشى الموضوع ، ولا أجد من أثق به تمام الثقة
فلا يفشي سرِّي . فما حكم الشرع أولاً ؟ ثم ما رأيكم في الفتاة التي تقبل
على هذا العمل ؟ وكيف تكون نظرة الرجل في المرأة التي تخطبه لنفسها ؟ وماذا
تنصحني ؟ .
الحمد لله
أولاً:
نسأل الله تعالى أن يتم عليك نعمته ، وأن يزيدك علماً وأدباً وحياءً ،
ونسأله تعالى أن ييسر لك زوجاً صالحاً ، تقيمين معه أسرة صالحة .
وقد أحسنتِ حيث خرجت من وظيفتك التي فيها اختلاط محرَّم ، وأحسنتِ حيث كنت
ترفضين الخطَّاب الذين ليسوا على خلق ودين ، وأحسنتِ حيث قمتِ بالسؤال قبل
القيام بمراسلة ذلك الشاب .
ثانياً:
ليس من الحرام ، ولا من العيب – عند من يعقل – أن تعرض
المرأة نفسها على صاحب الخلق والدِّين ليتزوجها ، وإن أنكر ذلك أحدٌ فإنما
ينكره لا بميزان الشرع ، بل بميزان العادات والتقاليد والأعراف ، وأحياناً
تنكره النساء حسداً من عند أنفسهنَّ .
عن ثَابِت الْبُنَانِيِّ قَالَ : كُنْتُ عِنْدَ أَنَسٍ ، وَعِنْدَهُ
ابْنَةٌ لَهُ ، قَالَ أَنَسٌ : جَاءَتْ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَعْرِضُ عَلَيْهِ نَفْسَهَا ، قَالَتْ :
يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَكَ بِي حَاجَةٌ ؟ .
فَقَالَتْ بِنْتُ أَنَسٍ : مَا أَقَلَّ حَيَاءَهَا ، وَا سَوْأَتَاهْ ! وَا
سَوْأَتَاهْ ! قَالَ : هِيَ خَيْرٌ مِنْكِ ، رَغِبَتْ فِي النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَعَرَضَتْ عَلَيْهِ نَفْسَهَا .
رواه البخاري ( 4828 ) .
وقد بوَّب عليه الإمام البخاري بقوله : باب " عرْض المرأة نفسَها على الرجل
الصالح " .
ومعنى "واسوأتاه " : الواو : للندب ، والسوءة : الفعلة القبيحة والفاضحة .
وقد ألمحت المرأة الصالحة لرغبتها بالتزوج من موسى عليه السلام بقولها –
كما قاله الله تعالى عنها - : ( قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ
اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ )
القصص/ 26 ، والظاهر أنها هي التي عرضها أبوها على موسى عليه السلام ، كما
قال تعالى : ( قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ
هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ ) القصص/من الآية 27 .
وهذه رسالة لأوليائك بأن يتقوا الله تعالى ، ويتركوا العصبية القبلية ،
ويبحثوا هم عن رجل صالح يزوجوه لكِ ، وعلى الأقل أن لا يرفضوا أحداً من أهل
الخلُق والدين ، وها هو الرجل الصالح يعرض ابنته على موسى عليه السلام ،
بعد أن تعرِّض هي بذلك ، وها هي المرأة الصالحة تعرض نفسها على النبي صلى
الله عليه وسلم صراحة دون تعريض ، وكل هذا لا ينافي الحياء ، بل إنه ليدل
على دين متين ، ورجاحة عقل عند المرأة ، وعند وليها .
وفي " الموسوعة الفقهية " ( 30 / 50 ) :
يجوز عرض المرأة نفسها على الرّجل ، وتعريفه رغبتها فيه ، لصلاحه وفضله ،
أو لعلمه وشرفه ، أو لخصلة من خصال الدِّين ، ولا غضاضة عليها في ذلك ، بل
ذلك يدلّ على فضلها ، فقد أخرج البخاريّ من حديث ثابت البنانيّ قال : كنت
عند أنس ... – وذكروا الحديث السابق - .
