فتاوى للصيام
24 ـ أنا أقيم في مدينة "كركوف" في
"بولندا" وقد
حل علينا شهر رمضان الماضي وقد منَّ الله علينا بصيامه والحمد لله إلا
إننا كنا
في إمساكنا وإفطارنا نعتمد على توقيت بلدنا "بالعراق" علمًا أن
التوقيت هنا
في "بولندا" يسبق "بالعراق" فيجب أن نمسك قبلهم وأن نفطر قبلهم
وقد
صمنا على هذا الوضع أربعة أيام إلى أن تبين لنا الفرق في التوقيت فاعتمدنا
توقيت البلد التي نصوم بها فما الحكم في فعلنا الأول وماذا يجب علينا؟
هو كما ذكر السائل أنهم يجب عليهم العمل بتوقيت البلد الذي هم فيه فيمسكون
عند
طلوع الفجر ويفطرون عند غروب الشمس في البلد الذي هم فيه لقوله تعالى:
{وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ
الأَبْيَضُ
مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [سورة البقرة: آية
187].
وهذا منطبق على المسلم في أي مكان يعرف فيه طلوع الفجر وغروب الشمس
فالصيام
فيما بينهما وأما ما حصل منهم في أول الشهر من أنهم يصومون بتوقيت بلد آخر
يختلف عن توقيت البلد الذي هو فيه فهو خطأ. ويجب عليهم أن يقضوا هذه
الأيام
التي صاموها على هذا النمط لأن هذا الصيام غير صحيح ولا مطابق للشرع كما
ذكرنا. وإن كان مضى عليهم رمضان آخر لم يقضوا هذه الأيام فإنه يجب عليهم
مع
القضاء إطعام مسكين عن كل يوم والله أعلم.
25 ـ كان على والدي صيام شهرين متتابعين كفارة منذ
زمن
بعيد ولكنه لم يصمهما وقد أجلهما وإلى الآن لم يصم ولكنه الآن عاجز عن
الصيام
لكبر سنه فكيف العمل في هذه الحالة وهل يجزئ شيء عنهما يفعله وهل نصوم عنه
وهل
هو يأثم بتأخيرها مع القدرة على ذلك؟
هذا سؤال مجمل لم يبين نوع هذه الكفارة التي وجب فيها صيام شهرين متتابعين
هل
هي كفارة قتل أو كفارة ظهار أو وطأ في رمضان فإن كانت كفارة قتل فإنه لا
يجزئ
فيها الإطعام ولابد فيها من العتق أو الصيام عند العجز عن العتق. هذا ما
ذكر
الله سبحانه وتعالى فيها في قوله تعالى: {وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا
خَطَئًا
فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ} ... إلى قوله: {فَمَن
لَّمْ
يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} [سورة النساء: آية
92]. فليس فيها إلا هذان الأمران. وأما إن كانت كفارة غير القتل بأن
كانت
كفارة ظهار أو وطأ في نهار رمضان مثلاً فإنه يجزئ فيها شيء ثالث وهو
الإطعام
لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ
يَعُودُونَ
لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ
تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ، فَمَن لَّمْ يَجِدْ
فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا فَمَن
لَّمْ
يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [سورة المجادلة:
الآيتين 3،
4]. فكفارة الظهار مرتبة على هذه الأمور الثلاثة أولاً: عتق الرقبة
إذا
أمكن.
ثانيًا: إذا لم يمكن عتق الرقبة فإنه يصوم شهرين متتابعين.
ثالثًا: إذا لم يمكن صيام الشهرين فإنه يطعم ستين مسكينًا ومثلها كفارة
الوطء
في نهار رمضان فهذه الكفارة التي وجبت على والدك لا ندري من أي هذه
الأنواع وقد
أجبنا على كل الاحتمالات مع أنه يجب على المسلم المبادرة بأداء ما وجب
عليه
وعدم التأخير لأن ذلك يفضي إلى مثل الحالة التي ذكرتها عن أبيك لكونه أخر
الصيام ثم طرأ عليه ما لا يستطيع معه الصيام فبقيت الكفارة في ذمته.
26 ـ من هم الذي يرخص لهم الإفطار في رمضان؟
الذين يرخص لهم بالإفطار في رمضان هم أهل الأعذار الشرعية وهم:
أولاً: المسافر سفرًا يجوز فيه قصر الصلاة بأن يبلغ ثمانين كيلو
فأكثر.
ثانيًا: المريض الذي يلحقه مشقة إذا صام أو يسبب تضاعف المرض عليه أو
تأخر
البرء فهذا يرخص له في الإفطار.
ثالثًا: الحائض والنفساء لا يجوز لهما الصيام في حال الحيض والنفاس
ويحرم
عليهما الصيام وكذلك الحامل والمرضع إذا خافتا على أنفسهما أو خافتا على
ولديهما أبيح لهما الإفطار.
وكذلك المريض مرضًا مزمنًا لا يُرجى له شفاء وكذلك الكبير الهرم.
كل هؤلاء من أهل الأعذار الذين رخص لهم الشارع بالإفطار ومنهم من يؤمر
بالقضاء
كالمسافر والمريض مرضًا يرجى شفاؤه والحائض والنفساء والحامل والمرضع كل
هؤلاء
يجب عليهم القضاء لقوله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}
[سورة البقرة: آية 184].
أما من لم يستطع القضاء ويعجز عنه عجزًا مستمرًا كالكبير الهرم والمريض
المزمن
فهذان ليس عليهما قضاء وإنما يطعمان عن كل يوم مسكينًا لقوله تعالى:
{وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [سورة
البقرة: آية 184].
27 ـ ما هو الدعاء المأثور عن النبي صلى الله عليه
وسلم
عند الإفطار وعند السحور أفيدوني بارك الله فيكم؟
قد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا أفطر يقول: (ذهب الظمأ
وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله) [رواه أبو داود في سننه ج2
ص316.
ورواه الحاكم في مستدركه ج1 ص422. ورواه الدارقطني ج2 ص185، كلهم من
حديث عبد
الله بن عمر رضي الله عنه]. وورد عن بعض الصحابة أنه إذا أفطر قال:
اللهم
لك صمت وعلى رزقك أفطرت (10) فاغفر لي إنك أنت الغفور الرحيم وأما السحور
فلم
يرد فيه دعاء مخصوص فيما أعلم.
والذكر الوارد على الطعام في رمضان وفي غيره أن يقول بسم الله في أوله.
والحمد لله في آخره.
