استحِ.. الله ينظر إلى صحيفتكفضيلة الشيخ/ محمد حسين يعقوب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، أما بعد:
فأيها الأحبة في الله:
شهر شعبان هو الموسم الختامي لصحيفتك عن هذا العام، فبم سيُختم عامك؟ وكيف تحب أن يراك الله -جل جلاله- بينما ينظر -سبحانه- إلى صحيفتك؟من أجل هذا؛ كان من حال السلف أنهم يغلقون حوانيتهم في شعبان، ويقولون: "هو شهر القُرَّاء".
إن الإقبال على العمل الصالح كله؛ وخصوصًا قراءة القرآن، والذكر، وإطالة الصلوات، وكثرة الصدقات، وبر الوالدين، وأداء حقوق العيال، وصلة الأرحام، وإصلاح ذات البين، وخدمة المسلمين - نعم عظيمة ومنن لا تحصى.
- وأهم ما ينبغي على المسلم تحريه في شهر شعبان:
أولًا: الحياء من عين الله جل جلاله:إن نظرة تأمل لحال النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- في شعبان تظهر لك أكمل الهدي في العمل القلبي والبدني؛ حيث يقول صلى الله عليه وآله وسلم:
(وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، وأحب أن يرفع عملي وأنا صائم).فلا بد أن يكون أهم ما يشغلك -والله الكبير المتعال ينظر في صحيفتك- أن تستحي من نظره لجرائم أعمالك، وأن تعلم أن أشدها خطرًا ما نسيت منها، قال سبحانه:
﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ﴾ فأظلم المذنبين من ينسى ما قدمت يداه، وتستحي كذلك من نظره لقربات امتلأت بالتقصير؛ قال بعض السلف: "إما أن تصلي صلاة تليق بالله جل جلاله، أو أن تتخذ إلهًا تليق به صلاتك".
وإذا كانت التلاوة والصلوات والذكر عبادة تأخذ ساعة أو أكثر من اليوم فإن الصوم شأنه شأن آخر؛ إنه يأخذك من أول اليوم إلى آخره، فتصبح في كل لحظة من لحظات صومك تحمل اسم:"عبـد اللــه الصــائم".
فلا يهدأ بال العبد الحيي إلا إذا ضمن أنه أيما لحظة ينظر فيها الله -جل جلاله- إلى صحيفته، فسيراه في ذات اللحظة ظمآنًا من أجله، جائعًا من أجله، ممتنعًا عن شهوته حتى يرضى.
ثانيًا: التلذذ باغتنام غفلة الناس:لما قال أسامة بن زيد -رضي الله عنه-: يا رسول الله، لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان! قال صلى الله عليه وسلم:
(ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان).مضى رجب بعد أن فرَّغ فيه الرجبيون طاقاتهم الإيمانية في صوم مخصوص، ثم ها هم في شعبان يفطرون! كأنهم يجمعون في بطونهم اتقاءً من رمضان!
مضى رجب عند كثير من المسلمين -هداهم الله- وهم الآن ينظرون إلى أول رمضان كأنهم في إجازة من التعرض لرحمات الله -جل جلاله- حتى من بقي عنده شيء همة، يصرف همته في ليلة النصف من شعبان بصلاة مخصوصة، ودعاء مخصوص، واحتفال هابط، أما من سار على هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- فإن شعبان موسمه.
الكثير من المسلمين تراه في أسواق (الياميش)، وغيرهم يسجل اسمه في الدورات الرمضانية.
أما المؤمن فلا تراه إلا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال صلى الله عليه وسلم:
(العبادة في الهرْج كهجرة إلي)، وقال:
(العبادة في الفتنة كهجرة إلي).
إنه الغريب الذي أخبر عنه صلى الله عليه وسلم أنه يود أن يرى رسول الله ولو دفع ماله ونفسه، يُصلِح إذا أفسد الناس، صالح حال فساد الناس، مُصلح ما أفسده الناس.
فيجمع في عباداته في شعبان بين الحياء وهذه اللذة الغامرة في الفرح بنعمة الله أن وفقه لذكره وعبادته حال لهو الخلق.
ثالثًا: استشعار قرب فتح باب الجنة وغلق باب النار:فلو أنك واقف على باب الجنة وعلمت أنه كاد يفتح.. فكيف ستنظر إليه؟!كأني بعينيك تنظر إليه كله، من أوله إلى آخره، ثم تنظر إلى ما بين مصراعيه؛ فربما يأتي منها بصيص نور من قبل طرف الباب، ثم تحاول أن تتخيل ما أول ما ستراه، ثم تتوهم مسابقتك الناس في الدخول.
نريد أن نتحفز هكذا لرمضان، فيصبح استعدادنا يحمل هذه الروح، حتى إذا فُتح الباب ملأنا أعيننا بعطايا الجنة، واغتنمنا قطوفها.
ونريد إذا أغلق الله -تعالى- باب النار في رمضان ألَّا نكون ممن يتسورون النار!
إذا أغلق الله عنك باب شر فلا تفتحه، ولا تتسوره؛ فإن في هذا الباب من المفاسد ما الله به عليم.
هكذا نعيش شعبان لنربح به رمضان.
وصلى الله على سيد المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين
والحمد لله رب العالمي