انتهى
ثالثاً:
وبعد ذِكر ما تقدَّم : فإننا ننصحك بما ينفعك – إن شاء الله – في مسألتك
هذه ، فنقول لكِ :
1. تجنبي المراسلة المباشرة معه ، ويمكنك توصيل الخبر له عن طريق رقم آخر
غير معروف لديه ، ولا يخص أحداً بعينه ، وهذا الأمر يسهل عليك الحصول عليه ،
فتبعثين رسالة له منه ، فيها دلالته عليكِ إن كان يرغب بالزواج ، وتكون
هذه الرسالة كأنها من شخصٍ يعرف الطرفين ، وينصحه بعدم التفريط بها ، وهذا
أفضل من المواجهة المباشرة – في ظننا – لأن الأمور قد لا تسير وفق مرادكِ ،
فتسبب إحراجاً لكِ وله ، كما أن الإنسان لا يضمن بأن
يبقى التدين والاستقامة على حالها الآن ، ويُخشى من أن يعيِّرك بهذا فيما
بعد ، ولذلك اشترط العلماء " الرجل الصالح " وليس الصلاح هو العلم وحده ،
ولا حفظ القرآن وحده ، بل الصلاح هو القيام بالعلم والقرآن ، والتخلق
بأخلاقهما .
2. لا ينبغي لك – في حال قيامك بالمراسلة – أن تطلقي العنان للكلمات
والمراسلات ، وإنما أجيز لك مراسلته لأمرٍ معيَّن ، وقد تؤدي هذه المراسلات
إلى فتنته أو فتنتك ، أو فتنتكما .
3. تجنبي إخبار أحد ، وتوسيطه بينكما ، وقد رأيناكِ تنبهتِ لهذا الأمر .
4. قد لا يكون ظرف الرجل مناسباً للزواج ، أو قد يكون خاطباً ولا يريد
التعدد ، فإذا علمتِ ذلك منه : فلا تكرري عليه ، وليس ثمة داعٍ لاستمرار
المراسلة ، ومقصود المراسلة قد حصل بعرض التزوج منك عليه .
5. إذا لم يقدِّر الله تعالى لك الزواج منه : فلا ينبغي لك التعلق به ، ولا
يخفى عليكِ – إن شاء الله – مدى خطورة التعلق ، وكيف أنه يشغل عن طاعة
الله ، ويشغل عن حفظ القرآن ومراجعته ، ويشغل عن طلب العلم ، مع ما يسببه
من أمراضٍ للقلب ، وميل للمعاصي .
6. ننصحك بالاستخارة قبل الإقدام على المراسلة ، وننصحك بها بعد مراسلته
وإخباره ، والمسلم لا يدري أين الخير له في الدنيا والآخرة ، فهو جاهل عاجز
، ويطلب من ربه العالم القادر أن يختار له ، وأن ييسر له الأمر حيث كان
خيراً ، وأن يصرفه عنه حيث كان شرّاً .
7. واعلمي أن غيره قد يكون خيراً منه ، وما دمتِ سلكت طريقاً شرعيّاً في
إخباره ، وعرض نفسك عليه ، وما دمتِ استخرت الله تعالى ولم يقدَّر بينكما
زواج : فلا تيأسي من رحمة الله ،ولا تقنطي من دعائه تعالى ، ولا تتنازلي عن
الخلق والدين في المتقدِّم للزواج منكِ ، واصبري على ضغظ أهلك ( فَإِنَّ
مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً . إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً ) الشرح/ 5 .
على أنه لو كان لك من محارمك ، أخوك ، أو عمك .. ، من هو قريب من نفسك ،
وتستطيعين مفاتحته في ذلك ، وهو يتصرف في الأمر ، كما يتصرف عامة الرجال في
تزويج بناتهم ممن يرضون من الرجال ، من غير غضاضة ولا نكير ، لو كان لك
ذلك ، لكان الأمر أسهل ، وأبعد عن المخاطرة ، وأروح لقلبك إن شاء الله .
فنسأل الله أن ييسر لك من يقوم عنك بذلك
الإسلام سؤال
وجواب