حكم جوائز القروض
إعداد/ د. علي السالوس
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعدُ
فإن البنك تاجر الديون المرابي، يلجأ إلى ما يستطيع من الوسائل لجذب الناس للتعامل معه، وهذا أمر طبيعي في مسلك التجار عمومًا؛ لهذا رأينا التنوع في صور القروض وفوائدها الربوية.
فإلى جانب الصور المألوفة ذات الفائدة السنوية، وجدنا قروضًا تتجمع فوائدها المركبة لأكثر من عام، حتى وجدناها تصل إلى عشرة أعوام في المجموعة أ من شهادات الاستثمار، ووجدنا عددًا من البنوك كبنك مصر في غير فروعه ذات المعاملات الإسلامية والبنك الأهلي المصري، وبنك الإسكندرية يحيي السنة الجاهلية الإغريقية الرومانية، فيقسط الربا أقساطًا شهرية، وفي قروض أخرى وجدنا الأقساط الربوية كل ثلاثة أشهر، أو كل ستة أشهر، وهكذا حاولت البنوك إغراء أكبر عدد ممكن، غير أن هذه البنوك خطت خطوة أوسع عندما لجأت إلى ربط القروض بجوائز، فما حقيقة هذه الجوائز؟
البنوك عندما تحدد الفوائد الربوية تسير حسب نسبة مئوية مقررة، ولا يستطيع أي بنك أن يخالف هذه النسبة المقررة إلا بقدر ضئيل، قد لا يكون وسيلة مجدية للإغراء، والفائدة المحددة نفسها لا تكون كافية لإغراء صنف من الناس ومن هنا جاء التفكير في الجوائز وهذه الجوائز لا تختلف عن الفوائد الربوية إلا في طريقة التوزيع.
مثلاً بنك عنده ودائع ذات جوائز، ومقدار الودائع عشرة ملايين والفائدة السنوية، إذن فهذه الودائع فوائدها مليون ومائتا ألف، فإذا قُسمت على أشهر السنة خص كل شهر مائة ألف، يقسم مائة ألف إلى ما يسمى بالجوائز، الجائزة الأولى مقدارها خمسون ألفًا، والثانية عشرون ألفًا، والثالثة عشرة آلاف، وعشرة جوائز مقدار كل منها ألف، وخمسون جائزة كل جائزة مقدارها مائة، ومائتان مقدار كل جائزة خمسة وعشرون.
كل عشرة جنيهات تعتبر وديعة لها تذكرة تأخذ رقمًا معينًا، وقد يكون كل جنيه واحد له شهادة برقم معين، هذه الأرقام توزع عليها الجوائز بالقرعة، صاحب الجنيه أو الجنيهات القليلة قد يأخذ الخمسين ألفًا، وصاحب قرض يبلغ الآلاف قد لا يأخذ شيئًا، والجميع يترقب موعد إجراء القرعة، ويتردد في سحب قرضه حتى يُسمح له بالاشتراك في السحب الشهري
وإذا تضاعفت القروض، أو زادت نسبة الفوائد الربوية، يمكن أن يزيد البنك في مقدار الجوائز، ويغير في عدد مرات السحب، فيزداد إغراء هذا الصنف من الناس، وكلما زادوا؛ زادت الفوائد الربوية فزادت الجوائز.
ومن هذا نرى أن الجوائز ما هي إلا الفوائد الربوية للقروض، بعد أن قُسمت ووُزعت بطريق القرعة
وإنا لنعجب ممن يُحِلّ هذه الجوائز، ونتساءل
أئذا أضفنا الميسر إلى الربا تحول الربا من الحرام إلى الحلال؟
فتوزيع الجوائز بالقرعة ما هو إلا توزيع الفوائد الربوية عن طريق المقامرة، والمقامرة هنا يقبل عليها الكثيرون؛ لأنها ليست برأس مال القروض، وإنما بما يجرّه من الفوائد الربوية، فالمخاطرة ليست ذات بال، وأضرب مثلاً للتوضيح أيضًا لو أن البنك لم يقم بالتوزيع بهذه الطريقة، وأعطى كل مودِع فوائد وديعته، فاتفق عدد فيما بينهم على أخذ هذه الفوائد الربوية، وضم بعضها إلى بعض، ثم يأخذها جميعًا واحدٌ منهم فقط عن طريق القرعة، أفتصبح هذه الفوائد الربوية حلالاً؛ لأنها وُزعت بطريق الميسر؟ فالربا حرام، فهل مزجه بالميسر يُحِله أم يزيده تحريمًا؟
وتحدثت من قبل عن حكم المنفعة للمقرض في ضوء السنة، فكل منفعة سببها القرض، وارتباطها به، فهي غير مشروعة، والجوائز هنا ليست مجرد منفعة، بل هي زيادة معروفة سلفًا ومعلن عنها في الصحف، والبنوك الربوية تغري بها، والمقبل على الإقراض إنما يقبل من أجلها، والمعروف عرفًا كالمشروط شرطًا، بل هي زيادة مشروطة، فالبنوك تشترط لدخول السحب واستحقاق الجوائز، وجودَ القرض وقت السحب.