28 ـ إذا دخل رمضان والإنسان عليه قضاء حيث لم
يستطيع
صيام هذا القضاء لمرض ألمَّ به فما حكم هذا جزاكم الله عنا خير الجزاء؟
إذا كان على الإنسان قضاء أيام من رمضان سابق فإنه ينبغي له المبادرة
بتفريغ
ذمته من هذا الواجب وقضاء هذه الأيام فإذا تأخر حتى أدركه رمضان الآخر وهو
لم
يقضها فهذا إن كان معذورًا في هذه الفترة بين الرمضانين لم يستطع أن
يقضيها
فإنه يقضيها بعد رمضان الجديد فيصوم رمضان الحاضر وبعده يصوم الأيام التي
عليه
من رمضان الأول وليس عليه شيء سوى ذلك لأنه أخره لعذر حتى أدركه رمضان
جديد أما
من أخر القضاء من غير عذر بل هو من باب التكاسل والتساهل فهذا يصوم رمضان
الجديد وبعده يقضي الأيام الفائتة من رمضان الماضي ومع القضاء يطعم عن كل
يوم
مسكينًا نصف صاع من الطعام المقتات في البلد عن كل يوم كفارة لتخيره
القضاء من
غير عذر. والله أعلم.
29 ـ أنا عليَّ صيام شهرين متتابعين يعني صيام
كفارة
وإذا صمت ونقص الشهر في الحساب يومًا فهل علي إكمال ستين يومًا أم لا، أم
أصوم
شهرين حسب ما يأتي حسابها. أفيدوني بارك الله فيكم؟
إذا كنت بدأت الصيام من الهلال فإنك تصوم شهرين بالأهلة سواء كانت تامة أو
ناقصة أما إذا بدأت الصيام في أثناء الشهر فإنه يجب عليك صيام ستين يومًا
لأنك
تصوم شهرين بالعدد ستين يومًا.
30 ـ إذا سافر الشخص إلى الدراسة خارج بلاده وكما
هو
معلوم أن الوقت يختلف عن وقت بلده. فمثلاً إذا زادت الساعات في الصيام
أو
نقصت لاختلاف الوقت هل يؤثر ذلك على صيام الشخص أم لا. أفيدوني بارك
الله
فيكم؟
من سافر إلى بلد غير بلده ويختلف بفارق توقيت عن بلده فإنه يكون حكمه حكم
ذلك
البلد الذي سافر إليه فيصوم ويفطر تبعًا لذلك البلد يصوم إذا طلع الفجر في
ذلك
البلد ويفطر إذا غربت الشمس في ذلك البلد ولا ينظر إلى توقيت بلده فكل
مكان له
حكمه.
والله تعالى يقول: {وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ
الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ
أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ} [سورة البقرة: آية
187].
وهذا عام في كل البلاد.
31 ـ هل يشترط أن تكون نية الصيام قبل الفجر من كل
ليلة
من رمضان أم تكفي نية واحدة كل الشهر. وما حكم من تلفظ بها في كل ليلة
من
ليالي شهر رمضان.
النية شرط من شروط صحة العبادة من صيام وغيره لقوله صلى الله عليه وسلم:
(إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) [رواه البخاري في
صحيحه ج1
ص2 من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه]. فكل عبادة من العبادات لا
تصح إلا
بنية ومن ذلك الصيام فإنه لا يصح إلا بنية لقوله صلى الله عليه وسلم:
(لا
صيام لمن لم يبيت النية من الليل) [رواه الإمام مالك في الموطأ ج1
ص288 من
حديث عبد الله بن عمر موقوفًا. ورواه الإمام أحمد في مسنده ج6 ص287
ورواه أبو
داود في سننه ج2 ص341، 342 ورواه النسائي في سننه ج4 ص196، 197 ورواه ابن
ماجه
في سننه ج1 ص542 ورواه الدرامي في سننه ج2 ص12 ورواه البيهقي في السنن
الكبرى
ج4 ص202، 203 ورواه ابن خزيمة في صحيحه ج3 ص212 ورواه ابن أبي شيبة عن
مصنفه ج2
ص292 ورواه ابن حزم في المحلى ج6 ص162 ورواه الخطيب البغدادي في تاريخ
بغداد ج3
ص92، 93 وذكره الزيلعي في نصب الراية ج2 ص433-435 كلهم من حديث حفصة رضي
الله
عنها بنحوه]. فالنية للصيام مشترطة وصيام الفرض لابد أن ينويه من
الليل قبل
طلوع الفجر ويجب عليه أن ينوي لكل يوم نية جدية لأن كل يوم عبادة مستقلة
تحتاج
إلى نية متجددة بتجدد الأيام لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: (إنما
الأعمال
بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) [رواه البخاري في صحيحه ج1 ص2 من حديث
عمر
بن الخطاب رضي الله عنه].
فإن قام من نومه وتسحر فهذا هو النية. وإن لم يستيقظ إلا بعد طلوع الفجر
وكان
ناويًا للصيام قبل نومه فإنه يمسك إذا استيقظ وصيامه صحيح لوجود النية من
الليل.
وما أشار إليه السائل من النطق بالنية هل هو مشروع أو ليس بمشروع؟
فالنطق
بالنية غير مشروع والتلفظ بها بدعة لأن النية من أعمال القلوب والمقاصد لا
يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى بدون تلفظ ولم يرد عن النبي صلى الله عليه
وسلم
أنه كان يتلفظ بالنية ويقول اللهم إني نويت أن أصوم أو نويت أن أصلي أو
نويت
كذا وكذا إنما ورد هذا عند الإحرام بالحج أو العمرة أن يقول المسلم لبيك
عمرة
أو لبيك حجًا (11) وكذلك عند ذبح الهدي أو الأضحية ورد أنه يتلفظ عند
ذبحها
(12) ويقول اللهم هذه عني أو عن فلان فتقبل مني إنك أنت السميع
العليم. أما
ما عدا ذلك من العبادات فالتلفظ بالنية بدعة سواء كان في الصيام أو في
الصلاة
أو في غير ذلك لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه تلفظ في شيء
من هذه
الأحوال بالنية وقد قال عليه الصلاة والسلام: (من عمل عملاً ليس عليه
أمرنا
فهو رد) [رواه الإمام البخاري في صحيحه ج8 ص156. معلقًا]. وقال
عليه
الصلاة والسلام: (إياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة) [رواه
الإمام أحمد في مسنده ج4 ص126، ورواه أبو داود في سننه ج4 ص200 ورواه
الترمذي
في سننه ج7 ص319، 320 بنحوه ورواه ابن ماجه في سننه ج1 ص15، 16 بنحوه.
ورواه
الحاكم في مستدركه ج1 ص97 كلهم من حديث العرباض بن سارية رضي الله
عنه].
فالتلفظ بالنية أمر محدث فهو بدعة. وقد قال الله سبحانه وتعالى:
{قُلْ
أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي
السَّمَاوَاتِ
وَمَا فِي الأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [سورة
الحجرات:
آية 16]. فالله جل وعلا أنكر على الذين تلفظوا بنياتهم قال تعالى:
{قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا
أَسْلَمْنَا} إلى أن قال تعالى: {قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ
بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي
الأَرْضِ}
[سورة الحجرات: آية 14، 15، 16]. فالتلفظ بالنية معناه أن الإنسان
يخبر
ربه عز وجل أنه نوى له كذا وكذا قد نهى الله عن ذلك وأنكر على من فعله.
31 ـ أيهما أفضل للمسافر الفطر أم الصوم. وما
الحكم لو
نوى المسافر الإقامة في بلد أقل من أربعة أيام. فهل له الفطر والحالة
هذه أم
لا. أفيدوني بارك الله فيكم؟
المسافر سفرًا يباح فيه قصر الصلاة وهو ما يسمى بسفر القصر بأن يبلغ
ثمانين
كيلو فأكثر فهذا الأفضل له أن يفطر عملاً بالرخصة الشرعية وإذا صام وهو
مسافر
فصومه صحيح ومجزئ لقوله تعالى: {وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى
سَفَرٍ
فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ
يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ} [سورة
البقرة: آية
185]. فالإفطار في السفر أفضل من الصيام وإذا صام فلا حرج عليه إن شاء
الله
وصيامه مجزئ وصحيح. وأما إذا نوى إقامة أربعة أيام فأقل فإنه له أحكام
المسافر يجوز له الإفطار ويجوز له قصر الصلاة لأن إقامته إذا كانت أربعة
أيام
فأقل فإنها لا تخرجه عن حكم المسافر أما إذا كانت إقامته التي نواها تزيد
عن
أربعة أيام فهذا يأخذ حكم المقيم وتنقطع في حقه أحكام السفر فيجب عليه
إتمام
الصلاة والصوم في رمضان.
32 ـ هل التكحل وقطرة العين ووضع الطيب على الثياب
يؤثر
على الصائم. وما هي الأشياء التي يجب أن يبتعد عنها الصائم حتى لا تؤثر
على
صيامه؟ أفيدوني بارك الله فيكم.
الذي يوضع في العين من قطور أو ذرور أو كحل إذا وجد طعمه في حلقه فإنه
يفطر
بذلك لأن العين منفذ فإذا وصل هذا الذي وضعه فيها من سائل أو جامد ووصل
طعمه
إلى حلقه وأحس بطعمه وكان متعمدًا لوضعه في عينه فإنه حينئذ يكون قد أثر
على
صيامه لأنه يشبه ما لو أكل شيئًا أو شرب شيئًا ووصل إلى حلقه فلا ينبغي
للمسلم
أن يتساهل في هذا الأمر وإذا كان معتادًا الاكتحال أو معتادًا لمداواة
العين
فليجعل ذلك في الليل أما نهار الصيام فإنه يتجنب هذه الأشياء حفاظًا على
صيامه
من المؤثرات.
يجب أن يبتعد عن أشياء كثيرة منها أشياء تفسد صيامه ومنها أشياء تنقص
ثوابه أو
تبطل ثوابه ولا تفسد الصيام. أما التي تفسد الصيام ويلزمه القضاء فيها
فمثل
الأكل والشرب متعمدًا ومثل الجماع وكذلك ما في حكم الأكل والشرب من تعاطي
الأدوية والإبر التي تصل إلى جوفه وتسير في عروقه فإن هذا في حكم الأكل
والشرب
يفسد صيامه كذلك التقيؤ والاستفراغ متعمدًا يفسد الصيام واستخراج الدم
الكثير
بالحجامة أو الفصد أو سحب الدم للتبرع به أو لإسعاف مريض فهذا أيضًا مما
يفسد
الصيام ويلزم القضاء لقوله صلى الله عليه وسلم: في الحجامة: (أفطر
الحاجم
والمحجوم) [رواه الإمام أحمد في مسنده ج2 ص364 من حديث أبي هريرة رضي
الله
عنه ورواه الترمذي في سننه ج3 ص118 من حديث رافع بن خديج رضي الله
عنه].
فهذه أمور إذا تعاطاها الإنسان فإنها تفسد صيامه ويلزمه قضاء ذلك اليوم
الذي
أفسده بها. وهناك أشياء محرمة على الصائم وتنقص ثوابه أو تبطل ثوابه
لكنه لا
يؤمر بالقضاء مثل الغيبة والنميمة وقول الزور والشتم والكذب وغير ذلك من
الأمور
المحرمة وكذلك النظر المحرم واستماع الأشياء المحرمة كاستماع الملاهي
والأغاني
المزامير وغير ذلك كل هذا مما يؤثر على الصائم ولكنه لا يؤمر بالقضاء لأن
هذه
المفطرات معنوية وليست مفطرات حسية.
33 ـ في الحديث القدسي: (كل عمل ابن آدم له إلا
الصوم
فإنه لي وأنا أجزي به) [رواه الإمام البخاري في صحيحه ج2 ص226 من حديث
أبي
هريرة رضي الله عنه. بنحوه]. أريد شرحًا لهذا الحديث. لماذا خص
الصوم
بهذا التخصيص أفيدوني بارك الله فيكم؟
هذا حديث عظيم وثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم يرويه عن ربه عز وجل أنه
قال: (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به) [رواه
الإمام
البخاري في صحيحه ج2 ص226 من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. بنحوه].
فهذا
الحديث فيه فضيلة الصيام ومزيته من بين سائر الأعمال وأن الله اختصه لنفسه
من
بين أعمال العبد. وقد أجاب أهل العلم عن قوله: (الصوم لي وأنا أجزي
به)
[رواه الإمام البخاري في صحيحه ج2 ص226 من حديث أبي هريرة رضي الله
عنه.