والقروض ذات الربا والميسر سُميت بأسماء مختلفة، واتخذت بضع صور، غير أن الأحاديث ركزت على صورة واحدة من هذه الصور، وهي المجموعة جـ من شهادات استثمار البنك الأهلي المصري، مع أن البنك الأهلي نفسه أعلن عن أكثر من صورة من صور هذه القروض، وحكم الجميع واحد
ولننظر إلى من أحل هذه المجموعة من شهادات الاستثمار.
قال أحد السادة العلماء الذين أثاروا هذا الموضوع «هذه المجموعة لا تعطي ربحًا محددًا كل سنة، ولكنها خصصت مبلغًا من أرباحها من هذا المال، تمنحه للمتعاملين معها بالقرعة؛ تشجيعًا لهم على هذا التعامل، فهي جائزة وغير محرمة، وقد صوّرها الفقهاء بأن المال كله من جانب رب المال، والربح كله للعامل في مقام تبرع صاحب المال به كله، وهذا جائز على المشهور من مذهب مالك» اهـ
ومعنى هذا أن المجموعة جـ تُعتبر شركة مضاربة، غير أن صاحب الشهادات، وهو صاحب المال، قد تبرع للبنك الربوي بالربح، والبنك يعتبر العامل أو المضارب ومعاونة المسلم لأخيه المسلم من القُرُبات التي حثَّ عليها الإسلام، ولذلك قال الإمام مالك في كتاب القراض من الموطأ بجواز أن يعين أحد الشريكين صاحبه على غير شرط، على وجه المعروف، ومثل هذا المعروف الذي يكون بين أفراد المجتمع المسلم لا يمكن بحال تصور وجوده بين صاحب شهادة استثمار وبنك ربوي، ومع هذا فلننظر ماذا يقول المالكية في هذا النوع من القراض أي المضاربة إذا كان الربح كله للعامل
قال الدردير في كتابه أقرب المسالك إلى مذهب الإمام مالك «يجوز أن يضمن العامل مال القراض لربّه أي صاحبه لو تلف أو ضاع بلا تفريط في اشتراط الربح له أي العامل بأن قال ربه اعمل فيه والربح لك؛ لأنه حينئذ صار قرضًا، وانتقل من الأمانة إلى الذمة»
وقال الصاوي في كتابه بلغة السالك لأقرب المسالك شارحًا ما سبق «قوله لأنه حينئذ صار قرضًا؛ أي وإطلاق القراض عليه مجاز؛ لما علمت أن حقيقة القراض دفع مالكٍ مالاً من نقد مضروب مسلم معلوم لمن يتجر به بجزء معلوم من ربحه قل أو كثر» بلغة السالك.
ولتوضيح ما سبق أجمع أهل العلم على أن صاحب رأس المال متى شرط على المضارب ضمان المال فالشرط باطل، غير أنهم اختلفوا هنا في حكم المضاربة، فذهب الإمام مالك والشافعي إلى أن هذا الضمان يبطل المضاربة، وقال الإمام أبو حنيفة ومن وافقه القراض جائز، والشرط باطل .
ومع أن المالكية يبطلون عقد القراض إذا شرط ضمان العامل، غير أنهم أجازوه إذا كان الربح كله للعامل، وفسّروا هذا بأن العقد لم يَعُد قراضًا بل أصبح قرضًا، وأن المال لم يعد أمانة في يد العامل، وإنما أصبح دَيْنًا في ذمته؛ فإطلاق القراض على هذا العقد من باب المجاز، أما في الحقيقة فهو قرض
وتفسير المالكية هنا لا يختلف عما انتهينا إليه من أن شهادات الاستثمار عقد قرض.
ففي المجموعة جـ يأخذ البنك المال، ويستثمره لنفسه، بالطرق غير المشروعة أو المشروعة وهو ضامن لرأس المال، متعهد برد مثله لصاحبه، وهذا قرض بلا ريب، ثم تأتي الجوائز، وهي الزيادة الربوية التي تُوزع بطريق القمار، فكيف يقال هي حلال؟ كيف؟ بل نقول حرام حرام.
نسأل الله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة، والحمد لله رب العالمين
[وحدهم المديرون لديهم صلاحيات معاينة هذه الصورة]