بنحوه]. بعدة أجوبة منهم من قال: أن معنى قوله تعالى: (الصوم لي
وأنا
أجزي به) [رواه الإمام البخاري في صحيحه ج2 ص226 من حديث أبي هريرة
رضي
الله عنه. بنحوه]. إن أعمال ابن آدم قد يجري فيها القصاص بينه وبين
المظلومين، فالمظلومين يقتصون منه يوم القيامة بأخذ شيء من أعماله وحسناته
كما
في الحديث أن الرجل يأتي يوم القيامة بأعمال صالحة أمثال الجبال ويأتي وقد
شتم
هذا وضرب هذا أو أكل مال هذا فيؤخذ لهذا من حسناته ولهذا من حسناته حتى
إذا
فنيت حسناته ولم يبق شيء فإنه يؤخذ من سيئات المظلومين وتطرح عليه ويطرح
في
النار (13) إلا الصيام فإنه لا يؤخذ للغرماء يوم القيامة وإنما يدخره
الله عز
وجل للعامل يجزيه به ويدل على هذا قوله: (كل عمل ابن آدم له كفارة إلا
الصوم فإنه لي وأنا أجزي به) أي أن أعمال بني آدم يجري فيها القصاص
ويأخذها
الغرماء يوم القيامة إذا كان ظلمهم إلا الصيام فإن الله يحفظه ولا يتسلط
عليه
الغرماء ويكون لصاحبه عند الله عز وجل.
وقيل أن معنى قوله تعالى: (الصوم لي وأنا أجزي به) أن الصوم عمل
باطني لا
يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى فهو نية قلبية بخلاف سائر الأعمال فإنها
تظهر
ويراها الناس أما الصيام فإنه عمل سري بين العبد وبين ربه عز وجل ولهذا
يقول:
(الصوم لي وأنا أجزي به إنه ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي) وكونه
ترك
شهوته وطعامه من أجل الله هذا عمل باطني ونية خفية لا يعلمها إلا الله
سبحانه
وتعالى بخلاف الصدقة مثلاً والصلاة والحج والأعمال الظاهرة هذه يراها
الناس أما
الصيام فلا يراه أحد لأنه ليس معنى الصيام ترك الطعام والشراب فقط أو ترك
المفطرات لكن مع ذلك لابد أن يكون خالصًا لله عز وجل وهذا لا يعلمه إلا
الله
سبحانه وتعالى.
ويكون قوله: (إنه ترك... إلى آخره) تفسيرًا لقوله: (الصم
لي
وأنا أجزي به). ومن العلماء من يقول أن معنى قوله تعالى: (الصوم
لي
وأنا أجزي به) أن الصوم لا يدخله شرك بخلاف سائر الأعمال فإن المشركين
يقدمونها لمعبوداتهم كالذبح والنذر وغير ذلك من أنواع العبادة وكذلك
الدعاء
والخوف والرجاء فإن كثيرًا من المشركين يتقربون إلى الأصنام ومعبوداتهم
بهذه
الأشياء بخلاف الصوم فما ذكر أن المشركين كانوا يصومون لأوثانهم
ولمعبوداتهم
فالصوم إنما هو خاص لله عز وجل فعلى هذا يكون معنى قوله: (الصوم لي
وأنا
أجزي به) أنه لا يدخله شرك لأنه لم يكن المشركون يتقربون به إلى أوثانهم
وإنما يتقرب بالصوم إلى الله عز وجل.
34 ـ هل هناك أدعية مخصصة عند دخول شهر رمضان
المبارك من
السنة وماذا يجب على المسلم أن يدعو به في تلك الليلة أفيدوني بارك الله
فيكم؟
لا أعلم دعاءً خاصًا يقال عند دخول شهر رمضان وإنما هو الدعاء العام عن
سائر
الشهور فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى الهلال في رمضان وفي
غيره
يقول: (اللهم أهله علينا باليمن والإيمان والسلامة والإسلام هلال خير
ورشد
ربي وربك الله" وفي بعض الروايات أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول:
(الله
أكبر اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام ربي وربك
الله)
[رواه الترمذي في سننه ج9 ص142 من حديث طلحة بن عبيد الله رضي الله
عنه.
بنحوه. وانظر مسند الإمام أحمد ج1 ص162 من حديث بلال بن يحيى بن طلحة بن
عبيد
الله عن أبيه عن جده. وانظر مسند الدارمي ج2 ص7 من حديث ابن عمر رضي
الله عنه
وانظر كتاب السنة لأبي عاصم ج1 ص165 من حديث بلال بن يحيى بن طلحة بن عبيد
الله
عن أبيه عن جده. وانظر معجم الطبراني الكبير ج12 ص357 من حديث ابن
عمر.
وانظر المستدرك للحاكم ج4 ص285 من حديث بلال بن يحيى... وانظر مجمع
الزوائد ومنبع الفوائد ج10 ص139. وانظر تحفة الذاكرين ص176، 177.
وانظر فيض
القدير ج5 ص136، 137. وصحيح الوابل الصيب ص220]. هذا الدعاء الوارد
عند
رؤية الهلال لرمضان ولغيره أما أن يختص رمضان بأدعية تقال عند دخوله فلا
أعلم
شيئًا في ذلك لكن لو دعا المسلم بأن يعينه الله على صوم الشهر وأن يتقبله
منه
فلا حرج في ذلك لكن لا يتعين دعاء مخصص.
35 ـ إذا تبرع الإنسان من دمه وهو صائم هل يؤثر ذلك
على
صيامه وما رأيكم في الحقنة التي ليست للتغذية بالنسبة للصائم هل هي في حقه
من
مباحات الصيام أم أنها من مبطلاته أفيدونا في ذلك أثابكم الله؟
أما بالنسبة لسحب الدم من الصائم فهذا يفسد الصيام إذا كان كثيرًا فإذا
سحب منه
دم للتبرع به لبنك الدم مثلاً أو لإسعاف مريض فإن ذلك يؤثر ويبطل صيامه
كالحجامة. فالحجامة ثبتت بالنص أنها تفطر الصائم فكذلك مثلها سحب الدم
إذا
كان بكمية كثيرة أما قضية الحقن التي تحقن في جسم الصائم وهي الإبر فهذه
إن
كانت من الإبر المغذية فلا شك أنها تفطر الصائم لأنها تقوم مقام الأكل
والشرب
في تنشيط الجسم وفي تغذيته فهي تأخذ حكم الطعام والشراب وكذلك إذا كانت من
الإبر غير المغذية التي تؤخذ للدواء والمعالجة عن طريق العرق (عن طريق
الوريد) فهذه أيضًا تفطر الصائم لأنها تسير مع الدم وتصل إلى الجوف
ويكون لها
تأثير على الجسم كتأثير الطعام والشراب كما لو أنه ابتلع الحبوب عن طريق
الفم
فإنها تبطل صيامه فكذلك إذا أخذ الدواء عن طريق الحقن فإن هذا أيضًا يؤثر
على
صيامه. أما الحقن التي تؤخذ في العضل فهذه رخص فيها بعض العلماء.
36 ـ سائلة تقول: هي فتاة في العشرين من عمرها
وخلال
شهر رمضان المبارك في العام الماضي أفطرت خمسة أيام بسبب الحيض وأفطرت
أيضًا
خمسة أيام أخرى وذلك بسبب الامتحانات في الجامعة حيث أن الجو حار جدًا
وصادف
أيام الامتحانات فقامت بالإفطار في آخر أيام الامتحانات حتى تستطيع
التركيز
والمذاكرة وتقوم أنها كانت تتعب من الصوم والمذاكرة والامتحانات معًا لهذا
أفطرت وهذه الأيام العشرة التي عليها لم تقضها حيث أنها ضعيفة الجسم تقول
وعلى
كل حال الحمد لله فأنا أتحسن شيئًا فشيئًا الآن لكنني قمت بتوزيع مبلغ
وقدره
نصف دينار عن كل يوم للمساكين ومقداره بالريال السعودي خمس ريالات تقريبًا
المهم أنني أنهيت العشرة الأيام من التوزيع وسؤالي هل يجب عليَّ القضاء
أيضًا
بعدما قمت به من إطعام عن كل يوم مسكينًا أم أن الأمر انتهى إلى هذا الحد
أفيدوني أفادكم الله؟
أولاً إفطار المرأة في أيام الحيض واجب يحرم عليها الصيام في هذه الحالة
فهي
تفطر في حال الحيض ويجب عليها القضاء من أيام أخر فإفطارك أيتها السائلة
الخمسة
الأيام في وقت العادة أمر مشروع ويلزمك القضاء عن هذه الخمسة في أيام
أخر.
أما إفطارك الخمسة الأخرى من أجل المذاكرة والدراسة فهذا خطأ كبير لأن
الدراسة
أو المذاكرة ليست عذرًا يبيح الإفطار لأن الإفطار في رمضان إنما يباح
للمسافر
ويباح للمريض ويباح لكبير السن الذي لا يستطيع الصيام ويباح للحامل
والمرضع إذا
خافتا على نفسيهما أو على ولديهما وأنت لست من هؤلاء المعذورين فإفطارك
لأجل
المذاكرة أو لأجل الدراسة أو الامتحانات خطأ كبير فعلى المسلم أن يصوم ولو
كان
يعمل ويشتغل مادام مقيمًا صحيحًا فإنه يجب عليه الصيام ولو كان يشتغل بأي
عمل
من الأعمال. لأن الأعمال ليست عذرًا في الإفطار ومازال المسلمون يعملون
منذ
فرض الله الصيام ويصومون وما كانوا يتركون الصيام من أجل العمل ولكن يجب
على
ولاة المسلمين والقائمين على التعليم أن يراعوا ظروف الصيام وأن لا يجعلوا
الامتحانات في رمضان أو في أيام الصيام وإذا صادفت الامتحانات رمضان
فليجعلوها
في الليل أو في أول النهار ولا يحرجوا الطلاب في وقت الحر بل عليهم أن
يخففوا
عنهم وأن يجعلوا الامتحان في وقت مناسب مراعاة للشعائر الدينية لأن الصيام
مقدم
على غيره لأنه ركن من أركان الإسلام يجب المحافظة عليه وحساب وقته المناسب
أما
ما ذكرت السائلة من تقديم الصدقة والدراهم لتقوم مقام القضاء فهذا خطأ لأن
الإطعام إنما يشرع في حق من لا يستطيع القضاء إما لزمانة مرض وإما لهرم
وكبر سن
أما الذي ينتظر الشفاء وينتظر الاستطاعة فهذا يؤخر القضاء حتى يستطيع ولا
يطعم
لأنه لم ييأس من القضاء فما قدمته السائلة من الإطعام أو الصدقة في غير
محله
ويجب عليك قضاء الخمسة الأيام التي أفطرتِها للحيض وخمسة الأيام التي
أفطرتِها
خطأ من أجل المذاكرة والامتحان وقد استطعت والحمد لله وذهب عنك المرض
فعليك
بالمبادرة بالقضاء وعليك مع القضاء إطعام مسكين عن كل يوم بمقدار نصف صاع
من
الطعام عن تأخير القضاء.
37 ـ سائلة تقول: كان عليّ صيام أيام كفارة يمين
فسألت
إحدى أخواتي المسلمات والتي أثق بها لأنها على درجة من العلم فسألتها إن
كان
الصوم متتابعًا أو متفرقًا فقالت لي لا يشترط التتابع فصمتها متفرقة ولكن
سمعت
من برنامجكم ومن أحد العلماء الكرام إنه يشترط التتابع فرجعت إليها فأخرجت
لي
في تفسير ابن كثير قول مالك فيه بأنه لا يشترط التتابع فهل عليَّ شيء.
وما هو
القول الصحيح في هذا؟
كما ذكرتِ المسألة فيه خلاف بين أهل العلم هل يجب التتابع في صيام كفارة
اليمين
أو لا يجب ولكن الراجح ما ذهب إليه الإمام أحمد وأبو حنيفة والشافعي في حد
قوليه في أنه يجب التتابع لأنه قُرئ قوله تعالى: {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ
أَيَّامٍ} (14) فتكون هذا القراءة نصًا على وجوب التتابع والله
أعلم.
38 ـ سائلة تقول: سمعت من برنامجكم الكريم وفي رد
على
أحد الأسئلة بأن الإطعام يجب أن لا يكون لمسكين واحد بل كل يوم مسكين غير
الآخر
وفي رد آخر لإحدى السائلات التي كان عليه قضاء صيام أيام قبل سنوات لأنها
كانت
نفساء وحاملاً. قال أحد العلماء لها بأنها إن لم يكن لها عذر فإنها تقضي
وتطعم ولو جمعتها كلها وأعطتها لمسكين واحد فإن لها ذلك وتقول إن عليها
قضاء
منذ سنوات حيث لم تكن تقضي أيام الحيض. فجمعت مقدار الإطعام وأعطته
لمسكين
واحد فتقول والله يعلم إن نيتي لم تكن البحث عن حكم الأسهل ولكن لتعذر
وجود
مساكين فأعطيته لمسكين واحد فهل عليّ شيء في ذلك.
لا أعلم في هذه المسألة أنه يجب تعدد المساكين في الإطعام للقضاء عن
الصيام إذا
تأخر عن وقته والله جل وعلا يقول: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ
فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [سورة البقرة: آية 184]. ومادام
أنها قد
أخرجت الإطعام وأعطته لمسكين واحد فإنه يكون مجزئًا إن شاء الله.
39 ـ إذا أفطر شخص عمدًا في نهار رمضان. فماذا
عليه؟
إذا أفطر بأكل أو شرب في نهار رمضان متعمدًا فقد فعل محرمًا شديد التحريم
ويجب
تأديبه وتجب عليه التوبة الصادقة والإمساك بقية يومه ثم قضاء ذلك اليوم.
وإن
أفطر بجماع وجب عليه مع ما ذكر الكفارة المغلظة وهي عتق رقبة فإن لم يجد
صام
شهرين متتابعين. فإن لم يستطع أطعم ستين مسكينًا.
وعلى المسلم أن يحافظ على صيامه، فإن صيام رمضان أحد أركان الإسلام وهو
فرض على
المسلم البالغ العاقل الصحيح المقيم.
40 ـ ما حكم تقبيل الزوجة بدون شهوة في حال الصوم
أو في
حال الطهارة وهل ينتقض الوضوء بسبب القبلة؟
إذا قبل الرجل زوجته بدون شهوة في أثناء الصوم أو بعد الطهارة ولم يخرج
منه شيء
فإن ذلك لا يخل بصيامه ولا بطهارته فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم
كان
يقبل بعض أزواجه وهو صائم ويقبل وهو متوضئ لما كان مالكًا لإربه (15) فدل
ذلك
على الجواز في هذه الحالة - أما الذي يخشى من ثوران شهوته فإنه لا يقبل في
هاتين الحالتين خشية أن يخرج منه شيء يخل بصيامه أو طهارته والله أعلم.
41 ـ إذا نوى الشخص صيامًا لفرض أو نفل، ولكنه
استيقظ من
النوم والمؤذن يؤذن لصلاة الفجر هل يجوز الأكل أو الشرب أم لا؛ علمًا بأن
المؤذن يؤذن حسب التقويم؟
الله سبحانه وتعالى جعل طلوع الفجر نهاية للأكل والشرب فقال تعالى:
{وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ
الأَبْيَضُ
مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} [سورة البقرة: آية
187].
هذا هو النهاية الشرعية للأكل وبداية الصيام.
والأذان والتقويم إنما هي علامات فقط يستدل بها على طلوع الفجر فمن لم
يستيقظ
إلا والمؤذن يؤذن فهذا يرجع فيه إلى عادة المؤذن إن كان عادة المؤذن أنه
يقدم
الأذان أي يبكر فلا بأس أن يأكل الإنسان بعد أذان المؤذن لقوله صلى الله
عليه
وسلم: (إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم"
وكان
ابن أم مكتوم يؤذن إذا قيل أصبحت أصبحت) [رواه الإمام البخاري في صحيحه
ج3
ص152، 153 من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه. بنحوه]. أما إذا
كان
عادة المؤذن أنه يتقيد بطلوع الفجر ولا يؤذن إلا عند طلوع الفجر فإنه لا
يجوز
الأكل عند ذلك لأنه أكل وشرب بعد طلوع الفجر وكذلك التقويم كما ذكرنا هو
علامة
يستدل بها فلا ينبغي أن يتأخر عن حد التقويم تأخرًا كثيرًا، أما لو تأخر
دقيقة
أو دقيقتين وما أشبه ذلك فهذا لا بأس به... أما التأخر الكثير عن
التقويم
كخمس دقائق وأكثر هذا لا يجوز.
42 ـ سماحة الشيخ إننا نحبك في الله فادع لنا
بالتوفيق
والثبات...
والسؤال هو: لقد مرض جدي في منتصف رمضان ثم أفطر يومين لمرضه ثم لقي ربه
بعدها فهل نصوم عنه أم كيف يكون القضاء عنه. جزاكم الله خير
الجزاء...
إذا مرض الإنسان في رمضان وترك الصيام فإن الله قد أذن له بذلك قال
تعالى:
{فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ
أَيَّامٍ
أُخَرَ} [سورة البقرة: آية 184]. فما دام والدكم ترك الصيام من
أجل
المرض ثم توفاه الله بعد ذلك قبل أن يتمكن من القضاء ولم يأت عليه رمضان
آخر
فلا شيء عليه ولا تقضون عنه شيئًا أما إذا أخر القضاء وشفي حتى جاء رمضان
آخر
وترك القضاء متكاسلاً وتوفي قبل أن يقضي، فهذا يُطعم عنه عن كل يوم
مسكينًا ولا
يصام عنه، يكفي الإطعام إذا كان تمكن من القضاء ولم يقض حتى أدركه رمضان
آخر،
أما مادام أنه لم يتمكن من القضاء ومات على هذه الحالة فليس عليه شيء
والله
أعلم.
43 ـ علي إطعام عن صوم في رمضان لعذر شرعي. أرجو
إفادتي حسب الأفضلية.
1ـ ترتيب المستحق. يعني فقير - مسكين - معسر - موسر إلخ.
2ـ الأغذية المستحق منه مرتبة. بعني أرز - شعير - إقط إلخ...
3ـ النقود المستحق منها. يعني ريالاً - درهم إلخ...
4ـ معرفة الأصواع كيلاً ووزنًا ومعرفة النقود كم ريالاً ومعرفة الفرد
المستحق
كم له صاعًا أو كيلو أو ريالاً حتى إني أطعم على بينة.
من أفطر في رمضان لعذر شرعي فإنه يجب عليه القضاء فيما بينه وبين رمضان
الآخر. فإن أخر القضاء إلى ما بعد رمضان الآخر من غير عذر فإنه يجب عليه
مع
القضاء إطعام مسكين عن كل يوم. وإن كان لا يستطيع القضاء لهرم أو لمرض
مزمن
فإنه يكفي الإطعام بدون قضاء لقوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ
يُطِيقُونَهُ
فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [سورة البقرة: آية 184]. فقد فسرت
الآية
بأن المراد بالذين يطيقونه الذين لا يستطيعون الصيام لا أداء ولا قضاء
كالشيخ
الهرم والمريض المزمن. ومقدار ما يدفع للمسكين عن كل يوم نصف صاع من
الطعام
(أي كيلو ونصف) تقريبًا من البر أو الأرز أو ما يؤكل في البلد. ولا
يجزئ
دفع النقود بل لابد من الطعام للنص عليه في الآية الكريمة.
44 ـ أنا شاب مسلم يقرب سني من السابعة والعشرين
ومنذ
صغري والحمد لله وأنا أصوم شهر رمضان وأصوم المفردات فلم أعرف لماذا أصبحت
لا
أصوم المفردات إلا قليلاً أفيدوني أفادكم الله هل عليّ إثم على هذا مع
العلم
أنني أصوم شهر رمضان ولم أتهاون فيه وأحافظ على الصلاة وحفظ كتاب الله عز
وجل؟
الواجب على المسلم أن يصوم رمضان وهو الركن الرابع من أركان الإسلام وما
زاد
على صيام شهر رمضان فإنه نافلة لا يلزم الإنسان فعله وإنما هو نافلة.
وذلك
كصيام يوم الاثنين والخميس من كل أسبوع. وصيام ثلاثة أيام من كل شهر
وعشر ذي
الحجة ويوم عرفة لغير الحاج وشهر المحرم وآكده يوم عاشوراء ويوم قبله أو
بعده
وإن كان عند المسلم زيادة رغبة في الصوم فليصم يومًا ويفطر يومًا. أما
صيام
المفردات فلا أعرفه - إلا إن كان السائل يقصد النوافل فقد بيناها. والله
أعلم.
45 ـ في شهر رمضان الماضي حصل أن أفطرت عدة أيام
دون عذر
مشروع فهل يكفي قضائي لها فقط وماذا يلزمني غير ذلك فإني نادم على ذلك أشد
الندم وعازمٌ إن شاء الله ألا أعود لمثل هذا أبدًا؟.
الإفطار في رمضان بغير عذر خطأ كبير وجرمٌ عظيم والعياذ بالله والواجب على
من
فعل ذلك أن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى توبةً صحيحة ويندم على ما فات ولا
يعود
لهذا في المستقبل ويحافظ على صيامه ثم عليه مع التوبة أن يقضي الأيام التي
تركها بعد توبته إلى الله سبحانه وتعالى لعل الله أن يعفو عنه وإذا أتى
عليه
رمضان آخر قبل أن يصومها فعليه أن يطعم مع القضاء عن كل يوم مسكينًا إذا
أتى
عليه رمضان آخر ولم يصم من غير عذر أما إذا كان أخرها لعذر ولم يتمكن
فإنما
يكفيه القضاء فقط.
46 ـ كم مقدار الإطعام؟
يعطي كل مسكين نصف صاع هذا هو الأحوط من الطعام المعتاد في البلد.
47 ـ إذا انتظر المسلم خبر رؤية هلال رمضان في
المساء
ونام قبل أن يعلم بدخول الشهر فلما أصبح الصباح وقبل أن يتناول شيئًا من
طعام
أو شراب أو بعد أن تناول وجد الناس صائمين بعد أن سمعوا خبر رؤية الهلال
فماذا
عليه في هذه الحالة وما الحكم بالنسبة للنية في حقه.
إذا نام وهو لم يعلم بدخول الشهر ثم استيقظ من النهار ووجد الناس صائمين
فإنه
يجب عليه الإمساك في هذا اليوم ويجب عليه قضاؤه في فترة أخرى بعد رمضان
فيمسك
احترمًا للوقت ويقضي هذا اليوم لأنه لم يبدأ من أوله صائمًا لأنه أكل أو
شرب في
أوله وكذلك تخلفت النية لم تكن النية مصاحبة من أول الوقت فالصيام لا يبدأ
من
وسط النهار أعني صيام الفريضة لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا صيام لمن
لم
يبيت أو يجمع النية من الليل) [رواه الإمام مالك في الموطأ ج1 ص288 من
حديث
عبد الله موقوفًا. ورواه الإمام أحمد في مسنده ج6 ص287 ورواه أبو داود
في
سننه ج2 ص341، 342 ورواه النسائي في سننه ج4 ص 196، 197. ورواه ابن ماجه
في
سننه ج1 ص542 ورواه الدارمي في سننه ج2 ص12. ورواه البيهقي في السنن
الكبرى
ج4 ص202، 203. ورواه ابن خزيمة في صحيحه ج3 ص212 ورواه ابن شيبة في
مصنفه ج2
ص292. ورواه ابن حزم في المحلى ج6 ص162 ورواه الخطيب البغدادي في تاريخ
بغداد
ج3 ص92، 93. وذكره الزيلعي في نصب الراية ج2 ص433-435 كهم من حديث حفصة
رضي
الله عنها بنحوه]. أو كما قال صلى الله عليه وسلم. فالصوم الواجب
يجب أن
ينوي من الليل سواء أكل أو لم يأكل، فالفرض لا يصح بنية من النهار إنما
هذا في
صيام النفل خاصة.
48 ـ ما هو حكم الوطء في نهار رمضان وإن كان في
الليل
ولكن أخر الغسل إلى ما بعد الفجر فما الحكم.
الوطء في نهار رمضان للصائم محرم وفيه إثم عظيم ويترتب عليه أمور: أولاً
أنه
يفسد صومه هذا اليوم ثانيًا أنه يأثم لذلك إثمًا عظيمًا ثالثًا يجب عليه
قضاء
هذا اليوم الذي حصل فيه الجماع رابعًا تجب عليه الكفارة وهي مثل كفارة
الظهار
وهي عتق رقبة فإن لم يجد صام شهرين متتابعين فإن لم يستطع أطعم ستين
مسكينًا
هذا الذي يجب عليه أما إذا حصل الوطء في الليل وأخر الاغتسال إلى ما بعد
الفجر
فصيامه صحيح ويجوز له أن يصوم وعليه جنابة ثم يغتسل ولو بعد طلوع الفجر
إلا أنه
ينبغي المبادرة في الاغتسال قبل الفجر خروجًا من الخلاف لكن لو ضايقه
الوقت أو
لم يستيقظ إلا متأخرًا عند طلوع الفجر فإنه ينوي الصيام ويغتسل بعد ذلك
ولا حرج
عليه فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت تدركه الصلاة وهو جنب من
غير
احتلام ويصوم ثم يغتسل بعد ذلك عليه الصلاة والسلام (16)
49 ـ هل الكحل في العينين أو الصابون أو القطرات
الطبية
أثناء الصيام تؤثر على صحته أم لا؟
بالنسبة للصابون ليس هناك مانع لاستعمال الصابون في الغسيل لثيابه أو
ليديه أو
لجسمه لا مانع من استعمال الصابون للغسيل والتنظيف به ولا يكون في الفم
لأنه
ربما تسرب إلى حلقه وإن تمضمض به مثلاً تمضمضًا خفيفًا وتحفظ من ذهابه إلى
حلقه
فلا مانع من ذلك إلا إن وجد طعمه في حلقه فهذا فيه خطورة فالأحسن لا يدخل
الصابون في فمه وأن يتنظف به خارج الفم وأما بالنسبة للقطرة والأشياء
السائلة
فلا يجوز تقطيرها في العين ولا في الأنف ولا في الأذن لأن هذه منافذ تسيل
إلى
الحلق ويجد طعمها في حلقه فلا يجوز استعمال القطرة للصائم وإنما يستعملها
في
الليل كذلك الكحل في العين لأن الكحل أيضًا يتسرب طعمه إلى الحلق والصائم
لا
ينبغي له أن يتهاون بأمر الصيام ويتعاطى أشياء تؤثر على صيامه وقد ذهب جمع
من
أهل العلم إلى أن الكحل يفطر الصائم وكذلك التقطير في العين والأنف والأذن
فالمسألة فيها خطورة فالصائم يجب عليه أن يحافظ على صيامه وأن يبتعد عن
المؤثرات والدخول في مشاكل هو في غنى عنها وعند الليل أباح الله تعالى فيه
ما
يحتاج الإنسان إليه من أكل وشرب وتداو وغير ذلك.
50 ـ كفارة الإطعام عن الصيام لمن لم يستطع صيام
الشهر
كله هل يجوز أن يدفعها جملة واحدة لثلاثين مسكينًا أول الشهر في يوم واحد
أو
وسطه أو آخره هل يجوز دفعها لأقل من ثلاثين مسكينًا وهل يجوز جمع ثلاثين
مسكينًا في وليمة غداء أو عشاء أو إفطار في رمضان وتكفي.
يجوز دفع الصدقة عن الأيام من رمضان أو عن الأيام كلها لمن لا يستطيع
الصيام
لزمانه أو هرم فإنه يجوز أن يدفع كفارة الأيام مقدمًا في أول الشهر ويجوز
أن
يؤخرها في آخر الشهر ويجوز في وسط الشهر كما أنه يجوز أن يدفعها جملة
واحدة
ويجوز أن يدفعها متفرقة، ويجوز أن يدفعها لثلاثين ويجوز أن يدفعها لأقل من
ذلك
فالعدد ليس مشترطًا أن يكون ثلاثين وإنما يدفعها لجملة مساكين وجملة فقراء
أو
لفقير أما جمع المساكين على الطعام أن يصنع طعامًا يكفي عن ثلاثين يومًا
أو عدد
الأيام التي أفطر فيها ويجمع عليها المساكين الجمهور لا يجيزون هذا لأن
المطلوب
تمليك المسكين هذا الطعام إن شاء بالأكل وإن شاء بالبيع وإن شاء بغيره
فإعطاؤه
الطعام غير مطبوخ أنفع له بالتصرف أما المطبوخ فلا ينتفع به إلا بالأكل
وأجاز
بعض العلماء أن يصنع طعامًا عن الكفارة ويجمع المساكين ولكن كما ذكرنا
الجمهور
على عدم الجواز والتعليل لأنه لا يتمكن المسكين من الانتفاع الكامل بهذا
الشيء
وإنما ينتفع به في الأكل فهو أضيق انتفاعًا من دفع الطعام غير المطبوخ
والإنسان
ينبغي له أن يحتاط في أمر دينه وعبادته ولا يجوز دفع النقود عن الإفطار في
رمضان ولا يجوز دفع النقود عن صدقة الفطر لأن الله تعالى نص بالإطعام قال
تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ
مِسْكِينٍ}
[سورة البقرة: آية 184]. والنبي صلى الله عليه وسلم في صدقة الفطر
يقول
صاع من بر صاع من شعير صاع من تمر... إلخ الحديث (17) وفي بعض
الروايات
صاع من طعام (18) وإذا نصف الرسول صلى الله عليه وسلم على الإطعام فإنه
يجب
التقيد به وكانت الدراهم والنقود موجودة وقت التشريع والشارع نص على
الطعام فلو
كان دفع النقود جائزًا لبينه للناس لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا
يجوز
ويجوز أن ينقل الصدقة من بلد إلى بلد قريب أشد حاجة.
51 ـ والدي متوفى وكان قبل وفاته مريضًا مرضًا
شديدًا
منعه من صيام شهر رمضان الماضي فهل يجوز لي أن أصوم قضاءً عنه أم يلزمني
شيء
آخر وما هو.
إذا ترك والدك الصيام لعذر المرض واستمر به المرض إلى أن توفي فلا شيء
عليه
لأنه أفطر لعذر ولم يستطع القضاء حتى مات لا شيء عليه وإذا كان شفي من
مرضه ومر
عليه وقت يستطيع القضاء ولم يقض حتى دخل عليه رمضان آخر والأيام التي
أفطرها في
ذمته ثم مات بعد رمضان الآخر فإنه يجب أن يطعم عنه عن كل يوم مسكينًا من
تركته
إذا كان له تركة لأن هذا دين لله سبحانه وتعالى بأن يطعم عن كل يوم مسكين
يعني
يدفع له عن كل يوم نصف صاع من الطعام المعتاد في البلد أما أن يصوم عنه
أحد
فالصيام الواجب في أصل الشرع لا يصوم أحد عن أحد وإنما هذا في النذر لو
كان
عليه صيام نذر فإنه يصوم عنه وليه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:
(من
مات وعليه صيام نذر صام عنه وليه) [لم أجده بهذا اللفظ]. لأن
النذر هو
الذي ألزمه نفسه فهو لم يجب في أصل الشرع أما صوم رمضان فهذا ركن من أركان
الإسلام وواجب بأصل الشرع ولا يصوم أحد عن أحد كما أنه لا يصلي أحد عن
أحد.
52 ـ ماذا يجب على من أفطر عدة أيام من رمضان لعذر
شرعي
ومضى عليه عامان دون أن تقضى وإن لم يكن عند الشخص قدرة على الإطعام فماذا
عليه
غير ذلك؟
من كان عليه قضاء من رمضان فإنه يجب أن يقضيه قبل دخول رمضان الآخر فإذا
دخل
عليه رمضان الآخر وهو لم يقض من غير عذر منعه من القضاء بل كان هذا بسبب
التساهل فإنه يجب عليه أن يطعم عن كل يوم مسكينًا عن التأخير مع القضاء
فيجب أن
يقضي الأيام التي عليه مهم طاول الزمن فإن القضاء واجب عليه ويجب مع ذلك
الإطعام عن كل يوم مسكينًا عن التأخير وهو غير معذور في هذا التأخير وإذا
كنت
لا تستطيع الإطعام في الوقت الحاضر يبقى بذمتك دينًا لله سبحانه وتعالى
فإذا
قدرت على الوفاء به فإنك تفي به في أي وقت.
|
المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان باب الصيام |